أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فؤاد بلحسن الخميسي - نحن والقُبَّرَة والمدينة!














المزيد.....

نحن والقُبَّرَة والمدينة!


فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)


الحوار المتمدن-العدد: 5964 - 2018 / 8 / 15 - 17:12
المحور: المجتمع المدني
    


أجَّج تغريد القُبَّـرات في صمت هذا الصباح الباكر في داخلي سلسلة أسئلة وتأملات.
كيف حجَبَ وجودنا كأناس تعيش في المدينة وجودَ كائنات لطيفة، ملازمة ومجاورة لنا باستمرار، هي القبرات؟ كيف نُدرك هذه الكائنات اليوم؟ ما أهميتها؟ ولماذا أجعلها موضوعا لهذا النص العابر عبور الخاطرة؟
القُبَّرات أو القُبَّر، جمع قُـبَّرة! والقبرة عصفور صغير الحجم. تُسمى أيضا بـ «القُنْبرة» و«القوبعة» (من القُبَّعة، نسبة إلى تاج الريش الذي على رأسها بالنسبة للقبرة المُتَوَّجة)، ويفضل المغاربة تسميتها بالعامية بـ «الجَّوْجْ» (على ما يبدو، هذا الاسم مشتق من صوت تغريدتها).
ربما يكون هذا العصفور، بالنسبة لنا جميعا، أول ما عرفنا وشاهدنا من الطيور في صغرنا! وربما يكون تغريدها أول صوت لكائن حي - من غير البشر- طَرق أسماعنا ساعة كنا نُـصغي بإمعان لأصوات عالمنا الخارجي، سواءٌ ونحن بداخل أرحام أمهاتنا أو ونحن فوق مُهودنا! وربما يكون هذا الكائن أكثر الكائنات قربا إلينا مقارنة بغيره من الحيوانات عموما! وربما يكون أكثرها عددا أيضا داخل المدينة وحولنا!
كل هذا يدفعنا إلى إعادة اكتشاف القبرات من جديد، إلى تجديد علاقتنا واتصالنا بها، إلى رؤيتها بصورة مختلفة.
لكن، لماذا؟
أولا، أحب أن أنطلق من ملاحظة مثيرة. لاحظوا معي كيف اختار هذا الطائر أن يعيش ككائن مَدِيني. فاليوم، قد نفتقد -ولو نسبيا- القبرات في القرى (وهذا ما أسجله وأنا في بيت جدي القروي) بينما نجدها حاضرة بقوة داخل المدينة، إلى درجةٍ يمكن أن نقول معها أن القبرات أمست كائنات مدينية بامتياز. فما الذي جعل القبرات تختار العيش بالمدينة، إلى جانبنا؟ هذا سؤال كبير، يحتاج إلى بحث متخصص. لكن ما ألاحظه، هو أنها، وبالرغم من حَذرها الشديد منا نحن البشر، تبدو مستمتعة بعيشها بيننا: تُغرد بلا انقطاع، تقفز من هنا إلى هناك، تتراقص، تلعب بـ/حول أشياء تعود لنا، تُطور مهارات مثيرة (الاختباء، الفرار، البحث عن المياه، معرفة أماكن الطعام الذي يعود في الأصل للإنسان، إلخ)، وفي نفس الوقت تبدو مرحة، وغير ضجِرة أبدا. بل أكثر من هذا، إننا يمكن أن نسجل حالات تترك فيها القبرات أعشاشها في الأشجار لتبحث لها عن مساكن داخل البيوت السكنية خاصتنا. وهذا ما يزيد من قدرتها على التكيف معنا ويزيد من مَدَنيتها إذا أخذنا وجهة نظر إنسانية للموضوع كزاوية للظر!
لكن مع ذلك، وبقدر ما تقترب منا القبرات نبتعد عنها نحن!
نعيش في المدينة، وشيئا فشيئا، نفقد اتصالنا بالطبيعة. هذا الخوف من فقد هذا الاتصال، هو الذي جعلنا نغرس أشجارا على مداخل بيوتنا ونضع أغراسا على سطوحنا ونوافذنا (قد يقول أحدنا هذا تمسك بطبيعة البداوة فينا، التي ترتبط بالأرض والطبيعة. فليكن!). فلطالما ارتبط إدراكنا للجمال بجمال الطبيعة (أشجار، أنهار، مُروج، أزهار، طيور،...). واليوم، ومع هذه الأوبة لكل ما هو طبيعي وبيئي (الثقافة الإيكولوجية)، نجد أنفسنا نعيد اتصالنا مع الطبيعة مع كل المشاعر الدافئة التي ترتبط بذلك. فكيف تكون لنا هذه العودة من دون تجديد علاقتنا بالقبرات، القريبة مكانيا وصوتيا. لا بد أن نقترب منها لنعرف ذاتنا أولا ككائنات حضرية تتقاسم الفضاء مع كائنات أخرى، ولأهداف تربوية ثانيا. فمن الضروري أن نعيد تعريفنا لأنفسنا من خلال ما يحيط بنا، كما أن أطفالنا في حاجة إلى أن نلفتهم إلى طبيعة هذا المحيط، بمكوناته ومقوماته. ولا بد من أن ننطلق من اعتراف صريح بأن المدينة والمدنية بقدر ما ترتبط بالرخاء والحركية والأشياء المبتكرة، بقدر ما تُبعدنا عن حقائق و إيقاعات أخرى لا تقل أهمية (الطبيعة وأسرارها). وأنا أكتب هذه السطور، تذكرت الحسن الثاني، هذا الرجل المثير للجدل والموسوعي، الذي جمع بين حب السلطة والتأمل العميق، في آن، وهو يخطب أمام جمع من المهندسين المغاربة (1986) لما استَـنـكر واقع أن أطفال باريس ما عادوا يشاهدون العصافير فوق رؤوسهم بسبب تلوث المدينة هناك! إن من واجبنا أن نمسك بهذا الوعي بالمحيط الذي جسده هذا التعبير الذي عبر به الرجل عن مسألة حيوية بالنسبة لكل إنسان- الالتفات إلى المحيط وإلى جمالياته واعتباره جزء من الهوية. كيف لا وحياة القبرة تسري على هامش حياتنا، وجغرافيتها هي جزء من جغرافيتنا، أليست القبرة كائنا متوسطيا، يحب مناخنا وتضاريسه وغذاءه، كما نحن تماما!
الهوية؟!
نعم. ألم يربط محمود درويش بين القبرة والوطن والهوية والذاكرة، لما أنْشَد:
"كلّ ما أملكه في حضرة الموت:
جبينٌ وغضبٌ.
وأنا أوصيت أن يُزرع قلبي شجرهْ
وجبيني منزلاً للقبَّرهْ
وطني، إنّا وُلدنا وكَـبُرنا بجراحِك
وأكَـلنا شجر البلوط..
كي نشهد ميلاد صباحك..." / قصيدة «جَبِين وغضب»
ولما قال أيضا:
"... وعرفنا ما الذي يجعل صوت القُبرة
خنجرا يَلْمع في وجه الغُـزاة
وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبرة
مهرجانا .. وبساتين حياة! " «يوميات جرح فلسطيني».

أختم بالقول، لن نُـربي إنسانا على حب المدينة ما لم يحب إنسانها وحيوانها ونباتها أولا. والحب إما أن يكون أو لا يكون!



#فؤاد_بلحسن_الخميسي (هاشتاغ)       Belahcen_Fouad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تقدير موقف: افتتاحية صواريخ محور المقاومة في ميزان ثقافة اله ...
- العالم في 2030 من وجهة نظر المفكر جاك أتالي!
- القراءة الحرة والكتاب وأنت!
- هي ذي «وانغاري ماثاي»
- المدينة كفضاء للتفكير والعيش: المغامرة؛ المفارقة؛ الأمل!
- إلى أين يسير المغرب؟ مفارقات العقل الثوري وانتحارية الدولة ا ...
- نهج المعارضة السورية على ضوء حكمة الملكة بَلقيس
- كلمات في الفقيد الكبير عبد الهادي التازي
- مع الانسان الضحية .. لا مع الانسان الجاني
- المقاومة أولا .. وأخيرا - فلسطين قضية التحرير الكبرى
- داعش الإرهابية، مأزق الإسلاميين المعتدلين وهذيان القرضاوي -ع ...
- عن جريمة اغتيال مثقف الكرامة المهدي المنجرة - أو بعض مما لم ...
- النسخة الجديدة من حكومة بنكيران في معادلة الربح والخسارة
- بعد سنة من المعاناة والتحدي داخل السجن، المناضلة عفاف بنزكري ...
- في بحث عن اسمها وسط سديم ليلي!
- في رحيل رجل شريف .. عبد السلام ياسين
- في بكائيات المجتمع حول ضحايا البرد والثلج - مقترح للإنتقال م ...
- امتحان الثورة والثوار في مصر
- كلمة في المناضل والمعتقل السياسي معاد «الحاقْد»
- حوار مع الشاعر والمترجم رشيد وحتي: الترجمة عملية تلقي مزدوج


المزيد.....




- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...
- البرلمان العربي يستنكر عجز مجلس الأمن عن تمكين فلسطين من الح ...
- الكويت: موقف مجلس الأمن بشأن عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ي ...
- قائمة الدول التي صوتت مع أو ضد قبول الطلب الفلسطيني كدولة كا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فؤاد بلحسن الخميسي - نحن والقُبَّرَة والمدينة!