أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - ظاهرة الحقد في المجتمع العراقي (القسم الاول)















المزيد.....


ظاهرة الحقد في المجتمع العراقي (القسم الاول)


سلمان رشيد محمد الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 6015 - 2018 / 10 / 6 - 00:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ظاهرة الحقد في المجتمع العراقي سلمان رشيد محمد الهلالي
مازال مشروعنا الفكري قائما في تحليل وتفكيك وتعرية الانساق العراقية الفاعلة وانتقادها وتقويمها بصفتها اهم العراقيل التي تقف بوجه عملية التحول الحضاري والسياسي والاجتماعي والثقافي في البلاد , ومن ثم المساهمة في انهاء التراجيديا العراقية الغامضة التي تعيد انتاج نفسها في كل مرة على مدى تعاقب التاريخ . وكما ذكرنا في مقالنا (الانساق العراقية الفاعلة – العراقي اسير انساقه) في موقع الحوار المتمدن , ان عملية استعراض وتحليل الانساق العراقية وتفكيكها وانتقدها بدات مع مع الشيخ علي الشرقي وتصاعدت في كتابات علي الوردي وعبد الجليل الطاهر وسيار الجميل وفالح عبد الجبار وقاسم حسين صالح وابراهيم الحيدري وعلي عنبر السعدي وغيرهم , الا ن هؤلاء المفكرين والكتاب وقفوا عند خطوط عامة وتابوات محظورة لم يستطيعوا تجاوزها في استعراض طبيعة الانساق العراقية , ويرجع ذلك لاسباب عدة لسنا بصدد ذكرها , ولكن يبدو اهمها ان هؤلاء المفكرين والكتاب قد اصبحوا مشهورين جدا في الاوساط الثقافية والاكاديمية ولايمكنهم بالتالي (الحفر) الى مستويات اعمق في الطبقات المعرفية القاره خلف المفاهيم والسلوكيات الاجتماعية , تحرجا من الاهل والاصدقاء او مجاملة للزملاء والمقربين , او خوفا من الطغاة المستبدين . فخطاب التعرية والانتقاد هو – كما قلنا – خطاب نادر واشكالي لاتقبله الانتلجنسيا المحلقة في اجواء النرجسية والاوهام والمجتمعات المتورمة بسلوكيات الكبرياء والاستعلاء والعنجهيات البدوية الفارغة . واما نحن الكتاب غير المشهورين فلانتحرج من ذكر تلك الانساق بصورتها الحقيقية وسماتها العامة وخصائصها الاصلية دون مجاملة او تقية او تحرجا من المجتمع او الانتلجنسيا التابعة له على حد سواء , ليست شجاعة او تمايزا بقدر ماحاجة ملحة ورغبة مؤكدة بالاصلاح بعد ان وصلت الانساق العراقية الى ازهى عصورها - او اذا شئنا الدقة - الى اسوء انحطاطها وسقوطها من حيث التكرار والاجترار والصفاقة الثقافية والرغبة باعادة الماساة الغامضة في كل مرة .
اليوم يسير مشروعنا الفكري الى جانب اخر من تلك الانساق الفاعلة وهى ظاهرة الحقد المنتشرة في المجتمع العراقي والمستحكمة على توجهاته الثقافية واراءه الاجتماعية ومطارحاته السياسية . ولم يدرس هذا الموضوع او يكتب عنه تفصيلا احدا من العراقيين – حسب علمنا على الاقل - رغم انه يشكل ظاهرة مهمة مثيرة للانتباه وجديرة بالتامل والتساؤل , وتشكل جانبا خطيرا انعكس حتى على المسارات السياسية والاجتماعية والثقافية . فالانسان العراقي هو في الاخير انسان حقود بالفطره , وهذا الحقد المستفحل له جذوره واسبابه وتمظهراته , بل ان الانسان العراقي يتميز بصفة غير موجودة في العالم اجمع وهى : الحقد على الاخرين دون سبب , وهى ميزة تفرد بها عن باقي المجتمعات , وربما احس بها الكثيرين , الا انهم لايكتبون عنها او يذكرونها في كتاباتهم ومؤلفاتهم لعدم معقوليتها او صعوبة هظمها او تصديقها من قبل الاخرين , بان يكون هناك انسان يحقد على الاخرين دون سبب اجتماعي او موضوعي او عقلاني , ولكنها في الواقع ظاهرة موجودة بقوة في المجتمع العراقي , بل ومنتشرة حتى عند الاوساط المتعلمة والمثقفة , وربما تكون عندهم اكثر من غيرهم باعتبارهم يطرحون مسوغات عقلانية ومبدئية جاهزة يبررون فيها دوافعهم النفسية ومكنوناتهم اللاشعورية . فالعراقي يحقد على كل انسان يملك راسمالا رمزيا معينا او تمايزا اكاديميا او اجتماعيا او طبقيا او ثقافيا , بل وربما يحقد حتى على من يملك رمزية بدائية او متخلفة عن القيم المدنية والعصرية تتعلق بالتصورات ماقبل الحداثة كالعشيرة او النسب او العائلة او حتى بالدين , وهى حالة ايضا تفرد بها المجتمع العراقي ونخبه المتعلمة والمثقفة , ان تجد انسانا متحضرا او تقدميا يحقد على انسانا يمتلك قيمة بدائية قرو – سطية , رغم الادعاء بتجاوزها الى فضاء المنظورات الكونية والمطارحات التقدمية والعلمانية , والسبب الحقيقي لذالك ليس كما يشاع - او يدعي - بان تلك الرمزيات البدائية والتقليدية تشكل عائقا امام التنوير والحداثة او متضادة مع قيم المدنية والتقدم , وانما هو ان تلك الرمزيات البدائية والتقليدية مازالت تشكل في اللاشعور عند اغلبية الانتلجنسيا العراقية قيمة عليا مضاعفة لم يستطع تجاوزها او التسامي عنها , وان تبني المطارحات العقلانية الايديولوجيات الثورية والمقولات التقدمية , انما هو تجاوزا ظاهريا وتساميا غير حقيقيا , والا لو كان التجاوز حقيقيا لما اخذ اولئك الثوريون بالهجوم على عشائر الاخرين وعوائلهم والصمت عن عشائرهم مثلا , او حتى مدحها في حالات معينة . واذا اخذنا الكاتب العراقي رشيد الخيون الاسدي مثالا فاننا نجده مثلا يهاجم عوائل علمية في النجف مثل ال الحكيم , لاسباب - يدعي - انها مساواتية ومواقف تقدمية ومبدئية , فيما نجد مدحا لعشيرته (بني اسد) في الجبايش وشيوخها ال الخيون ويبرز علاقتهم السابقة مع ال سعود ودورهم الاجتماعي والسياسي , بل وصل الحال به الى مدح ال سعود انفسهم , والسبب هو ماذكرناه سابقا حول اطروحات واصرار الدكتور الوردي ورفضه ان يكون العراقيون الذين تبنوا تلك التوجهات الايديولوجية التقدمية والثورية صادقين فيها او ملتزمين بها حقيقة واصالة , لان تحكم البنى التقليدية على وجدانهم الاخلاقي ونظامهم المعرفي والاجتماعي مازال يشكل ركيزة فاعلة من الحكم والتقييم , وان تلك الايديولوجيات عبارة عن صرعات فكرية وموضوات براقة لم تنفذ الى اعماق شخصيتهم الريفية والعشائرية الحقيقية والكامنة خلف المظاهر المدنية والاقنعة العلمانية والتقدمية , ولاتعدو ان تكون جسرا لتحقيق الذات او النيل من الاخرين او تبريرا للطموح السياسي والاستحواذ على الدولة الغنيمة في العراق .
بمعنى ان الحقد عند العراقي ينبع من الشخصيتين التي تشكلان ذاته الحقيقية , فبحسب منهجية الدكتور علي الوردي ايضا ان الفرد العراقي عنده شخصيتين متمايزتين ومنفصلتين في توجهاتها وقيمها وانماطها ومطارحاتها :
الاولى : الشخصية البدوية او الريفية والعشائرية : وهى الشخصية الباطنية التي تتبنى قيم الريف والقبيلة والمحلة والقائمة على التغالب والعصبية والفخار والدخالة والنهوة والثار والبحث عن الواسطة وغسل العار واحتقار المراة وغيرها . وتتميز بالكبرياء الفارغة والعنجهية البدوية والسادية امام الضعيف المستضعف والمازوخية امام القوي المتكبر من اصحاب السلطة والنفوذ .
الثانية : الشخصية المدنية او الحضرية : وهى الشخصية الظاهرية التي تتبنى القيم العصرية والحديثة القائمة على تمجيد الدولة المدنية والعدالة والمساواة والقانون واحترام المراة وغيرها او تتبنى القيم الدينية الاسلامية القائمة على التعاطف والعدالة والتسامح . وتتميز بالخنوع والارتباك والخوف والجبن والتردد . (وللاسف ان الوردي لم يذكر لنا من هى الشخصية الحقيقية عند العراقي , الا انه المح الى ان الشخصية البدوية والعشائرية هى الحقيقية) .
وهذا يعني – بحسب هذه المنهجية - ان الفرد العراقي يجب ان يكون افضل منك في الشخصيتين (البدوية والمدنية) حتى لاتتعرض لسهام حقده وتامن شره ولسانه , وليس ضمن معيار الشخصية الواحدة , وهى كارثة مضاعفة ينفرد بها المجتمع العراقي ولايحس بها الكثيرين , فاذا كان العراقي ناجحا ومتفوقا في الشخصية المدنية ومعاييرها العصرية من الناحية التجارية والوظيفية والاكاديمية , ولكنه متاخر في الشخصية الريفية والقيم البدوية والانتساب العشائري , فانه سيحقد على الاخرين المتميزين عنه ضمن هذا المسار وبالعكس . بمعنى انه يريد حيازة (المجد البدوي والتطلع المدني) . واما اذا كان متاخرا وفاشلا في الشخصيتين فان حقده على المجتمع والاخرين سيكون مضاعفا ومتراكما ومتمايزا حتى تجد سهام الحقد عنده تذهب يمينا وشمالا لايامن شرها احدا . واما الشخص الناجح الذي يجمع الجانبين : النجاح العلمي والاكاديمي والفكري والراسمال الرمزي والبدائي والتقليدي ضمن الشخصية والمعايير البدوية والعشائرية , فانه حتما سيتعرض الى حقد مضاعف من الاخرين الفاشلين سواء اكان في واحدة من تلك الشخصيتين او كلاهما .
الحقد باختصار شديد هو الكرهية المتطرفة . ويبدا الحقد في بادىء الامر من الغيرة ثم يتطور الى الحسد الذي هو بحسب التعريف البسيط تمني زوال النعمة عن الآخرين , ثم بعد ذلك يتصاعد الحسد الى مستوى اعلى واخطر وهى درجة الحقد . بمعنى ان الحسد احد اهم اسباب الحقد والكرهية . والحقد يتمظهر بصور عدة من الاذى اهمها : احداث الضرر في المنافس بشكل واقعي . اي باللفظ او باليد او بالسلاح مما يؤدي الى خسارة المنافس واسقاطه وبتعمد واصرار شديدين , والغرض هو اشباع سايكولوجية الحقد المستعره في نفس الحاقد والتي تتصاعد الى مستوى التشفي فيه . والحقد شعور فردي وجمعي . اي قد يحدث على مستوى فرد تجاه فرد او الجماعة تجاه الجماعات الاخرى , او فرد تجاه جماعات والعكس . وقد يتطور الى مديات اخرى خطيرة عندما يتم توظيفه ايديولوجيا وسياسيا فيؤدي الى نشوب نزاعات وفتن واحتراب اهلي واقتتال مجتمعي لاحدود له.
وقد يذكر البعض ان ماذكرته حول ظاهرة الحقد بين الفئات الاجتماعية والحسد بين الطبقات والمجموعات القبلية والعائلية والدينية انما هو حالة طبيعية في المجتمعات المتخلفة والدول المتاخرة , بل وربما لها بقايا حتى في الدول المتقدمة , وبالتالي فان المجتمع العراقي لايختلف عن باقي المجتمعات الاخرى بهذه الخاصية . في الواقع ان هذا الاعتراض يحمل الكثير من المصداقية والموضوعية , فسايكولوجية الكراهية حالة منتشرة في جميع المجتمعات التقليدية والباردة – حسب تعبير شتراوس – الا ان الاختلاف عندنا في العراق هو انعدام التدرج من الكراهية الى الحقد , وانما القفز مباشرة الى الحقد دون المرور بالكراهية والحسد , وهذا يرجع الى طبيعة الشخصية العراقية المتطرفة في كل شي من الغلو في الحب الى التطرف في الكراهية .
ويمكن تقسيم ظاهرة الحقد في المجتمع العراقي الى نوعين متمايزين :
الاول : الحقد العفوي
الثاني : الحقد المؤدلج
الاول : الحقد العفوي : وهو الحقد التقليدي والعفوي المتواجد في اغلب المجتمعات النامية والبدائية . ويرجع في اغلبه الى دوافع نفسية واجتماعية وقضايا تتعلق بالتربية والتعليم وطبيعة المعيشة والظروف الحياتية المازومة التي يعيشها الانسان التي تساهم بصورة او باخرى في بلورة هذه الظاهرة . واما اسباب هذا الحقد ودوافعه فهى عديدة تناولها الكثير من الباحثون بالدراسة والتحقيق , الا ان اهمها في العراق هى :
1 . انعدام مجالات تحقيق الذات . اذ تعد هذه الظاهرة من اهم الدوافع التي تعمل على بلورة الحقد في المجتمع العراقي . فالشاب العراقي يتميز ان (التطلع) عنده والرغبة بتحقيق الاهداف ونيل المعالي بشقيها المادية (الاموال والمنزل والسيارة والسياحة والسفر والمراة الجميلة والعائلة السعيدة والمغامرات العاطفية) والمعنوية (الوظيفة والمنصب والشهادة الاكاديمية والسمعة الحميدة وتحقيق النرجسية والمكانة الاجتماعية) تاحذ حيزا كبيرا من افكاره وتطلعاته , الا انه يصطدم بالواقع البائس الذي تنعدم فيه مجالات تحقيق الذات وتلبية الطموحات والرغبات والاماني , خاصة بعد الانفجار السكاني الكبير والتزاحم الكبير على الفرص اولا , وهيمنة الواقع الاستبدادي الذي يمنع تحقيق الاماني ثانيا , وتزايد اعداد المتعلمين والخرجين الذين باجمعهم يريدون تحقيق المكانة المتميزة والحصول على الوظيفة المريحة ثالثا, الامر الذي يجعل الشاب - او الانسان العراقي بعامة - في حالة من الغليان والتوتر والحقد والنقمة الدائمة ضد الدولة والمجتمع الذي لم يحقق له رغباته وتطلعاته وطموحاته , لانه يعتقد انه السبب الرئيسي بالوقوف حائلا امام ذلك . والمفارقة ان هذا الامر لايشمل الخريجين والافراد الذين يعتقدون انهم يحملون امتيازا معينا او تعليما جامعيا او موهبة ادبية وفنية او غيرها , وانما حتى الافراد الاعتياديين من العامة الذين لم يتلقوا تعليما جامعيا مميزا او لم تسنح لهم الفرصة بذلك , لان اغلبية العراقيين يعطون لانفسهم تقديرا اكثر مما تستحق , وامتيازا اكثر من قدراتها الفكرية والعقلية والدراسية , وهم بذلك يختلفون مع الفيلسوف الالماني (هيدغر) الذي يقول (انني امثل وعدا بالامكانات) اي ان تحقيق الذات يكون وفق الامكانات المتوفرة , الا ان الامر في العراق يكون مختلف تماما , لان المعيار عندهم في تقييم ذاتهم او شخصيتهم ليس الاخر او الامكانات والمنجزات المتحققة او السلوكيات الايجابية التي تنفع الدولة والمجتمع او المعطيات الاخلاقية المرئية , وانما المعيار هو ذاتهم انفسهم , وبما ان كل انسان ينظر الى ذاته بمنظار ليس الاحترام والاعتزاز والتقدير فحسب , بل في منظار التقديس والاسطرة , فان التقييم حتما سيكون لصالحه , ومن اجل ذلك نجد ان تضخم الذات والنرجسية والعنجهية البدوية كلها امور تساهم بتصاعد ظاهرة الحقد والنقمة في المجتمع العراقي عند العامة والناس الاعتياديين . وقد اكد ذلك الكاتب العراقي صاحب الربيعي بقوله (أن حالة الشعور الدائم بالدونية والنسب الوضيع والشكل القبيح والتحصيل العلمي المزيف وعقدة النقص.. كعوامل ذاتية ، إضافة إلى العوامل القهرية الأخرى تؤدي إلى حالة من الشلل في القدرة على تحقيق الذات. وهذا يؤدي بدوره إلى حالة من الشعور بالذنب والتأنيب للضمير مما يمهد الطريق لظهور نوازع من الحقد الكامن في الذات ضد المجتمع باعتباره المسؤول المباشر عن حالة الفشل والإحباط والحط من قدرة الكينونة وفشلها في إيجاد دوراً لها في المجتمع) .
2 . التربية الزقاقية : مصطلح ذكره عالم الاجتماع المعروف الدكتور علي الوردي ويقصد به (تربية الشوارع) السائدة في المجتمع العراقي , ولكن بلغة اكثر مقبولية وتهذيبا , الا انه لايقصد المعنى السلبي الدارج عندنا لهذا الاصطلاح , وانما بمعنى الوصف والتحليل . فالوردي اكد ان العائلة العراقية تلقي اولادها بالشارع يلعبون مع الاقران من اجل التخلص من مشاكساتهم وعبثهم , وهذا اللعب او العلاقة بين الاطفال تكون بحسب نمط التنازع والتغالب والتحاسد والصراع والرغبة بالفوز باي وسيلة حتى لو كان من خلال الغش والتهديد والقسم الكاذب وغيرها , وبالطبع ان الخميرة الناجحة للفوز والانتصار بهذا الصراع والمعترك (الداروني) هو الحقد والكراهية . والمفارقة ان الاهل يشجعون الابن المتنمر والمنتصر بهذه السلوكيات ويحتقرون الابن الخاسر والمنهزم بهذا المسار الصراعي ويسمونه (المخنث) . ومع مرور الزمن تتبلور شخصية الطفل العراقي من خلال هذه السلوكيات وتتخذ طابع التغالب والتنافس والتنازع , ويتحدد قالبها ضمن هذا السياق , اذ حتى لو تقدم الانسان بالعمر واصبح اكثر اتزانا واستقرارا وتحضرا , الا ان الشخصية الزقاقية تبقى كامنة عنده في اللاشعور سرعان ماتظهر للعلن تحت اي موقف يرغب به بالتفوق والتغالب والتحاسد . والمفارقة ان هذا الامر لايقتصر على العامة من الناس فقط وانما حتى على النخبة المتعلمة والمثقفة التي تكون من المفترض انها تجاوزت السمات اللاشعورية التي افرزتها التربية الزقاقية , الا اننا وجدنا العكس تماما , فالنخبة المثقفة من الكتاب والفنانيين والادباء هم اكثر تاثرا بهذه التربية , كما وجدنا ذلك من خلال الاحتكاك بهم بمواقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وغيرها , اذ ما ان تختلف معهم بالحوار والنقاش الفكري والسياسي , حتى تظهر التربية الزقاقية الى السطح باجلى مظاهرها , من حيث السب والتغالب والحسد والتنازع والرغبة بالانتصار بالنقاش باي وسيلة حتى لو من خلال التدليس والغش والتمويه والتضليل وغيرها .
3 . الحقد العائلي والقبلي (العشائري) : وهو الحقد العفوي الرائج في المجتمعات التي تتحكم بها قوى ماقبل الحداثة او ماقبل الدولة . وهو احساس الفرد بتفوق العوائل والقبائل او العشائر الاخرى على عائلته وعشيرته اجتماعيا وماديا , الامر الذي يجعله في حالة من التوتر والغليان والحقد على الاخرين , يتمظهر من خلال سلوكيات عدة اهمها الانتقاص والتشوية والهجوم على الشخصيات التي تشكل رمزية اجتماعية محددة , الا انه يتخذ في غالب الاحيان اقنعة المدنية والمساواة والعدالة والتقدم . وهذا النوع من الحقد نجده رائجا في المجتمعات التي تعيش الازدواجية والصراع بين الحضارة وقيم البداواة مثل المجتمع العراقي , اذ لو كان المجتمع قد تبنى القيم المدنية والتحضر لانتفى عنده هذا الحقد على اعتبار ان الانسان اذا اصبح مدنيا ومتحضرا وتقدميا وثوريا فانه يتسامى عن هذه القوى البدائية والمفاهيم البالية , الا انه - وكما قلنا سابقا - ان شخصيته البدوية والريفية الثانية او الكامنة في ذاته تفرض عليه تقييما مختلفا او نمطا اخر من الحكم .
4 . الظروف الحياتية والمعيشية الصعبة . فقد عانى المجتمع العراقي من حالات مزمنة من الفقر والمرض والجهل والتخلف والعوز والحرمان الكبت والتهميش والظلم وعلى مدى تاريخه المتعدد . وهذه المعاناة المتتالية القت بظلالها القاتمة على سايكولوجية الفرد العراقي وجعلته في حالة مزمنة من التوتر والحقد نحو الاخرين من جانب وعلى ذاته من جانب اخر . والمفارقة ان الكثير من الناس ورغم تحسن احوالهم الاجتماعية والمعيشية والوظيفية – وخاصة بعد 2003 – الا ان سايكولوجية الحقد التي تراكمت عبر التاريخ بسبب الحرمان والجوع والكبت والظلم مازالت تشكل حيزا كبيرا من افكارهم وسلوكياتهم وتوجهاتهم واراءهم , والسبب هو تحولها الى (نسق) فاعل لايمكن تجاوزه او التسامي عنه الا من خلال ثورة فكرية تبدا بالاعتراف بوجود تلك الاشكالية وذلك الحرمان , واما الكذب والادعاء بان العائلة الكريمة كانت تعيش البحبوحة والرفاهية والاكتفاء ابان السبعينات او غيرها من العقود السالفة , فان تلك الاشكالية والانساق الفاعلة ستبقى ضمن منطقة اللاشعور تسير الفرد العراقي الى مديات اخرى من الايديولوجيا واللاعقلانية واللاموضوعية . وبهذا الصدد وصف (نيتشة) الانسان الحقود بانه (شخص يعتقد انه افضل من الظروف التي يعيش تحتها وافضل من عالمه المحيط . وان الكراهية التي يحملها ستؤدي به الحمى التي لاشفاء منها والتسمم الذاتي , لانه يعتقد انه مظلوم على طول الخط) .
5 . الظروف الجغرافية المعادية . فقد تميزت الجغرافية الطبيعية والمناخية في العراق بانها معادية للانسان بصورة كبيرة جدا , تجلت من خلال التطرف في ارتفاع درجات الحرارة من جانب وانخفاضها من جانب اخر . وكذا الامر مع الفيضانات والجفاف وتراكم الطمى في الانهار ومشكلة الملوحة والتصحر , فضلا عن المتعلقات الاخرى المصاحبة لها كالاوبئة والمجاعة والعواصف وتغيير الانهار لمجاريها واندثار المدن وغيرها . ومن الطبيعي ان تنعكس هذه الظروف السيئة والبيئة المعادية على سايكولوجية الانسان العراقي وجعله في حالة من التوتر والحقد والغليان المزمن على البيئة والمجتمع . كما ان للظروف الجغرافية الصعبة والسيئة في العراق تاثير اخر على معيشة الانسان وصعوبة توفير مستلزمات حياته اليومية , وبما ان النمط الاقتصادي الرئيسي في البلاد هو الزراعة فان الصعوبة والشقاء حتما ستكون مضاعفة .



#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يشعر العراقيون بالنقص امام العرب ؟
- الدوافع الايديولوجية والسياسية والذاتية في الهجوم على الدكتو ...
- الدوافع الايديولوجية والسياسية والذاتية في الهجوم على الدكتو ...
- الدوافع الايديولوجية والسياسية والذاتية في الهجوم على الدكتو ...
- الدوافع الايديولوجية والسياسية والذاتية في الهجوم على الدكتو ...
- ماهية الفتاوي الغريبة عند اهل السنة ..
- القاص علي السوداني قوميا متطرفا !!
- من اسس حزب البعث : زكي الارسوزي ام ميشيل عفلق ؟؟
- ظاهرة (الفطارية) في المجتمع العراقي
- عدوى الطائفية من سعدي يوسف الى طالب عبد العزيز
- فايروس الطائفية عند سعدي يوسف
- متى تبلورت اللهجة البغدادية الحديثة والجامعة ؟؟
- عقدة كيس الحاجة عند المثقفين الشيعة والكورد والمسيحيين (ادوا ...
- هل خالف الشيعة مبدا العدل في احكامهم الفقهية ؟؟
- هل صحيح ان النساء تحب الاوباش ؟؟
- انتلجنسيا بلا شهداء(ماسبب انعدام المثقفين الشهداء في العراق؟ ...
- لماذا اهمل مشروع الشيخ علي الشرقي الاصلاحي ؟؟
- جدلية الديمقراطية اولا ام المجتمع المدني ؟
- الانساق العراقية الفاعلة (العراقي اسير انساقه)
- المركزية السنية والاقليات في العالم العربي


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - ظاهرة الحقد في المجتمع العراقي (القسم الاول)