أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر أبو رصاع - عبقرية طه حسين (5) ثورة طه حسين على الأزهر















المزيد.....

عبقرية طه حسين (5) ثورة طه حسين على الأزهر


عمر أبو رصاع

الحوار المتمدن-العدد: 1504 - 2006 / 3 / 29 - 05:07
المحور: الادب والفن
    


هز خروج الإمام الأكبر محمد عبده أو إخراجه من الازهر أركان مصر المحروسة ، وصار حديثها بعد تلك الخطبة التي ألقاها الخديوي في علماء الأزهر ، وظن طه حسين أن هذا الحدث الجلل سيفضي لأمر خطير في أروقة الأزهر، كيف لا وهو أمر يتصل إلى الإمام الأكبر محمد عبده؟ شيخ التجديد الذي أحدث كسرا في أغلال عصره ، وكان من شأن ما أجراه وأحدثه ما تفتق كنتاج لمنهجه التربوي ؛ رجالات قدر لها أن تصنع التاريخ شبت عن طوق الإنغلاق على يديه من أمثال سعد زغلول وقاسم أمين ممن إتصلوا به وأكملوا عنه كذلك من تأثر بالإمام وما أحدثه هو وتلاميذه الخلص من أمثال طه حسين نفسه ، توقع طه أن يتزلزل الأزهر إذن ويكون خطب عظيم فكم من مريد ضج به الرواق العباسي الذي كان الإمام يلقي فيه درسه كل مساء، وخال صاحبنا أن ضجيج الأزهريين سيعلوا ليبلغ أسماع مولانا فيعلم أن شباب الأزهر قد تغيروا وأن تلاميذ الأمام ومريديه لن يتخلوا عنه.

لكن طه صدم بانصراف جلهم عن إمامهم ومعلمهم ، وكان يغالب الظن نفسه أن ما أحدثه الإمام في تلاميذه أكبر من أن يخنعوا ويخلع الخوف قلوبهم فيقعدوا دون الزود عنه ، وكم كانت خيبته كبيرة ، وهو نفس تاقت للثورة والتغيير ولكرامة هذا المعلم الجليل الذي أحدث في الأزهر أمرا عظيما بقياس ذلك العصر ، فبعد أن تلبدت غيم القرون الوسطى قرونا ورسمت خطا لا تحيص عنه وجعلت تعيد وتكرر ما تعيد أدخل الإمام دروسا كالحساب والأدب والجغرافيا ، مما لم يألفه طلبة الأزهر ، ومما عده أغلب أشياخه ضرب من ضروب العبث والفساد لا يليق بالأزهر أن يكون فيه مثلها!

ما لبث الإمام الأكبر بعد حين من خروجه أن توفي ، وهال طه حسين كيف أن الأزهر بالذات كان أقل بيئات مصر اضطراب لموته ، ولمح الفتى كيف انتهز البعض وفاة الإمام فرصة للاتجار باسمه ، واستغلال الصلة به ، قارضين الشعر في ذلك ما طاب لهم أن يقرنوا باسمه أسماهم فيصيبوا عند الناس شيء من حظوته وجلال مكانته.

لاحظ طه حسين في هذا الخطب الجلل أمرا هاله وزاده عن الأزهر عدولا وابتعادا شيوخا وطلابا . ذلك أنه رأى أن من أخلص الحزن على الشيخ الإمام الأكبر محمد عبده كان من أصحاب الطرابيش لا أصحاب العمائم!

ولك أن تسأل نفسك لو كنت في مؤسسة تعليمية وكان بها رجل كمحمد عبده أحدث ما أحدث وحدث له ما حدث فتخلفت مؤسستك تلك عن دعمه ومؤازرته ولو بعد موته ، بإظاهر قدره ومكانته فيها بينما يمثل حضور إسمه حدثا وأمرا جلالا في غيرها ؛ أقول لك أن تسأل أي مؤسسة تلك في نفسك إذن؟!

مقت طه حسين الأزهريين شيوخا وطلبة إثر هذا الموقف وسألته نفسه عن كرامة العلم والعلماء ، وتعمق انفصال نفسه عن الأزهر تماما في إثر قصة لشيخ من أشياخه منعه القصر من إلقاء دروسه ، فكان أن سعى إلى طه أحد زملائه سائلا: ألست ترى فيما حل بشيخنا ظلما وعدوانا ؟ فأجابه أن نعم ، فسأله أن يشاركه في الاحتجاج على هذا الظلم ، فسعيا معا في جمع نفر من تلاميذ الشيخ ومضوا إليه يسألونه أن يعطيهم الدرس في بيته ، وهذا ما كان واتسعت الدائرة فانضم لهم غيرهم من الطلبة ، لكن طه اصطدم بهذا الشيخ ، ذلك أنه جادله يوما في مسألة مما أغضبه عليه فرده ردا عنيفا قائلا : اسكت يا أعمى ما أنت وذاك؟!
فما كان من طه إلا أن أجاب : إن طول اللسان لم يثبت قط حقا ولم يمح باطلا.

فسكت الشيخ ممتنعا وصرف عنه تلاميذه إذ ذاك ، وإنفض عنه طه إلى غير رجعة مسكونا باليأس من اشياخ الأزهر عامة ، مستنكرا عليهم هذه الحدة التي لا تنسجم وخلق العلم، وضيقهم بالمجادل السائل المتشكك طه حسين ، ولم يبقى عنده من أمل إلا درس الأدب ، ترى أكان طه مخطئ فيما اعتمل به صدره ؟ أيؤخذ العلم بالشك والجدل والاستجلاء؟ أم كما قاله ووعاه هذا وذاك ممن علا كعبه في قرن غبر أو شق الأفاق إسمه في ألفية بألف خبر ؟

لعل ما جعل الأسباب تتقطع بين طه حسين والأزهر وتفعل في الفتى النحيل الضرير كل تلك الأفاعيل العجيبة نابعة من عقله الشاك ولعل مبعثها ما أحدثته أخلاق الشيوخ وسلوكهم والتلاميذ ونفاقهم في نفسه من بغض لها ، أولعله ما أدخله الأمام الأكبر محمد عبده من إصلاح في تعليم الأزهر وعلى نحو خاص درس الأدب الذي كان يرى فيه النفر المعتبر من الشيوخ الأزاهرة ضلال ما بعده ضلال ، ولسان حال رأيهم فيه أنه ضرب من اللهو ما لعلوم الدين المعتبرة الأصولية ومال هذا الضلال؟ لعله هذا السبب أو ذاك أو لعلها تلك جميعا.

حبب لطه ذكر الشيخ سيد المرصفي الذي كان الأمام الأكبر محمد عبده يظله بحمايته وكان يلقي دروسا في الأدب وسمع منه طه حسين فأعجب به وبما جاء به اعجابا جما ولحظ الشيخ منه نجابة النجباء وذاكرة حافظة قل نظيرها ، فأحبه وقربه منه وراح يوجه له الحديث إناء الدرس وبعده ، بل ويصحبه معه بعد الدرس ، بل أن أول مجلس لطه حسين في مقهى كان بين يدي شيخه هذا ومعه ، وكان الشيخ لا يتجاوز حديث الأدب الذي كلف به طه شديد الكلف إلا للحديث عن الأزهر وشيوخه وتدني مستوى مناهجه التعليمية ، وآنس طه فيه روح المعلم وعظمة العلماء فكان يكبر فيه عنايته بأمه وإعراضه عن استلام راتبه فيما يتهافت على الجعالة غيره من الشيوخ ، رغم أنه المعسر الذي كان في ضيق ذات اليد إذا ما قيس بأقرانه من المشايخ ، ويصف سماحته بإكبار وتوقير يقول :"كان ينزل لتلاميذه فيجالسهم على الدكة راضيا مطمئنا ، ويسمع لهم باسما ويتحدث إليهم أرق الحديث وأعذبه وأصفاه وأبرأه من التكلف.... ولم ينسى الفتى – يعني نفسه هنا- وأحد صديقيه أنهما زارا الشيخ ذات يوم حين صليت العصر . فلما صعدا إليه لقيا شيخا قد جلس على فراش متواضع ألقي في هذا الدهليز ، وإلى جانبه إمرأة محطمة قد انحنت حتى كاد رأسها يبلغ الأرض والشيخ يطعمها بيده!"

فعل الأدب في نفس طه فعلا عجبا ويذكر الفضل لشيخه المرصفي هذا وأثره وأثر الأدب بالذات على النفس ، ولعل من أبلغ ما قرأته في وصف الأدب هو ما قاله عنه طه حسين في معرض حديثه عن أثر تلك التجربة :" كانت نفوس الفتية ضيقة بالأزهر ، فزادها الشيخ ودرسه ضيقا. وكانت نفوسهم شيقة إلى الحرية ، فحط الشيخ ودرسه عنها القيود والأغلال. وما عرفت شيأ يدفع النفوس ، ولا سيما النفوس الناشئة إلى الحرية والإسراف فيها أحيانا كالأدب " اسمح لي عزيزي القارئ أن أقف معك هنا برهة نتأمل ذلك : "ما عرفت شيأ يدفع النفوس ، ولا سيما النفوس الناشئة إلى الحرية والإسراف فيها أحيانا كالأدب" مما أخذ على طه حسين ميله للأدب وتفضيله إياه عن ما خلاه ولن أمنع نفسي عن هواها وما ترضى وإني لأذهب مذهبه وأصدقك القول أني لا أرى أبدع من الفن عامة والأدب خاصة كيف لا وأبدع ما في الأرض كتاب الله أرقى أدب على الإطلاق ، وإنك لو تأملت معي فيما أملاه طه حسين من أن الأدب أدفع للثورة في النفس من أي شيء غيره لعرفت كنه ولعه به، وإني لأتسع في دائرته فأقول الفن عامة والأدب خاصة ذلك أن العقل والنفس لا ترضى من الأدب ما اعتادت وما عجز عن تحريك العقل والنفس معا وإنك لتهتف لو هزك بيت من الشعر لما له من أثر ومعنى وموسيقى : الله

ترى كم مرة تهتف الله وتجيش مشاعرك وتتقد نفسك وتتحرك دخيلتك أثناء قراءتك لكتاب نقد العقل الخالص لكانت مثلا؟

ليس هذا حط من شأن ميدان دون آخر لكنه ما نشهد ونغفل عنه ، ترى يا سادة هل من وسيلة اليوم أشد أثرا في الناشئة من الأغنية مثلا ؟ إني أذكر فيما أذكر أن أوبريت الحلم العربي أحدث أثرا عجيبا بين الشباب أكبر ألف مرة مما تحدثه كتب القوميين العرب ساطع الحصري و قسطنطين زريق ومن كان قبلهما وبعدهما ، فلماذا يعرض المثقفون عن هذا الفن لست أدري ؟

لقد وعى طه حسين مكانة الأدب إذن ، ومن ما يلفت النظر أنه سرعان ما اتخذه مدخلا للتعبير عن ثورته على كل ما ترفضه نفسه في الأزهر ، فثارت حوله ونفر من أصحابه الأقاويل ، أوليس هؤلاء الذين لا يتحرجون في قراءة دواوين الشعر أيا كان فيها داخل الأزهر؟!

وفشي أمرهم بل تقاطب إليهم بعض الطلبة يسألونهم أن يصيبوا شيء من هذا السحر الذي أسمه الأدب ، حتى جلس طه ذات يوم لدرس الكامل فأنكر منه جملة كفر الفقهاء بموجبها الحجاج ، ذلك أنه قال فيمن يطوفون بقبر النبي ومنبره :"إنما يطوفون برمة وأعواد" ولم يرى طه أنا بقوله هذا ما يوجب التكفير له ، وإذا بطه يستدعى على أثر ذلك إلى مجلس شيخ الجامع الشيخ حسونة وفيه المشايخ الكبار بخيت والعدوي وراضي وغيرهم وإذا بنفر ممن وغرت صدورهم على طه وصحبه يستشهدون ضدهم فيتهمون بالكفر لما قالوه في الحجاج!!!!
ثم يقصون عنهم أنهم يعيبون بعض شيوخ الأزهر ، ودون أن يحاورهم الشيخ حسونة أمر بشطب أسماء هؤلاء الطلبة الثلاث من الأزهر وعلى رأسهم طه حسين. – يتبع -



#عمر_أبو_رصاع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبقرية طه حسين (4) طه حسين طالب الأزهر
- عبقرية طه حسين (3) وحيدا مهملا بلا أنيس أو خليل
- عبقرية طه حسين (2) الألفية وما أدراك ما الألفية
- عبقرية طه حسين (1) لماذا يهاجمون طه حسين؟
- مبدعٌ متبعٌ معاً
- فلسطين إلى أين؟
- مصر والنهضة
- حمدي قنديل ضيفا
- يسقط فقه الذكرية
- بين العلمانية والمكفرة
- عمان يا حبيبتي
- كم اندلس ضائع نحتاج؟
- هل نتجه نحو دولة ديموقراطية لكنها شمولية قمعية ؟
- إغتيال الحريري والإنسحاب السوري
- حتى يرجع اللحن عراقيا
- مزابل التاريخ تنتظركم
- هذا ماقاله لي سعد زغلول
- أنا الحلاج يا وطني
- دمشق
- الفكرة القومية _ 4


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر أبو رصاع - عبقرية طه حسين (5) ثورة طه حسين على الأزهر