أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - رواية البعث (ليف تولستوي): (وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)















المزيد.....

رواية البعث (ليف تولستوي): (وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)


بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 5988 - 2018 / 9 / 8 - 16:46
المحور: الادب والفن
    


رواية البعث (ليف تولستوي): (وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)
(وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)
للأسف يختزل تولستوي رواية البعث بهذه الجملة التقريرية الواضحة...
وهنا يختزل تماما فن الرواية...هل هناك من شك بان القارئ المحترف للرواية ستضعف همته عند قراءة هذه الجملة،أو ربما سيتوقف عن القراءة نفسها...
رواية البعث،هي الرواية الاخيرة التي نشرت في حياة هذا الكاتب الروسي الكبير،قطب دوستيوقسكي الكبير الآخر...قطبا روسيا بلا منازع لأن غوغول مرتبته الثالثة وبوشكين خارج التصنيف للعبأ الكبير للترجمة والقريحة الشعرية ايضا....
يقبع تولستوي في الذهن العام للقارئ بروايتين لاثالث لهما،هما الحرب والسلم وآنا كارنينا بالاضافة الى اقصوصة موت ايفان ايليتش،ولكن هل يجوز ان نضيف اي شيء آخر لهذا الكاتب سوى هذين العملين؟!
يتوقف تولستوي في البعث للتساؤل بين الاثنين البشريتين...بين خيرها وسلمها وشرها وشرورها،ولكنه لايتوقف طويلا...
لا يشير الى منغصات تقود الى حالة حائرة مترددة ولهذا السبب فروايته تعتمد على السرد اكثر من التحليل،والقرارات مهما كانت مترددة متناثرة فالقرار الداخلي تأتي الرواية لتحله ومن دون اشكاليات مطولة من خلال الجملة التقريرية آنفة الذكر....
كما قال كونديرا عن آنا كارنينا:-من خلال قراءاتي المطولة لكونديرا اعتقد ظانا ان كارنينا احد الروايات المفضلة لكونديرا-يختفي الحب عند حدوث الجماع؟!
بالتأكيد يختفي الحب عند الجماع ولكن آنا كارنينا-احد اسباب خلود تولستوي الادبي-ليست رواية عن الجنس ابدا،أنها رواية عن القرار وعن البعث ايضا...
تحولات بطل الرواية بعد طول عناء من التفكير الى التعايش الايجابي مع فكرة الموت،وقرار آنا كارنينا بالانتحار آخر الرواية في مشهد تكثيفي للحظة...
هو قرار ايجابي...هو قرار شديد ليس سببه العبأ الحياتي أو الفراغ أو الحالة الوجودية...بل هو بمثابة تعبير كافي عن الندم...الندم ليس لفقدان زوجها الأول...بل هو القرار التي كانت متأكدة انها ستصل اليه من خلال الندم.
انها امسية حزينة عندما تفكر ان تعيش بكبت دائم لايطاق مع زوج صالح لايطاق،وأن تعيش مع عشيق تصل من خلاله الى الندم حتى لو كانت على يقين تام ان هذا الندم سيوصلها الى الانتحار..
الانتحار هو البعث الوجودي عند كارنينا...
لو كان البعث هو العودة الى زوج متسامح الى حد لايطاق فالرواية كانت ستفشل بالتأكيد...
يختزل تولستوي.. (وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)
يخلط ميلودراما سردية...نعم ميلودراما سردية تختلط فيه قصة واقعية يبدو،بل لايبدو بل وعلى التأكيد أن تولستوي متعاطف معها منذ البداية.
يخاطب الخير والشر داخل نيكليندوف محاكيا الواقع على طريقة مصلح اجتماعي وليس على طريقة الدكتور جيكل والسيد هايد أو على طريقة دوستيوفسكي في الاخوة كارامازوف بل على طريقة السير صوب الهدف...البعث...الانسان الخير غلب الانسان الشرير.
من دون تأملات طويلة داخل النفس..الرواية سوف تسير نحو الهدف...الاستمتاع بالهدف فقط المتوقع..
الواقع الروسي الأليم...مسار لواقع محطم منذ البداية قدري من دون اي ارادة للأنسان...
مسايرة للهدف مع فيضان من الدقائق التي لاداعي لها...

حشو ارسطو الظالم( ارسطو طالب بشطب كل ما لا داعي له في الرواية)
وعاد ففكر ان البعث المعنوي الذي تم داخله كان جميلا ايضا
ومن ثم:كان الانطباع الأول الذي استولى على احساس نيكليندوف هو ان حدثا مهما قد طرأ على حياته،وقبل ان يحاول الكشف عن ماهيته كان عميق الاقتناع بأنه لن يكون الا نبيلا واصيلا:انه كاثرين والمحاكمة وضرورة قول الحقيقة في المستقبل والابتعاد عن النفاق.
ما الذي اضافته هذه الفقرة الى سابقتها ....لاشيء
اختزل تولستوي الرواية بجملة واحدة غير متأخرة...انه البعث أو بلغة الاصلاحيين (التوبة أو شعور عارم بالندم)
ولكن هناك الاحداث العرضية..هنا تكمن قوة الرواية الغربية..بل ان الرواية ذات الحدث المركز الواحد تعتمد اعتمادا قويا بالغا على احداث عرضية...مثل رواية الغثيان لسارتر التي تعتمد على حدث واحد على ان جمال الاحداث العرضية يكمن في الروايات المختزلة مثل رواية البعث:
ظنت ماسلوفا ان سمعها خانها أو لم تصدق ما سمعته اذناها،ولم تكن تتصور بحال من الاحوال أن هذا سيكون مصيرها،غير أنها عندما رأت وجوه المحلفين والقضاة الجادة الهائلة وهم يستمعون الى القرار وكأنه امر طبيعي عندئذ دوت صرخة الاحتجاج التي ملأت اصداؤها القاعة...
طبعا،تخضع الفكرة السابقة للبعث...العذاب الانساني في مقابل البعث الانساني القادم للتكفير عن الندم...
ولكن لنتأمل هذه الجملة:
اطالت البكاء وانهمرت دموعها بسخاء،واخيرا هدأت ثورتها النفسية فظلت قابعة في غرفة المتهمين،مستسلمة استسلاما تاما منتظرة من يقودها الى غير ذلك المكان...
ولم يبق لها من غربة سوى التدخين...
تتحول الرواية بلحظات ومن خلال حدث هامشي وعرضي الى رواية عن التدخين...عن الرغبة وعن القدرة على التدخين...في صفحتين نتأمل بحاجة ماسلوفا السجينة المظلومة الى التدخين
ومن ثم ننسى الحدث الكلي ونتأمل بفقرات وجمل على طابع:
كان نوح الفتاة عظيما لأنا رأت في ذلك المال عونا لها على بلوغ شهوتها في التدخين...
ومن ثم:سأكون مسرورة جدا لو ادخن لفافة تبغ ..قالت في نفسها
ومن ثم:ولم تتمكن ان تدخن في طريقها الى السجن...وهكذا بلغت ماسلوفا سجنها دون ان تشبع رغبتها في التدخين...ومن ثم..ومن ثم:
وقفز شاب اسمر اللون ذو شاربين كبيرين نحوها فاحدث قيده ضوضاء قوية ثم قبلها في فمها..
تكتسب الاحداث العرضية في ذات الحدث الواحد المختزل اهمية اكبر من الرواية ذات الحدث المركز غير المختزل،ولكن هذا لاينفي اهمية اللحظة في رواية كبرى (غير مختزلة)
آنا كارنينا مليئة بعبارات تكثيف اللحظة (لحظة الانتحار مثلا)
وهنا تكون الرواية الكبرى ملهمة:
اعتقدنا ان مصطلح الخفة اقتبسه كونديرا من رواية آنا كرانينا وهنا وضعنا سببا لظهور رواية تولستوي بين يدي تيريزا في صفحات الرواية الاولى.
الصدفة قد تكون حشو ظاهر....
قد تكون حكاية عرضية منسية أو قد تكون مقدمة لرواية كاملة...
عوليس ليست الا رواية عن اللحظة...عن الافق الاساسي للحظة،وتبرز قرارات اللحظة غير المهمة على الاطلاق كحدث بارز اساسي في رواية (وليدة اللحظة) على شاكلة روايات فرجينيا وولف وبالأخص مدام دالاوي...
اللحظة وما يدور بها من نزاعات وقرارات وتأملات اهم من انتحار ريتشارد في مدام دالاوي...هنا اللحظة تختزل ولكن بكثافة شديدة...تختزل حدثا تأمليا لو استغرق سرده لربما احتاج الى ساعات ولكنها لاتختزل رواية بجملة واحدة:
(وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)

كيف تختزل القصة العرضية بالحدث العرضي:
تقول احدى السجينات:لقد رأيت مرة معاقبة قروي بهذه الطريقة لقد بعث بي حميي لعند الاستاروستا وعندما وصلت الى...
ومن ثم يعلق تولستوي في ميلودراما السرد:
ولكن القصة التي كانت تنذر بأن تكون لانهاية لها ماتت على شفتي محدثتها أو سمع وقع اقدام في الممر فصحت النسوة واقبلن يصغين...
يتفكك السرد بالهدف المطلق للرواية خاصة عندما يكون مفروض على الكاتب أو ان الكاتب فرضه على نفسه،فتولستوي يريد تحقيق معادلة صعبة.
القيمة السردية عاطفية وميلودرامية توضح التعاطف الشديد مع ابطال الرواية (المختزلة) ماسلوفا والامير نيكليندوف،حيث يمكن تكثيف بعض مقاطع من الاختزال لنحقق فيلما لماكس أوفليس بامتياز،واذا كان تولستوي في خضم تمسكه بالهدف الواقعي للرواية والوعظ الاجتماعي فيستخدم الحدث العرضي-غير المختزل-لهدف وهو هنا التعبير عن الواقع الروسي.
اعتاد كتاب القرن التاسع عشر-القرن الرومانسي بامتياز-استخدام عبارات تفخيمية للواقع،فهنا نعيد الصياغة:
مأساة الواقع الروسي
فمقاطعة المأساة التصويرية-الحدث العرضي-لن يكون الا لعرض حدث عرضي اكثر تفخيما للمأساة:
لقد جاء به اولئك الشياطين وسيجلدونه الآن بلا رحمة أنهم يبغضونه لأنه لا يتصاغر امامهم..قالت الجميلة
ولكن في خضم هذه الاشياء يبرز الكاتب اشياء مقصودة..اشياء تبدو للقارئ عرضية لايتوجب التوقف عندها طويلا:
...فقد أخذ يتفرس في ذلك الوجه فأفزعته تجعدات عينيها وفمهما والورم البادي حول عينيها فأخذته الشفقة عليها فانحنى على الطاولة كيلا يسمع حديثهما الحارس الذي كان شبيها باليهود.
الحارس الذي كان شبيها باليهود...السردية الهامشية تقدم نبوءة حاصلة حول محاكمة القرن القادم الكبرى...
لو وضعنا هذه الجملة بدون مقدمات (عن ماسلوفا):
.....فصبت لها هذه نصف كأس من الخمر جرعته دفعة واحدة،ثم نظفت شفتيها وسارت وراء السجانة وهي تردد قولها:ايقاظا للجرأة
تستبيح جملة عرضية من الرواية هرما من الاحداث غير المتوقعة من خلفها ويبقى طنين التركيز الشفهي ملفتا للنظر...ايقاظا للجرأة
انها السحرية السردية لرواية مختزلة،فالسرد هنا ليس واقعي..ليس لتصوير مأساة روسيا وليس هدفه الاصلاح الاجتماعي ...انها جملة ضائعة عن استعداد للقاء مرتقب .
ايقاظا للجرأة...تبدو أفضل من جملة مطولة اخرى:
(وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)
بلال سمير الصدّر
24/8/2018



#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذباب أو الندم(جان بول سارتر):العود الأبدي للفكر
- سجناء الطونا(جان بول سارتر):محاكمة للفرد نفسه
- فرانز كافكا والمسألة الوجودية:الصراع هم الآخرون
- ماكبث1948(أورسون ويلز):دراسة أدبية
- إمرأة من شنغهاي1947(أورسون ويلز):هكذا بالتأكيد بدأت قصتي...أ ...
- الرجل الثالث1949(من اخراج كارل ريد وتمثيل اورسون ويلز):عودة ...
- آل امبرسون الرائعون1942(أورسون ويلز):عن صدمات اورسون ويلز
- 1000عين للدكتور مابوس:فيلم في غاية الروعة ولكن في نفس الوقت ...
- M1931(فريتر لانغ): فيلم ممتاز متكامل في الحبكة وفي التصميم و ...
- الفيلم الايطالي(عاقبة الحب Consequence Of Love ) :تقاطع الاد ...
- وصية الدكتور مابوس1933(فريتر لانغ):عبقرية اجرامية مبنية على ...
- جملة عن افلام صامتة لفرتر لانغ
- الدكتور مابوس 1922 (فريتر لانغ):سينما حديثة متطورة سابقة لعص ...
- عن عيادة الدكتور كاليغاري1919-1920:مفهوم الفن المضاد
- المصير أو الأضواء الثلاثة 1921(فريتر لانغ):ابداع توظيف فن جد ...
- سيد الظلام فريتر لانغ:الأعمال المبكرة ورحلة الى القمر لجيو م ...
- وداعا للغة (جان لوك غودار): وداعا لدور اللغة التعبيري....أو ...
- في باريس الحب 2001 (جان لوك غودار):عرّف الولايات المتحدة
- الى الابد يا مودزات 1996(جان لوك غودار):مودزارت سيظل على قيد ...
- موجة جديدة 1990(جان لوك غودار): الاسلام لم يبني على الشك مثل ...


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - رواية البعث (ليف تولستوي): (وعاد ففكر في ان البعث المعنوي الذي تم في داخله كان جميلا ايضا)