أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد نجيب - تيمة الهوية في الأغنية الأمازيغية التقليدية: الرايسة فاطمة تاباعمرانت نموذجا (ترجمة)















المزيد.....



تيمة الهوية في الأغنية الأمازيغية التقليدية: الرايسة فاطمة تاباعمرانت نموذجا (ترجمة)


رشيد نجيب

الحوار المتمدن-العدد: 5965 - 2018 / 8 / 16 - 20:01
المحور: الادب والفن
    


تيمة الهوية في الأغنية الأمازيغية التقليدية:
الرايسة فاطمة تاباعمرانت نموذجا
إعداد: د.عبد العالي تلمنصور – أستاذ باحث بجامعة ابن زهر، أكادير
ترجمة : رشيد نجيب
يسعى هذا المقال إلى التعريف بفن الروايس باعتبار انتمائه إلى التراث الموسيقيي المغربي الأصيل، ويحاول كذلك تسليط الضوء على هذه الممارسة الفنية والشعرية المتميزة، وذلك بالتركيز على الفنانة الأمازيغية الرايسة فاطمة تاباعمرانت. هكذا يقدم المقال مجموعة من المعطيات الخاصة بالفنانة وفرقتها الموسيقية وعملها الإبداعي والشعري، مع الوقوف عند المحطات الأساسية التي ميزت وبصمت مسارها كمبدعة وشاعرة ومغنية.
الشعر في الثقافة الأمازيغية: مفاهيمه وأهميته
تعتبر كلمة "أمارك" الكلمة الأكثر استعمالا وتداولا للدلالة على الشعر في الأمازيغية، في حين يحيل مصطلح "إيموريك" على الشعر باعتباره إنتاجا، كما تدل كلمة "أمارك" في اللغة الأمازيغية على الحب والعشق والحنين، واصطلاحا تحيل نفس الكلمة كذلك على الشعر والإنتاج الشعري (كقولنا مثلا أمارك ن سيدي حمو الطالب)، وتدل أيضا على السجل والرصيد الشعري الموجود (نقول مثلا أمارك ن ؤحواش، أمارك ن الروايس). ويسمى الشاعر في الأمازيغية "بومارك" أو"باب ن ؤمارك"، لكن غالبا ما تستعمل الكلمات التالية: "أمدياز" (الشاعر)، "أنضام" (الشاعر والملحن) أو "أمارير" (الشاعر والمغني). ولأن الشعر مكون أساسي في الثقافة والأدب الأمازيغيين، فقد ارتبط دائما بالشفوية والجماعية، ولطالما تواجد الشعر في الأوساط التقليدية الأمازيغية كشعر شفوي مرتبط بشكل وثيق بالموسيقى والغناء.
يعتبر الشعر نشاطا مناسباتيا معاشا وظاهرة جماعية مرتبطة بالجماعة والمجتمع، ولا ينحصر هذا النشاط الإنساني والفني على فئة اجتماعية دون أخرى، إذ يمكن لأي فرد أن يعيش تجربته كشاعر دون أن يكون لوضعه الاجتماعي أية علاقة بذلك. ويعد فصل الصيف باعتباره فصلا لتخليد الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية والدينية بمثابة اللحظة الزمنية المناسبة لتخليد هذه الممارسة الشعرية.
ولأن الشعر مكون من مكونات الثقافة والأدب الأمازيغيين كما أشرنا، فإنه يمثل المكون الأكثر قدما والأكثر أهمية وحضورا إذا ما قورن مع باقي الأجناس الأدبية الأخرى. ويمكن تفسير هذه الخاصية بفرادة وخصوصية الجنس الشعري، والمتميز أساسا بقدرته على التكيف والتجديد الاستثنائيين، خصوصيات مكنته كذلك من التجديد والتطور عبر تاريخ الأمازيغ. وقد ترجم هذا التطور بالنسبة لمنطقة الجنوب المغربي بظهور نمط شعري جديد تمثل في فن الروايس الذي يعتبره الكثيرون الجنس الأدبي الأكثر تمثيلية للشعر التقليدي الأمازيغي.
فن الروايس
يعتبر الروايس شعراء ومغنين مهنيين معروفين بالدرجة الأولى لدى أمازيغ الجنوب المغربي، وخاصة لدى ساكنة مناطق وجهات سوس والأطلس الكبير. يؤسس هؤلاء الروايس، الشعراء والمغنون المعروفون بترحالهم وتجوالهم في العديد من المداشر والقرى، فرقهم ويشكلون مجموعاتهم الموسيقية المهنية، هذه الأخيرة تتكون عموما من موسيقيين ومجموعة من النسوة اللائي يتم توظيفهن كراقصات مرددات، في حين يقوم الرايس بتسيير وتدبير الأمور العامة لهذه الفرقة.
من الضروري أن نميز بين الرايس و"أمارير"، فكلاهما شاعر ومغني، يبدعان الأشعار، الفرق بينهما يكمن في كون "أمارير" يعتبر شاعرا ومغنيا هاويا ولا يرتبط بآلة موسيقية مرافقة له، كما أنه غير متوفر على مجموعة فنية خاصة به ولا يقوم بتسجيل أغانيه، وهي كلها أمور تجعل شهرته محدودة على مستوى بلدته والمناطق المحيطة بها والتي تعد على رؤوس الأصابع. وبالمقابل يعد الرايس شاعرا ومغنيا مهنيا، تميزه آلته الموسيقية الخاصة به (الرباب غالبا) ويدير فرقة موسيقية محترفة، يقدم عروضه الفنية ويسجل أغانيه الموسيقية على أشرطة وما شابه.
يعتبر الرايس شاعرا ومغنيا ومشرفا على إدارة أمور وشؤون فرقته المهنية. وهو إلى ذلك الشخص الأكثر أهمية ضمن المجموعة، فهو رئيس الفرقة التي تحمل اسمه، أما أعماله الفنية فهي سبب وجود هذه الفرقة. يختار هذا الشاعر مرافقيه، وكل عضو من أعضاء هذه الفرقة يتملكه طموح أن يكون بدوره شاعرا ذات يوم ويكون بدوره فرقته الخاصة به كلما أحس بأنه تكون بما فيه الكفاية في هذا الميدان. ويرتبط الرايس تقليديا بآلة موسيقية تميزه "الرباب"، ويكون مرفوقا بعازفين على العود بثلاثة أو أربعة أوتار ينضاف إليهم عازفون على الدفوف وعازف على آلة الناقوس. هؤلاء الفنانون الموسيقيون يكسبون قوت عيشهم من هذه المهنة التي يمارسونها في الأسواق الأسبوعية والأماكن العمومية، كما تتم دعوة هذه الفرق الفنية المهنية لتنشيط الاستقبالات والحفلات الخاصة. فأثناء العروض الفنية المقدمة بأماكن خارجية كالحلقة مثلا حيث ينتظم الجمهور على شكل دائري متحلقا حول الفرقة يتم إبداع الأشعار لتحقيق هدف الترفيه. وخلال الحفلات الخاصة، تكون الأجزاء الموسيقية مطولة نسبيا، ومن أجل استمالة الكرم الحاتمي للجمهور، يقوم الروايس بجمع ما يكفي من المعلومات عن الضيوف الحاضرين لكي يتوجه إليهم بقصائد وأغاني مدح وسط إعجاب الجمهور المتتبع، كما يعتمد نجاح الفرقة خلال هذه العروض على مجموعة النساء الراقصات والمغنيات. أما بالنسبة للعروض الفنية المقدمة بالفنادق والمطاعم التي يقصدها السياح، آو في قاعات المسرح وقاعات الفرجة، نجد هناك تأثيرات مختلفة تبعا لنوعية الجمهور المتتبع ومستوى فهم اللغة المتداولة، وتكون لفقرات الرقص أهمية خاصة عندما يكون الجمهور غير متمكنا من اللغة الأمازيغية.
يواصل الروايس الحاليون ممارسة تيريوسا كعادة فنية بفضل الإمكانات التي تتيحها الوسائل والوسائط السمعية البصرية الحديثة الواسعة الانتشار، حيث إن تسجيلات الروايس في الأسطوانات والشرائط تمكن من حذف المقاطع التي لها علاقة بالجمهور ويتم الاكتفاء فقط بالموسيقى والغناء (أمارك). على المستوى التاريخي، تعود التسجيلات الأولى للروايس إلى سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي. وتشكل هذه التسجيلات على الأسطوانات فضلا عن عملية بثها على نطاق واسع بالإذاعة الوطنية تشكل مصدرا للرفع من مقام ومكانة وشهرة هؤلاء الروايس، وهو ما يمكنهم من فرض أنفسهم وبالتالي دعوتهم بشكل مستمر للحفلات الخاصة والعامة. هكذا أصبح هؤلاء الفنانون والموسيقيون عنصرا أساسيا ضمن الأغنية الأمازيغية المغربية.
أبرز مدارس الروايس الفنية
هناك عدد من المدارس الأساسية التي ساهمت في تشكيل أجيال مختلفة من الروايس. ومن هذه الأجيال:
جيل الحاج بلعيد: هو جيل الروايس المؤسسين، وهم من الأوائل الذين سجلوا أغانيهم في مجال فن تيرويسا حيث استغلوا الإمكانية التي يتيحها التسجيل على الأسطوانات. بالرغم من ذلك بقي ما أنتجه هؤلاء الفنانون الرواد في هذا المضمار محدودا مادامت إمكانية التسجيل مقتصرة ومحصورة فقط في بعض رواد هذه المرحلة. ومن هؤلاء يمكن ذكر: الرايس الحاج بلعيد، بوبكر أنشاد، محمد بودراع، بوبكر أزعري وأخرين...
جيل محمد أموراك: يعد هذا الجيل بمثابة تلاميذ لجيل الرواد المؤسسين حيث ينتمي لهذا الجيل الثاني أولئك الروايس الذين تلقوا تكوينهم الموسيقي والفني داخل المجموعات الفنية التي استفادت من فرصة التسجيل والانتشار عبر الأسطوانة، ومن هؤلاء: الرايس محمد أموراك، محمد بن يحيى أوتزناخت، بوجمعة أوتزروالت، الحسين جانطي، أحمد أمنتاك وآخرين...وقد شهدت هذه المرحلة بعضا من التجديد على مستوى المضمون من خلال تسجيل الأغاني الوطنية. كما تم إدخال أدوات وآلات موسيقية جديدة مما أعطى للأغنية الأمازيغية في هذه المرحلة نفسا جديدا خاصة على مستوى الإيقاعات.
لكن بالرغم من التطور الذي عرفته أغنية الروايس في هذه المرحلة، فإن التسجيلات المؤرخة لها لا تشكل سوى جزء صغيرا من الإنتاج الشعري لهذا الجيل الثاني من الروايس، حيث إن الجزء الأكبر من إنتاج هؤلاء تعرض للضياع خاصة ما تم تسجيله على أسطوانات 45 و78 لفة ولم يخضع لنوع من الترميم والمحافظة.
جيل محمد الدمسيري: يعكس هذا الجيل مرحلة أساسية من مراحل تطور أغنية الروايس. وتميزت بعملية تجديد وتحسين على مستوى الموسيقى والألحان. وعرفت ظهور مجموعات فنية جديدة لكل منها أسلوبها الخاص في بناء الأغنية وتنفيذ أدائها. هذه المجموعات الفنية المحترفة والمكونة من موسيقيين ومغنيين بارزين تشكل مرجعا لكل أجيال الروايس. نذكر هنا: الرايس محمد الدمسيري (المعروف بألبنسير)، عمر واهروش، سعيد أشتوك، محمد بونصير، أحمد بيزماون...وعرف هذا الجيل كذلك ظهور المجموعات الفنية النسوية في هذه المهنة المعروفة بطابعا الذكوري حيث برزت أسماء مثل: رقية الدمسيرية (تالبنسيرت)، وفاطمة تحيحيت.
جيل حسن أكلاوو: يؤرخ هذا الجيل لمرحلة تحديث أغنية الروايس. ويعتبر جل فناني هذه المرحلة تلاميذ لكبار الروايس خاصة: محمد الدمسيري، عمر واهروش، سعيد أشتوك والذين كان لهم تأثيرهم الواضح على أولئك. وقد وجد رواد هذا الجيل أرضية الاشتغال وجاهزة عبر وجود فن موسيقي هام وتراث فني غني ومتنوع ووسائل مكنت من إبداع وبناء مختلف سجلات الأغنية الأمازيغية التقليدية. ويعتبر فنانو هذه المرحلة أول من أدخل الأسلوب العصري "أعصري" والكناوي "أكناو" كإيقاعين موسيقين جديدين مكنا من تطوير وتجديد موسيقى الروايس. من المبدعين نذكر الروايس: حسن أكلاوو، أعراب أتيكي، أحمد أوطالب المزوضي، أحمد ألبنسير. كما تميزت هذه المرحلة بظهور فرق فنية تشرف عليها رايسات مبدعات مثل الرايسة فاطمة تاباعمرانت والرايسة تحيحيت مزين.
جيل حسن أرسموك: إنها مرحلة تشبيب موسيقى الروايس. وخلالها تعايش الجيل الجديد من الفنانين مع الجيل السابق والذي استمر في عمله الفني وتمكن من فرض وتعزيز اختياراته في مجال موسيقى الروايس لدى الجمهور المتتبع. وظهر هذا الجيل الجديد من فناني الروايس إبان الثمانينيات حيث تمكن من تحقيق تميز له بخلق نوع من التجديد الخاص به على مستوى الإيقاع لما عمل بالأساس وبشكل خاص على النهل والاستلهام من التراث الموسيقي التقليدي لأحواش وأجماك. وتطرقت أغاني هؤلاء والتي توصف بكونها جديدة وحديثة لمواضيع وتيمات متنوعة مرتبطة بالأساس باهتمامات الشباب المغربي في هذه المرحلة. ومن بين روايس هذا الجيل نذكر: حسن أرسموك، العربي إحيحي، الحسين أمراكشي...
كما عرفت هذه الحركة الفنية كذلك ظهور موجة جديدة من الرايسات اللواتي خلقن نوعا من المصالحة بين التقليد والحداثة بإدخال أساليب جديدة في الرقص والغناء الخاص بكل فنانة على حدة، وتعتبر كل من الرايسة كيلي والرايسة عائشة تاشينويت أحسن مثال على ذلك.
الرايسة فاطمة تاباعمرانت، الشاعرة والملحنة والمغنية
تعد الرايسة فاطمة تاباعمرانت شاعرة ومغنية وملحنة أمازيغية مشهورة في منطقة الجنوب المغربي خاصة وبالمغرب عامة، لتكون بذلك الوجه البارز للأغنية الأمازيغية التقليدية بالجنوب المغربي. اسمها الحقيقي هو فاطمة شاهو لكنها معروفة أكثر باسمها الفني فاطمة تاباعمرانت، ولدت العام 1962 في دوار إدوناصر بقيبلة أيت بوبكر بمنطقة أيت بعمران. كبرت بإفران الأطلس الصغير وتحديدا بدوار إدسالم بقبيلة إداوشقرا حيث تربت في كنف خالتها بعد أن فقدت والدتها. بعد ذلك ستقضي سنوات عدة من ريعان شبابها بدوار إدواعزيز بقبيلة إدلعربا الواقعة في نفوذ منطقة لاخصاص.
في سنة 1983، انضمت كراقصة لفرقة الرايس جامع الحامدي الفنية لتبدأ بذلك أولى خطواتها في المجال الغنائي والموسيقي. والتحقت بعد ذلك بفرقة الرايس سعيد أشتوك، وبعدها بفرقة الرايس مولاي محمد بلفقيه والذي عبره تمكنت من إبداع القصائد الشعرية إذ غالبا ما نجد في معظم الألبومات التي سجلتها معه أغنية أو أغنيتين في شكل سجال ثنائي بينهما أي ما يعرف بتنضامت. وبعد قضاء بضع سنوات مع الرايس بلفقيه، انضمت إلى فرقة الرايس محمد الدمسيري، وهو الأمر الذي أتاح لها فرصة لتطوير أدائها والارتقاء بتكوينها واكتساب الكفايات الأساسية والضرورية لممارسة حرفة شاعرة ومغنية مهنية "تارياست" أو"تارويسا".
بعد مسيرة افتتاحية طويلة، تمكنت الفنانة فاطمة تاباعمرانت من مواصلة حياتها الفنية بمفردها حيث أسست فرقتها الخاصة بها سنة 1991، وهي الفرقة التي سينضم إليها عدد من الفنانات الراقصات والفنانين الموسيقيين أمثال: أعزري أمازيغ، أحمد الداودي، عمر أزمزم والراقصات مثل فاطمة تايسارت وإيجا تحيحيت، والذين ساهموا كلهم في نجاح عمل الفرقة الفنية ومكنوها من فرض نفسها كواحدة من الفرق الفنية المشهورة في المشهد الفني المغربي. وهكذا شاركت الفرقة في عدد من التظاهرات الفنية المعروفة ومنها السهرة الفنية المنظمة من أجل تخليد ذكرى الفنان عمر واهروش بالمسرح البلدي لأكادير في دجنبر 1994، مهرجان أكادير في 29 يوليوز 2002. ثم مهرجان الرباط في دورته السابعة ما بين 28 يونو و19 يوليوز 2001.
كما قامت فرقة الرايسة فاطمة تاباعمرانت بعدة أسفار ورحلات خارج المغرب لتنشيط حفلات وتظاهرات فنية بأوروبا. حيث قامت بجولتها الأروبية الأولى سنة 1994، وتم استقبالها يومي 14 و15 يوليوز بمدينة ميلان الإيطالية، ويوم 16 يوليوز بأوبرا كارنيي بباريس، لتختم جولتها بجنوب فرنسا بمسرح الشاطئ بسيت. كما حظيت الفرقة بفرصة استضافتها في ماي 1997 من طرف معهد العالم العربي بباريس للمشاركة في أمسية فنية منظمة بقاعة الحفلات بحي الموسيقى بباريس.
ولوعيها بنجاحها المتنامي والمستمر، قامت الفرقة سنة 1998 بجولتها الثانية في أوروبا ببلجيكا وهولندا تحديدا، حيث تم استقبالها بحفاوة من طرف الجالية المغربية المقيمة هناك في عدد من المدن: أوتريخت، روتردام، أمستردام. بعد ذلك ستتم دعوة الفرقة في مارس 2002 للمشاركة في الدورة السادسة للمهرجان المنظم بالعاصمة البلجيكية " أصوات النساء" حيث قدمت الفرقة عروضا فنية بعدة مدن مثل: بروكسيل، أنفير، لييج، هوي.
وشاركت الرايسة فاطمة تاباعمرانت في العديد من اللقاءات الثقافية والفنية التي تناولت مواضيع متعلقة بالفن والموسيقى والثقافة الأمازيغية. ويمكن أن نشير إلى مشاركتها في أشغال الملتقى المنظم من طرف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالرباط حول موضوع:"المرأة المغربية ودورها في الحفاظ على البعد الأمازيغي للهوية الوطنية"، إضافة إلى اللقاء المنظم في ماي 2001 من طرف النقابة الوطنية للموسيقيين ومهنيي الأغنية المغربية فرع الجنوب حول موضوع:"وضعية الموسيقى والموسيقيين بالمغرب".
وتم تكريم الرايسة فاطمة تاباعمرانت والاحتفاء بها كمغنية وكشاعرة وكملحنة في الكثير من المهرجانات الوطنية والعالمية تقديرا لأعمالها الفنية والتزامها الفاعل في المجال الجمعوي والاجتماعي خاصة ما يهم عملها من أجل تحرير المرأة القروية المغربية والعمل على تحسين وضعيتها. فهي ناشطة نسائية مناضلة في صفوف المجتمع المدني بمشاركتها الفاعلة في الحياة الجمعوية والرياضية ومن أجل أعمالها الإحسانية.
ومن بين الجوائز الهامة التي حصلت عليها الفنانة فاطمة تاباعمرانت نذكر: الجائزة التي منحتها لها جمعية الجامعة الصيفية بأكادير سنة 1993، وجائزة الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في يوليوز 1993 بالرباط، إضافة إلى جائزة الرباب الفضي التي قدمت لها أثناء حفل اختتام أعمال لقاء حول موضوع:"الفنون الشعبية بجهة الجنوب المغربي" في 25 يونيو 1994 بتيزنيت. كما قدمت لها جائزة مهرجان الأغنية الأمازيغية أسايس والمنظم سنة 2002 بأكادير. نشير كذلك إلى جائزتين مهمتين: الجائزة المقدمة من طرف منظمة الكونكريس العالمي الأمازيغي بباريس سنة 1996 وكذا جائزة جمعية تاماينوت ألمانيا سنة 2002.
باستمرار نجاحها، تواصل الفنانة فاطمة تاباعمرانت مسيرتها بكثير من الشغف مبدية حماسا ودينامية مماثلين لما رافق بداياتها الأولى في المجال الفني، مواصلة عملها البحثي فنيا وإبداعيا معززة بذلك وضعيتها كفنانة مغربية كبيرة. وقد حازت إحدى أغانيها جائزة:"أحسن أغنية بتاشلحيت لسنة 2005"، وذلك بتصويت الجمهور في المسابقة المنظمة من قبل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. لتنضاف هذه الجائزة إلى جوائز أخرى حصلت عليها الفنانة تاباعمرانت، وهي: جائزة الفدرالية الملكية المغربية لكرة القدم (1995)، جائزة جريدة أكراو أمازيغ (1995)، جائزة جمعية تيويزي باشتوكة أيت باها.
تيمات الإبداع الشعري لدى فاطمة تاباعمرانت
عند دراسة السجل الشعري للفنانة فاطمة تاباعمرانت ورصيدها الغنائي والإبداعي، يجد المرء نفسه بجانب العديد من المواضيع والقضايا التي تم تناولها في إطار هذا الشعر التقليدي الشفوي المغنى. ويحفل هذا الإبداع الشعري بتيمات ومحاور غنية ومتنوعة. ومنها: الأمازيغية: الهوية، الانتماء، البلاد، الحضارة، اللغة والثقافة الامازيغيتان، المغرب، التعلق بالوطن والأسرة العلوية، المواطنة، المدنية...العادات والتقاليد: العادات والقيم التقليدية، المهرجانات، الاحتفالات، العرس، تربية الأبناء، قواعد الاحتشام...الحنين: الهجرة القروية، الاقتلاع من الجذور، مشاكل البلاد، المجتمعات التقليدية، القرية، الطبيعة، متعة العيش، الانتماء، الطفولة، البراءة، الأمومة. المجتمعات العصرية والحديثة: تقلبات الحياة المدنية، الهشاشة، التهميش، التمزق، المعاناة، ظروف عيش الطبقة العاملة...فقدان القيم المتوارثة عن الأجداد: الشهامة، الوفاء، الثقة، التضامن، الاتحاد، دعم المحتاجين، العطف، الإيثار، الكرم...التاريخ: الشخصيات والرموز التاريخية، المقاومة. الزوايا والأولياء الصالحون...الدين: الوعظ والإرشاد، التربية، التعاليم الدينية. الممارسات والواجبات الدينية كالصلاة والزكاة...الأخلاق: الخطاب الأخلاقي و الدعوة إلى التحلي بالأخلاق الحسنة والكريمة، الدعوة إلى الحكمة والموعظة الحسنة وإعمال العقل، التبصر، وضوح الرؤية، الصبر، المثابرة وقوة الضمير...الحب: الحزن، الفراق، التفاني، الوفاء، الثقة، الخيانة، المرأة، مؤسسة الزواج...
الخطاب الهوياتي في شعر الرايسة فاطمة تاباعمرانت
تعتبر الرايسة فاطمة تاباعمرانت فنانة ليست كباقي الفنانات، بفضل صوتها الغنائي الشجي وشعرها الفريد، لقد أصبحت نجمة حقيقية من نجوم الأغنية الأمازيغية التقليدية بالمغرب وتمكنت من ربح رهان التحدي حينما فرضت نفسها كشاعرة ومغنية في نفس الوقت، أكثر من ذلك فهي لا تغني سوى الأشعار التي أبدعتها كما أنها هي التي تترأس فرقتها الموسيقية وتشرف على إدارتها. إنها من الفنانات التي يعترف لها الأمازيغ بالجنوب المغربي بأصالة ونوعية أشعارها، فموسيقاها وأغانيها وشعرها مافتئ ينال رضى وإعجاب جماهير واسعة بالمغرب وكذلك خارجه.
وتكشف شهرة فرقتها الموسيقية ونجاح مهرجاناتها وعروضها الفنية والموسيقية عن جودة فنها ومستواه العالي والراقي، ففرقة الرايسة فاطمة تاباعمرانت تعد من الفرق الموسيقية التي كثيرا ما تتم دعوتها قصد المشاركة في المهرجانات واللقاءات الفنية الخاصة بالفن والثقافة الأمازيغيين وطنيا وعالميا، وهو ما يمنحها شرعية تاريخية ممتدة في الزمان.
في الغالب، وعندما يتم استفسار الفنانة فاطمة تاباعمرانت عن أسباب نجاحها، تجيب أنها وعلى خلاف الفنانات الأخريات، فهي الوحيدة التي تكتب أشعارها التي تغنيها، في حين أن الكثيرات يقمن بإعادة غناء الروائع الفنية الكبرى الكلاسيكية ذات التوجه الرومانسي والعاطفي مع العمل على تحويلها بتوظيف المؤثرات الموسيقية حيث مكنت من ذلك التكنولوجيات الحديثة الحالية. كما أن لهؤلاء توجها تجاريا صرفا من وراء ذلك.
بفضل تكوينها الموسيقي والفني المتين، تمكنت الرايسة فاطمة تاباعمرانت من تبؤ مكانة الريادة في المجال الفني المرتبط بإبداع أشعار بالأمازيغية وتلحينها ثم تقديمها، إنها مختلفة تماما عن الفنانات الأخريات لأنها شاعرة وملحنة ومغنية في الآن نفسه، وفي المقابل تعتبر معظم الرايسات مغنيات ومؤديات للأشعار التي يقوم الآخرون بكتابتها.
إن الفنانة الرايسة فاطمة تاباعمرانت هي اليوم المغنية الأمازيغية الوحيدة التي تعتبر مؤلفة لقصائدها الشعرية، فإتقانها الواضح لفن الإعداد الموسيقي مكنها من توسيع رصيدها الشعري وفرض نفسها كفنانة تشتغل على تيمات ومحاور موضوعاتية وفنية جديدة بعيدا عن المحاور التقليدية والمألوفة التي تهتم بها بقية الرايسات.
وبفضل حزمها وشجاعتها، تمكنت الفنانة فاطمة تاباعمرانت من ربح احترام واعتراف نظرائها من الفنانين، كما تمكنت من أن تحتل مكانة متميزة في المشهد الفني الأمازيغي، في مهنة ظلت تقليديا محصورة على الجانب الرجالي الذكوري، كما فرضت نفسها كمغنية وشاعرة وملحنة مشهورة باعتبارها وجها بارزا للشعر التقليدي الأمازيغي بالجنوب المغربي.
من خلال فنها وشعرها، أصبحت الفنانة فاطمة تاباعمرانت بمثابة الناطق الرسمي باسم الثقافة الأمازيغية، فالعديد من أغانيها تطرقت إلى محاور مرتبطة بالهوية، الانتماء الهوياتي، حب الأوطان، الحضارة واللغة والثقافة الأمازيغية.
وتمثل الهوية والثقافة الأمازيغيتان بالأساس التيمات المتكررة والمتواترة في أغانيها. فكما صرحت بنفسها في حوار أجرته معها التلفزة المغربية:" لقد قمت بتغيير أغاني الحب بالأغاني التي تتناول حب الثقافة الأمازيغية. حاولت كذلك التحدث عن حقوق المرأة، وأهتم أيضا بكل ما يهم تربية الأطفال وقضية الطفل اليتيم (...) أن يكون المرء فنانا فتلك مسؤولية كبيرة. كما أحاول أن أبرز مدى أهمية الثقافة الأمازيغية بالنسبة للأجيال القادمة".
يعج شعر فاطمة تاباعمرانت بالحكم ويتضمن كذلك نوعا من الخطاب الوعظي والحكمي والأخلاقي بشكل قوي. في أغانيها تطرقت تاباعمرانت لتيمات متعددة ومتنوعة، وغالبا ما تتناول أشعارها وأغانيها مواضيع راهنية لها علاقة وطيدة مع مشكلات المجتمع المغربي الراهن.
لقد غنت فاطمة تاباعمرانت من أجل حقوق المرأة مستحضرة ظروف المرأة القروية، وذلك بشكل يدعو إلى تغيير العقليات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية النسائية في المجتمعات القروية. من خلال شعرها، فهي تناضل من أجل تحرر حقيقي للنساء وتحسين ظروف عيش المرأة القروية الأمازيغية.
فاطمة تاباعمرانت هي كذلك مناضلة وفنانة ملتزمة ومنخرطة بشكل قوي في المجتمع المدني، وتعمل من أجل الارتقاء بالمرأة القروية وتشارك في الأعمال الإنسانية والإحسانية التي تهم حماية الطفولة والأيتام.
تعتبر فاطمة تاباعمرانت صورة للفنانة الملتزمة التي تمكنت من تجاوز وتكسير جميع الطابوهات من أجل الدفاع عن الهوية والثقافة الأمازيغية. بفضل قوة نصوصها، تمكنت هذه الفنانة من توليد وزرع الأمل وجعل الساكنة الأمازيغية تحس بفخر الانتماء إلى هويتها الأصلية، لقد أصبحت هذه الشاعرة والملحنة في ظرف عشرين سنة أيقونة ورمزا وطنيا وقامت بتصدير فنها إلى ما وراء الحدود، هذه الفنانة المغربية الكبيرة تجسد وتمثل فعلا هوية الشعب الأمازيغي.
تقدم الرايسة فاطمة تاباعمرانت نفسها كفنانة ملتزمة ومناضلة من الدرجة الأولى والتي وضعت فنها في خدمة القضية الأمازيغية. وتعتبر أن مهمتها الأساسية تتمثل في الدفاع عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وكما تقول هي بنفسها في إحدى أغانيها المعنونة ب"تيفيناغ"، حيث نذرت نفسها وكرستها للدفاع عن هذه القضية النبيلة، إنه التزام منها مدى الحياة:
لهم نم أتمازيغت أف ؤكان ؤحلغ
أكيغ أمكال ن غويد أد أغ ؤكان ؤر ئرين
أغويد ئحكرن ئمازيغن ؤلا أوال نغ
أد مو ننا: هاي ديون ئنا كيغ نسول
أس نا غ نموت أد داغ فلاتي عولن
ئغ ؤر نفوكي غيد، أر غين نفوكو تنت.
في مجمل أشعارها، لا تفتأ الرايسة فاطمة تاباعمرانت تعبر بصراحة عن التزامها وإخلاصها وحبها للثقافة واللغة الأمازيغيتين. وعندما تقوم بتكرار ذلك في جل أغانيها، فلأنها ترغب في المطالبة بشكل صريح بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية والذوذ عن القضية الأمازيغية عبر الأغنية التقليدية، وإخبار الجمهور المتتبع بالتزامها الفني في هذا الاتجاه، نجدها تقول في مقطع من أغنيتها المشهورة "أزول" (1993):
يوف داري واوال أد أمازيغ كرا طافغ
ئغ فلاسن موتغ، ؤر أغ تهول روح ئنو.
اللغة الأمازيغية أجمل وأحسن لدي من كل ما أملك
بإمكاني الموت من أجلها ومنحها روحي.
تعكس أغاني فاطمة تاباعمرانت إخلاصها ووفاءها العميقين للثقافة والثقافة الأمازيغية، فحبها لهذه للغة والثقافة لا يمكن لشيء أن يحول بينها وبين ذلك وهو أكبر من كل شيء لديها. فالأمازيغية بالنسبة إليها هي مصدر ومنبع فخر واعتزاز: إنها غنى وثراء يتوجب علينا أن نفتخر بذلك. وفي الواقع، يشكل المكون الأمازيغي مصدرا ثريا بالنسبة لبلادنا الغنية حقيقة بتعدد وتنوع مكوناتها الهوياتية، كما أن المكون الهوياتي الأمازيغي يعد مكونا أساسيا ومهما بالنسبة لثقافتنا وحضارتنا العريقة، تقول الفنانة تاباعمرانت في قصيدة تحمل عنوان: "تيفيناغ" (1995):
ؤلاه ؤر سار زنزاغ تاسا نو س لمال
ءاد كيس نتحي تامازيغت ليت ئعمرن
ؤلا توسنا تامازيغت ؤراد كنت رميغ
لكنز أد تكيت، ربي أد أغ سيونت ئخيرن
تسعود ؤتلاتين أد لحرف ن تيفيناغ
أد كولو كشمن لقلب ئنو ؤر ئغاما يان.
ونجد الفنانة فاطمة تاباعمرانت تدعو الأمازيغ للوحدة ورص الصفوف وتوحيد الجهود والنضال من أجل الدفاع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، تقول في قصيدة لها بعنوان: "ؤهوي ؤر أد أك نشلح" (1993).
ئزد أيامازيغ ئنو غايد لي ياغ ئسالان أد أك كيسن بدرغ كرا؟
يان لهم أد ديك نشرك، ئغ ليغ لعيب، ئتي ييت، أد ؤر نعاود ئغيكا.
وتعتبر كلمة "الهم" العبارة الأكثر استعمالا في مختلف أشعار هذه الفنانة، هذه الكلمة المقترضة المعجمية والتي تدل في اللغة العادية المتداولة على الاهتمام، القضية، المشكلة العميقة، تدل هنا على معنى محدد بدقة للدلالة على الوعي الهوياتي والدفاع عن القضية الأمازيغية. وهي تدعو إلى التقاسم الجماعي لهذا الهم وجعله هما جماعيا أي هم الدفاع عن القضية الأمازيغية، تقول في مقطع من قصيدة "ؤهوي ؤر أد أك نشلح":
بيكسات أد تازلم غ تيلي ياغ ئخاصان،
ئما تانا فكا نسها، تفتا.
فيما مضى، تعرضت اللغة الأمازيغية لمسلسل من التهميش مما ساهم بشكل مكثف في هشاشة وضعها. لقد تم تركها وهجرانها والاستخفاف بها لسنوات طويلة، فوجدت اللغة الأمازيغية نفسها في وضعية لا تحسد عليها، نستحضر جميعا السياق التاريخي لسنوات ما بين 1993 و1995، تقول الفنانة في قصيدة "أزول":
ئغ كيغ ئلا سيعر، ئك أك لهم غ تاسا نك
عاون أغ أد أك نعاون، أد نجنجم تاوري نغ
أد سول ؤر ئحكر يان أمازيغ ئغ ئساول
لاصل أد ييد ئفلن أوال أد لي ساولغ
ؤر د نكوري غار غاصاد أد أغ سنتالن
ؤر كيس لعيب أد نساول، نازل ف لحاق نغ
ؤلا هلي نادر ئغراض أد يي سرواتن
يان ؤر ئرين أد ئساوال ماد أس ئساوالن
ئغ كا تمهلت ئخف نك، تادرت ئواوال نك،
ما ئران أد سيتون ساوالن أد أك ئنا: عاقل.
هان أودي سيعر ئرا توكاس د تامونت،
ئغ تلا تيفاق، تيكصاد ؤر أر تيلينت.
في قصيدتها المعنونة ب"تيفيناغ" لسنة 1995، تدعونا الفنانة للعودة إلى النصوص والمراجع التاريخية للحصول على بقايا وآثار حضارتنا العريقة، والارتباط مجددا بتاريخ هذه الحضارة وأصولها. إنها دعوة للعودة إلى الأصول من أجل مصالحة حقيقية مع هويتنا وتاريخنا، وهو ما تعتبره الفنانة ضروريا لاستكمال الوعي الهوياتي بشكل علمي وبالتالي الاستعداد للدفاع عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين التي همشها أهلها لسنين طويلة.
يتوجب علينا أن نفتخر بأصولنا وثقافتنا، تقول لنا هذه الفنانة، فالأمازيغية تعتبر واحدة من المكونات الأساسية لثقافتنا وتميز كذلك أصالة حضارتنا. فالحضارة الأمازيغية هي من الحضارات الأولى التي عرف بها الحوض المتوسطي وتميز بها ، وتاريخ الشعب الأمازيغي يمتد لآلاف السنين، واللغة الأمازيغية هي اللغة الأكثر قدما بالبلاد، تقول فاطمة تاباعمرانت:
أساعد نك أيمازيغ ؤلا تاريخ نك
لحور أد كان لاجدود نك ؤلا أراو نون
ؤرتا ئلوح عيسى س ئكي ن خمسالاف عام أس ئنا تاريخ
ئمازيغن أد ئتازالن أس ليغ فرغنت
غاس ليغ كولو كادانت، ئتو تن واوال.
وتمضي الرايسة فاطمة تاباعمرانت في أغانيها حينما تتوجه بخطابها الشعري إلى الشباب على وجه الخصوص باعتبارهم من بإمكانه حمل مشعل النضال لاحقا وبالتالي الدفاع عن القضية الأمازيغية. تدعوهم إلى الوعي بأهمية هذه القضية وأهمية الدفاع عن الثقافة واللغة الأمازيغيتين. إنها إذن طريقة أبدعتها فنانة ملتزمة في الحياة المدنية والجمعوية للتذكير بعمل الجمعيات الثقافية الأمازيغية، ومن ثمة تحفيز هؤلاء الشباب المناضل للانخراط في هذا المسار النضالي السلمي، نظرا لكونهم الفاعلين في المستقبل ممن سيساهمون في تطوير البلاد وازدهارها. تقول في قصيدة تيفيناغ:
ئم ربي أشباب أمازيغ أد ييك ؤر ئلاح
كيي أدا شركغ لهم، راد فلاك ألاغ
أوانا ؤر ئفركن، أجيتن، راد سول ئفرك
أس نا غ ئفرك، ندمن، راد سول ئماغ.
وتترجم العديد من أغانيها نوعا من الوعي الإيجابي إزاء الوضعية السوسيولغوية للأمازيغية، والمتسمة بوضعية تسود فيها ازدواجية لغوية ليست دائما في صالح الأمازيغية خاصة لدى الناطقين بالأمازيغية في الأوساط الحضرية حيث تتموقع الأمازيغية في وضعية المهيمن عليه من قبل أنظمة تواصلية أخرى. ومادام الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية غائبا مع غياب معيرتها، فإنها لا يمكن أن تؤدي وظائفها بشكل كامل كلغة في التعليم وكلغة حاملة لثقافة عالمة ورسمية.
بدون الحماية القانونية وبدون وضع سوسيولغوي واضح ومقنن، ستبقى الأمازيغية كلغة عامية مهددة بالزوال، وتفقد مكانتها تدريجيا في المدن وفي المناطق المتسمة بوجود احتكاكات بين اللغات، ومهددة بالاستيعاب اللغوي والثقافي، وهو ما يطرح مشكلة نقل مضمونها اللغوي والثقافي والفكري للأجيال القادمة. تقول الفنانة في قصيدة "أزول" سنة 1993:
أد ؤر تتمهالت أيامازيغ أوال نك
أد ت ؤر توت، ؤر سرس تربيت أراو نك
تاروا ن تميزار نغ ئمازيغن كولو كن
ؤر أغ ئسندام غوالي يوضرن أراو نس
ؤر أس ملين أوال أمازيغ أد ت يسان.
وتمضي الفنانة قائلة في قصيدتها المعنونة ب: " روح ئنو أتمازيغت" سنة 1995
ئوا تاوتمت تامازيغت، أتالي يوسين
أراو ئكي ن وافود نس، أر أسن تمال
أد أك ئزوارن د تمازيغت ملي تنت ئيويم
أد ؤر ئجلو لاطر دا ئوالان أفوس نم
أهان أفروخ أد مزين أغ ئلا ئمال
أح ألاصل، أح أباب نس، غوالي ت ؤر ئتون
مانيك ئتزيان ربي غيلي غ أر تتيليت.
نحلل بعض المقاطع الشعرية من نفس القصيدة المعنونة:" روح ئنو أتمازيغت"، فنجدها تتطرق إلى بعض القضايا والأسئلة التي يتوجب إيجاد أجوبة وحلول مستعجلة لها في تلك الفترة التي تم فيها إبداع القصيدة أي سنة 1995. وهو ما يعكس انتظارات وأمال المجتمع المدني المهتم بالأمازيغية. إن نص هذه القصيدة يلخص تقريبا مجمل مطالب الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب والتي بقيت أنذاك بدون جواب أي في أواسط التسعينيات وأساسا ما يخص: الحقوق اللغوية، الوضعية التشريعية للأمازيغية، تدريس الأمازيغية، حرف تيفيناغ...تقول الشاعرة تاباعمرانت في هذا الصدد:
أكيغن سيتون ربي ألحرف ن تيفيناغ
مناشت ن تاسوت أدارك غ واس نون
يان ؤزمز رشم ن تزرباي كاغ أرك نتناي
ؤلاه أر فكيغ أيوز ئغويلي تني وفان
أغين أغ ياد ئلا زا ئغ ئلا مات يسن.
كما تتطرق نفس القصيدة إلى مسألة تدريس اللغة الأمازيغية والمقاومات التي تواجهها عملية إدماجها في المنظومة التربوية الوطنية. الدعوى المؤطرة لهذا الوضع تكمن في سيادة آراء تتصور أن اللغة الأمازيغية يجب أن تبقى لغة محدودة محلية بعيدة عن أي استعمال يومي. هذه الآراء حتى وإن كانت تؤمن بحق الأمازيغية في الوجود، فإنها لا ترى لها أهمية بالنسبة للأطفال، أكثر من ذلك بالنسبة لهؤلاء يمكن للأمازيغية أن تعرقل اكتساب الأطفال للتعلمات حسب هؤلاء دائما.
ترد الفنانة فاطمة تاباعمرات على هؤلاء بأن الأمازيغية تشكل فرصة بالنسبة لتعلم الأطفال في المدرسة. وبخلاف الآراء السابقة يمكن للأمازيغية أن تحفز وتدفع المتعلمين الناطقين بالأمازيغية نحو التعلم والاكتساب لأنها تسهل ولوجهم خصوصا لعوالم القراءة والكتابة. وترى الفنانة فاطمة تاباعمرانت أن تعليم اللغة الأمازيغية لا ينبغي أن يقتصر فحسب على الأطفال المتمدرسين في الأوساط الأمازيغية بل يجب أن يمتد ويشمل المجال الترابي الوطني برمته مع تعميمها بكل أسلاك المنظومة التربوية المغربية. وجاء رد الفنانة كالتالي:
نكا نيت أيت تمازيرت، ؤر نسين أسيف
ندو نكاور أس غ توزومت أيليغ أغ ؤسين.
ئلا ماد أس ئنان: أج أفروخ أد نيت ئحرش،
ئغ أس نملا تامازيغت، ئرا غار ئتلف،
أس نا غ روحن لمدرست، ؤر ئسين أوال.
غيكاد ئكا تابايت ن واوال نغ،
ئما تيغري ترخا دار وانا تنت ئران
ئغ ئحرش وراو مزين، رخان أد ييسان.
ئلازم كولو ماد ئكشمن ئوامور نغ
أد كنت ئسن أتمازيغت، أر كم ئساوال،
ئما ياد د أيت غيد، هان وانات ؤر ئسين،
لحاق نس أد ئجلا، د لحاق ن وراو نس.
وتختم الرايسة فاطمة تاباعمرانت أغنيتها بالتعبير عن أمل عميق بتجاوز كل العراقيل المحيطة بالأمازيغية وبالتالي العمل على إيجاد حل للوضعية السوسيولغوية للأمازيغية سنة 1995، تقول: " مرحلتنا أحسن بكثير مما عرفناه سابقا"، فقد بدأت الأمازيغية تحصل على حقوقها حينما بدأ مسلسل الاعتراف بالثقافة واللغة الأمازيغيتين على المستويين الوطني والدولي باعتبارها مكونا أساسيا ضمن الثقافة المغربية وعلى مستوى شمال إفريقيا ككل. تقول الفنانة في هذا المنحى:
أيوف أك داغ ؤزمز أد غوالي تين ئكان
أتبيمت أتمازيغت أكال ؤلا أمان
أويلي نديم ئتماكارن أد ييت ئتينين
أد تلكمت أتمازيغت أفا أد مو كم ريغ،
أن ؤكان كيس تبيدمت، ياني كم كويان
نرا أد نفل تاكوضي نم أد تنت ؤر أويغ،
ؤر ندرك أد يي زوزينت أس نا نموت.
أمين أد يي ياج ربي لماليك الحاسان،
ئكا دارس ؤمغريبي غيكلي ن وراو،
زود أعراب زود أمازيغ، يان ؤر راد تن فلن.
وتعتبر الأمنية الكبرى لفاطمة تاباعمرانت أن تجد الأمازيغية مكانة متميزة وتتبوأ مكانتها اللائقة بها. وهذا ما تعبر عنه بشكل قوي في الأبيات الشعرية الأخيرة من قصيدتها إذ تقول:
سيدي ربي عاونات أغ أد أفغ تيفاوت،
نيوي تيويزي ن واوال، نك أسنت نيت،
غينا كيغ أد يي ؤر ئعدم ربي تيلال نس،
أد ؤ ريي تاويت ألموت غويدا غ ئلا سيعر،
أر كيغ نسمد رجا ئغويد أراد سول نفل
مايران أد أغ ئبضو، ئسكر كيغ ئغاراسن،
نكا ئموسلمن، نومن س ربي لي ياغ ئخلقن.
لقد تغيرت الوضعية السوسيولغوية للأمازيغية خاصة خلال العقد الأخير عبر إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2001، إدماج الأمازيغية في المنظومة التربوية الوطنية سنة 2003، إحداث مسالك خاصة بالدراسات الأمازيغية في الجامعات المغربية سنة 2006، إدماج الأمازيغية في المشهد السمعي البصري الوطني وإحداث القناة الأمازيغية سنة 2010، وأخيرا بدسترة وترسيم اللغة الأمازيغية سنة 2011.
إن مجمل هذه المنجزات والمكتسبات بخصوص الارتقاء باللغة والثقافة الأمازيغية وحمايتها هي نتاج لمسار طويل من النضال المطلبي، والتزام من كافة الفاعلين في المجتمع المدني والحركة الثقافية الأمازيغية.
ما أردت تبيانه من هذه المداخلة الخاصة بتحليل نماذج من شعر فاطمة تاباعمرانت فيما يتعلق بالهوية هو كون هذه الأخيرة كانت إلى حد ما بمثابة الناطقة الرسمية للحركة الثقافية الأمازيغية، فنانة وضعت فنها في خدمة القضية الأمازيغية من أجل المطالبة بحقوقها العادلة والمشروعة.
من خلال عدد من أشعارها، وخاصة على مستوى ألبوماتها المسجلة طيلة الفترة 1993 و 1995 ، حاولت الرايسة فاطمة تاباعمرانت التعريف بمطالب الحركة الثقافية الأمازيغية ونقلها للعموم: ضرورة حماية اللغة والثقافة الأمازيغيتين وتطويرهما، تدريس اللغة الأمازيغية، ترسيم اللغة الأمازيغية... كما تبين هذه النصوص الشعرية معرفة عميقة من هذه الفنانة بحقوق الإنسان والحقوق اللغوية والثقافية، حيث اكتسبت هذه المعرفة بحكم اشتغالها في أوساط العمل الجمعوي وملازمتها للفاعلين في الحركة الثقافية الأمازيغية.
المراجع:
1– الحسين بن إحيا كويجان، 2002، تاماكيت ئنو: شعر فاطمة تاباعمرانت، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، الرباط.
2 – عبد العالي تلمنصور، 2008، الرايسة فاطمة تاباعمرانت: مقتطفات من سجلها الشعري، مقال منشور بمجلة الدراسات والوثائق الأمازيغية، العدد 27، باريس. (باللغة الفرنسية)
3- عبد العالي تلمنصور، 2011، الرايسة فاطمة تاباعمرانت: الوجه البارز للأغنية الأمازيغية التقليدية بالجنوب المغربي، مقال تحت الطبع بمجلة (مونيا) في عدد خاص بالفن والأدب المغربيين، منشورات جامعة سان جاك دوكومبوستيل بإسبانيا. (باللغة الفرنسية).
مترجم الدراسة : رشيد نجيب




#رشيد_نجيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدور الطبعة الثانية من الرواية الأمازيغية: tawargit d imikk
- الكتابة السردية بالأمازيغية: مقاربات نقدية
- بورتريه الإعلامي عدنان الأيوبي: المراسل السابق للبي بي سي في ...
- الإعلامي محمد شقير: من اليابان إلى هيئة الإذاعة البريطانية
- محمد خير الدين المجرة الملتهبة
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (9): بورتريه المراسلة والمن ...
- التقرير العام للملتقى الوطني الثامن للكتاب بالأمازيغية
- أكادير: الملتقى الثامن للكتاب بالأمازيغية
- صورة المجتمع المغربي القديم في السينما الكولونيالية (محاولة ...
- الإعلامي عاطف عبد الجواد والسبق الصحفي (بورتريه)
- أكادير: دورة تكوينية حول كتابة المقالة باللغة الأمازيغية
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (8): بورتريه الإذاعي القدير ...
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (7): بورتريه الإذاعي محمد م ...
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (6): بورتريه المذيعة منيرة ...
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (5): بورتريه الإذاعية ندى م ...
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (4): بورتريه الإذاعي عبد ال ...
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (3): المراسل الشيخ بكاي (مو ...
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (2): بورتريه الإذاعي الراحل ...
- من تاريخ هيئة الإذاعة البريطانية (1): بورتريه حسن أبو العلا ...
- أكادير: فعاليات الملتقى الوطني السابع لرابطة تيرا للكتاب بال ...


المزيد.....




- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد نجيب - تيمة الهوية في الأغنية الأمازيغية التقليدية: الرايسة فاطمة تاباعمرانت نموذجا (ترجمة)