أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - زهراء احمد العطية - التنوعُ سرٌ إلهيّ















المزيد.....

التنوعُ سرٌ إلهيّ


زهراء احمد العطية

الحوار المتمدن-العدد: 6007 - 2018 / 9 / 28 - 21:05
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


لو كانت كل ورود العالم نوعاً و لوناً واحداً , فكيف ستكون حياتنا ؟ سيكون للعطور رائحة واحدة , لوحات الزهور قليلة الألوان , مشاتل الزهور الجميلة التي تزدان رفوفها وزواياها بأنواع الزهور والورود التي تمتع الأبصار عبارة عن أراض رتيبة فيها نفس النوع واللون من الأزهار التي جزع الناظر من النظر إليها , لا داعي للتفكير في بذور الأزهار ومواسمها , لا يتفنن الكثير من الناس بإعطائها أسماء متنوعة ..
ربما لا تبدو الصورة بذلك السوء , لذا فلنقارن بين صورتين مختلفتين , أنا واقف الآن على ارض عشبية شاسعة مزروعة بنبات القصب مثلا , انظر من حولي فلا أجد الكثير ليلفت انتباهي , نفس النبتة نفس اللون , لن أخوض مغامرة كبيرة جدا في هذا الحقل , لا يقع انتباهي على نبتة معينة , وإذا بي اعتبر كل هذه النباتات واحدة فقط , بعد مرور وقت يسير اشعر بالملل من هذه النماذج المكررة فاخرج من الحقل لألج حقلا آخر , ادخل بدلا من حقل القصب حديقةً ملئى بالورود , لها ممر مرصع بأشجار ألرازقي الشذية , الألوان الخفيفة متراكمة فوق سطوح البراعم الندية , الأراضي مملوءة بالبراعم الخريفية البيضاء منتجة أفرشة حريرية حليبية بلون الغيوم المتنافسة في السماء الفيروزية الواسعة , تلي البرعم الورود الكبيرة من جوري ونرجس وأقحوان وبنفسج وقرنفل وتوليب وأوركيد وسوسن وياسمين وغيرها من الورود الفواحة بالروائح العبيرية , لا يسعفني الوقت لتأمل كل الموجودات , أحير أين أوجه أبصاري , أشعر بأن كل زهرة تخاطبني بأسلوبها الفريد لتقول لي بأنها مختلفة , هنا أرى عالما مزدهرا , يستمتع المرء بالوجود فيه ولا يمل .
أظنني اعرف الآن جواب السؤال , ستكون حياتنا مملة . ماذا لو كان لدينا في عالمنا كتاب واحد فقط يحفظه الجميع ويعيدون كتابته المرة بهد المرة ؟ أو فيلم واحد فقط ؟ لا أفكار جديدة ولا اندهاش ولا متعة .. ماذا لو لم يكن هناك حيوانات أخرى ؟ لا طيور ولا حشرات ولا قطط ولا كلاب ولا أحصنة ولا حملان ولا أبقار ولا قردة ولا غزلان ولا زواحف ولا ضفادع ولا اسماك ولا حيوانات أخرى .. ماذا لو كانت الملابس كلها من تصميم واحد وخالية من التنوع ؟ أو كان للمباني والأبراج والجسور والقصور والمعابد والتماثيل شكلا واحدا ؟
سنردد عندها كلنا : يال الملل !!
يرى الكثير من الناس أن أسطورة برج بابل هي أسطورة ذات نهاية محزنة , حيث أن جميع البشر بعدما كانوا مجتمعين على أرض واحدة يتحدثون بلغة واحدة ويشتركون ببناء بناء واحد تفرقوا بفعل الآلهة حيث قد تبلبلت ألسنتهم فافترقوا وتناثروا في أنحاء الأرض , أما بالنسبة لي فلا أظن ذلك , لو كان البشر كلهم من ارض واحدة يتكلمون بلغة واحدة لما حققنا شيئا يذكر حقاً , لان كل ما وصلنا إليه وكل مظاهر حياتنا الحديثة نسبيا قد حصل بفضل التعاون بين بقاع الأرض المختلفة وبين الشعوب المختلفة التي انفرد كل منها بمساهمته الفريدة وبلمسته الخاصة , فهناك الأقطار التي تزرع , وبعض المحاصيل فريدة لا تنتج إلا في أراض معينة , وهناك التي تصنع هذا وهناك التي تصنع ذاك , وهناك التي تخطط وهناك التي تصمم وهناك التي تتاجر وهناك التي تبني وهناك التي تكون وسيلة العبور إلى مناطق أخرى مميزة , لا نحصل على كل المنتجات والأفكار بسهولة إذ أن عليها في البداية أن تمر بطريق طويلة بمحطات عديدة تضفي كل منها لمستها الخاصة التي تمتاز بها عن غيرها .
لو ظل الناس حبيسي اللغة الواحدة والأرض الواحدة لما جربنا متعة الارتحال والاستكشاف والتعرف على أناس مختلفين مع ثقافاتهم وحكاياتهم وكل ما بنَوه من أُسس ومعايير مختلفة عنا قد تدهشنا , لما جربنا عندها متعة تعلم لغة جديدة والاستمتاع بمفرداتها وأساليبها المختلفة , لما كان هناك سياسة دولية أو معارك أو " أمجاد " , لما شعر احد بالوطنية مثلا أو شعر بامتياز بلاده لأنه ليس ثمة غير بلد واحد فقط .. وكل أفكارنا وقصصنا وفلسفاتنا ما كانت لتكتمل لو لم تجل وترتحل عبر الأرض والناس المختلفين .
سأقتبس من عباس محمود العقاد الذي يقول : " العالم الذي يتساوى فيه كل شيء , لا شيء فيه " .
واحدة من آيات القرآن الكريم في سورة الحجرات تقول : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير ) .
لهذا أظن أن الاختلاف مهم , ومن ناحية أخرى , كما تتعاون كل البلدان وتتاجر الأفكار والمواد فيما بينها ويتخذ كل منها موقعا مهما وأساسيا في العالم كذلك يفعل الأفراد , لا بد أن يؤدي كل فرد من الدولة ما يحبه ويبرع فيه ليساهم في بناء البلاد وتنميتها وازدهارها وتلبية احتياجاتها .
جزء من اختلافنا يكمن في اختلاف اهتماماتنا ومهاراتنا ومواهبنا , عندما نطمس نحن هذا الاختلاف سنعيش عندها حياة غاية في الملل وسنسمع أفكاراً متشابهة , ومن ناحية أخرى ستنهار بلداننا .
لهذا يجب أن يوضع الجميع في مكانه الصحيح , لو كان لدينا أحجية من مئة قطعة وكانت كلها تمثل نفس الموقع من الصورة الكبيرة لما اكتملت الصورة يوماً .. لا يوجد ما يسمى بالمكان المنخفض المستوى إذ أن الجميع يساهم بطريقته ومساهمته مهما كانت ضرورية ولا يستغنى عنها , لذا لا فائدة من أن يرغب الجميع بموقع معين بحجة أنه عالي المستوى , في داخل كل واحد منا مَلَكة خاصة به أي أنه قد قدر إليه أن يقوم بشيء معين ليكون جزءا من فسيفساء المجتمع المكونة من ألوان مختلفة لا لونا واحدا فقط , هذا برأيي سبب تطور أي مجموعة : وضع الجميع في مكانه المناسب .. مثلاً , عندما نرغب بصناعة فيلم , ماذا سيحدث لو كان الكل ممثلاً ؟ لا مصور ولا كاتب ولا مخرج ولا منتج ولا مسوق ولا كوافير , لا وظيفة أخرى غير التمثيل , لا بد أن تتعرض صناعة الفيلم إلى إعاقة كبيرة عندئذ ..
و إذا ما شهدنا شباب البلاد يتجهون إلى مهنة واحدة غير مبالين بما يحبونه حقا أو ببنية البلاد وأساسها فلا بد أن السبب في ذلك هو طريقة التعليم والمفاهيم التي قد لا تكون صحيحة بالضرورة .
الانجذاب إلى الصورة الخارجية وإلى القشور وإلى الرأي السائد الذي يتبناه الأغلبية قد يجعلنا نحيد عن آراءنا الخاصة ونترك الاستماع إلى أصواتنا الداخلية ونسبح مع التيار .
فما رأيكم عندما تدخلون بلادا معينة فلا تجدون غير اهتمام واحد ؟, سيكون شعوري عندها كشعوري داخل حقل القصب , سيكون هذا مملا إلى حد كبير .. كما أنني حتما لن اهتم بالاطلاع على تجارب الآخرين كثيرا لأنها غالبا ستكون متشابهة ومكررة إلى حد بعيد , نفس التجارب والآراء والأفكار والخلاصات ولا شيء جديد . كما ستنهار البلاد لأنها يجب أن تكون تركيبة متنوعة من الأفراد يقومون بوظائف ومهام مختلفة لتلبية احتياجاتها العديدة .
لا شك عندها أن تنمية البلاد ستتعرض لعرقلة وإعاقة قوية وستفشل في الاستمرار لنقص الوظائف وعدم وجود الاختصاصات المختلفة الضرورية لبناء البلاد وإنهاضها .
لذا لابد للدولة إن أرادت بناء جيل واع يقودها إلى النهضة أن تبدأ من اصغر طفل في اصغر حضانة , من اصغر فرخ في اصغر قن , وتقوم بتوعية الأجيال الشابة بضرورة إيجاد مواقعها المناسبة في تركيبة الدولة لبنائها لأنهم إن لم يجدوا الموقع والمجال الذي يحبونه وتم دفعهم إليه دفعا فإنهم لن يبدعوا فيه وسيتعاملون معه على أنه روتين وشيء ممل يرغبون بالفكاك منه وهكذا سيفشلون فيه ولن يستمتعوا بإيجاد شغفهم وبالتالي سيؤدي هذا إلى دمار البلاد ودمار الأفراد على حد سواء لأنه يجعل الإفراد متشابهين و بلا قيمة كبرى وجامدين وغير مبدعين وحزينين ويائسين.



#زهراء_احمد_العطية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بؤساء .. مع طعام
- فقير ناشِدٌ هدفه ولا غني لاقٍ حتفه
- اخطر الامراض المتفشية في العراق .. انعدام الوطنية
- من أحلام الماضي إلى مخاوف تكنولوجيا المستقبل
- مجتمع يحترق
- معلمون بلا شغف و طلبة بلا هدف


المزيد.....




- خمس مدن رائدة تجعل العالم مكانا أفضل
- هجوم إيران على إسرائيل: من الرابح ومن الخاسر؟
- فيضانات تضرب منطقتي تومسك وكورغان في روسيا
- أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني -عمل إرها ...
- أدرعي: إيران ترسل ملايين الدولارات سنويا إلى كل ميليشيا تعمل ...
- نمو الناتج الصيني 5.3% في الربع الأول من 2024
- حضارة يابانية قديمة شوه فيها الآباء رؤوس أطفالهم
- الصحافة الأمريكية تفضح مضمون -ورقة غش- بايدن خلال اجتماعه مع ...
- الولايات المتحدة.. حريق بمصنع للقذائف المخصصة لأوكرانيا (صور ...
- جينوم يروي قصة أصل القهوة


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - زهراء احمد العطية - التنوعُ سرٌ إلهيّ