الأسرار الفيثاغورثية - النبي

أمجد سيجري
كاتب وباحث
(Amjad Sijary)

الحوار المتمدن-العدد: 6005 - 2018 / 9 / 26 - 23:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

تعرفنا في المقال السابق حياة الفيلسوف الشهير فيثاغورس ونشأته رغم غموض حكايته وتضارب المصادر فقد حاولت أن أقدم حكايته من أكثر من مصدر واليوم سنتناول فلسفة هذا المعلم وتعاليمه بشكل مختصر حتى لا يشعر القارئ بالملل من طول المقال.

-كانت دراسة الرياضيات / الهندسة و الموسيقى وعلم الفلك بالنسبة لفيثاغورس هو أساس الفهم العقلاني لله والطبيعة و الإنسان لذلك كانت هذه العلوم الثلاثة المعاير الأساسية لقبول المُريد في مدرسة فيثاغورس
كما أن فيثاغورس لم يسمح ابداً لأحد أن يرافقه كمُريد ما لم يكن على دراية تامة بهذه العلوم .

- لم يكن فيثاغورس متطرفاً أو متعصباً لفكرة ما دون أخرى فقد كان يُدَّرسُ الاعتدال في كل الامور فإعتبر أن الزائد أو الفائض هو الذي يحمل معه التطرف فبين أن الفائض من الفضيلة هو رذيلة لذلك دعا دائما إلى الإعتدال.
من أقواله المهمة في هذا الخصوص :
" علينا أن نقطع بالنار والسيف وبكل ما أُتيح لنا من الوسائل :
من الجسد المرض ، و من الروح الجهل ، و من البطن الترف ، و من المدينة الفتن ،و من العائلة الشِّقاق ، ومن كل شيء ماهو فائض ".

- كان إله فيثاغورس هو الموناد ، أو الواحد الذي هو كل شيء وقد تعرفنا عليه في مقالنا السابق عن الغنوصية حيث وصف هذا الإله الأوحد بأنه العقل الأسمى يحتوي كل شيء ومحتوى بكل شيء هو سبب كل علة وسبب الذكاء الموجود في المخلوقات والقوة الفاعلة في كل الأشياء.
كما بين فيثاغورث أن حركة الموناد الإله الاوحد هي حركة دائرية و جسمه يتكون من مادة النور وطبيعته هي جوهر الحقائق.

- بين فيثاغورس أن أكل اللحوم يفسد كليات التفكير لكنه لم يحرم اكله وبين أن على القضاة الإمتناع عن أكل اللحوم قبل تنفيذ المحاكمات كي يتسنى لهم النظر في القضية نظرة كلية شاملة بالتالي يتيح للمتهمين الذين يقفون أمام القضاة الحصول على قرار صادق وعادل.

-قرر فيثاغورس في مرحلة من المراحل أن يتقاعد في المعبد و قضى هذه الفترة في التأمل والصلاة والتزهد في الملبس والمأكل فكان طعامه مميزاً يتألف من أجزاء متساوية من بذور الخشخاش و السمسم وجسم البصل البحري المعصور وأوراق الخبازة وزهرة النرجس البري و عجينة من الشعير والبازلاء وكان يضيف إلى هذه العجينة العسل البري.
كما كان يصنع مشروباً خاصاً مكوناً من بذور الخيار و الزبيب المجفف بدون بذوره و زهور الكزبرة وبذور الخبازة وحبوب الرجلة .
كما كان يأكل القشدة والجبنة المحلاة والعسل البري.

- عرف فيثاغورث الخصائص الطبية لأعداد هائلة من النباتات فقد اكد على الأهمية الطبية لبصل البحر ويقال أنه كتب مجلد كامل حول هذا النبات وخصائصه لكن هذا الكتاب غير موجود اليوم.

- اكتشف فيثاغورس أن الموسيقى تتمتع بقوة علاجية كبيرة حيث أعدَّ الحاناً خاصة لمختلف الأمراض ومن عملياته العلاجية الفريدة نتجت عن إكتشافه للقيمة الشافية لبعض المقاطع الشعرية من الأوديسة والإلياذة لهوميروس.
حيث أدت قراءتها إلى شفاء بعض الأشخاص الذين يعانون من بعض الأمراض بقيت هذه العادة حتى يومنا بقراءة مقاطع من الكتب المقدسة للتداوي.

-كان يعارض الجراحة في جميع أشكالها واعترض أيضا على الكي لم يكن يسمح بتشويه جسم الإنسان حيث إعتقد أن تشويهه هو تدنيس لمكان سكن الآلهة وهذا ما نجده في فكرة الأديان السماوية حول الوشوم.

علّم فيثاغورس تلاميذه أن الصداقة هي الاساس والأقرب من جميع العلاقات حتى أهم من قرابة الدم حيث بين فيثاغورس أن العلاقات في جوهرها عقلية وليست جسدية .

- بين فيثاغورس أن المعرفة هي ثمار التراكم الذهني وأعرب عن اعتقاده أنه سيتم الحصول عليها بطرق عديدة ولكن بشكل أساسي من خلال الملاحظة.

- كانت الحكمة لديه هي فهم مصدر أو سبب كل الأشياء وهذا لا يمكن تأمينه إلا عن طريق رفع الفكر إلى النقطة التي يصبح فيها ادراكه حدسياً غير مرئي خارج حدود المفاهيم الحسية الملموسة بالتالي تصبح العلاقة مع الروح بدل العلاقة مع الشكل والمادة.

- المصدر النهائي الذي يمكن أن تصل إليه الحكمة المطلقة هو معرفة الموناد " الإله الأوحد" .

- علّم فيثاغورس تلاميذه أن الإنسان والكون قد صنعا على صورة الله و أن كلاهما تم صنعهما في الصورة نفسها وبين أحدهما ينبنى على معرفة الآخر.
كما بين أن هناك تفاعل مستمر بين الكون والإنسان (الكون الصغير).

-كان فيثاغورس يعتقد أن جميع الأجسام الفلكية كائنات حية وأن الكواكب والنجوم هي أجسام تغلف النفوس والعقول والأرواح بنفس الطريقة التي يكون بها الشكل البشري المرئي .

اعتبر فيثاغورس الكواكب كآلهة رائعة ،تستحق العبادة واحترام الإنسان ومع ذلك ، فقد اعتبر جميع هؤلاء الآلهة خاضعين للعلة الأولى الموناد التي كان وجودهم المؤقت منها ونتجوا عنها.

- كان الرمز Y أحد أشهر الرموز الفيثاغورثية حيث مثل قوة الإختيار كما استعمل في الأسرار الفيثاغورثية كرمز للطريق الذي يسلكه الفكر.
فالخط المركزي يتفرع الى فرعين الفرع الأيمن هو الحكمة الإلهية والفرع الأيسر الحكمة الدنيوية.

لقد كان الرمزا Y رمزاً للحياة في العديد من الحصارات ويعود ذلك إلى العصا التي تأخذ هذا الشكل للبحث عن المياه بالطريقة التقليدية المعروفة فأخذت معنى الدلالة على الحياة.


- قبل فيثاغورث نظرية الظهور المتعاقب للطبيعة الروحية في الجسد البشري او ما نسميه التناسخ او التقمص ويبدو أن هذا المفهوم قد وصله له إما بشكل مباشر أو غير مباشر من الحضارة الهندية والمصرية وبين أن الروح الشريرة تبقى أسيرة هذا العالم المادي والروح الخيرة ترتقي للعودة إلى الموناد الاول.

- بين فيثاغورس أيضاً أن كل نوع من الكائنات قد حمل ما وصفه بختم أعطاه الله إياه وهكذا تم ختم كل روح بكرامة جسدها المقدس لذلك نعلل رفضه العمليات الجراحية والكي للجروح وغيرها.
حيث اعتقد فيثاغورس أن الإنسان سوف يصل في نهاية المطاف إلى حالة يستطيع فيها التخلص من طبيعته الجسيمة ويحرر الأثير الروحاني و يصعد إلى عالم الخالدون حيث ينتمي إلى الحق الإلهي.
- بين فيثاغورث أن كل شيء في الطبيعة يمكن قسمته إلى ثلاثة أجزاء وأنه لا يمكن لأحد أن يصبح حكيماً حقاً إذا لم يتمكن من النظر إلى كل مشكلة على أنها ثلاثية مثلثية.

- تماشياً مع وجهة النظر هذه قسم فيثاغورث الكون إلى ثلاثة أجزاء سماها :
- العالم الأسمى :
هو موطن الخالدين ذو جوهر روحاني طاهر متداخل يتخلل كل الأشياء وبالتالي يمثل الصورة الحقيقية للإله الأعلى نفسه المتصف بكلية الوجود والقدرة والعقلانية الكلية والعلم .

- العالم الفائق :
وهو موطن إله الموتى الديمورجي الايون خالق المادة الذي تعرفنا عليه في مقال الغنوصية ومن والمخلوقات التي تعمل معه .
- العالم السفلي :
العالم المادي موطن البشرية الذي تحوم فيه المكونات الإلهية المحبوسة ضمن الأجساد المادية التي خلقها الديمورجي والتي يمكن ان يتحرر منها الإنسان بالغنوص والعلم والفلسفة.

- لا يعتبر فيثاغورث الأرقام 1 و 2 لأنها تُصنِّف العالمين العالم الأسمى والعالم الفائق بالتالي فإن الارقام تبدأ حسب فيثاغورس من 3 على سبيل المثال المثلث أول المضالعات الهندسية وتاليه المربع ثاني المضلعات وبجمعهما مع المكونين الإلهيين 1و 2 ينتج العدد 10 المقدس والذي يعتبر المكون الجمعي الأول اي النموذج الاصلي للكون كما علّم فيثاغورس مريديه أن النقطة ترمز إلى قوة الرقم 1 وخط قوة الرقم 2 والسطح هو قوة الرقم 3 والمواد الصلبة المجسمات هي قوة الرقم 4.

من أهم الأقوال الرمزية لفيثاغورس والتي تبين بإختصار أسرار مدرسته هي :

1-إبتعد عن الطرق العامة و امشي في الطرقات المهملة و غير المطروقة .

يمكن فهمها أن الذين يرغبون بالحصول على الحكمة يجب أن يبحثوا عنها في العزلة ويمكن فهمها أيضاً أن الإبداع الفكري والمعرفي يكون بعدم قبول بما هو مسلم به ومتعارف عليه من العامة إنما بالتطلع إلى أبعد من المعارف الحالية

2- حكم لسانك قبل أي شيء.
هذا القول المأثور يحذر الإنسان من أن كلماته ، بدلاً من أن تمثله وتعبر عنه يمكن أن تشوه صورته بالتالي عندما يكون هناك شك في ما ينبغي أن يقوله ليلتزم الصمت أفضل.

3- الرياح تهب ، أعشق الصوت.
يذكر فيثاغورس هنا تلاميذه ومريديه بأن إرادة الله مسموعة في صوت العناصر وأن كل الأشياء في الطبيعة تعبر عن الانسجام ، الإيقاع ، النظام أو اي إجراء تنسب إلى الإله.

4- ساعد الرجل في رفع الأعباء، لكن لا تساعده في وضعها.

يوجه فيثاغورس المريد لمساعدة المجتهدين فقط و ليس لمساعدة أولئك الذين يسعون إلى تجنب مسؤولياتهم لأن في ذلك خطيئة كبيرة لتشجيعهم على الكسل والخمول.

5- خامسا لا تتحدث عن عن ما يخص فيثاغورس دون وجود ضوء.
لقد حذر فيثاغورث مريديه هنا من أنه لا ينبغي أن يحاول تفسير أسرار الله وأسرار العلوم دون إضاءة روحية وفكرية تسبق هذه المعارف.

6- بعد أن تهجر بيتك لا ترجع مرة أخرى لأنك ستجد زوجة شرسة تنتظرك هناك.

يحذر فيثاغورس هنا أتباعه من أن كل من يبدأ البحث عن الحقيقة ويبدأ بتعلم جزأً من الغموض والأسرار ثم يحاول العودة مرة أخرى إلى طريقه السابق المتمثل بالرذيلة والجهل سيعاني كثيراً لأنه من الأفضل أن لا نعرف شيئا عن اللاهوت من أن نتعلم القليل ثم التوقف دون تعلم كل شيء.

7- أطعم الديك ، لكن لا تضحي به لأنه مقدس للشمس والقمر.

في هذه الحكمة يتم إخفاء أمرين هما :
-الأول هو تحذير من التضحية بالكائنات الحية للآلهة لأن الحياة مقدسة ويجب على الإنسان ألا يدمرها حتى كقربان إلى الإله نفسه.
-الثاني يحذر من أن جسم الإنسان يشار إليه على أنه الديك وهو مقدس بالنسبة الشمس التي تمثل (الله) والقمر الذي يمثل (الطبيعة) لذلك حذر فيثاغورس من الإنتحار وبين أن على الأنسان أن يحمي جسمه ويحافظ عليه باعتباره أكثر وسائل التعبير قيمة وقدسية لدى الإنسان.

8- لا تلقي ماتبلعه في منزلك.

يحذر فيثاغورس الباحثين عن الحقيقة من عدم السماح للأفكار المنجرفة بالدخول إلى عقله ولا يسمح إلى أي شخص غير كوفئ من الدخول إلى حياته كما يجب أن يحيط نفسه بمفكرين يتمتعون بالوعي والعقلانية .

9- لا تقدم يدك اليمنى بسهولة لأي شخص.

يحذر فيثاغورس المريد من تقديم الحكمة والمعرفة التي عبر عنها باليد اليمنى إلى شخص لايقدر قيمتها.
إذاً اليد هنا تمثل الحقيقة التي ترفع أولئك الذين سقطوا بسبب الجهل ولكن لأن الكثيرين من غير من العامة لا يريدون الحكمة فإنهم سوف يقطعون اليد الممتدة لهم ويحاربونها بالتالي الوقت وحده هو من يمكن أن يؤثر على الجماهير الجاهلة.

10-عندما ترتفع أغطية السرير لفهم معا ، واطمس إنطباع الجسد عنهم .

أيقظ فيثاغورس تلاميذه من النوم أي الجهل إلى ووضعهم في حالة الاستيقاظ الممثل للذكاء و وطمس اثار النوم هو القضاء على ذكرياتهم عن ظلامهم الروحي السابق .

المراجع :
- THE SECRET TEACHINGS OF ALL AGES ، by Manly P. Hall 1928, copyright not renewed

#أمجد_سيجري (هاشتاغ)       Amjad_Sijary#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات