أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل السابع 1














المزيد.....

خجي وسيامند: الفصل السابع 1


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5973 - 2018 / 8 / 24 - 21:53
المحور: الادب والفن
    


التذكرة المراكشية، تتقلب أوراقها بين يديّ السيّدة السويدية مع تقلب جسدها على سرير الوحدة. تتداخل في صفحاتها الناصعة ألوانُ أقلام متعددة، حال مرجٍ من الأقحوان الأبيض يموج بألوان من زهور الربيع. تخفق كلماتها، كذكرى نابضة بالحياة؛ كنسيم ربيع المدينة الحمراء، المحمل بأريج جنائنها وعَرَصاتها؛ كريح " الشرقي "، يهز هامات النخيل، المتطامن بسعفه على المشهد المهيب لساحة الملاحم والأعاجيب.
هيَ ذي " تينا " في المكان نفسه، ساحة جامع الفنا، يأسرها المشهد الليليّ المترامي تحت بصرها ليختزنه ذهنها أبداً؛ ليتراءى لها لاحقاً في ليالي الشتاء الشمالية، الجليدية، أشبه بحُلمٍ دافئ لا يُرام. كأنما رحلتها ( أو مهمتها لا فرق ) اختزلت هنا، داخل القلب الخافق للمدينة القديمة، بكل ما حفلت به من مفاجآت ومصادفات وغرائب؛ بكل ما ينتمي للخيال، كما وللواقع.. كأنما على أيام رحلتها، القليلة المبتسرة، أن تجتاز السنين والعقود والقرون والحقب، وصولاً إلى هذه اللحظة الزمنية؛ إلى جلستها على ترّاس كافيه دو فرانس، المشرفة من علٍ على المشهد الفنتاسيّ المؤثر؛ المشرفة على تاريخ كامل من سلالات متعاقبة، متناحرة الأعراق والمذاهب، أو متآلفة المصالح والأهداف ـ كما عالم المدينة الحاضر، المنطوي على جماعاته في أحياء مسكونة بمشاعر متبادلة من الريبة والحذر أو الإلفة والمودة.
إلا أنّ الليل كفيلٌ بالتغطية على كل تلك المشاعر، مثلما هيَ همته في حفظ آهات المتعة والشبق وراء جدران حجرات النوم في المنازل والرياضات والعمارات. الساحة، مرآة لليلِ بعتمتها وبصيص نجوم مصابيحها الكهربائية وقناديلها الغازية وشموعها. عندئذٍ تشتعل موسيقى الفرق المحلية والجبلية؛ يتصاعد قرع طبول الغناوة الأفريقية، المرافقة للدفوف والنايات المغربية، ترتعش على إيقاعاتها وأنغامها أجسادُ جوقات رقص محترفة لرجالٍ ومخنثين؛ تتردد كلمات الأغاني باللغة الأمازيغية واللهجة الدارجة وحتى اللهجة المصرية، مصحوبة بآلات غربية وشرقية معاً، تصهر الحضورَ المتنوّع الأجناس ببوتقة الشعر واللحن والطرب؛ تترامى أصوات نسائية ورجالية، داعيةً روّاد المكان لخيمٍ وعربات ودكات، مختصّة بكلّ ما يخطر لخيال المرء من فن ولعب وتسلية ولهو ومجون وحكي وشعوذة وعطارة. فوق قطيفة المشهد، هنالك، القاتمة اللون والمطرزة بحبات ماسية براقة، يطوف دخانُ شواء أكشاك الأطعمة، ضبابياً ليلكياً ـ كأنه طائفة أرواحٍ منتزعة تواً من أجسادٍ أتعبها الكدّ والهرَمُ، محلقة سعيدة بحلم الفردوس الموعود.

***
يقول لها رفيقُ الليل، حالماً بدَوره: " تلك المرأة الملغزة تشبه الحقيقة، ما أن تود الإمساك بها حتى تفلت منكَ بعيداً ". وكان " سيامند " قد أبدى رغبته في البقاء معها، دونَ أن يعبأ بالنظرات الحادة من لدُن الابنة الصغرى للأسرة المُحسنة. لم يكن في وسع " تينا " الإصرار على رغبتها في أن تكون وحيدةً عند وداع المشهد الليليّ للساحة، لولا تهيّبها من العودة إلى الشقة في ساعةٍ متأخرة، متخمة بالسكارى والمدمنين والمنحرفين.
" ألا ترى أيضاً، أنك شبيه بزوجها الراحل "، ردت عليه فيما أصابعها تداعب ولاعته المذهبة. كانا يتكلمان بصوتٍ مرتفع، نتيجة قلة روّاد المقهى كما وضوضاء الساحة. بدا من ابتسامته، المضاءة بخبث محبب، أنه يبغي المراوغة. وهكذا توقعت سلفاً جوابه: " أجل بالطبع، فإنه أخي! "
" أنتَ تعرف ماذا أقصد "
" ولكننا على اختلاف في الطبع، ومن المفترض أنك بنفسك عرفتِنا كلينا "، قالها مُطلقاً ضحكة مقتضبة. رأسها، اهتز بحركة تنمّ عن النيّة في إمعان الفكر. ثم انتبهت بعد دقيقة ليده الدافئة، تحاول سحب الولاعة بتأنّ من بين أصابعها. " آه.. "، ندّت عنها بصوت خافت وهيَ تفلت غرضه. على الأثر، لمعت في رأسها صورة آخر طفل ساعدت في سحبه من رحم الأم إلى نور الحياة. فأضاءت الصورةُ، في التالي، ابتسامة على فمها، فما عتمت شهيتها للجدال أن تجددت: " سيامند، عُدني ألا تتسبب في مزيد من الشقاء للفتاة. لا تنسَ أنها ترعى ابنة أخيك بكل محبة وحنان؛ أنتَ مَن قدِمَ إلى مراكش من أجلها "
" سوف أكون حريصاً على ذلك، اطمئني بالاً. ولكنني أنبهك إلى حقيقة مهمة، تتعلق بمسلكها: إنها هيَ من جلبت المتاعب دوماً، سواءً لنفسها أو للآخرين. تذكّري أنها كانت على أفضل انسجام مع ذلك الشاب، آلان، حتى إذا ظهرتُ أنا على مسرح خيالها المحموم نبذته ثم وضعتني نُصب عينيها كخطيبٍ أكثر حظاً لنواحٍ مادية ولا ريب "، أجابَ على دعوتها مع بعض الاحتداد في نهاية الكلام. على أنه ما لبثَ أن عادَ فابتسم، فاستطرد بنبرة دعابة: " كما أن آلان يعشق الفتيات السمر، أي على عكس مزاجي! "
" ولكنّ شعرها أسود، فتاتك الجديدة؟ "
" أي فتاة جديدة، هذه؟ "، تساءل وقد اتسعت ابتسامته وأضحت أشد خبثاً. غير أنها شاءت تغيير الحديث، بعدما استعاد ذهنها على غرّة أمراً ملحاً كان قد سلاه على خلفية مسألة الغيرة تلك. تطلعت في ملامحه الجميلة المرحة، الملائمة لجسده الرشيق وأناقته وطريقته في تدخين السيجار، ثم شرعت باستجوابه في شيء من الصرامة: " كان ذلك الرجل، عبد، أول من التقيتُ معه في الطريق إلى مراكش. لقد كلفته صداقتي تعطيل أعماله هنا، بأن صارَ في خدمتي كسائق ومرافق لنحو أسبوعين. حسناً، سنضع فضوله وتطفله على جانب. أنتَ كنت تعرف انطباعي عنه، وربما وافقتني آنذاك عليه. بلى، وإنه من ناحيته كان يمحضك أشد النفور. الآن، أرى أنك عقدت معه صداقة وربما ما هوَ أبعد من ذلك؟ ".

> مستهل الجزء الأول/ الفصل السابع، من رواية " الصراطُ متساقطاً "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خجي وسيامند: الفصل السادس 5
- خجي وسيامند: الفصل السادس 4
- خجي وسيامند: الفصل السادس 3
- خجي وسيامند: الفصل السادس 2
- خجي وسيامند: الفصل السادس 1
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 5
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 4
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 3
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 2
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 1
- خجي وسيامند: بقية الفصل الرابع
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 3
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 2
- خجي وسيامند: الفصل الرابع 1
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 5
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 4
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 3
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 2
- خجي وسيامند: الفصل الثالث 1
- خجي وسيامند: الفصل الثاني 5


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - خجي وسيامند: الفصل السابع 1