أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصتان قصيرتان














المزيد.....

قصتان قصيرتان


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1504 - 2006 / 3 / 29 - 05:08
المحور: الادب والفن
    


الجحيم، ربما

استفاق بعد نوم، أو ما يشبه النوم.. كان استغراقاً طويلاً مربكاً من تشوشات وخواطر مزعجة ورؤى أشباح وشياطين وقلق ووساوس وأحلام لا تخلّف في النفس سوى الجزع والرماد.. نادى على زوجه فلم تجبه.. نادى على ابنته البكر ولم يتلق رداً.. نادى على أطفاله الصغار فارتد عليه الصدى، لا شيء آخر سوى الصدى.. قام خفيفاً متوجساً ليستطلع كل جزء وزاوية في البيت إلاّ أنه لم يجد أحداً.. تساءل: إلى أين يمكنهم أن يذهبوا في هذا الصباح؟.
تداعت في ذهنه احتمالات شتى لم يركن إلى واحد منها.. تلبسه شعور ممض بالوحدة فقرر أن يخرج حتى قبل أن يتناول فطوره.. لم يكن يشتهي طعاماً على غير عادته.. كان الشارع خالياً تماماً.. السيارات واقفة، لكن ليس هناك أي من البشر الذين تعودوا أن يتأمل زحمتهم، ثم يندس فيها في هذه الساعة من النهار.
انعطف إلى شارع آخر فتملكه خوف مبهم، فهذا الشارع، أيضاً، كان بلا مارة؛ "ترى هل هناك قرار بمنع التجول؟. ولكن أين هم رجال الشرطة الذين ينبغي تواجدهم من أجل منع الآخرين من الخروج؟".
لم يكن في الجوار شرطة كذلك، واندهش حين لا حظ أن المحال التجارية مفتوحة الأبواب، والسلع معروضة بأناقة في واجهاتها، ولا باعة ثمة، أو متسوقون..
بعد ساعة اقتنع أن ليس في المدينة إلاّ هو.. جرب أن يهاتف معارفه في المدن القريبة والبعيدة، غير أن الخطوط كانت مقطوعة.. حاول أن يشغِّل سيارته أو أية سيارة أخرى بيد أنها لم تستجب لـه.. جرى ليخرج من المدينة على قدميه واكتشف أن الشوارع متداخلة يؤدي بعضها إلى بعض على وفق هندسة كما لو أنها المتاهة.. كانت الشوارع التي يقطعها توصله إلى الميدان عينه. ولمّا حلّت الظهيرة كان يائساً مضعضع الروح، ولأول مرة أدرك أن لا صوت، أي صوت، في الأنحاء.. لا هدير، لا أزيز، لا لغط لا صراخ.. أراد أن يتكلم.. أن يقول شيئاً لنفسه فلم تطعه حنجرته, دار لسانه في فمه وبقي عاجزاً عن سماع ما يقول، وتذكر أنه لمّا نادى على زوجه وأولاده عند استيقاظه لم يميز صوته، ولعل الصدى لم يكن إلاّ وهماً، ولم يعر ذلك في حينه أية أهمية.. كان صمت القبور يلفه في المدينة.
"أهو الجنون؟".
وخطر لـه انه ربما كان يحلم "لكنني لا احلم.. كل ما حولي حقيقة أكيدة، ملونة، والزمن يجري.. آه، الزمن؟!".
نظر إلى ساعته وذعر لأنه وجدها بلا عقارب، وكذلك كانت ساعة الميدان الكبيرة بلا عقارب.. دخل المحال والبيوت القريبة الخالية وازداد ذعراً وحيرة إذ تأكد أن عقارب الساعات المعلقة على حيطانها قد اختفت، وفطن إلى أن الشمس ما زالت قابعة في مكانها، في خاصرة السماء، لا تريم على الرغم من الوقت كله الذي قضاه راكضاً من مكان إلى مكان ليتعرف على حقيقة وضعه الملتبس الغريب.. شمس بلا دفء، وضوء كاب، وسماء بنفسجية تميل إلى القتامة، وحتى هذه اللحظة لم يكن عطشاناً أو جائعاً.. كان برداناً فقط، وقد تفاقم شعوره بالوحدة؛ " أتراني مت؟!. أهذا هو الموت؟!".
عاد إلى بيته مسكوناً بالرعب.. وقف أمام المرآة، رأى الأشياء التي تحيط به، ولم ير صورته؟.
فكر؛" هو الجحيم، ربما".
ارتمى على أقرب كرسي، وقد بلغ منه اليأس والرعب والشعور بالوحدة أقصاه.. أغمض عينيه، وأحس بأنه راح ينحل ويتلاشى.. يتلاشى.
1998
شاعر
ساعات مضنية استغرقتها المرافعة.. كان في قفص الاتهام، وكانوا في الطرف الآخر، خلف منصتهم الفارهة، قضاة ثلاثة بجلابيب سود.. بغتة قال أحدهم:‏
- وتدّعي أيضاً أنك شاعر.‏
اعتراه الذهول فلم ينبس بكلمة.. لأول مرة مذ أوقفوه وراء القضبان يشعر بالعجز عن الكلام.‏
علّق القاضي الثاني ساخراً.‏
- هل لك أن تبرهن لنا أنك شاعر؟‏
قهقه القضاة الثلاثة، أما المتهم فقد أمسك الخدر بفكه، وتهدلت شفته السفلى.. رفع يداً مرتعشة إلى فمه وكأن بين أصابعه سيجارة... ودَّ لو أنَّ بين أصابعه سيجارة حقاً، يعبُّ من دخانها وينفثه في وجوههم، بيد أن يده سقطت إلى جنبه، ثم أخذ يسعل.. هنا صاح القاضي الثالث:‏
- ما أنت إلاّ دعيٌ سافل.. خذوه.‏
اقتاده رجال غلاظ إلى زنزانة مظلمة رطبة.. في الزنزانة أحس بكينونته مترعة بالشعر حدَّ الغليان.. حد البكاء.‏
بعد لأي عثر في قاع جيبه الفارغ على قطعة صغيرة باقية من قلم رصاص خط به على الحائط قصيدة سمّاها (أشجان البنفسج).‏
مات الشاعر فظلَّ الشعراء السجناء نصف قرن في مرورهم الاعتباطي على الزنزانة تلك، يقرأون (أشجان البنفسج) ويبكون. وعندما صدر أخيراً قرار بهدم السجن ونقل السجناء إلى مكان آخر، اندفع بلدوزر يقتلع حيطان السجن.. عندها تناثرت كلمات القصيدة بين الأنقاض.‏
وفجأة من بين الأنقاض انبجست آلاف من أزهار البنفسج الرائعات.
1993



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رواية اسم الوردة: المنطق والضحك يطيحان بالحقيقة الزائفة
- قصة قصيرة: الغجر إنْ يجيئوا ثانية
- من يخاف الحرية؟. النسق الثقافي والمحنة السياسية
- قصة قصيرة: زهر اللوز
- شهادة: هكذا تكتبني المحطات
- شقاء المثقفين
- فضاء مكتبة.. فضاء الكون*
- سحر ماركيز
- الرواية وسيرة الروائي
- المثقف: إشكالية المفهوم والوظيفة
- كالفينو: الوصايا والإبداع
- مكر كونديرا
- في رواية -الإرهابي- لديفيد معلوف: هل حدثت الجريمة حقاً؟.
- حياة أوفيد المتخيلة
- المثقف والفاشي وهاجس الأرشيف
- في رواية ( كل الأسماء ) لساراماغو: البحث عن الذات عبر البحث ...
- بين كاداريه وساراماغو: أضاليل التاريخ ومناورات الروائي
- في الذكرى المئوية لولادة سارتر
- المجتمع الاستهلاكي: الأسطورة وصناعة الزائف
- الحوار المتمدن في أفقنا المعرفي


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - قصتان قصيرتان