أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - الطريق إلى العمّ نجيب














المزيد.....

الطريق إلى العمّ نجيب


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5999 - 2018 / 9 / 20 - 15:27
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



فاطمة ناعوت
Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

ثلاثون عامًا تفصلُ بين لقائي الأول بعمّ نجيب، ولقائي الأخير به. الأخيرُ كان في فندق "شبرد" المطلّ على نيل مصر، قبل طيرانه إلى السماء بشهور قليلة. حيث قاعةٌ ضوءُها خافتٌ لا يجرحُ شبكيةَ عين رجل جاوز التسعين، بينما فرادةُ عقله قد أثبتت أنها تحيا خارج الزمن. تحدَّثَ معنا بمحبة كعادته مع مريديه وحوارييه حول شؤون الأدب والسياسة. وانتبهتُ فجأة أنني لا أحوزُ أيَّ توقيع بخط الأستاذ على أيّة رواية من رواياته في مكتبتي. تركتُ الصالونَ وركضتُ على سُلَّم بهو الفندق نزولا، ثم دخلتُ فندق سميراميس المواجه، وصعدتُ إلى الطابق الأول حيث المكتبة التي تضمُّ أعمالَ الكاتب الكبير. لم أتحيّر كثيرًا في الاختيار، وامتدّت أصابعي رأسًا إلى "الطريق"، و"الشحّاذ"، الروايتين الأقرب إلى قلبي. حيث "البحثُ عن الذات ومطاردة الحُلم”. "البحث" في ذاته هو الهدف؛ وليس الوصول إلى الضالة. كلُّنا ينتظرُ شيئًا ما، والبحثُ هو القيمة. ولو تحقق ما ننتظر انتفى سببُ وجودنا. عدتُ ركضًا وكان الأستاذُ ينتظرني بقلمه لكي يوقّع على الرواية. كتابة اسمه فقط استغرقت، خمس دقائق كاملة بسبب الطعنة الخائنة التي أنهكت أوتار عنقه وذراعه. أشفقتُ عليه فسحبتُ الرواية من تحت قلمه، فتشبّث بها ونظر إليّ بعين العتاب قائلا: “إياكِ أن توقّعي، دون تأريخ!” فتركته يُكمل الإهداء كاتبًا: “2 أبريل 2006.” وكان ذلك هو الدرسُ الذي تعلّمتُه من العمّ وأُطبّقه كلمّا وقعتُ كتابًا من كتبي لقارئ. دسستُ الرواية، الذي غدت ثروةً قيّمة، في حقيبتي ثم أخذني الصمتُ الطويل. أستمع له وأستمتعُ بخفة ظلّه وقفشاته السياسية وإلماحاته الذكية التي تشير إلى نصاعة وعي لم يستطع أن ينال منه تراكمُ العقود وغزارةُ العمل.
أما لقائي الأول به فكان في كازينو "قصر النيل". النيل أيضًا؟! تُرى ما الرابطُ بين النيل ومحفوظ، وبيني؟ كان عمري وقتها حول السنوات التسع. وهذا الرقم سوف يظر في قصيدتي الوحيدة التي كتبتها في نجيب محفوظ بعنوان: "الطريق"، وأهديتها إلى نجيب محفوظ، وقرأتُها عليه عام 2003 في فيلا د. يحيى الرخاوي بالمقطم، وأشاد بها رغم ما بها من هجوم عنيف عليه. كنتُ في التاسعة حين اصطحبتني أمي للكازينو لتناول "الكاساتا" المثلّجة. أشارت أمي إلى مجموعة من الرجال يتحلّقون حول إحدى الطاولات القريبة وقالت: “هذا نجيب محفوظ، الكاتب الكبير.” شببتُ على أطراف أصابعي لكي أراه ورحتُ أتأمل تلك "الحَسَنَة" الكبيرة جوار أنفه، أو "الزبيبة". وراح عقلي الطفلُ يحاولُ الربط بين الحسنة الكبيرة وبين الكاتب الكبير. كان ذلك قبل سنوات من حصوله على نوبل. لكنه كاتبٌ كبيرٌ قبل نوبل بدليل أن أمي قالت ذلك. أدفسُ وجهي في كأس الكاساتا بالفراولة والفانيليا، وأشبُّ بين الحين والآخر على قدميّ كي أُحدّق في الكاتب الكبير. هل يختبئ الإبداعُ الكبيرُ داخل تلك الزبيبة الكبيرة؟ أعودُ إلى البيت وأتفحَّصُ وجهي في مرآة غرفتي، فلا أجد زبيبة. أُطرقُ أسفًا لأن هذا يعني أنني لن أكون كاتبة كبيرة أبدًا!
أما قصيدتي إليه، فتحملُ العتابَ المُرًّ الذي ملأ قلبي حينما بحثتُ في رواياته عن جدتي الجميلة الأنيقة الحُرّة، فلم أجدها. وجدتُ "زبيدة" التي تبيعُ جسدَها للرجال مقابل المال، ووجدتُ "أمينة" الفاضلة، ربما رغم أنفها؛ ذاك أنها لا تمتلكُ "الحرية" التي بها نحكمُ على فضيلة إنسان، أو عهره. ليس بوسعنا أن نحكمَ على فضيلة إنسان، إلا إذا كان حُرًّا مالكًا ذمامَ أمره فاختار الفضيلةَ، بينما بوسعه ارتكاب الرذيلة. و"أمينة" لم تكن حرّةً حتى نُقرَّ لها بالفضيلة. لكن جدتي كانت حُرّة وفاضلةً باختيارها. وذاك هو النموذج الذي لم أجده في روايات نجيب محفوظ. فكأنما حصرَ عمُّ نجيب النساءَ في ثنائية: إما العاهر، أو الفاضلة رغم أنفها في قبضة الرجل. ومن هنا كان عتابي له في القصيدة التي اختتمتُها بقولي: (لن أصفحَ/ ولا شيءَ يُنجيكَ من غضبتي/ سوى تحريرِهن من ثنائيةِ الوَيْل/ سأكمنُ في عزلتي/ حتى أُصادفَ قيثارتَها/ قيثارةَ جدتي الجميلةَ/ التي وأدتها بين سطورِك.)
يا عمُّ نجيب، يا فرعونَ مصر العظيم، سلامًا عليك. نَمْ مِلْءَ جفونِك عن شواردها، فقد سهرَ الخلقُ جَرَّاكَ، واختصموا.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولة الأوبرا في حضن البتول
- يهودُ مصرَ …… المصريون
- دمشاو هاشم …. احذروا القُبلَةَ الخائنة
- رجاء الجميلة … سلامتك
- طوبَى لصُنّاع الفرح
- أشهرُ صفقة باب في التاريخ
- هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد
- حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
- دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
- بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
- هل تعرفون المصريين الأرمن؟
- أسئلةُ -جوجان- الصعبة
- المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم
- نادي الشرق الأدنى للأرمن
- قواعدُ الرجال … يا نساء العالم!
- ه. ق. … أقصر رسالة في التاريخ!
- على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل
- الخوف من الخوف
- لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟
- من الذي جرح ساقها؟


المزيد.....




- بعد أيام من وفاة امرأة في حادث مماثل.. دبّ يصيب 5 أشخاص في ...
- أرقام صادمة.. 63 امرأة يُقتلن في كل يوم تستمر فيه الحرب بغزة ...
- منحة المرأة الماكثة في البيت الجزائر 2024 أهم الشروط وخطوات ...
- المرأة المغربية في الخارج تحصل على حق استخراج جواز سفر لأبنا ...
- الشريعة والحياة في رمضان- الأسرة المسلمة في الغرب.. بين الان ...
- مصر.. امرأة تقتل زوجها خلال إعدادها مائدة إفطار رمضان
- الإنترنت -الخيار الوحيد- لمواصلة تعليم الفتيات في أفغانستان ...
- لماذا يقع على عاتق النساء عبء -الجهد العاطفي- في العمل؟
- اختبار الحمض النووي لامرأة يكشف أن أسلافها -كلاب-!
- تزامنا مع تداول فيديو ظهور سيدة -شبه عارية-.. الأمن السعودي ...


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فاطمة ناعوت - الطريق إلى العمّ نجيب