أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - إنسانية - العرض- وإشكاليات الحاضر














المزيد.....

إنسانية - العرض- وإشكاليات الحاضر


سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 5970 - 2018 / 8 / 21 - 00:57
المحور: الادب والفن
    


مدخل:
--------
المبدعة إيمان الزيات، كاتبة إسكندرانية، تملك عين ناقدة ووعى حاد وعميق بإشكاليات الحاضر. تركت الطبيعة البحرية آثارها على إبداعاتها، تعيد إنتاج مفردات الحياة جماليا، وفى منتجها الإبداعي " العرض" علاقة لافته مع الحياة البحرية، وإثناء معالجتها بسياق جمالي، تحولها إلى رموز أكثر عمقاً، تفوح بمشاعر إنسانية.
------------
أولا القصة
------------
كأي سمكة تقافزت بحثا عن مد، عن موجة ولو صغيرة تُنهي بقاءها الذي طال على طاولة العرض بلا ماء.
متحلقين حولها وقفوا كمن يتابع لاعبة "ترابيز" في سيرك ، صفق الجميع لطزاجتها مع كل قفزة، أعينهم مشدودة نحوها بخيوط من الدهشة.
أشاروا إلى التاجر ليضعها في سلالهم لكنه أسكتهم بالتمني، إنها نوارة العرض ولن يتعجل بيعَها أبدا، زاد فضولهم حول صاحب الحظ السعيد الذي سيعود بها إلى بيته،
أعينهم تلاحق حركاتها بنهم كلما كشف الأوكسجين الشحيح خياشيمها الحمراء عن آخرها ، جسدها اللامع يرتعش من حين ﻵخر طالبا النجدة ، وزعانفها الحادة تنتصب بوجه المجهول الذي يشعرها بالخطر.
كل ما تذكره أنها كانت تسبح بهدوء حين شدها شيء ما لأعلى ودّعت بشَدَّتِه تلك بحرها للأبد ،
- أريد البراقة!! (يصرخ أحدهم مُزاحما الآخرين، ومشيرا نحوها)
يجمع التاجر أصابعه الوسطى والسبابة والإبهام معا ويهزهم لأعلى وأسفل متمهلاً إياه ، ويعلو صفحة وجهه وعد بدنو تلبية طلبه.
لم تعد تقوى على القفز ، عليها أن توفر أنفاسها ما استطاعت لكن الألم يُلَوِّيها ، يعتصرها الاختناق شيئاً فشيئاً ، فتقرر أن تقوم بمحاولة أخرى لإيجاد ماتحتاج إليه ولا تراه.
تقفز أعلى قفزاتها على الإطلاق فيشهق الجميع وتسقط بعينيها الجاحظتين على آخر صور الحياة أمامها كأنها تُكبِّر اللحظة الأخيرة لتمتد .
في سقطتها تفكر أنه ليس ما كانت تنتظره أن تنتقل من جفاف لجفاف.
أين ذهب الماء؟!
ينتبه التاجر لسكونها فيرشقها برَشّة ماء شحيحة تصيبها بأمل كذوب سرعان ما تجف يده بعدها ، يلتقطها سريعاً ويضعها على الميزان مدعياً غلاوة الزبون ، تستسلم لكفه المنزوع منها الماء والرحمة ، وتسقط في سلة الغريب فوق الأخريات على كومة مهملة.
لأي شيء ستقفز الآن؟!!
-----------------------------
ثانيا القراءة
-----------

مدخلي لفهم هذا النص يبدأ من العنوان "العرض" فهو يحيل إلى القدم الذى يحيل بدوره إلى تراث ثقافي، نظرا لأن العرض، سواء عرض سلعة كالجواري والعبيد، أو عرض الجسد الحى على مسرح، يرتبط من قديم الزمان بفئات تملك السيطرة والسلطة.
السمكة بطلة القصة، والكاتبة تضعنا معها، في مواجهة نص يتوالى على شكل حركات، كل حركة تأخذ مما قبلها ثم توالي صعودها، ويمكنني القول أن المسالة حدثت كالتالي: قفز ـ نظرات تشتهيهاـ قفز – نظرات تشتهيها – قفز – نهاية العرض.
وبين القفز والنظرات وقفات تأمليه داخلية لكنها لا توقف السرد الفعال.
وهذا معناه ببساطة أن الأمل في الإنقاذ معدوم، لآن المحيط حولها لا يسمح بهذا، فرغباته في افتراسها أقوى من الإنسانية، في حين أن الداخل رغم احتدامه بعنفوان الأحاسيس غير قادر على إنقاذ تلك الروح من العذاب.
والسطور الأولى من القصة، تحمل نداء استغاثة الممزوج بالألم المضنى:
(كأي سمكة تقافزت بحثا عن مد، عن موجة ولو صغيرة تُنهي بقاءها الذي طال على طاولة العرض بلا ماء.)
(متحلقين حولها وقفوا كمن يتابع لاعبة "ترابيز" في سيرك ، صفق الجميع لطزاجتها مع كل قفزة، أعينهم مشدودة نحوها بخيوط من الدهشة.)
هذا التحلق حولها الذى يشبه الحصار المرتبط بالرغبات المسعورة، جعل الجسد المقهور يتحول إلى منتج نفسي، الأمر الذى يجعلنا نتجاوز السمكة كمخلوق بحرى إلى الأنثى كمخلوق إنساني.
وقد أتاح السرد للعالم الداخلي للشخصية، إن يستحوذ على مساحة لنفسه، ونرى ذلك واضحا بهذا المقطع الذى يعبر عن الحرية ثم الوقوع في براثن العبودية والسجن:
(كل ما تذكره أنها كانت تسبح بهدوء حين شدها شيء ما لأعلى ودّعت بشَدَّتِه تلك بحرها للأبد)
وكذلك هذا المقطع المعبر عن العذاب والبحث عن الحرية المفقودة حولها:
(لم تعد تقوى على القفز ، عليها أن توفر أنفاسها ما استطاعت لكن الألم يُلَوِّيها ، يعتصرها الاختناق شيئاً فشيئاً ، فتقرر أن تقوم بمحاولة أخرى لإيجاد ماتحتاج إليه ولا تراه.)
فإذا رجعنا للعنوان سنجد أن ما يتم عرضه هو الأنثى، في العرض الذى يحتوى رجال فقط ، ويظهر المجتمع الذكوري حولها واضحا من هذا المقطع:
(زاد فضولهم حول صاحب الحظ السعيد الذي سيعود بها إلى بيته)
ولم يقل النص " صاحبة الحظ .. التي... "
وهكذا نجد أن السمكة ترمز للأنثى – المرأة، في مجتمع حولها إلى سلعة منتزعاً منها حريتها وإنسانيتها.
ولا ننهى كلامنا بدون الإشارة إلى الطقس اللوني في القصة، اللون الأحمر الدامي ، كتعبيرا عن الواقع القاتم ، لكن الكاتبة تعاملت مع هذا اللون بشكل فنى فتسرد " خياشيمها الحمراء "لكنها تحرره من واقعيته، وتضمنه إشارات نفسية مؤلمة، لأن الهواء المنعدم يرمز للاختناق وفقدان الحرية.
---------------------

• قصة "العرض" من مجموعة "إيقاعات من جرانيت" الفائزة بالجائزة "الأولى" في مسابقة جمعية الكاتبات المصريات.



#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديابولوس
- قراءة في قصة - العرض-
- مذكرات ضابط أمن
- نظرة على الفن
- كلهم أبنائي - نقد
- زبد الليل - نقد
- السفينة - نقد
- الشقراء أم الثلاث
- حكاية (( ليلة حزن في قصر الوالي )
- - ملكوتية -
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء السادس
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء السابع
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الثامن والأخير
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الرابع
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الخامس
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الثانى
- رواد الفن التشكيلى فى فلسطين - الجزء الثالث
- رواد الفن التشكيلي في فلسطين – الجزء الأول
- تاريخ الفن التشكيلي الفلسطيني – الجزء الثالث والأخير
- تاريخ الفن التشكيلي الفلسطيني – الجزء الأول


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - إنسانية - العرض- وإشكاليات الحاضر