أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الخروف عوسي














المزيد.....

الخروف عوسي


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 5970 - 2018 / 8 / 21 - 23:00
المحور: الادب والفن
    


اعتادت المحلة على سماع ثغاء الخروف "عوسي" ومقالبه ومشاكساته مع الجيران ومع العابرين فوق الارصفة كل يوم.
وكان الرجل الذي اشترى عوسي حين كان حملا صغيراً من سوق صفاة الماشية.. يصف مازحاً اللحظات التي قرر بها شرائه حين شاهده مربكاً وثغاؤه كان يتعالى أكثر من بقية الاغنام الاخرى .. لكنه تجاوز الحمل باحثاً عن خروف سمين ونشيط كي ينضم لنعجتيه في الزريبة الصغيرة الخلفية التي تقع وراء داره.
لكن الحمل تعقب الرجل بعد أن فلت من القطيع واندفع مسرعاً ناطحاً ساق الرجل من الخلف فكاد أن يسقطه وكأنه أراد أن يثير انتباهه أو ربما كانت هنالك ثمة رائحة خلفها الرجل أثارة حفيظة الحمل.
التفت الرجل نحو الحمل وهو يحاول أن يكتم صدمته وضحكته معاً ثم انحنى وحمله الى صاحبه القروي ودفع ثمن شرائه .. وعاد به فرحاً للدار ليعيش مدللاً بين أفراد العائلة أما في المساء كالمعتاد
كان الحمل ينزوي في الزريبة بين أكوام التبن مع النعجتين بعد أن علق صاحبه جرساً نحاسياً على رقبته وخرم أيضاً ثقباً في طرف اذنه اليسرى كي يزينها بقرط فضي يجمله حجر تركوازي ومنحه اسم عوسي.
كان عوسي مشاكساً منذ نعومة اظلافه لاسيما بعد أن تعرف على الرصيف والمحلة وأخذ يقطع الطريق على أطفال المدرسة لدى مجيئهم بعد الدوام لبيوتهم يطاردهم وينطح حقائبهم بقرنيه الصغيرين وهما ما زالا في طور النمو... وحين شب عوسي وكبر بات صوفه الابيض أكثر كثافة وأطول وسمنت ليته وكبر قرنيه بسرعة.. وبات شبقاً ونزقاً يتعقب البنات فوق الرصيف ويقفز على ظهورهن يحاول أن يغتصبهن لاطفاء شبقه.. بعد أن يتحايل ويفلت من صاحبه أو يهرب من الزريبة الخلفية هائجاً في شارع المحلة.
بعض الجيران كانوا يضحكون على مشاكسات العوسي والبعض اشتكى لصاحبه بان يحبسه في الزريبة لانه بات نزقاً وتجاوز حدود الأدب.
كان عوسي شرهاً بالتهام العلف ويجتر دون توقف.. من خبز وشعير وحشائس وفضلات الخضروات والفاكهة ومن شدة شراهته باجترار الاعلاف بات سميناً وقليل الحركة في السنوات الاخيرة وهو يجر بليته الضخمة وكان عوسي يصاب أحياناً بتخمة الطعام فياخذه صاحبه الى حانوت قريب من الدار فيشتري له من صاحب الحانوت زجاجة كولا كولا أو سفن آب مبردة فيسقي الكبش كي يهضم الطعام ويزيل الاعياء والمغص من كرشته المنتفخة.. بعدها يطلق عوسي أصوات ممزوجة ما بين التجشأ والثغاء المتقطع والضراط وسط اعيائه ثم يلقي بروثه الثقيل أمام الحانوت وسط قهقهات الاطفال الذين كانوا يشمتون ويسخرون من عوسي قاطع طرقاتهم من المدرسة أثناء لحظات ضعفه .
كان صاحب الخروف عوسي يرفض بشكل قاطع بيع خروفه السمين المدلل ورفض أسعار مغرية .. فكان يشعر بالذنب اذا تخلى يوماً ما عن صحبة العوسي رغم حاجته للمال.
تفاجأت المحلة ذات صباح حين عرفوا بموت صاحب الخروف عوسي فنصبت سرادق العزاء على روح المرحوم وذبحت الاكباش .. لكن العائلة لم تتجرأ أبداً على ذبح عوسي .. احتراماً لوصية المرحوم قبل مماته أن لايمس بالسوء عوسي.
بقي عوسي وحيدا ومهملاً في الزريبة وقبل حلول عيد الاضحى بايام قلائل بات الناس يتاجرون بالاكباش وبيعها كقرابين وأضاحي بمناسبة العيد لاسيما بعد ارتفاع أسعارها ..
وقد تفاجأ أهل المحلة ذات صباح بعد أن شاهدوا عوسي يجره رجل غريب من قرنيه من أمام دار المرحوم كي يزجه بحوض عجلة البيك اب وكان عوسي يتصارع بقرنيه مع الرجل القوي الذي سحله بالاكراه وبعد أن شعر عوسي بالضعف نظر الى الحانوت وثغى بعد أن أدركه العطش والوهن وهو يتذكر الكوكا كولا محاولاً أن يتشبث بالارض دون أن يتزحزح ثم نظر مودعاً المحلة والناس الذين تجمهروا لوداعه أما الاطفال فقد حزنوا لمشهد عوسي واستغاثاته وتلوث صوفه الابيض الجميل الذي غطاه الوحل .. صرخ الاطفال بوجه الغريب متعاطفين مع عوسي .. أيها الغريب اترك عوسي .. اترك عوسي.. شهر القصاب مديته الحادة بوجه الاطفال محاولاً ابعادهم .. ثم أوثق أطراف عوسي الامامية بالحبال .. ودفعه بفظاظة نحو حوض السيارة . انطلقت عجلة الغريب مسرعة وتوارى ثغاء عوسي بعيداُ .. بعيداً.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحديقة وأسوار الذاكرة
- أرصفة حرية التعبير
- بركة الاسماك وكابوس الغراب
- أحاديث على ضفاف دجلة
- ذاكرة شارع ومدينة
- مشاهد يومية من مقهى
- العقاب والذنب
- حوار مابين رصيف وحانة
- عزلة الفنان في أرض الاحلام
- البومة وطلاسم الليل
- مابين المواجهة والنضال السري
- القنفذ وحجر عرق السواحل
- مساءات السيدة بولين
- يوميات مقهى ورصيف في ملبورن
- حارس معبد عشتار
- ليس للرب وطن
- مابين تعبان وترامب كانت هنالك عذابات بائع رصيف
- مشاهد من ذاكرة الانتفاضة
- اجنحة اليمام وغصن الزيتون
- حكايات أخرى من حانة هايد بارك


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - الخروف عوسي