أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سوسه - سياسة العراق الخارجية تجاه الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961 )















المزيد.....


سياسة العراق الخارجية تجاه الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961 )


سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 6013 - 2018 / 10 / 4 - 07:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اتجهت سياسة العراق الخارجية بعد قيام الثورة مباشرة نحو توثيق علاقاتها مع الجمهورية العربية المتحدة ، وكان اول اجراء اتخذته حكومة الثورة في المجال العربي هو الاعتراف بحكومة الجمهورية العربية المتحدة التي لم يكن النظام الملكي قد اعترف بها ، وتم ارسال برقية بهذا الخصوص الى الرئيس جمال عبد الناصر . بالمقابل اعلنت الجمهورية العربية المتحدة اعترافها بحكومة الثورة في اليوم الثاني من قيامها ، اذ قابل فؤاد عبد الغني القائم باعمال سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم وابلغه اعتراف الجمهورية العربية المتحدة بالجمهورية العراقية . وتم تعيين فائق السامرائي سفيراً للجمهورية العراقية في القاهرة .
اسهم اعتراف الجمهورية العربية المتحدة بحكومة الجمهورية العراقية في تعزيز الثورة ومنحها دعماً معنوياً كبيراً بسبب الوزن الدولي الذي كانت تتمتع به الجمهورية العربية المتحدة على الصعيدين العربي والدولي لاسيما ان الرئيس جمال عبد الناصر اعلن ان أي اعتداء يقع على العراق هو عدوان على الجمهورية العربية المتحدة . وتعزيزاً للعلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة اتصل الرئيس جمال عبد الناصر اثناء مروره في الاجواء العراقية خلال طريق عودته من الاتحاد السوفيتي بقادة الثورة وابلغهم تحياته .
ومن اجل اقامة علاقات وثيقة مع الجمهورية العربية المتحدة ، سافر وفد عراقي الى دمشق مساء الثامن عشر من تموز برئاسة العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وكالة وعضوية عدد من الوزراء وضباط الجيش تألف الوفد العراقي فضلاً عن عبد السلام محمد عارف كل من محمد صديق شنشل وزير الارشاد ومحمد حديد وزير المالية والدكتور عبد الجبار الجومرد وزير الخارجية وعدد من ضباط الجيش) . وتم عقد عدة اجتماعات بين الرئيس عبد الناصر والوفد العراقي تمخض عنها عقد اتفاقية التعاون والتبادل بين الجمهوريتين .
تضمنت الاتفاقية نقاطاً عدة يمكن اجمالها بما يأتي :
1- تأكيد ما يربط بين البلدين من عهود ومواثيق وفي مقدمتها ميثاق الجامعة العربية وميثاق الدفاع المشترك بين الدول العربية .
2- تأكيد ما اعلنته حكومتا البلدين من ارتباط وثيق بينهما ازاء الموقف الدولي وتصميمها على الوقوف كبلد واحد في الدفاع ضد أي عدوان عليهما او على أي منهما والبدء حالاً في اتخاذ ما يقتضيه ذلك من خطوات عملية .
3- التعاون الكامل في المحيط الدولي للمحافظة على حقوق البلدين والعمل على تأييد ميثاق الامم المتحدة ودعم السلام في الشرق الاوسط وفي العالم .
4- اتخاذ الخطوات العاجلة لتنمية التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين .
5- التعاون والتشاور المستمرين بين البلدين في جميع الشؤون التي تهمهما .
ايد مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ السادس عشر من ايلول 1958م هذا الاتفاق الثنائي واودع لدى وزارة الخارجية . وكان لاعلان هذه الاتفاقية واقرارها من مجلس الوزراء العراقي صدى كبيراً على الصعيدين العربي والعالمي لانه مثل اتفاقاً لاهم القوى السياسية في المشرق العربي المتمثلة في مصر وسورية والعراق ، واعقب ذلك الاتفاق ارسال كتيبة مدفعية ضد الجو سورية وسرب من طائرات الميغ الى الحبانية .
شهدت العلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة تقدماً مطرداً عقب توقيع اتفاقية التعاون المذكورة اعلاه ، فقد ايد مجلس الوزراء العراقي تقرير اللجنة المشتركة بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق حول مشروع الاتفاق التجاري والاقتصادي بينهما ، في ضوء المباحثات التي جرت بين الجانبين في بغداد في ايلول 1958م ، ودعم الجهود المبذولة من اجل التوصل الى اتفاقية جديدة في هذا المجال . في الاطار نفسه وافق مجلس الوزراء العراقي على الصيغة النهائية لاتفاقية الدفع بين الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العراقية .
لم تقتصر توجهات العراق نحو الجمهورية العربية المتحدة على المجالات الاقتصادية فحسب ، وانما اكد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم في خطاب وجهه الى الشعب العراقي بمناسبة مرور شهر واحد على قيام ثورة تموز ”بان انبثاق ثورة مصر في 23 تموز 1952م انارت طريق الحرية لدى قيادة اخينا جمال عبد الناصر“ .
واستقبل الزعيم وفداً من كرد الاقليم الشمالي (سورية) من الجمهورية العربية المتحدة، مع وفد من طلبة كردستان برئاسة جلال الطالباني في الثامن عشر من ايلول 1958م واكدامام الوفدين ”اننا سنعمل يداً واحدة مع ابناء الشعب وسنتعاون مع الجمهورية العربية المتحدة باقصى ما يمكن فنحن اخوة وبهذا سنسد المنافذ على الاجنبي ونمنعه من التدخل في شؤوننا“ .
وعلى صعيد اخر حاولت الحكومة العراقية الاستفادة من الخبرات التي كانت تمتلكها الجمهورية العربية المتحدة في المجالات الفنية والاعلامية والثقافية وغيرها ، فاوفدت في ايلول 1958م كلاً من المذيعين قاسم نعمان السعدي وحافظ احمد القباني الى القاهرة للاشتراك في مركز التدريب الاذاعي هناك لمدة شهر . وسلم العراق للجمهورية العربية المتحدة المذيع المصري سعيد مصطفى الذي كان يهاجم الجمهورية العربية المتحدة وعبد الناصر شخصياً من اذاعة بغداد في العهد الملكي لمحاكمته من قبل السلطات هناك .
وطلب العراق عدداً من الخبراء والاساتذة والمعلمين من الجمهورية العربية المتحدة فأصدر الرئيس جمال عبد الناصر اوامره الى الجهات المختصة بتلبية طلبات الجانب العراقي ، وبالفعل تم انتداب نحو (500) مدرس لوزارة المعارف وارسال عدد من الخبراء والمهندسين المصريين للعمل في العراق في وزارات المواصلات والشؤون الاجتماعية والعدل والزراعة والاقتصاد والاعمار والارشاد ، ولكن توجهات العراق نحو الجمهورية العربية المتحدة لم تستمر على منوالها الايجابي ، اذ القت الاحداث السياسية التي شهدها البلدان ظلالها القاتمة على علاقتهما، فقد ادى الخلاف بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف واصرار كل منهما على تثبيت رأيه وتدخل الرئيس جمال عبد الناصر من اجل ازالة هذا الخلاف او تخفيف حدته الى ان يعتقد عبد الكريم قاسم بان جمال عبد الناصر يقف وراء عبد السلام محمد عارف ويدفعه باتجاه الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة .
لم يمنع هذا الخلاف السياسي بين الجانبين استعانة العراق بخبرة الجمهورية العربية المتحدة واستمرار مشاريع الاتفاقات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية بينهما ، فقد ناقش مجلس الوزراء العراقي في جلسته المنعقدة بتاريخ السادس من تشرين الاول 1958م مشروع تحقيق التكامل الاقتصادي ومشروع اتفاق تبادل المعونة الفنية ومشروع اتفاق تجاري بين الحكومتين ، وقرر المجلس عرض الاتفاقات المذكورة على ديوان التدوين القانوني للنظر فيها ، فوافق مجلس الوزراء العراقي على هذه الاتفاقات في الجلسة التي عقدها في السابع من تشرين الاول 1958م .
كما خول مجلس الوزراء وزير الدكتور جابر عمر وزير المعارف التوقيع على اتفاقية الوحدة الثقافية بين الجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة .
ومن اجل زيادة خبرة العاملين في الكمارك العراقية وافق مجلس الوزراء العراقي على اقتراح وزارة المالية الخاص بايفاد عدد من الموظفين وهم كل من عبد الجبار صالح النعمة ملاحظ كمرك ونفوس البصرة وشامل عبد الخالق العطية ملاحظ كمرك ونفوس بغداد وفاروق صبيح مأمور كمرك ونفوس الرمادي .
وهم كل من عبد الجبار صالح النعمة ملاحظ كمرك ونفوس البصرة وشامل عبد الخالق العطية ملاحظ كمرك ونفوس بغداد وفاروق صبيح مأمور كمرك ونفوس الرمادي . الى الاقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة (مصر) لمدة تسعة اشهر للالتحاق بالمعهد الكمركي الذي تقرر افتتاحه في الثامن من تشرين الثاني 1958م بالاسكندرية ، ووافق مجلس الوزراء على ايفاد عدد من الموظفين الى مديرية الطيران المدني العامة في القاهرة لمدة اثنين وعشرين اسبوعاً للتدريب في المطار هناك على احدث طرق الرقابة الجوية .
ولتثبيت دعامات الحدود بين الجمهورية العراقية و الاقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة وافق مجلس الوزراء على ايفاد كل من قائم مقام سنجار وممثل عن وزارة الدفاع ومعاون شرطة القضاء وكاتب تحريرها الى سورية لمدة اربعة ايام لحضور الاجتماع المخصص لهذا الغرض في مدينة القامشلي .
ودرس مجلس الوزراء الصعوبات التي اخذ يلاقيها سواق واصحاب سيارات النقل العراقية الذين يقومون بنقل البضائع بين العراق والاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة من مضايقات وسياسة تمييزية تختلف عن تلك التي يتمتع بها اقرانهم السوريون من السلطات في الاقليم الشمالي ومن مالكي السيارات في دمشق ، وقرر المجلس ارسال ممثل عن الكمارك العراقية لدراسة هذه الحالة ورفع التوصيات بشأنها للنظر فيها .
شهدت العلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة اواخر عام 1958م نوعاً من التأزم بسبب اعلان السلطات العراقية عن اكتشافها ما دعته ( مؤامرة رشيد عالي الكيلاني) واتهام الجمهورية العربية المتحدة بدعمها وما رافق ذلك من حملات اعلامية بين الجانبين ، انعكست سلباً على علاقتهما السياسية بالدرجة الاساس . فقد عد الزعيم عبد الكريم قاسم البرقية التي ارسلها رشيد عالي الكيلاني في الثاني من ايلول 1958م الى الرئيس جمال عبد الناصر التي جاء فيها ”معاهداً اياكم على المضي في طريق الحرية حتى تتحقق الرسالة الكبرى في وحدة العرب المنشودة ، دمتم ذخراً للعروبة“ عدها دليلاً على علاقة الكيلاني بعبد الناصر، وتأمرهما عليه .
حاول السفير العراقي في القاهرة فائق السامرائي حصر اسباب الخلافات بين الجانبين في تقرير اعده الى وزارة الخارجية بتاريخ الحادي والعشرين من كانون الثاني عام 1959م بالحملات الاعلامية بين الصحف المصرية والعراقية وتمزيق صور الرئيس جمال عبد الناصر ووجود بعض العناصر غير المرغوب فيهم داخل العراق مثل خالد بكداش (خالد بكداش ، سكرتير الحزب الشيوعي السوري ، ولد في دمشق عام 1918 من عائلة سورية وانخرط في الحياة السياسية في وقت مبكر انتمى الى الحزب الشيوعي السوري عام 1938 وتدرج فيه الى ان اصبح سكرتيراً عاماً له .
) واللواء عفيف البرزي اللواء عفيف البرزي لاجئ سياسي سوري في العراق ، ولد في دمشق عام 1920 ، وتدرج في الخدمة العسكرية حتى اصبح برتبة لواء في الجيش السوري ، احتضنه عبد الكريم قاسم بوصفه معادياً للرئيس جمال عبد الناصر فضلاً عن تظاهرات معادية التي قوبل بها وزير التربية والتعليم بالجمهورية العربية المتحدة في بغداد لتوقيع اتفاقية الوحدة الثقافية ، والاهانات التي لحقت بمحامي الجمهورية العربية المتحدة خلال حضورهم اجتماعات مؤتمر المحاميين العرب ببغداد .
واقترح السفير العراقي في القاهرة عدداً من النقاط لتصفية الاجواء بين الجانبين كان من بينهما ايقاف الحملات الاعلامية والاذاعية وتشكيل لجان وزارية مشتركة للنظر في تجاوز الخلافات بينهما وعقد اجتماع رسمي مباشر بين عبد الكريم قاسم وجمال عبد الناصر الا ان عبد الكريم قاسم لم يأخذ هذه المقترحات على محمل الجد .
واستمرت الحملات الاعلامية بين الجانبين وازدادت في اوائل شباط 1959م عندما اذيعت اشرطة محاكمة عبد السلام محمد عارف بتهمة التآمر على الجمهورية العراقية التي تضمنت اتهامات صريحة للجمهورية العربية المتحدة .
ووصلت العلاقات بين الجانبين الى اسوء حالاتها بعد مؤامرة عبد الوهاب الشواف بالموصل في الثامن من اذار عام 1959م والتي اثبتت الوقائع على تورط الجمهورية العربية المتحدة في هذه المؤامرة بهدف القضاء على النظام القائم في العراق .
وبعد فشلها لجأ البعض من القائمين بها الى الجمهورية العربية المتحدة واشتدت الحملات الاعلامية بين الاخيرة والجمهورية العراقية، وطردت الحكومة العراقية في التاسع من اذار تسعة من موظفي سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد بسبب تورطهم في التدخل في شؤون العراق الداخلية ، والقى الرئيس جمال عبد الناصر سلسلة من الخطب، وقال في العشرين من اذار 1959م ان ”العراق يحكم من قبل جماعة من العملاء وان الشيوعيين وبريطانيا عملوا حلفاً غير مقدس لمحاربة القومية العربية“ ، بالمقابل شنت الصحافة واذاعة بغداد حملات مستمرة على الجمهورية العربية المتحدة ، وقالت اذاعة بغداد في احد تعليقاتها في تلك المدة ”ان عبد الناصر يجمع بين التأمر وبين الدعوة للقومية العربية“ .
وساءت العلاقات بين العراق والجمهورية العربية المتحدة . فاتهمت الاخيرة باختراق الاجواء العراقية من قبل طائرات الجمهورية العربية المتحدة وتعرض رعايا الجانبين للاهانات وفسخ عقود عدد من الاساتذة المصريين وما الى ذلك من تطورات سلبية اضرت بالعلاقات بين الجانبين . وازدادت العلاقات سوءاً عندما تم تنفيذ حكم الاعدام بضباط حركة الموصل في العشرين من ايلول 1959م ، فقد شهدت مدن الجمهورية العربية المتحدة تظاهرات واسعة ابرق خلالها المتظاهرون الى رؤساء الاقطار العربية وسكرتير عام الامم المتحدة احتجاجاتهم على هذا الاجراء .
وجاءت محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في السابع من تشرين الاول 1959م لتزيد من توتر العلاقات بين الجانبين فاتهمت الجمهورية العراقية الجمهورية العربية المتحدة بدعم القائمين بالمحاولة وطلبت الحكومة العراقية من السكرتير الثاني لسفارة الجمهورية العربية المتحدة مغادرة العراق خلال (24) ساعة ، كما طلبت من حكومة الجمهورية العربية المتحدة عدم تمثيلها في الاقطار التي ليس للعراق تمثيل دبلوماسي اعتباراً من الاول من كانون الثاني 1960م .
وعلى الرغم من توتر العلاقات السياسية بين الجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة فقد استمرت التعاون في المجالات الاخرى ، اذ وافق مجلس الوزراء في الرابع عشر من اذار 1959م على استضافة وفد ثقافي مؤلف من عدة اشخاص للاجتماع بوفد من الجمهورية العراقية في اللجنة المشتركة لوضع مقررات المنهج الصناعي بين الجانبين .
ووافق المجلس على لائحة قانون تصديق ميثاق الوحدة العربية الثقافية بين الجمهورية العراقية والجمهورية العربية المتحدة في الثاني عشر من اذار عام 1959م .
ووافق مجلس الوزراء العراقي على قيام تسعة طلاب تابعين لقسمي الميكانيك والكهرباء بكلية الهندسة بجامعة بغداد بصحبة الدكتور عبد الجبار الجومو رئيس قسم الهندسة بالكلية المذكورة بسفرة علمية الى القاهرة وغيرها من الاقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة خلال العطلة الربيعية ابتداءاً من الاول من شباط 1959م . وتمت الموافقة ايضاً على ايفاد فريق كشفي عراقي مؤلف من تسعة اعضاء الى القاهرة للاشتراك في المعسكر الكشفي الذي تقرر اقامته في مدينة حلوان بالقاهرة .
شهد عام 1960م انفراجاً نسبياً في العلاقات بين الجانبين بسبب بعض الاحداث التي شهدها الجانبان ومنها حادثة الباخرة العربية كيلوباترا . فقد رفض عمال الجمهورية العربية المتحدة تفريغ ومقاطعة البضائع التي تحملها البواخر الامريكية التي تصل الى موانئهم وسرعان ما تضامن العمال العرب معهم في هذا الموقف ، في الثالث عشر من نيسان 1960م اصدرت وزارة الخارجية العراقية بياناً في الرابع عشر من نيسان 1960م اشارت فيه الى ان هذا الحادث هو مؤامرة صهيونية ضد الشعب العربي ، وانها حلقة من سلسلة طويلة من المؤامرات العدوانية التي تحوكها وتقوم بتنظيمها (اسرائيل في ارجاء كثيرة من العالم … ومن واجب الدول العربية الوقوف صفاً واحداً في رد هذا الاعتداء)
قادت عملية هروب عبود سالم احد الضباط الطيارين العراقيين من العراق بطائرته الى سورية ومن ثم الى القاهرة ومنحه جواز سفر مستعار من قبل الجمهورية العربية المتحدة الى توتر العلاقات بين الاخيرة والعراق مرة اخرى ، اذ صرح هذا الطيار في مؤتمر صحفي عقده في عمان يوم الرابع من تموز 1960 بان الجمهورية العربية المتحدة كانت تنوي قلب حكومة عبد الكريم قاسم ليحل محله الزعيم الركن ناجي طالب والحاق العراق بالعربية المتحدة ، كما ادعى عبود سالم في مؤتمره الصحفي بانه عقد اجتماعاً في بيروت مع الزعيم الركن ناجي طالب وفؤاد الركابي واشخاص اخرين بحثوا فيه تنفيذ هذا المخطط يوم الرابع عشر من تموز 1960م ، وان هذا الانقلاب كان من المقرر ان ينفذه ضباط اطلقوا على انفسهم اسم (الاحرار)، ولم يتردد عبود من الاشارة الى انه يحمل في حقيبته معلومات سرية مهمة اذا افشاها فأن احلام عبد الناصر في العراق ستنهار، وقد كذّب كل من ناجي طالب وفؤاد الركابي هذه المعلومات .
ومن ناحية اخرى التقى وزير خارجية العراق هاشم جواد في اثر استقالة الوزراء القوميين ، من وزارة عبد الكريم قاسم جرى تعديل على الوزارة ادخل فيها هاشم جواد وزيراً للخارجية في يوم 17/شباط/1959 ، وكان قد درس الاقتصاد والسياسة في الجامعة الامريكية في بيروت وجامعة لندن . عمل في وزارة الخارجية منذ عام 1934 ، تبنى سياسة الحزب الوطني الديمقراطي وامتاز بكفائته العالية ؛ قحطان احمد سليمان ، المصدر السابق ، بالرئيس جمال عبد الناصر واجرى معه مباحثات حول العلاقات بين البلدين خلال اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة التي عقدت في ايلول 1960م .
وعلى الصعيد نفسه التقى وزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة محمود رياض اثناء انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب ببغداد في الثلاثين من كانون الثاني الى الرابع من شباط 1961م بالزعيم عبد الكريم قاسم وتم التباحث على ضرورة وقف الحملات الاذاعية والصحفية بين البلدين او تخفيفها ، وبالفعل اوقفت الجمهورية العربية المتحدة البرامج الاذاعية المعادية للعراق ، واعلن الزعيم عبد الكريم قاسم اثناء مقابلته للدكتور فاخر الكيالي وزير العدل المركزي في الجمهورية العربية المتحدة ورئيس وفدها الى المجلس الاقتصادي بانه ”لا حدود بيننا وبين اخواننا العرب“ ، واستطرد قائلاً ان الاستعمار .. يريد ان يفرقنا الواحد عن الاخر واننا يجب ان نرتبط برابطة الاخوة التي نص عليها البيان الاول لثورة 14 تموز الخالدة . ثم شرح النقاط الاساسية التي ارتكز عليها البيان . وهي الوحدة الوطنية الصادقة ورابطة الاخوة العربية ورابطة الاخوة الاسلامية والتمسك بمبادئ الامم المتحدة ، وفي السابع عشر من نيسان 1961م وكبادرة حسنة من الزعيم الركن عبد الكريم قاسم امر بفتح حدود الجانبين ورفع القيود المفروضة على التجارة وعقد في صباح اليوم نفسه اجتماعاً وزارياً بحث موضوع تطبيق الاتفاقية التجارية بين الجمهورية العراقية و الجمهورية العربية المتحدة .
وارسلت الحكومة العراقية وفداً لمؤتمر وزارة الخارجية والدفاع العرب الذي عقد في القاهرة في حزيران 1961م لبحث مسألة تحويل اسرائيل لنهر الاردن ، وقابل هاشم جواد وزير الخارجية العراقي الرئيس عبد الناصر واكد ان المقابلة ”كانت اخوية للغاية وقد تناولت العلاقات بين القطرين الشقيقين“ وتوقعت بعض الاوساط ان يتم تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين .
وعلى خلاف من هذه التوقعات تماماً تدهورت العلاقات بينهما بسبب وقوف الجمهورية العربية المتحدة الى جانب الكويت بعد مطالبة العراق بها وهو ما سنبحثه في موضوع العلاقة مع الكويت فضلاً عن انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة في الثامن والعشرين من ايلول 1961م .
وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت الاتصالات الرسمية قائمة بين الدولتين وتواصلت زيارات الوفود لكلا الجانبين . ووافق العراق على المشاركة في مؤتمر النفط العربي الثالث الذي تقرر ان يعقد في القاهرة خلال المدة من السادس حتى الحادي والعشرين من تشرين الاول 1961م بوفد يرأسه وزير النفط والسيد عبد العزيز ابو شاري مدير شؤون النفط العام والدكتور عبد المنعم السيد علي السكرتير الثاني في السفارة العراقية في القاهرة ومدحت جابر حسن وكيل مدير عام مصفى الدورة .
ولم تتردد الحكومة العراقية في تلبية نداء منظمة اليونسكو العالمية بضرورة انقاذ اثار النوبة واثار ابو سنبل التي ستغمرها مياه السد العالي ، وتحمل جزء من نفقات الحملة العالمية لارسال الخبراء المتطوعين للعمل في سبيل ذلك ، والتي قدرت نفقاتها بنحو (87) مليون دولار، فوافق مجلس الوزراء العراقي على دفع مبلغ قدره (60) الف دولار من اصل المبلغ المقرر عليه ابتداء من العام 1961م ولمدة سبع سنوات .
ووافق مجلس الوزراء العراقي على ايفاد السيد محمد بهجت الاثري عضو المجمع العلمي العراقي الى القاهرة لحضور جلسات مجمع اللغة العربية في مصر هناك بوصفه عضواً عاملاً فيه . كما وافق المجلس على ايفاد كل من طارق الحاج احمد المراقب الزراعي في مديرية الزراعة العامة وغانم سعيد صبري رئيس الملاحظين في وزارة التخطيط الى القاهرة للاشتراك في المركز التدريبي للجداول الاحصائية الزراعية بناءً على الدعوة الموجهة الى وزارة الزراعة العراقية من منظمة الغذاء والزراعة الدولية التابعة لهيئة الامم المتحدة . ووافق مجلس الوزراء العراقي على ايفاد السيد محمد بهجت الاثري مدير الاوقاف العام في الثالث والعشرين من كانون الاول من عام 1962م الى القاهرة لمدة ثلاثة اسابيع لحضور جلسات مجمع اللغة العربية بناءً على الدعوى التي تلقاها منه بوصفه عضواً فيه .

المصادر
- الجمهورية العراقية ، عراق 14 تموز ، بغداد ، 1959 ، ص16.
- "الزمان" ، 16/تموز/ 1958 ؛ قحطان احمد سليمان ، المصدر السابق ، ص67 .
- مذكرات فؤاد عارف ، ج1 ، تقديم وتعليق كمال مظهر احمد ، دهوك ، 1999 ، ص180.
- انعام الجندي ، الى اين يسير الشيوعيون في العراق ، بيروت ، 1959 ، ص108-109
- ليث عبد الحسن الزبيدي ، ثورة 14 تموز 1958 في العراق ، بغداد ، 1977 ، ط1 ، ص289؛
- وزارة الارشاد ، الزعيم الركن عبد الكريم قاسم يتحدث ، مبادئ ثورة 14 تموز في خطب الزعيم ، بغداد، 1958 ، ص21.
- خليل ابراهيم حسين ، موسوعة 14 تموز ، سقوط عبد الكريم قاسم ، ج5 ، بغداد ، 1989 ، ص41 .
- نوري عبد الحميد العاني واخرون ، تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري ، ج4 ، بغداد، 2002 ، ص45.
- عبد اللطيف البغدادي ، مذكرات ج2 ، القاهرة ، د.ت. ص80-81 ؛ هاني الفكيكي ، أوكار الهزيمة تجربتي في حزب البعث العراقي ، لندن ، 1992 ، ص92.
- جورج كيرك ، السياسة العربية المعاصرة ، ترجمة محمد الخولي ، القاهرة ، 1963 ، ص159.
- عبد الرحمن البزاز ، نظرات في التربية والاجتماع والقومية ، بغداد ، 1967 ، ص202 .
- نوري عبد الحميد العاني وآخرون ، تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري 1958-1968، ج5،بغداد ، 2002 ، ص29 .
- فائق عبد الهادي صالح ، عبد الكريم قاسم ودوره السياسي والعسكري في العراق ، أطروحة دكتوراه غير منشورة ، معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا ، بغداد ، 2003، ص134 .



#سعد_سوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العوامل والمؤثرات الرئيسة في تشكيل أسلوب الكتابة عند كامو ج ...
- العوامل والمؤثرات الرئيسة في تشكيل أسلوب الكتابة عند كامو ج ...
- العوامل والمؤثرات الرئيسة في تشكيل أسلوب الكتابة عند كامو .
- الفلسفة في فكر البير كامو ج 2
- الفلسفة في فكر البير كامو ج1
- مسرح التمرد لدى البير كامو ج 1
- المسرح التمرد لدى البير كامو
- حياة البير كامو ج 1
- حياة البير كامو ج 2
- قصص قصيرة لأمرأة
- خذلته عندما ماتت ( قصة قصيرة )
- رسالة الى أمراة ما .
- الموت عند العرب قبل الإسلام
- النهاية ق . ق
- الموت في الحضارة اليونانية
- فكرة الموت في وادي الرافدين ووادي النيل
- حكايا فصيرة
- محاولات اخرى
- محاولات جديدة 2
- قصص قصيرة جدا مهداة


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد سوسه - سياسة العراق الخارجية تجاه الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961 )