أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان الصباح - ِبصدد الطريق إلى الخلاص















المزيد.....



ِبصدد الطريق إلى الخلاص


عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)


الحوار المتمدن-العدد: 1507 - 2006 / 4 / 1 - 12:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن علينا أن نعترف أن كل شيء قد تغير في عالم الألفية الثالثة وان ما كان صالحا حتى بداية الربع الأخير من القرن الماضي لم يعد كذلك هذه الأيام فقد شكل انتصار الثورة الفيتنامية الحديثة مدخلا إلى عالم التراجعات وليس العكس في مجال الثورة العالمية في حين كان من المفروض أن تشكل حافزا جديدا لشحذ الهمم لكل قوى الثورة الطبقية والقومية في وجه الجلادين المغتصبين وفي وجه محتكري القوت والحريات, فعلى الصعيد الاشتراكي اهتم الاتحاد السوفيتي ومعه بلدان المنظومة الاشتراكية بحماية الإنجاز الداخلي وتطوير الدور السوفيتي ليقف في وجه الرأسمالية العالمية وفي المقدمة أمريكا وحرص كليا علىِ حماية فكرة التعايش السلمي وبوجهة نظر أخرى فكرة التقاسم غير المكتوب لمناطق النفوذ في العالم وبدل التحالف ألأممي حسبما تمليه النظرية أو المباديء الاشتراكية تصاعدت كثيرا الخلافات بين المعسكر السوفيتي والمعسكر الصيني إلى حد أنها طغت على التناقض الرئيسي مع الإمبريالية العالمية بل وفي كثير من الأحيان وجه الطرفين تهمة التواطؤ مع الإمبريالية كل منهما للآخر وداخليا تحولت فكرة ديكتاتورية البروليتاريا إلى ديكتاتورية الحزب وتدريجيا إلى ديكتاتورية الطبقة الحاكمة والزعيم الفرد وتجربة ستالين في الاتحاد السوفيتي وماوتسي تونغ وعصابة الأربعة في الصين وفي نفس الإطار القيادة الأبدية لتيتو في يوغسلافيا وشاوشيسكو في رومانيا وغيرهم غيبت كليا حكم الطبقة العاملة أو ديكتاتورية الأغلبية كما يمكن تبريرها ولا يكاد يكون هناك أمين عام سابق أو رئيس حي سابق في دول المنظومة الاشتراكية بشقيها الماوي واللينيني وبذا يمكن القول أنهم قضوا كليا على فكرة الديمقراطية كملك للأغلبية العمالية, ولم تغب الديمقراطية عن حقوق العمال والفلاحين الفقراء والفئات المضطهدة بل حتى عن الحياة الداخلية للأحزاب الحاكمة نفسها مما جعلها تشيخ وتتحول إلى مراكز للفساد والإفساد تماما ككل الأحزاب مطلقة السلطة باسم الحزب والفكر قولا وباسم القائد الفرد وزبانيته عمليا وبذا انتهى الحل بالتجربة الشيوعية الرسمية للانهيار مما عكس نفسه رسميا على الأحزاب الشيوعية واليسارية الناشطة في الوطن العربي والعالم ففي الوطن العربي عانت هذه الأحزاب تاريخيا من ارتباطها الوثيق بالشيوعية الرسمية السوفيتية أو الصينية وهي لذلك عاشت معزولة عن واقعها وغير قادرة على تقديم برامج قابلة للحياة والنجاح إلى أن جاءت ضربة سقوط الاتحاد السوفييتي والتراجع الحاد في الصين مما افقد اليسار في الوطن العربي توازنه وبدا واضحا انه لم يعد يملك رؤية واضحة فهو قد حاول مغادرة الشيوعية من جانب وبقي رافضا لقبول الفكر الإسلامي من جانب آخر إلى جانب غياب رؤية نظرية واضحة للفكر القومي العربي مما جعله يقع فريسة سهلة في أيدي الرأسمال العالمي وتحول في بعض الأحيان إلى منفذ للمخططات الإمبريالية في المنطقة والحزب الشيوعي العراقي خير نموذج لذلك بينما حاولت أحزاب أخرى تغيير جلدها وتنكرت للحزب الشيوعي علنا وان لم تفعل ذلك في السر كالحزب الشيوعي الفلسطيني الذي غير اسمه إلى حزب الشعب الفلسطيني ولا يخفى على احد الضبابية التي يعنيها مثل هذا التغيير.
على صعيد الحركات الدينية ظلت الأحزاب الدينية في المنطقة العربية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين على علاقة وثيقة بالنظام الرسمي العربي كالأردن والسعودية مما افقدها قدرتها على الانخراط في الحركة الشعبية المناوئة للارتباط بالغرب وعلى العكس من ذلك ظهرت في بعض الأحيان كحركات معادية للانسلاخ عن الغرب ومناهضة عمليا للقوى المعادية لأمريكا كما كان الحال مع نظام جمال عبد الناصر وظل الحال على ما هو عليه إلى أن جاءت التجربة الإيرانية أولا والانخراط القوي لتيار الإخوان المسلمين في فلسطين في المقاومة ضد الاحتلال والنجاحات التي حققها بهذا الاتجاه مما أعاد للإخوان المسلمين قدرتهم على تحقيق نجاحات اكبر في سائر المنطقة العربية وقد ساعدهم في ذلك ظهور التجربة الأفغانية والتفاف الجماعات المتطرفة حول هذا النظام وبدا واضحا ان هناك تيارين إسلاميين في المنطقة الأول: مركزه (إلى حد ما) إيران وهو معتدل إلى حد بعيد وهو تيار يملك قاعدة جماهيرية حقيقية ومرتبط بالحركة الشعبية و يحقق نجاحات في العديد من البلدان وان بشكل متفاوت ومتناقض أحيانا كما هو الحال في تجربة الجزائر وجبهة الإنقاذ والأردن وجبهة العمل الإسلامي ومصر وجماعة الإخوان المسلمين والحالتين الأبرز حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان والثاني(المتطرف) مرتبط ارتباطا وثيقا بالتجربة الأفغانية ومعزول عن الحركة الجماهيرية على الأرض ولذلك لجأ ويلجأ إلى أعمال العنف الضخمة للفت النظر إليه ومحاولة إحداث تغيير دراماتيكي في المنطقة على قاعدة إنزال الثورة بالبراشوت, إلا أن حال التيارين غير منسجم مع الواقع ففي حين تقيم الجماعات الإسلامية المعتدلة علاقات وثيقة مع النظام الإيراني الشيعي والذي يختلف معهم منهجيا وفكريا يقيم احد أجنحته علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية كما هو الحال مع الحزب الإسلامي العراقي ويدير جناح آخر معركة حادة مع الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الأمريكان في فلسطين, بينما يتجه التيار الثاني( المتطرف ) إلى الوقوع في حالة من التخبط وعدم القدرة على الفصل بين الإسلام كرافض للخنوع ومقاوم ضد المحتلين والإرهاب الذي يطال الناس العاديين فلا يوجد أبدا ما يبرر ظاهرة القتل اليومي ضد الأبرياء العراقيين أو الهجوم على الفنادق في الأردن أو السياح الأجانب في مصر ولم يتمكن التيار المعتدل حتى الآن والمتمثل بالإخوان المسلمين من خلق حدا فاصلا واضحا بينه وبين الاتجاهات الفكرية للتيار المتطرف رغم معارضته العلنية لأدوات العمل التي يستخدمها التيار المتطرف والذي يعتبر أسامة بن لادن والزرقاوي ابرز ممثليه وعلى العكس من ذلك بدأ التيار اللادني هجومه العنيف على التيار الاخواني واختار ابرز التجارب ليحط من قدرها ويتهمها بالتواطؤ وهي تجربة حركة حماس في فلسطين ونجاحها منقطع النظير في الانتخابات التشريعية لمجرد قبولها باستلام السلطة.
التيار القومي العربي من جانبه أيضا لم يعش حالا أفضل من حال التيار اليساري والتيار الإسلامي فبسبب من غياب تشكيلة اقتصادية واضحة وحقيقية قادرة على أن تقوم بدور الناظم للبنية السياسية في المنطقة العربية فقد انقسم الحال في المنطقة العربية إلى قطبين متوازيين الأول: النظام الرسمي العربي الذي وجد في الارتباط بالأجنبي شكلا من أشكال الحماية الضرورية لوجوده إما لمقاومة الغليان الشعبي الداخلي أو لمقاومة الأعداء من الخارج وكذا كان الحال مع الأنظمة التي رهنت وجودها بالاتحاد السوفييتي سياسيا مع إبقائها على حالة التناقض مع فكره وإيديولوجيته ورغم حجم العلاقة الوثيقة بين نظام عبد الناصر والاتحاد السوفييتي أو نظام صدام معه إلا أن ذلك لم يمنع النظامين من قمع أي حركة يسارية في بلادهم وكذا إجهاض أي تفاعل شعبي يهدف إلى إحداث أي تغيير في البنية الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية نفس الحال عاشته الأنظمة المرتبطة بالغرب فهي أيضا رهنت كل موقفها السياسي بالمركز الرأسمالي الغربي بريطانيا أولا ومن ثم الولايات المتحدة إلا أنها حافظت على خطاب معاد للتمدن والديموقراطية وكل مظاهر النهج والتفكير الغربي وكذا منعت وبكل قوة ظهور بنى تنظيمية طبقية قادرة على المساهمة في إعداد تغيير للبنية المجتمعية في بلدانهم, إذا فان قطبي التيار الأول كل من موقعه تآمروا وبنفس الهدف على الحركة الجماهيرية وعملوا دوما على إجهاضها ومنع انتقالها إلى الخطوة التالية ولذا ظلت حركة جنينية ضعيفة غير قادرة على إحداث تغيير حي وحقيقي وهذا ما جعل التيار الثاني وهو التيار الشعبي المعارض يقف في خط مواز للنظام الرسمي ساع لعدم التناقض معه حفاظا على مكتسباته الصغيرة وتدريجيا شكل التيار المعارض ديكورا شكليا للنظام الرسمي لا يختلف عنه سوى في اللغة فالنظام الرسمي العربي نظام ديكتاتوري لا يقبل الآخر ولا يؤمن بتبادلية السلطة وكذا الحال في أحزاب المعارضة العربية بكل تياراتها فكما غاب عن المنطقة العربية كلها لقب الرئيس السابق إلا في حالات نادرة خارج لبنان كما غاب أيضا لقب الأمين العام السابق ورهنت هذه الأحزاب مواقفها أيضا بمواقف الأنظمة العربية الرسمية حيث ارتهنت الحركة القومية العربية به ثم حاول ذلك أيضا نظام القذافي في ليبيا وأخيرا كانت تجربة نظام صدام في العراق وقد وجدت أحزاب المعارضة العربية في ربط مواقفها بهذه الأنظمة ليس فقط مصدرا للمال والإثراء كما في حالة صدام والقذافي وإنما مبررا للهروب من الاستحقاقات الوطنية لكل منها وكذا فعلت بتأييدها للثورة الفلسطينية وبدلا من أن تقدم هذه الأحزاب قضايا جماهيرها أولا على قاعدة أن تحقيق الإنجاز الإقليمي في كل بلد على حده في مسيرة إنجاز الاستقلال وبناء الديموقراطية والتطور هو لبنة في بناء صرح القومية العربية وانتصار لكل مكوناتها, هذا الحال أدى إلى قبول الأنظمة العربية بوجود أحزاب المعارضة في بلدانها تغني خارج الوطن ولا تقيم أدنى اهتمام إلى الحالة في الداخل ولم يكن ذلك صدفة بل كان تواطؤا غير مكتوب بين قيادات هذه الأحزاب وقيادات الأنظمة: انتم لكم السلطة الرسمية ونحن لنا سلطة المعارضة ولذا عجزت ولا زالت هذه الأحزاب عن رفع شعار حقيقي عن أهمية الديموقراطية وضرورة إشاعتها في المنطقة العربية بسبب من رفضها لتطبيق ذلك في حياتها التنظيمية الداخلية وحاربت أية محاولات جديدة لإنشاء حركات أو أحزاب تنافسها سلطتها.
الحال إذا معارضة عربية بكل تياراتها مرتبطة بشكل أو بآخر في الخارج وأنظمة رسمية لها أيضا ارتباطاتها الخارجية وحرص من الطرفين غير معلن على إبقاء الحال على ما هو عليه والتآمر على عدم إنضاج تشكيلة اقتصادية حقيقية كل من موقعه وقد ظل ذلك إلى أن جاءت ثورة التكنولوجيا ودخلت في كل مناحي الحياة وتمكن راس المال من إخفاء استغلاله خلف الآلة الحديثة والحدود المفتوحة والمنتوج الأرخص وسلسلة طويلة من الأنظمة والقوانين التي تنظم العلاقة الاستغلالية بين المنتج (العامل) وصاحب راس المال وتوارى راس المال عن الظهور العلني المباشر خلف أنظمة ديموقراطية في بلاده انطلاقا من راس الهرم السياسي في الحكومة والبرلمان وانتهاء بالبنى النقابية الهشة ذات القيادات البيروقراطية التي قزمت كل كفاح الطبقة العاملة في العالم إلى كفاح مطلبي قانوني بعيدا عن فكرة الثورة والتغيير ويدرك المراقب جيدا ان الديمقراطية الزائفة في الغرب كما هو الحال في البلدين الأبرز بريطانيا وفرنسا هي ديكتاتورية رأس المال والاحتكارات المالية الأضخم ففي الولايات المتحدة تحتكر السلطة بين حزبين فقط هما الجمهوري والديمقراطي والحال في بريطانيا بين العمال والمحافظين, وعلى الصعيد العربي لم ينضج بناء الطبقة العاملة رغم تحطيم البنية الزراعية في المجتمع الريفي وتضخم المدن بل على العكس من ذلك شكل جيش الموظفين الحكوميين نموذجا بديلا للطبقة العاملة المهمشة والتي لم تجد أيضا قيادة حية تملك برامج وطنية قادرة على الإمساك بها وإحداث التغيير الضروري.
والسؤال كيف يبدو الحال الآن في الوطن العربي؟ فالطبقة العاملة مفككة ضعيفة غير متماسكة وقد استشرت في أوساطها البيروقراطية واعتلت قيادتها منظمات مرتبطة جذريا إما بالأنظمة الرسمية أو المعارضة الرسمية واقتصر كفاحها على الجوانب المطلبية والقانونية وأصبح إصدار قرار في مجلس النواب لصالح العمال في بلد ما إنجازا كبيرا وابعد الحركة العمالية قسرا عن القضايا السياسية والعامة في بلادها ووجهت لتفريغ طاقاتها في التأييد اللفظي للقضايا العربية العامة كقضية فلسطين أو العراق أو في خوض معارك جانبية بعيدا عن القضايا الجذرية الوطنية والقومية, ولم يعد حال الفلاحين الفقراء أفضل من ذلك فالحداثة في الزراعة والفلاحة وتمركز ذلك في أيدي حفنة من رأسماليي الأرض حول الزراعة إلى نمط الإنتاج الممكنن والأقرب إلى الصناعي الذي لا يعتمد على الكم الكبير من الأيدي العاملة واقتصر العمل في الزراعة في كثير من الأحيان على كبار السن والنساء أو الفئات المهمشة غير المنخرطة في العملية الاجتماعية بشكل جذري وبالتالي يسود لدى هؤلاء الاعتقاد بانعدام الأمل بتجديد حياتهم أو تطويرها وهم إذن يستسلمون للواقع البائس لأنفسهم ويحاولون منع ذلك عن أبنائهم فيرسلون أبناءهم الشباب إلى المدن للانخراط في العمل الوظيفي الحكومي وفي أحسن الأحوال للعمل في المؤسسات الخدمية.
إن الانتكاسات التي منيت بها حركة التغيير في المنطقة العربية والهزائم المتلاحقة في مواجهة الأعداء من كل أشكالها بدءا بقضية فلسطين وانتهاء باحتلال العراق جعل الحركة الثورية العربية تتحوصل على ذاتها وانتشرت حالة من الإحباط ورفض الذات في أوساط المثقفين من جانب والجيل الجديد من جانب آخر واتجه معظمهم إما إلى الهجرة أو الحلم بها أو إلى قبول استخدامهم من قبل الشركات الأجنبية أو الكمبرادور المحلي أو حتى ما اسمي قسرا بمؤسسات المجتمع المدني وهي في غالبيتها العظمى تعيش على فتات ما تقدمه لها الحكومات الغربية من مساعدات, وساهمت الثورة الإعلامية العالمية ودخول التكنولوجيا في الإعلام في إغواء فئة كبيرة من المثقفين الناقمين على الحال وبدلا من أن يتجهوا إلى ممارسة الفعل على ارض الواقع في مجتمعاتهم انخرطوا في وظائف تقدم خدمات جليلة للإمبريالية لصالح تثبيت حال المجتمعات العربية كمجتمعات استهلاكية تابعة وغير قادرة على صياغة ذاتها وتميزها في ظل عالم يتجه قسرا نحو نظام القطب الواحد وعولمة أمريكية بالمطلق, ولذا فإن الحال في الوطن العربي الآن على قاعدة المثل الشعبي (يصعب على الكافر) ففئة قليلة جدا هي تلك التي مازالت ممسكة بالجمر وهي مفككة, ضعيفة وغير متجانسة, وهي تحمل في طياتها نظرية نفس المجتمع الذي تنتمي إليه بقناعة أن الذات هي الأفضل وان لا وجود للآخر وكل ما عدا ذاتي فهو متآمر وخائن ومرتبط بالاستعمار ولذا تنتشر على مدى الوطن العربي وفي الشتات حيث تجمعات الجاليات العربية مجموعات صغيرة من المثقفين وأشباه المثقفين ناقمين على الحال الذي وصلنا إليه مكتفين بالتجمع في صالونات صغيرة معزولة وإدارة حوار داخلي لفظي ليس له علاقة بواقع الحال أو بالحركة الحية على الأرض.
والسؤال الآن أين تكمن مصادر الثورة الحقيقية في الوطن العربي؟ ومن أين علينا أن نعاود البدء في صياغة عملية ثورية حقيقية واقعية وقادرة على العيش على ارض الواقع لا في عقول منظريها؟ فقد تبين بما لا يدع مجالا للشك بان الحركات الانقلابية في الوطن العربي قد فقدت مبررها وان كل الحركات الانقلابية تقريبا قد تحولت إلى نظم ديكتاتورية معادية لجماهيرها وان فكرة توجيه الأنظار نحو النمط الانقلابي على السلطة على قاعدة أنها هي وحدها وسيلة التغيير الوحيدة التي ينبغي الإمساك بها هي فكرة غير واقعية وغير صحيحة فالتجارب أثبتت أن الانقلابيين يتحولون رغما عن أنوفهم إلى ديكتاتوريين بدل أن تصبح وسيلة لصياغة تشكيلة اقتصادية اجتماعية تتحول إلى بديل قسري للفعل الاجتماعي يلغي المجموع كليا وبشكل عنفي في كثير من الأحيان, من جانب آخر فقد انتهت إمكانية أن تشكل أحزاب المعارضة الرسمية البيروقراطية رافعة لإحداث تغيير واقعي حي على الأرض, أما على الصعيد القومي العام فقد اختزلت بعض الأنظمة العربية حركة التحرر القومي العربي ومكوناتها الإقليمية في ذاتها, فعل ذلك كما اشرنا سابقا نظام عبد الناصر وحاول تقليده نظام القذافي وأخيرا نظام صدام حسين الذين ربطوا المكونات الإقليمية للحركة القومية العربية ببرامجهم الإقليمية أولا وتدريجيا بشخوصهم لان ذلك لم يقم على أسس برامجية مشتركة للعمل العربي كما ينبغي له أن يكون ولا على الشعارات القومية والاندفاع القومي كما فعل نظام عبد الناصر إلى حد ما بل على المصالح المادية البحتة وشراء الذمم وإثراء قيادات هذه الأحزاب, مما ساهم إلى جانب ما فعلته الدول النفطية على نفس المنوال إلى تخريب كل حركة المعارضة العربية ومكوناتها وتحويلها من حركة فاعلة مرتبطة بجذورها القاعدية بمصالح وقضايا جماهيرها إلى بوق لتنفيذ مصالح الدول الممولة, لقد شكل النظام السعودي والنظام العراقي قطب هذه المعادلة المدمرة.
تنحصر مهمة الثورة في الوطن العربي في انجاز الاستقلال الاقتصادي وتهيئة الظروف المناسبة لإنضاج التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية كمقدمة ضرورية لإنجاز الاستقلال السياسي ذلك يتطلب ترافق حي بين التطورات في الوعي والإنتاج ودون ذلك, أي دون ان يتطور الوعي والفكر العربي بما يتلاءم وتطور العالم ودون أن ينتج ذلك عن تطور حققي في استغلال الثروات الطبيعية والطاقات البشرية بما يكفل انتقال العالم العربي من عالم مستهلك في الفكر والإنتاج إلى عالم مبدع على الصعيدين ومدرك لأهمية التزاوج بين الحضارات وان البشرية وحدة واحدة فان الحال لن تتغير أبدا وسيبقى حال العرب مجرد ملحقين غير قادرين لا على إحداث التميز ولا حتى التماثل مع الآخرين حتى لو أرادوا ذلك
عمليا شكلت القضية الفلسطينية دوما منذ بدايات القرن الماضي مركزا لالتقاء كل مكونات الحركة القومية العربية وقوى التقدم ومع أن الثورة الفلسطينية نفسها انزلقت إلى مستنقع الاسترزاق والإثراء وبالتالي أصبحت منقسمة على حالها ليس بسبب البرامج الوطنية بل لارتهان مواقف أطرافها بمواقف الدول الممولة لها وتدريجيا انزلقت إلى شعار القرار الوطني المستقل والقضية الوطنية الفلسطينية ملك أصحابها وقدمت إعفاءا مجانيا للعرب من تحمل مسؤولياتهم تجاه قضية كانت وما زالت مصدر إجماع عربي رسمي وشعبي, وبدل أن تحقق الثورة الفلسطينية المحاصرة منذ عام 64 وحتى اليوم إنجازات حقيقية في المشروع الوطني حققت ولا زالت تراجعا تلو تراجع منذ أيلول الأردن إلى حزيران لبنان والخروج الكبير إلى عسكرة الانتفاضة الأولى وعزلها عن جماهيرها والانقضاض عليها بمشروع اوسلو السيئ السمعة والذي لم يكن قادرا على الحياة مما قاد الجماهير الفلسطينية إلى الانتفاضة الثانية التي شكلت في بداياتها ملحمة عربية حقيقية امتدت على طول الوطن العربي وعرضه حتى جاء التآمر عليها من داخلها وتمت عسكرتها أيضا وبدلا من أن ننجز خطوة إلى الإمام أتجزنا تراجعا جديدا إلى الخلف وتمكن الاحتلال الصهيوني من إقامة جدار الفصل العنصري حول المناطق السكنية في الضفة الغربية وعزل قطاع غزة عن العالم بانسحابه أحادي الجانب, فما الذي حققناه إذا على صعيد القضية الفلسطينية؟ في عام 67 تمكنت إسرائيل من التهام ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وبدل حشد الجهود العربية كلها في مواجهة العدو الصهيوني كما كان الوضع مهيئا بعد حرب عام 67 انبرت الثورة الفلسطينية لإدارة صراعات عربية داخلية حول أحقية تمثيل الشعب الفلسطيني بينما انفرد العدو الصهيوني بالأرض يهودها ويفرغها من مواطنيها كما فعل تحديدا في القدس العربية, ثم جاءت اتفاقيات كامب ديفيد وبعدها اتفاقيات اوسلو ثم وادي عربا إلى أن وصل الحال بنا إلى فلسطينيين عزل ضعفاء في مواجهة أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط وأمة عربية تصفق تأييدا لدم فلسطيني يراق على الأرض وارض فلسطينية تنهب علنا وباستمرار.
في غضون ذلك جاء الاحتلال الأمريكي للعراق والذي شكل في مضمونه انتكاسة جديدة للفعل الثوري في المنطقة العربية بارتماء المعارضة العراقية بكل أطيافها تقريبا في أحضان الإمبريالية الأمريكية بقبولها العودة إلى بلادها على ظهر دبابات المحتلين الأمريكان" كذا فعل الشيوعيون والإسلاميون والليبراليون والملكيون" وكانت النتيجة احتلال أجنبي باسم المعارضة العراقية وبطلب منها والتي تحولت بمعظمها تقريبا إلى سلطة تحت الاحتلال, هذا الحال افرز حالة عراقية فريدة تداخلت فيها المقاومة الوطنية الحقيقية ضد المحتلين وعملائهم بالإرهاب الطائفي والعرقي وأصبح الخلط الأهوج للفعل العنفي في العراق معضلة حقيقية بحيث لم نتمكن بعد من إيجاد حد فاصل بين الفعل الثوري المقاوم فعلا للاحتلال والفعل التخريبي الساعي للضغط من اجل دفع البلاد نحو الانقسام الدائم طائفيا( السنة والشيعة) أو عرقيا( العرب والأكراد والتركمان).
ومرة أخرى يبقى السؤال حول مكمن مصادر الثورة الذي ينبغي علينا التوجه إليها, هل هي قضايانا القومية أم الاجتماعية الطبقية أم الإقليمية الوطنية أم قضايا البشرية الكبرى وفي مقدمتها قضية العولمة والقطب الواحد وانحسار الثورة العالمية وتراجعها إلى الوراء وحالة الفلتان المجنون للإمبريالية الأمريكية والشكل البشع الذي تمارسه في استخدام الأمم المتحدة والمباديء والقوانين الدولية لخدمة أهدافها ومصالحها وهل من الممكن الدمج بين سائر مكونات العملية الثورية برمتها الوطنية والقومية والأممية بدءا من القضايا المطلبية والحريات والديمقراطية وقضايا المرأة مرورا بقضايا التحرر الوطني وانتهاء بقضايا الكون.
على الصعيد العربي فانه لا يختلف اثنان أن القضية الفلسطينية لا زالت تشكل الرافعة الرئيسية للانتماء العربي الجماعي لقضية رئيسية واحدة وقد بينت أحداث الانتفاضة الثانية حجمِِ التضامن الشعبي العربي الواسع مع الكفاح اليومي لجماهير الشعب الفلسطيني إلى جانب التضامن التاريخي من قبل قوى وفعاليات الأمة العربية منذ الثلاثينات وحتى اليوم, وكذا تنضم العراق اليوم للهم العربي العام وتتجه أنظار جماهير الأمة العربية إلى العراق وما يحدث بها بشكل يؤكد أبدا أن هناك رابط حقيقي للقومية العربي من المحيط إلى الخليج بين كل مكونات الأمة, إلا أن المشكلة تكمن في نمط التضامن الذي تمكن الجناح الرسمي للمعارضة العربية أو أولئك الذين يدعون وصايتهم على الحركة الشعبية العربية من فرضه وتحويله إلى نمط التضامن الوحيد وبدل أن تتحول قضية فلسطين والعراق إلى قضية محرك فعلي للعمل المقاوم للوجود الإمبريالي برمته في كل المنطقة أصبح بإمكان نظام مثل النظام القطري أن يستضيف القواعد الأمريكية من جهة وقناة الجزيرة الناقدة وقيادة الحركات الإسلامية وان يلعب دور الوسيط بين الإمبريالية والصهيونية وأعدائها, ألا يشكل ذلك مهزلة العصر, ثم ألا يعني ذلك أن علينا أن نعيد فحص دور المعارضة العربية الرسمية وتواطئها شبه المعلن مع الإمبريالية وأعوانها, دون أن تتحول عملية الفحص النقدية تلك إلى نموذج جديد للهرطقة اللفظية والخطابية المفرغة من أي مضمون واقعي, ونعاود الوقوع في نفس الأخطاء التاريخية التي وقعت بها الحركة النقدية العربية والتي انحصرت كليا في أوساط مثقفين رأوا دوما في أمنياتهم الوردية نماذج للسوبر الذي يصعب على العامة الوصول إليه واكتفوا بحلمهم الذي لم يقرأه احد سواهم على الإطلاق حلما لم يتعدى ابدوا جدران غرف نومهم أو صفحات دفاترهم.
من جانب آخر فان الشغيلة والمنتجين المقهورين والرأسمالية الوطنية رغم ضعفها وحتى صغار المالكين والحرفيين ومعهم الجيل الشاب الساعي لكرامته وتلك الحفنة من المثقفين الذين لم يرهنوا مصير أمتهم بإنجازاتهم الفردية ولم يلعبوا دور المصفقين لمن يدفع أكثر, لا زال أولئك جميعا يشكلون المخزون الحي لمسيرة التغيير الضرورية للأمة العربية برمتها في سبيل الانعتاق من السيطرة والاحتلال والاستغلال الأجنبي للوطن العربي ثروات وبشر.
صحيح أن البلدان الصناعية الكبرى تعيش حال من البحبوحة الاقتصادية وان مشاكل الفقر والجوع تكاد تكون من الخرافات إلا أن حالة الفراغ الروحي والإنساني تشكل واحدة من أم المشاكل لدى مواطنيها وكذا الحال لشعوب البلدان المقهورة والملحقة وفي مقدمتها البلدان العربية والتي شكلت الهزائم المتلاحقة وانعدام المثال وغياب المرجعية الروحية المترافقة مع حالة كفاحية حقيقية أصابت المواطن العربي بحالة عجز واغتراب دفعه للبحث عن اقصر السبل ولذا وجد الشباب العربي في التطرف الديني والعنيف بديلا سهلا لحالة الضياع وأصبح إلغاء الآخر بالمطلق ردا منطقيا على سعي الآخر من جانبه لشطب كل الشعوب المقهورة وتحويلها إلى أدوات في ما كنته لها مهمة وحيدة وهي خدمته وتنفيذ أهدافه والقبول بالخنوع له وساهمت الثورة التكنولوجية والامكانيات الهائلة لدى الدول الرأسمالية الى تجميل نمط الحياة الغربي والحريات الشخصية ةالامكانيات الهائلة للعمل والعيش والاستقلالية الشخصية وقد نجحت هذه الدعاية بفضل الحال في الجهة المقابلة الفقر والجوع وكبت الحريات ومنع التنقل والعمل ودفع المواطن العربي رغما عنه إلى الشعور بالاغتراب والرغبة الجامحة بالتخلص من الذات وأصبح الحلم الرئيس الذي يعتري الشباب العربي - المفرغ من أي غذاء روحي وطني أو قومي أو ديني راسخ الجذور حي وعصري - هو التخلص من جنسيته العربية والحصول على جنسية غربية, ويكفي لأي مواطن عربي أن يسافر من بلد إلى آخر لكي يعيش حالة من القهر تدفعه للانتظار ساعات وساعات أمام سفارة الولايات المتحدة أو كندا أو البرازيل أو غيرها طمعا بالانضمام إلى تلك الجنسيات وكل ما يحلم به أن يعود إلى بلاده محترما لأنه يحمل جنسية أعدائه.
الجيل العربي الشاب أو جيل المستقبل كما نسميه مثله تماما مثل كل شباب البشرية بحاجة اليوم أكثر من أي وت مضى الى ان يجد منهلا لغذاء روحي يدفعه للاقتناع بأهمية انتمائه لذاته لا أن يترك عرضة للتيارات المتطرفة التي لا تحمل أبدا معها إلا فكرة الكراهية المطلقة للآخر، إن المجتمع العربي ومعه كل شعوب الشرق والقوميات المضطهدة والمهمشين على وجه الأرض، وأولئك الذين لا يدركون أن حالة الضياع التي قادتهم إليها مجتمعاتهم الغربية هي نتاج طبيعي لاستخدامهم ومقدرات بلادهم وقوة عملهم في سبيل قهر الآخرين خارج حدود بلادهم وان حريتهم وحرية عقولهم مستحيلة ما داموا يستخدمون أدوات للقتل والتدمير والاحتلال والسيطرة, ويملك العرب دون غيرهم تلك القدرة على لعب دور الطليعة بين الشعوب المقهورة للامساك بروحانية الكفاح ضد الاستغلال والقهر والاحتلال على طريق تجييش كل المضطهدين في سبيل خلاص البشرية.



#عدنان_الصباح (هاشتاغ)       ADNAN_ALSABBAH#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لننتصؤ بحماس لا عليها
- العرب بين شخصنة المسائل ومسألة الشخوص
- عملمة القوة
- خلافا لأمنياتهم
- ثورة في الثورة
- شكوى
- حتى الاكاذيب توحد
- انهم يعرفون ما يريدون
- يعالون على حق...ولكن
- الشرعية المنتقاة
- الوطنية سلاح الديمقراطيين
- الأقصى والنصرة الموسمية
- كفاح اللاعنف
- فلسطين ارض لا تحتمل الحدود
- بين الحقائق فوق الأرض
- قديسات وعاهرين
- في مواجهة الصلف الاسرائيلي
- صواريخ غاندي
- قوة الضعف الواعي
- المرأة والحريات المنقوصة


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان الصباح - ِبصدد الطريق إلى الخلاص