أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - قراءة في رواية (إيربن هاوس) لطلال أبو شاويش















المزيد.....

قراءة في رواية (إيربن هاوس) لطلال أبو شاويش


ناصر عطاالله

الحوار المتمدن-العدد: 5972 - 2018 / 8 / 23 - 12:17
المحور: الادب والفن
    


قراءة في رواية "إيربن هاوس" لطلال أبو شاويش
ناصر عطاالله:
الروائي طلال أبو شاويش، ترك لتجربته الأخيرة( إيربن هاوس) إثبات ذات على أن الوطن المتخم بالأزمات، المثقل بالهموم، والموجوع في تفاصيل مفاصله، أفضل بكثير، من هجرة إلى بلد كانت المتسبب الرئيس في مأساته كفلسطيني، أو أن مبدأ الهجرة يعني الدخول في المجهول المصقول بالإهانة الشديدة، والازدراء المقيت، اعتراف منه أنّ المخيم ولا المنفى .
لم يتخل أبوشاويش الروائي المتميز في وصف المشاهد، وأماكنها، وإرهاصاتها، حتى تبدلاتها المفاجئة، عن حقيقة الانتماء للوطن، لينطلق من عاصم بطل روايته، الذي خاض مرحلة الاعتقال والتعذيب، وتحمّل الكثير من أجل هويته الوطنية، رغم قسوة هذه المرحلة، لم تكن هي الدافع الأكبر لخروجه من قطاع غزة، باتجاه ما وراء الموانيء، طلباً للسلم الشخصي، أو هكذا كان تخيله.
عاصم الذي يشبه كل فلسطيني في هذه الفترة المضغوطة بالهموم، والمشبّعة بالأزمات، حاول الخروج ولو إلى حين، من حالة اقتباس النفس في تيهها، إلى اقتناص فرصة السلام الشخصي، بنقل الجسد، من المحاصر المركب بالصعوبات، إلى المختلف وغير المكتشف بالنسبة له، بريطانيا "العظمى"، فالبحث عن المحاولة انضجت الخطوات إليها بالمشورة المستمرة مع صديقه في الحياة والنضال والأسر إبراهيم، الذي عاش أدق تفاصيل رحلة عاصم، منذ خروجه عبر معبر رفح، وتمرير مشاهد المعاناة التي يعيشها الفلسطيني، اثناء سفره، هذه المعاناة التي تعمل كممحاة مؤقتة لكل أشكال ما يتعرض له الفلسطيني من عدوان على واقعه، وحياته في قطاع غزة، وما جاء به الانقسام لتغلق عين على واقع مرّ، وتفتح على ما هو أمرّ.
الروائي لم يغفل أسباب تفكيره بالهجرة، ودوافعه الملحة، التي شكلت له هوس الخوض في تجربة التخفيف عن النفس، بتغيير الأمكنة، ونجح في تبرير خطوة الهجرة، بعد تخمرها بغبار التدمير، والخراب، والرؤوس المقطوعة لأطفال ماتوا بدون ذنب، وطوابير العطالة عن العمل، وعصا غليظة ترهب كل رافض للواقع الصعب، وغياب أفقٍ ما كان ليأتي لينقذ ما يمكن أن ينقذ، ورغم إطلاع عاصم المثقف والكاتب، على دور بريطانيا في استعمار فلسطين، وأنها صاحبة الوعد المشئوم (بلفور)، ودورها في تشريد ونفي الفلسطينيين، وتكديسهم في مخيمات بائسة، إلا أنه أراد خوض تجربة اكتشاف المكتشف ولكن بحواسه الخاصة، وتجربته المقررة.
الكاتب أراد أن يتجول في دماغ المستبد، ويفرش فوق ترابه شواهد إضافية، ليثبت لنفسه الهائجة والمحتقنة أن الدول الجائرة، حمالة أوجه، وأكثر وجه واضح فيها القبيح الممنوح للعرب، والمستور عن غيرهم بجداريات القوانين والأنظمة، ومدعاة حقوق الإنسان، والدليل ما يجري للاجئين من بلدان تعيش القهر والاضطهاد، وتصل بريطانيا كملجأ متوخى فيه السلم والأمن، إلا أن "إيربن هاوس" فيها إجابات عن أسئلة كثيرة، تعري زيف العدالة المقنّعة، وتفضح حماة تاج الملكة.
والروائي طلال أبو شاويش الذي تحسس مواطن التمييز العنصري في روايته المبحرة بمئتين وأربعين صفحة من القطع المتوسط، مبللة باللون الأصفر، كدلالة غير مباشرة على أن ما فيها، من أحداث مخلقة بأنياب صفراء، لطالما وطنها، استعمار عتيق، خربَّ في العالم من أجل نهب ثرواته ما خرب، ليدعي فيما بعد حمله راية العدالة، الراية التي سقطت في (إيربن هاوس).
(إيربن هاوس) أو مركز اللجوء، أراده منشئوه أن يكون بجوار أكبر سجن في البلاد، لأخطر المجرمين، وأشدهم ضراوة، وفي تقريب بين نقيضين، ذكاء واضح من الكاتب، فمن يضع العصا أمام الضعيف المسحوق، يضمن ضعفه وقهره إلى ما يشاء، فاللاجئون من بلادهم، اضاعوا الكثير من أحلامهم في مسير الوصول إلى منفى أمن، ولكنهم اليوم يعانون من تعذيب تخفيه النفوس في حنايا الصبر، لتمرير أيام قد تكون من أشد أيام العمر بؤساً، فالطعام في (الإيربن هاوس) طعام شحيح وقحيط، لا يوصف للأدميين، مصحوب تقديمه بالإهانات والتقبيح، وناقص بالطعم قدر نقصانه في الوزن، والكفاية، ورغم ذلك وتحت الحاجة وإلحاحها، قد تُفتح من أجله معارك، وشروطه المؤطرة بالأنظمة والقوانين، أصعب ما يتحمل الإنسان في غربته، فعاصم الذي مرت من أمامه امرأة وطفلتها، لتأخذ طعامها الفقير، طلبت من مقدمه أن يزيد فرفض، فانتفضت نخوة الفلسطيني، لينقص من طعامه ويعطي اللاجئة مثله بالمكان والغاية، إلا أنه منع بسطوة المتكبرين والقائمين على توزيع الطعام، وكاد يطرد من مركز اللجوء بسبب إنسانيته الفائضة عن الحاجة، كما كانت تهمته كسر نظام لا يمكن كسره.
( إيربن هاوس) الذي جمع الهاربين من كشمير وإيران والصومال والسودان وتونس، وسوريا المجروحة، وافريقيا السمراء، استطاع الكاتب أن يقنع نفسه، أن هموم غيره، أكبر بكثير من همّه، وأن غزة وما تعيشه من حالة استثنائية غير مقبولة، أقل بكثير مما تعانيه مناطق كثيرة في هذا العالم، ولكن نجح في سبر بعض الحكايات المؤلمة التي دفعت أصحابها إلى الارتماء بأحضان التمييز والاستعلاء البريطاني، وقسوة المعاملة، وخشونة التعاطي مع اللاجئين، وصرامة الأنظمة لمنح الإقامة أو المواطنة، فالكل في ( إيربن هاوس) تحت المجهر، وقيد الدراسة، وبين دفتي ملف أمام قاضي ومندوب الداخلية، في محكمة تقرر مصيرهم.
والكاتب الذي تحول إلى ما يشبه صحافي استقصائي، يسجل للاجئين، ويأخذ لهم صوراً، ليكتب عنهم فيما بعد، انتقل منه كلاجئ فلسطيني يعاني، إلى الكشميريين الذين يعيشون في بلادهم حالة الاضطهاد المقيت، ماراً بالصوماليين الذين تنهب ثرواتهم، بفعل الاستثمارات، وتختل موازين حياتهم بتدخلات أصحاب النفوذ الغرباء، وهنا يسجل ملخصاً غير محصور بالصوماليين، كحالة شاهدة على الظلم الذي يعيشونه في بلادهم، فتيمبا الشاب الثري الذي فقد والده المذبوح رغم مرض أصابه تحت تأثير كارثة الاستيلاء على أملاكه، من قبل سلطة فاسدة، استحضرت استعماراً خفياً وتجاراً منحرفين أخلاقياً، ليعثوا في الأرض خراباً، فما كان منه إلا أن يروض النفس على الصبر، حتى يتمكن من الانتقام لشقيقه الذي تحول إلى جهاز متعة لخليجي ثري طامع، قتله بعد حين ليبعد عنه شبهة "اللواط"، والقتل هنا ترميز لرخص الإنسان المغمور، الفقير والمضطهد، في عين الثري صاحب السلطة والمكانة، وتيمبا المسيحي، عازف الجيتار، وعاشق الموسيقى، ومبهج أطفال الكنيسة، لم يتخلص من غلٍ استلبسه وسيطر عليه، ليتحول إلى ملثم يتسلل السجن الأخطر في بريطانيا، في محاولة منه لقتل قاتل شقيقه، إلا أن محاولته الفاشلة فتحت ملف الواسطة، والمفاوضة بين دولة الأمير الثري، وبريطانيا المدعية بأنها أم الأنظمة والقوانين، لتتم صفقة ترحيل القاتل إلى بلاده، وليتحول الصومالي عن دينه، إلى الإسلام، ويلتزم المسجد ليس عن قناعة، إما لغاية أخرى وجدها في ثنايا النفس، فصار داعشياً تم تهريبه إلى إحدى الدول العربية، ليمارس هواية الذبح والقتل، بشهوة فشلت من تدبير غايته مع قاتل أخيه.
أما ريفال التونسية الجميلة، التي خاضت تجربة بلادها القاسية، وخضعت لمكبس الإرهاب الفكري، وكانت ضحية من ضحاياه، بزواجها غصباً من بلال الذي اتخذ من الدين مطيّة، وجر شهوته للنيل من استقرار بلاده، فصال وجال كدب سمين، بين المدن والجبال، وريفال معه، لتشبع رغبته الجنسية، ويرمي في احشائها طفلة لا يعرف عنها فيما بعد غير اسمها الزينبي، لا مشهد واضح في هذا الوجود، غير وجه البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده، لتشتعل ثورة تونس، ويهرب رئيسها، وتدخل البلاد في قبضة أصحاب بلال، ليعود بعد هروب وزواج من أجنبية، إلى تونس، فتضطر ريفال التي أًصبحت تحت سطوة الاضطرار تاجرة من الطراز الأول، فمن زراعة شجرة وجني ثمارها، تحولت إلى ثرية وصاحبة أرصدة في البنوك، ولكن عودة بلال، وحكم الإسلاميين في تونس، أوصلها (إيربن هاوس) طلباً للخلاص، ولتخليص نفسها من وحشية الرغبة، وخشونة المزيونة التونسية، ولكن لم يكن (إيربن هاوس) أقل قسوة عليها، ولم يعفها من ضيق الحال، ولم يكن علاجاً لوجعها، بل زادها قهراً، من بعد قهرها، فطردها من مركز اللجوء، بدون مبرر واضح، وتركها في الشارع والكلاب الضالة، لولا مروءة الفلسطيني عاصم، الذي احتضنها، وتبنى قضيتها، حتى أوصلها إلى الصليب الأحمر البريطاني، وأمًّن لها مستقرها، إلى حين محاكمةٍ تعيدها إلى مركز اللجوء، حيث الايواء المهين، والطعام المتواضع، والمعاملة القاسية، ورغم هذا الموقف من الفلسطيني النبيل، إلا أن التونسية ردت عليه بنكران واضح، زاد على نفسه قناعة أن الخير لا يفعل مع أي كان، فتدبر أمر عودته إلى غزة، من بعد غوص شديد المخاطرة، في بحر معتوه، فك من عقاله، فنبذ كل ما هو خير، ليمارس القبيح بحق الإنسانية.
الروائي طلال أبو شاويش، لم يستثني وصف الأمكنة الباردة، في حواضر البريطانيين، ولا شوارعهم الغليظة المدججة بالتجميل، والمحكومة بأنظمة طاغية، وغيّب عامداً الناس والعابرة بكثافة في كبرى المدن، كأنه أراد أن يصحّر الدولة الاستعمارية الأولى في العصر الحديث، فسحب منها حيويتها واستبدلها ببلادة فظة، وترك أثار اعتداءاتها على فقراء البشر، ليبقى القاريء في غرفة موحشة، تغتالها الرطوبة، وتتحكم فيها عتمة بأنياب سوداء، فبريطانيا غير صالحة للهجرة، ولا تعتبر مرفأ أمن لطالبي اللجوء، والهاربين من أوجاع بلادهم، فكانت غزة بمخيماتها الثمانية، وحاراتها الضيقة، وحصارها الغليظ، وقسوة ما تعيشه، من بطالة وإهمال وانهيار في البنى التحتية، وتدمير لقطاع الصحة، وصدأ مستحكم في أقفال معابرها، كل هذا وتبقى الأفضل لكرامةٍ، هي أساس الإنسان، وخميرة وجوده فوق الأرض، وتحت السماء.
( أيربن هاوس) الرواية الصادرة عن مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع هذا العام، تشبه الصرخة لكل الواهمين بأن ما وراء البحر، أحسن حالاً من أمامه المحاصر، وهذا لا يعني أن إبراهيم وعاصم سيكتفيان بمدح الخراب في غزة، بل يدعوان منذ عودة الطائر إلى عشه من جديد، لحياة تليق بالفلسطيني، وتعطيه حقه في العيش، دون انحباسه في غرف صغيرة مظلمة، ودون أرقام تشبه أرقام المقابر.



#ناصر_عطاالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في ( ماقالته الرواة عن الحواري) لعبدالله تايه
- قراءة غير ناقدة في مجموعة -ناي ونرد- للشاعرة وسام عاشور البن ...
- يسرا الخطيب - الكائن بيقيني- إتباع الهايكو لوطن أجمل.. ( ناص ...
- لا تموت هناك
- الصنم


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصر عطاالله - قراءة في رواية (إيربن هاوس) لطلال أبو شاويش