أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال درويش - نقد العقلانية العربية.. ألياس مرقص















المزيد.....



نقد العقلانية العربية.. ألياس مرقص


نضال درويش

الحوار المتمدن-العدد: 1504 - 2006 / 3 / 29 - 09:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما تكون الحقيقة و الحق هما المسعى و الهدف، الذي يشكل موقفا معرفيا أخلاقيا، يكتسب سؤال المنهج حقه و أهميته، و يكف أن يكون قضية شكلية تابعة، بل هو أس المعرفة و الخيار المبدئي. لأن القضية الأساسية، و قبل كل شيء، قضية منهج، لتشكل المشاجرات المعرفية بحد ذاتها، مشاجرات في المنهج، و طالما البحث عن الحقيقة قضية مفتوحة، كون الحقيقة هاربة باستمرار، ذلك يستدعي من الفكر، الذي يعي نفسه، مقاربة للواقع يعاد إنتاجها على الدوام. و مسألة الاقتراب و الابتعاد عن منطق الواقع و عقل الواقع، مسألة تحددها اختيار المنهج المناسب. و هذا " الحراك " الفكري، هو بأحد المعاني " الجهاد الأكبر " الراية التي يرفعها مرقص، جهاد المعرفة الساعية إلى الحقيقة، و جهاد النفس الأمارة بالسوء. هذا الجهاد يحيل / يستدعي مسألة نقد الذات المرتكزة على معرفة الذات . فالمعرفة نقد و النقد معرفة ، و النقد الذي ليس معرفة فعلية ليس نقدا ، و معرفة لا تريد و لا تعي إنها نقد ليست معرفة .
و النقد المقصود هنا نقدان ، نقد الموضوع ، نقد الأمة ، و ، نقد و خرق المعرفة العامة التجريبية – الدوغمائية ، فوحده نقد " الذات " محرك للتقدم ، و محرك و رافع للذات ، و كل نقد للغير لا يعي إنه ، بالضبط و مع كونه نقدا للغير ، نقد للذات على أساس الهوية : إنسان ، بشرية ، دنيا، تاريخ ، ....إلخ ، إنما يتحول إلى حماقة و إلى أكذوبة و إلى إحباط ، و هذا هو تحديدا " الجهاد الأكبر " عند مرقص ، العنوان الكبر للاستقلالية ، الذاتية .

من هنا يقود النقد ، بالمعنى السابق ، إلى المراجعة الكبرى ، المرتكزة على ضرورة حرية " مس " جميع المواضيع ، و فتح كل الملفات دون استثناء ، دون مقدس و ل أقداس ، و بتحويل كل القضايا و المبادئ إلى مسائل ، و إعادة النظر بكل الحقائق ، و إدراك إن السؤال مبدأ ، و إن المبدأ سؤال ، من خلال انبساط النقد في سياق الفكر ، عبر نقد ذاته و حقائقه المزعومة ، هذا أولا و قبل كل شيء . و ذلك تأسيسا لوعي ساع للحق و الحقيقة و الإنسان ، كون النقد يشكل اللحظة الخالقة الجدية المؤسسة للمستقبل ، دونها نستمر في إعادة إنتاج مأساتنا و بؤسنا المعمم ، و ستذهب كل الأثمان المدفوعة هدرا ، كما يقول إلياس مرقص .
و هذا ما يكسب عنوان الكتاب " نقد العقلانية العربية " دلالاته المعرفية – الأخلاقية و السياسية ( بالفهم المرقصي ) .
و المطلع على نتاج إلياس مرقص الفكري ، سيجد " لحظة " النقد – التأسيس ، لحظة يعاد إنتاجها و باستمرار في هذا المسار ، ليشكل كتابه هذا دفعا إلى الأمام ، بسطا للأفكار ، نزولا إلى الجذور ، ولوجا في الأعماق . داعيا الفكر العربي إلى التواضع ، و يبدأ الأمور من بداياتها ( على عكس ما هو سائد ) ، و عبر المجابهة الداخلية ، ليصل إلى تصور مبدئي أساسي حامل لأسئلة و مفتوح على التطور ، يمكن أن نلاحظ هذه الدعوة بسياقات مختلفة و بمعارضات أيضا مختلفة في أغلب صفحات الكتاب ، إزاء أطروحات كثير من المفكرين ، و دعوة ليست ضربا من التكرار الممل ، بل محاولات مستمرة للبسط و الإنماء و الإنضاج عبر مضارباته الفكرية المختلفة و المختلفة الميادين .
و البداية عنده ليست محض بداية ، بل هي مبدأ حاكم ، شيء قائم في الديمومة في صيغة المضارع ، لتشكل بالتالي البداية بدايات .
مثله الأعلى ليس " العلمية " بل " الحقيقة " ، الحقيقة مع الفكر و الكلي ، مع روح الإنسان ، لحنه لحن سقراط ، و ليس بتاتا لحن أوغست كونت ، و الماركسية الستالينية و لؤي ألتوسير و السوربون و لا سيما سربنة العرب ، أي إزاء هذا المناخ و بمعارضته و دحضه ، بالمعنى الإيجابي ، يحدد اطروحاته و خياراته و مبادئه ، فهو :
1. مع الجدلانية ضد الوضعانية و " التجربية – الدوغمائية " ، و الجدلانية هي التي تنصف العقل الوضعي الإيجابي ، بإقامته الحدّ عليه ، فالجدل هو البيان الأعلى ، البيان الحقيقي ضدّ عقيدة البرهان و ضدّ عقيدة البيان اللغوي ، غايته بناء صورة الواقع ، إنشاء اللوحة ، إرتكازا على الفكر و الكلام و نقده .
2. مع الماركسية ضدّ الاقتصادوية ، شبهها و شبحها ، مع الحق ضد " ابن عمه "
3. مع الديمقراطية ضد اليبرالية ، فوحده الموقف الديمقراطي ، ينصف الموقف الليبرالي . فالديمقراطية عنده ( الليبرالية + مفهوم الشعب ) هي ليست غاية و مبدأ و أسلوب عمل و تنظيم فقط ، بل هي فلسفة ، تصور للعالم ، موقف مع القانون ، الحق ، الاختلاف ، ....مع شعب الكدح و الشغل ، مع الفلاح و النجار و الراعي ، مع " الفعل – العمل – البراكسيس – الإنتاج " ! مع النظر أس 2 ، مع الفكر الفكري ضدّ عقيدة النظر و عقيدة النظروية .

خياراته هذه ترتكز على مبادئ ثلاثة ، يعتبرها مبادئ الانطلاق و العقل و العقلانية ، لتجاوز مخلوطة فكر ووجود سائد في المناخ الثقافي العربي ، وذلك من أجل المعرفة و نظرية المعرفة ، حيث يعتبرها محرزا نهائيا في الفكر العالمي ، حققه أو وقّعه كثيرين من أقدمين و حديثين و معاصرين .

المبدأ الأول: لا يوجد في الوجود مقابل الفكر شيئان متماثلان متهاويان متساويان، كل الأشياء
مختلفة، هذا مبدأ الانطلاق و ليس الغاية، إنه مبدأ الفكر الواعي ذاته كفكر و
الواعي إن الوجود إزاء ه ، فكل الأشياء مختلفة و كل الأشياء متهاوية أيضا و
و متشابهة ، متشاكلة ، هكذا المبدأ ، ووظيفة الفكر أو العلم فك التشابه و إعراب
الإشكال، الفكر مع الهوية إزاء الوجود مع الاختلاف

المبدأ الثاني: لا تغير بلا التغاير. و إن مقولات التناقض و التعارض أو التقابل تحيل لا على
الوجود و على المحسوس و على الصراع، بل، بالضبط، على القول و الكلام
و عملية المعرفة.

المبدأ الثالث: لا تاريخ لولا التفاوت. لولا التفاوت بين البشر لما كان هناك أي تاريخ، أي
تقدم أي نمو للإنسان، فالمجتمع ليس بديهية أصلية، و البشر ينتجون و جودهم
اجتماعيا، هذا هو قوام و أساس التاريخ.

هذه الخيارات ، المبادئ – الأطروحات ، هذا الجهاد ، عند مرقص ، ينطلق من أرضية معرفية ترى الفلسفة :
1. طريقة فكر ، فكر – طريق ، أوله الكلمة و المفهوم ، الكلمات و المفاهيم ، و غايته الواقع ، و هذا ما يشكل انتقال من " الوجودية " إلى الفكرية و المعرفية
2. تصور للإنسان و تاريخه و مصائره الآن .
فتشكل الفلسفة بيت الحقيقة و في جذرها العمل الإنساني ، و لذلك ترتكز عليها الحقيقة السياسية ، و من هنا يستند الموقف السياسي على ركيزة معرفية من جهة ، و ركيزة أخلاقية من جهة ثانية ، كما يمكننا أ نفهم كيف يشكل " تحليق " مرقص النظري ، اتصالا بقضايا الإنسان و الوطن و مصيرهما ، فالمشخص لا يستوي إلاّ بالمجرد ، و الالتزام المطلق إلاّ بالتجرد المطلق .

تعمدّت أن أبدأ بهذا المدخل ، ف المساهمة المتواضعة لعرض كتاب المفكر الراحل إلياس مرقص " نقد العقلانية العربية " لما تشكله هذه الحيثيات من مرجعية أساسية ، في اعتقادي ، في مسار مرقص الفكري ، وتحديدا في مجابهاته و متابعاته الفكرية في هذا الكتاب .
فعلى هذه الأرضية المعرفية، و بهذا التصور، يبسط كثير من الأفكار و الخيارات التي تم طرحها سابقا في أكثر من كتاب و بحث، محاولا إنضاجها و دفعها إلى نهاياتها الممكنة بالمعنى المعرفي – التاريخي.

فيطوف في كل الحقول رافعا لواء الحقل ، في كل المناطق رافعا لواء المنطق ، في كل أشكال العقول رافعا لواء العقل ، في كل أشكال الفلسفات رافعا لواء الفلسفة . الحقل عنده فوق / من أجل الحقول ، المنطق فوق المناطق ، العقل فوق العقول ، الفلسفة فوق الفلسفات ، الحقيقة فوق العلم ، الحق فوق الحقوق ، القانون فوق القوانين ، الدولة فوق السلطة ، السياسة فوق الحزب- السلطة ، الأخلاق فوق السياسة ، المعرفة فوق العلم ، الغنوزيولوجيا فوق الإبستومولوجيا .....، جاعلا الإنسان حاكما على كل أمة، و التاريخ حاكما على كل التواريخ.
داعيا الإسهام في اختراع و بناء – بالنسبة للفكر و الروح – المعركة ( بالمفرد ‍ ‍‍‍‍‍‍‍) المعركة الداخلية ، الذاتية . أي الإسهام في الخروج من المعارك إلى المعركة ( بالمفرد الكلي ، الأساسي و الشامل ) لذلك نراه معن نقديا بكل ما أنتجته البشرية من معرفة ، متسائلا و مستفهما و باحثا عن أصل و عن جذر و عن مبدأ ، ضدّ معرفة جزئية و تبسيطية و ناقصة التأسيس ، و ضدّ معرفة جاهلة و رافضة و لا أساس لها سوى الوثنية في وثنيات مختلفة و متضافرة ، من أجل الحق ، الحقيقة ، الإنسان .

يحوي كتاب إلياس مرقص " نقدا لعقلانية العربية " بين دفتيه ( 900 ) صفحة و الفهرس ضمنا ، حيث تم تبويب المواضيع بحسب عناوين الجلسات لندوة اقيمت في تونس أيام 12-13-14-/7/1988 بعنوان " العقلانية العربية : واقع و آفاق " بحضور عدد كبير من رجال الفكر و الثقافة من معظم البلدان العربية ، و قام بتنظيمها ، المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم ، و المجلس القومي للثقافة العربية ، و إزاء ما طُرح في الندوة كان لمرقص هذا الكتاب .



الموضوع الأول

العقلانية العربية، ماهيتها، حدودها، مجالات إنتاجها

يشكل هذا الموضوع ، قضية خلافة ، تحتمل الكثير من و جهات النظر و المجابهات الفكرية – المنهجية ، و يرتهن جدوى هذه المجابهات بمدى الاتفاق الأوّلي على معنى العقل و العقلانية ، أي بمعنى آخر ، عندما تبدأ هذه المجابهات من الأساس ، الجذر ، البداية ، الصفر ، وذلك بفحص مصطلح " العقل ، العقلانية " نقديا ، وتحديد بموجب أي محك نريد أن نعرّف " العقلانية العربية " ، أو أن نعرّف الفكر العربي و الواقع العربي ، دون هذه البداية ستذهب كل المجابهات و المشاجرات الفكرية هباء ، لأنه سيستخدم كل منا فهمه لـ " العقل " و سيحاكم الأمور ، أمور الواقع و الفكر و التراث ، بموجب مقولاته و أدواته ، بموجب طريقته في التفكير و تصوره للأشياء ، بموجب عقله ( راجع ص : 18 ) .
من هنا يشكل سؤال " ما العقل " الذي طرحه مرقص ، سؤالا مفتاحيا ، تأسيسيا استفزازيا ( بالمعنى المعرفي / المنهجي ) ، على أرضية الإجابة عليه ، يرتكز التقدم العضوي و الجذري في موضوع " العقل " و " العقلانية " ، وهي دعوة ضمنية و صريحة " لممارسة " نقد الكلمات منهجيا ، المنهج الذي يمارسه مرقص باستمرار ، حيث تشكل عنده هذه اللحظة البداية الحقيقية للفكر الذي يعي نفسه كفكر ، أي يعي حدوده .
وسؤال العقل عنده يستدعي التمييز ، التفريق ، بين مستويي الـ verstand ( فهم ) و الـ vernufft ( عقل بالمعنى العالي أو الأكثر أساسية و إحاطة ) ، و بين كلمة عقل و كلمة فكر ، مع ميله المستمر لاستعمال مقولة الفكر ، حيث يقول : في تاريخ الأرسطوطيلية العربية و صولا إلى يومنا ، إن " المعقول " كترجمة للـ inteffigible عند أرسطو ، هي ترجمة ملتبسة و في الحاصل قاصرة ، ففي المصادر الجبارة لأرسطو : الكائن مادة و شكل ، و الشكل هو الـ intelligible ، التي تعني عند مرقص : ما هو قابل لأن يُذهن ، لأن يُفكر ، لأن يُفهم ، أي تعامل مع مقولات " ذهن ، فكر ، فهم " و استبعد عقل و معقول ، أي الانتقال من " الشكل " في الكون الخارجي بالذهن و الفكر و الفهم إلى فكرة المفهوم concopt . فالعقل عند مرقص يحيل إلى الخارج ( خارج الرأس ) إلى الواقع ، لذلك للواقع عقل ، عقالة ....، و تشكل العقلانية اتساق حركة الفكر مع حركة الواقع ، و الاقتراب المستمر من منطق و عقل الواقع ، لذلك الفكر البشري يخطئ ، و انتماء الخطأ إلى مملكة الفكر ، و إذا كان مرقص يستعمل كلمة " عقل " فهو يستخدمها بالمعنى الإجرائي ، بمعنى أداة المعرفة ، الأداة الفكرية المحاكمة ، مع تأكيده بأن كل هذا لا يستنفذ مقولة " العقل " .

بعد ذلك يتابع كلمة عقل لغويا و فلسفيا ، متابعة يمكن أن نضعها تحت عنوان عريض العقل و التاريخ ، العقلانية و التاريخ ، فيرى أن فكرة العقل في أشكال لفظية و فكرية مختلفة ، هي الفكرة السيدة في تاريخ الفلسفة و العلم ، لتشكل الفلسفة تنوعية كبيرة على العقل ، سمفونية متناغمة و متناقضة على لحن العقل ( ص 19 ) إلا أن هذا التنوع و التناقض و التعارض و التخالف يخدم بالنتيجة العقل و الحقيقة .
فثمة " للعقل " معارضات كثيرة ، والكلمة " عقل " تفهم و تحدد بمعارضاتها ، بعلاقاتها في السياق ، و يبقى السياق الأهم هو هو المعارضة ( ص 31 ) العقل إزاء الحس التجربة أو الخبرة ، و إزاء التجربة العلمية التي هي امتداد مباشر للعقل و سلاح للفكر المفكر ، العقل إزاء الشعر و الشعور و العاطفة ، العقل مع الفكر ، مع المنطق و الرياضة ، لكن العقل – الفكر هو نفسه خيال ، ليس الخيال الحسي الخرافي العجائبي ، بل الخيال مكتشف علاقات الأشياء ، عقل الكون .
و الإزاءه عند مرقص لا تعني الحذف و الإقصاء ، بل إقامة معارضات محددة ، فكرية ، مفهومية ، أي لا يعني طرد الشعر و الشعور و العاطفة و الخيال و الحس ....إلخ ، بل إخضاعهم للروح- العقل ( ص 32 ) .
و بعد أ يعرّف ، يحدد ، يمييز ، بين اللغوس ( الكلام ، العقل ...) و " النوس " ( ذكاء و فهم و ذهن intwllect ) و الراسيو ، يستنتج أن ( عقل ) الفلسفة العربية الإسلامية ، و لا سيما الشرقية و الإشراقية أقرب إلى النوس منه إلى الراسيو و اللغوس ، فهي مع المثال ، الصورة ، الرمز ، الجاز ، لا مع الفكر ، الأيدوس ، الشكل ، المفهوم . مع الوجود لا مع الكون ، لا مع الكون و الكيف و الحالة ( ص 22 ) و يأسف مرقص بأن الأمور لا توضع على هذا الأساس .

و يقيم مرقص علاقة عضوية بين إقامة العقل و كثير من المقولات ، دون أن يعطي منها الأفضلية ، فهي تمسك بتلابيب بعضها البعض ، هذا إذا كنا نريد إقامة العقل للفكر العربي و الشعب العربي ، من هذه المقولات : الفكر بالمعنى الواسع و الضيق ، مع الفكره و المفهوم ، ومع الشكل .... الروح، الشغل و القيمة..... الطبيعة و التاريخ، العالم، المجتمع الدولة المدينة، الحق، القانون....المادة، القيمة، الضرورة....إلأخ ( 33-34 ) ، وبشرط أن تحول كل هذه المقولات إلى مبادئ – مسائل .


ثم يلقي نظرة على تاريخ العرب من وجهة نظر الكون و الهوية و الحدود ، و يقارب من خلالها علاقة الإمبريالية بالواقع العربي ، باحثا عن جذور النتائج المعاشة ، واضعا الحد على الوعي السائد الذي يربط ، يخلط ، بين الظاهرة الإمبريالية ، وكل بلاية الأمة التاريخية ، لتوضع ذات الأمة في خانة خارج إطار الشك و النقد ، مؤكدا بأن الإمبريالية لم تخترع التجزؤ العربي ، و إنه ، أي التجزؤ العربي ، واقع قديم و مستديم و متموج ، و إننا الآ إزاء إنتكاس كبير عن " الفكر القومي العربي " حتى في أشد تبسيطاته ، كما يمكن أن نلاحظ في الآونة الأخيرة تراجع مقولة " الأمة " في واقعنا و فكرنا ( ص 88 ) ، أي بما معناه ، إنه إذا كان ثمة و جود لنا ،ومي متمايز عن سواه ، قديم ، إلا إنه ثمة أمامنا لا وراءنا أمة هي شعب – ذات ، و حدة ، هوية ، ولقع فاعل . فالأمة عنده ، ليست تمايز بيولوجي أو فصائل جيولوجية أو مقولات فلكية و سماوية ، بل هي واقع منطقي كوني و تاريخي ، ارتقائي خطي تعاقبي ، و هذا يحيل إلى قمة الفعل البشري ، الوعي ، الإرادة ، الفر النظري و الأيديولوجي ، السياسة ....، و إذا كانت مقولة الأمة العربية، مقولة حقيقية وواقعية و فعلية، إلا أن واقع الأمة بحاجة إلى التغيير، الأمر الذي يستدعي معرفة الواقع كما هو دون رغبات و أشواق من جهة، و أن ينال الاعتراف من جهة ثانية.
وهذا التصور للأمة ، هو بحد ذاته رؤية ناقدة للوعي الغارق بهاجس الجوهر و الجواهر ، وواضعا الحد أيضا على مقولة الجوهر ، مؤكدا بأنه ليس هناك جواهر أخيرة بتاتا ، هكذا البيت ، القرية ، البلد ، الأمة ، الحزب ...إلخ ، رافعا لواء العالم ، الكون ، التكون ، التاريخ ، الاختلاف ، التغيير و المغايرة ...، و هذا يعني بالمطلق أن مقولة الجوهر أو الماهية أو ما شابه ، تابعة و مرؤوسة و خاضعة لمقولة العلاقة ، النسبة العقاله ، الترتيب ، الترتيب الوظيفي ، البنية ، مع سلطة مقولة الشكل الفلسفية و الكلية ( ص 111 ) .
يضعنا هنا أمام خيارين ، منجين ، تصورين ، عقلين ، إما مقولة العقل مع فكرة الشكل و الحد و الكيف المستندة على فكرة العلاقة ، و إما شيء " عميق " هو " جوهر – مادة ماهية " . فالفرق كبير إلى ما لانهاية ، يقول مرقص ، بين الهوية و عقدة الهوية ، الهوية عنده ذاتية حقيقية ، ثقة بالذات ، استقلال فعلي ، حرية ، حرية الإنسان فردا و مجتمعا و أمة . لذلك الأمة عنده موافقة ، لا تفرض شيئا على أفرادها ، تقول لهم : أنتم أحرار في الرأي ، أحرار في حياتكم الشخصية ، في إنشاء ما تشاءون من أحزاب معارضة ، لكن تحت القانون ، تحت الحق ، بعد ذلك فقط توجد " أكثرية " و " أقلية " ( ص 121 ) .
يرى إنه ثمة تكامل و ثمة تناف ، ثمة تركيب و ثمة نفي هو إزاحة الحق للباطل ، في بناء الفكر العربي ، في التقدم و كل تقدم ، و بالتالي فإن بناء الوعي العربي ، يتوقف الآن على قضية الأساس ، التربة ، الذي ترتكز عليه كل المشاريع و التصورات ، فهو الصفر الذي يحمل اللانهاية . من هنا كانت كل المشاجرات الفكرية قائمة على الأساس ، و في الأساس ، يختار الطريق الأصعب و الأعقد ، لذلك ميز بين تأسيس الفكر العربي و بين تحديثه ، حيث كلن مع الخيار الأول ، لأن الثاني يشكل بنظره تابع و لاحق .
بذلك يمكن أن تفهم تأكيد مرقص على سؤال ما العقل ؟ في موضوع " العقلانية العربية، واقع و آفاق " حيث تشكل كل الحوارات تابع و لاحق لهذا المفتاح – الأساس.








الموضوع الثاني

منهجية النقد في العقلانية العربية

أي مسألة المعرفة، مسألة الفكر- الطريق، المنهج إزاء المنهج، المنطق إزاء المنطق، من أجل الجدوى و الإنسان و التقدم.
حيث تأخذ القضايا اللغوية – الفلسفية ، الحيز الأوسع في المجابهة و النقاش ، بين مرقص و ما طرحه الأساتذة المحاضرون ، و تحديدا إزاء اتجاه فكري – أيديولوجي ، وازن ، داخل أعمال الندوة ، أخذ هذا الاتجاه أشكالا متنوعة ، و اتجاهات مختلفة ، واضعا أصحاب مذهب الأصل " الجوهر " ضمن هذا الاتجاه ، محاولا دحضه بالمعنى الجذري/ الفلسفي ، للكلمة في كثير من القضايا / المسائل ( الهوية ، الأمة ، القومية ، اللغة .....) مميزا مفرقا منطقين للهوية، طالما المنطق هو منطق هوية حكما.
فهناك منطق هوية يقيم العقل مباشرة و نهائيا " على طول الخط "، و أقام و يقيم العلم و التقدم، محاولا التأسيس له في الفكر العربي، عبر بسط مبادئه و عناصره، وإنضاجها بالمعنى الفلسفي – المنطقي، الواقعي – التاريخي.
و منطق هوية يقيم " الجوهر " " الخصوصي " ، إذا يلغي الكلي و المفرد ، ولا يعي ، بالطبع ، إن الخصوصي وسيط بين الكلي و المفرد ( 139 ) و هو منطق إرهاب بالهوية . ينقد مرقص هذا المنطق منهجيا و تاريخيا، لما يشكله من خلفية معرفية و أيديولوجية لكثير من التيارات الفكرية، الأيديولوجية، اللاهوتية، السياسية، مؤسسا موقف حذف و إقصاء و استبداد و حرب الجميع ضد الجميع. مؤكدا أن الخيار الحقيقي هنا ليس بين فردي و جماعي ، و ليس الحل في توفيق و تلفيق ، و جمع للمجد من أطرافه ، و ذلك على أرضية تمييزه بين الاتجاهات التي تأخذ الفردية و الجماعية ، وعلاقة ذلك بجدل الذات و الموضوع ، الداخل و الخارج .
فيرى أن الفردي تتثنى إلى فردي، شخصي، ضميري أخلاقي فكري، و إلى فردي أناني فوضوي، رفضي، ثوري، أما فيما يخص الجماعية، فتأخذ هي أيضا اتجاهين، الأول: اتجاه اجتماعي، و الثاني: اتجاه قطيعي.
كان خيار مرقص الاتجاه الأول و في كلا المستويين ( الفردي و الجماعي ) ، ضد خيار الاتجاه الثاني " وعلى طول الخط " ، وخيار مرقص هذا ، هو خيار الفكر و الثقافة و السياسة و الأخلاق ، أخلاق الضمير و العمل و التعامل .
و إذا ما كانت خيارات مرقص لها هذا النَفَس " الحدي " غير المألوف ، إلا أنها تستند و تتحدد و تتكون ، بإقامته المعارضات المفهومية – الفكرية ، عبر محاكمات فلسفية – تاريخية ، حيث يمارس من خلالها عملية الدحض بالمعنى الحقيقي للكلمة ، فيقوم بمواجهة الأفكار و المناهج بعضها ببعض ، و محاكمة كل منها في محكمة الآخرين، و في محكمة الواقع و التاريخ ، محاولا بناء منظومة فكرية هي نسيج عقلي متماسك منهجا و رؤية . فتأتي خيارات دليل وضوح و نضج لا لبس فيها ، و لا تحتمل البين بين ، فهو دائما ، كما يقول ، مع الحق و ليس مع " ابن عمه " . لذلك نجده يقيم كثير من الخيارات ذات النمط الثنائي: إما .....و إما..... لا ثالث. كما فعل ذلك على العقل و تعريف العقل، فيقول: إن عقلنا ما زال مشطورا بين قطبين: عقل قاصر مع الضرورة و الحتمية و اليقين في جهة، و عشوائية الوجود مع الحظ و الشعر في الجهة المقابلة، المناوئة. و إن ثنائي الانتفاض و التسليم الإرادة الجامحة و الرضوخ الرثائي ، يرتبط بذلك و يتغذى به ، و بالتالي علينا أن نختار : الأشياء و الكتل و إدارة الشؤون من فوق ، و العمل البشري كتنفيذ و كتطبيق لقوانين الطبيعة و العلم ، و إنكار التصادف و العرضي و ماشابه ، برفعه مثاليا و نفاقا إلى مستوى الضروري ، إذن واقعيا حط الضروري إلى مستوى العرضي ، و تساوي جميع الأمور في نور بلا ظلام ، هو بالحقيقة ظلام بلا نور .
و إما الاعتراف بالعشوائية ، ومسعى قوننة العشوائية ، علم ضرورة العرضي ، علم كونية التصادف ، الاعتراف بتخوم لجدوى مقولة السبب ، إقامة الحد على هذه المقولة ، و إدراك ارتباطها ليس فقط بالعمل و الصناعة و الجدوى و كل التقدم البشري ، بل أيضا و بالضبط ، بالملاعبة الإرادية و الجبرية ، إما الصواب و الجواهر و الكتل ، و إما الاحتمالات و الحالة مع الأفراد و الاختلاف و التغير .
إما الوجودية المفكرة. و إما الفكر فاتح للوجود
إما الاحتمال شكل للضرورة مع الالتباس. و إما الضرورة شكل للاحتمال بلا التباس
إما الممكن شكل الواقع. و إما الواقع شكل للممكن
إما الانطلاق من الوجود و الناتج أو النتيجة تبديد " جزء " منه. و إما الانطلاق من الفكر و الغاية صورة الوجود الحقيقية.....
إما الحتمية و التقيدية تحت مقولة الـ determinisme . و إما رد المصطلح إلى أصله و حقيقته determination أي التحديد ، اليقين ، التقرير
إما سلطنة السبب و العلة. و إما سلطنة الحد، المفهوم ، فكرة التضمن ( ص 165-166-167 )
و إذ ينشئ مرقص كل هذه المقارنات ، التعارضات ، ذلك من أجل التصويب ، التحديد ، الإنضاج ، الخيار . مع تأكيده إن كلا الاتجاهين عقلان بشريان آدميان ، بل عالمان علميان ، متعلمان ، مثقفان .
أي ثمة عقل و عقل، منطق و منطق، منهج و منهج، علينا أن نختار و نحدد، مدركا مبدأ الحذف، مبدأ التجريد كحذف واع ذاته كحذف، كتجريد هادف، كانتشال لعنصر قابل للإنماء قابل لأن يكون ركيزة بناء. و إن عقلا، حسب مرقص، يجهل ذلك لا يستحق أن يدعى عقلا في عصرنا. أو أيضا: إنه عقل و ربما كبير لكنه مغلوط. و هذه القضية كبيرة ( ص 167 ) .


الموضوع الثالث

العقلانية العربية و التاريخ و التراث العربي

يتوقف مرقص مطولا عند خطاب حسن حنفي " أصناف العقل في التراث القديم " و خطاب محي الدين صبحي " أثر اللغة في العقل العربي عند باحثين هما الجابري و رافائيل باتاي .
و فيما يخص موضوع حسن حنفي ، يركز مرقص اهتمامه على قضية العلوم النقلية – العقلية . و يشكل سبينوزا القضية المحورية في المجابهة ، و يلقى سبينوزا تثمين مرقص ( النفي – كل تعيين نفي ) – و يعرض حنفي ، فيما يخص الموقف ، الفهم ، المعرفة ، من هذا الفيلسوف المنعطف ، و على طول الخط . وكما ينتقد الكثير من أئمة الماركسية لما ارتكبوه من حماق ليس في حق سبينوزا فقط بل في حق الفلسفة و الماركسية أيضا ، حيث كان يقال عنه : ماديانية مع ملحق لا إلهي ، و هذا يعني بالوجه المقابل إن ماركس و فيورباخ حذفا هذا الملحق أو طهرا سبينوزا، وهذا الميراث الماركسي بليخانوفي- ستاليني ، أما التوسير فموقفه مختلف ، فهو من جهة يؤكد سبينوزية ماركس و لا هيغليته ، أي يقيم سبينوزا ضد هيغل ( و ضد فيورباخ ) و ينسى مقولة هيغل : بأنه بعد سبينوزا إما أن نكون سبينوزيين أو لا فلسفة .
ضد كل هذه المواقف ، مرقص يرفع لواء سبينوزا و هيغل و ماركس .......
فيقول : عند سبينوزا ، ليس الله ملحقا بل هو مبدأ ، و يؤكد كلام هيغل ، بأن مذهب سبينوزا ليس مذهب لا إله و مضى إلى الطبيعة . هذه الطبيعة أو الوحدة سبب ذاتها ، و لها محمولان معلومان هما المادة – الامتداد و الروح – الفكر ، و لها محمولات كثيرة لا يمكن أن تعلم . ( ص12 )


بحثا في البطن لن نتقدم، سوى في إعادة إنتاج بؤسنا المعرفي – المنهجي، و العدم على كل المستويات. هذا هو خيار و تصور مرقص، شعاره ليس من بطن يستحق، الروح فوق كل بطن، و كل جوهر في الدنيا ( ص 201 ).
بهذه النهاجية – التصور ، تابع مرقص البحث بالقضايا اللغوية ، بدفعه إلى مزيد من الإنضاج و التبلور ، إزاء من يحول اللغة إلى مقدس ، ممنوع التفكير فيها . وهذا يعني الابتعاد رويدا رويدا عن عقل الكون و منطق الواقع و التاريخ . مؤكدا أن اللغة وسيلة و أداة الفكر و ليست غاية بحد ذاتها، وسيلة تواصل و تخاطب، وسيلة للاجتماع و الشغل و الإنتاج الاقتصادي ( على جسر الفكر و الاجتماع ). و من جهة أخرى هي ليست " بتاتا " أدب و الآداب و الشعر و الترويح عن النفس، لأن اللغة موجودة و فعلية و فاعلة جدا حتى ( ! ) بدون الأدب و الآداب و بدون " السياسة " مع مزدوجين أو بدونهما، و إن الإنسان " ليس " الحيوان الناطق، بل الحيوان الصانع و العاقل، الفاعل و العارف، الصناعي و الاجتماعي. كائن الاجتماع و الإنتاج و الوعي و الضمير، و إن كونه " الحيوان الناطق " فعلا و حقا يرتبط بكل ذلك، و جزء عضوي من هذا الكل و المجموع ( ص 230 ). و هذا بحد ذاته موقف حرص من مرقص على حيادية اللغة ، و تكوين رؤية للإنسان أكثر رحابة و اتساع و أكثر واقعية و تاريخية . داعيا إلى إنشاء و استيعاب و نشر ملف اللغة الفلسفي ، من ألف إلى ياء . و مع تثمينه للبناء الذي أنشاه النحاة الرواد إلاّ أنه :
1. يدين عقيدة اللاتراتب الضمني ، أي ضعف المفهومية كما يلمسها في واقع التعليم
2. يدين سلطان الحسي و الإيحاء الحسي للكلمات ( ص 222 )
3. يدعو لوجوب العمل بمقولة التعارض، أي بالضبط، و بالأخص، التعارض بين المتقاربين، وحدة أو هوية الضدين....إلخ ، فالتعارض ( حسب مرقص ) = الفكرية ، اللاوجودية اللامادية ، اللاصراعية ، اللاكوسمية ( 223 )

فنقد اللغة هو تكريم للغة ، نقد علم هو تكريم للعلم ، فنقد الشيء يحييه ، فالنقد عنده ليس قدحا ، حذفا ...إلخ ، بل معرفة و تثمين و تكريم لموضوع النقد .
من هنا دعوته للمراجعة ، الثورة ، العودة ، التعميق و التصويب ، الاستيعاب في أكبر ، لا تشكل عدوانا على الأسلاف و على الهوية و إنكار لعظمة البناء . بل ينشد لحنا آخر تماما. فكل هذا – حسب مرقص – يُنقد، يعاد إنتاجه في أكبر.
لذلك يدين الاختلاط و التسيب، فهما ضد العلم و المعرفة، و ستار لاستبداد هذه المنطقة ( المنطق ) أو تلك. يدين هذا الخلط الذي يسمي نفسه " حدة " " ترابط كل الأمور " فهو ليس سوى الخلط ، الخواء ، السديم ....إلخ ، أي اللامعرفة ، اللافكر ، داعيا إلى الفصل ، فصل المناطق ، فالفكر عنده فصل ! ، ثمة منطق و يقيم " مناطق " ، فكرة المفهوم هي فكرة فصل ، فكرة حد ، وهنا مسار الماركسية – الستالينية يأخذ حقه و استحقاقه .
ناقدا عدم إدراكنا بأنه ليس هناك و صل بلا فصل ( ص 210 ) المفصلة موصلة و مُوصله .
أخيرا يمكن أن نقول : إن مرقص ، يدعو إلى معرفة الإنسان أولا ، تاريخه و مصيره ، معرفة الهند و الصين و اليابان أولا ، معرفة اليونان و أوروبا أولا ، معرفة الفكر و التاريخ ( التواريخ ) و العالم ( و العوالم ) بما فيه العرب أولا ، ثم معرفة العرب ثانيا و أخيرا ، عنده العرب غاية و هدف . بالنسبة له ليس تاريخنا أفضل و لا أسوأ من أي تاريخ ، هذا أولا و مبدئيا . نحن بشر، آدميون و من تراب، لا ملائكة و لا شياطين، مثلنا مثل غيرنا على حد السواء، هذا أولا، و ثانيا إن أوضاع العالم أجمع غير حسنة الآن. فقضية " المجتمع الإنساني " أصبحت راهنة و ملحة علينا و على غيرنا ، في مناخ كونية القهر و جدلية القهر ، ثالثا لسنا نحن في أحسن مرتبة ، و لعلنا أقرب إلى الأدنى ، الآن ، دون الوسط المتوسط ، ربما بكثير ، رابعا لا يوجد و لم يوجد في التاريخشيء ( تقدم ، تحسن ، ارتقاء ) بلا ثمن ، بل ثمن كبير ، و لكن يوجد في التاريخ و التواريخ ثمن كبير و دفع للاشيء ، و هنا يحيل مرقص على مسؤولية " أهل " الفكر في أن يكون الثمن المدفوع لشيء ، لا للاشيء . في المناخ العربي ، الديماغوجية ، التجربية الدوغمائية ، الصنمية ، التعصب ، الدينية المزعومة ، العلمية المزعومة ، الكسل ، اللا " جهاد الذات " ، " الرشوة الفكرية " ...إلخ ، كل هذا خيانة لهذه المسؤلية التاريخية – الواجبة – الراهنة .
إما العجز المعمم الذي طال كل الناس ، و تحول إلى مناخ عام و حتى إلى مناخ ثقافي ، فوحده الفكر عند مرقص ، الفكر الصاحي ، الذي يعي نفسه كفكر ، هو الركيزة لتجاوز العجز ، اليأس ، العَرف ، الشعور العام .


الموضوع الرابع

العقلانية العربية و السياسة

في هذا الموضوع الإشكالي و الشائك و الخلافي، كونه يستدعي جملة من المواضيع الخلافية ( الدين و الدولة، العقل – العقلانية و التاريخ، العقل و السياسة، الله و الإنسان، العلمانية، السلطة و السلطان، القانون، ....) يمارس مرقص فكرة المعارضة كمبدأ منهجي، كطريقة فكر، بالمعنى الجذري – الفلسفي، محاولا أن يدفع بهذه المعارضة إلى نهاياتها. و هذا ما نلاحظه عندما تناول كثير من القضايا ، حيث الكثير من المعارضات – المقارنات ز مشيرا إلى تفاصيل ، لا يسمح " بهروبها " قدر الإمكان ، فهي الحاسمة دائما عند مرقص . يدرس فروقا ، مؤكدا على المبدأ المقولي الواعي المفهومي ، بعد ذلك يقارب العالم ، الواقع كجملة ، ذات ، حياة .
فكل معارضة من شأنها أن تقيم هويتها ، حدّها ، مقولتيها ، فالمعرضة تقيم معارضات و الهوية تقيم هويات .
و ينتقل مرقص من دعوته لفكرة المعارضة كمبدأ منهجي إلى ممارسة هذه النهاجية ، فيقيم معارضة عالمية تعطي هذه المعارضة هويتين : شرق ( الصين ، الهند ...) و غرب ( يونان ، عرب ، أوروبا ، أوروبا الحديثة ) على أرضية تمييزه بين خصوصية تميز الهوية الغربية بالمعنى المذكور ، و هي خصوصية مزدوجة ( اللغوس ، دين الإله الواحد و الفلسفة ) حيث يعتبرها خصوصية مغايرة و " على طول الخط " للشرق الكبير ، لعوالم البراهمية و البوذية و الكونفوشوسية و الشتوئية ( راجع ص : 328/329/330) .
ثم يترك هوية الشرق ، ليقيم الكثير من المعرضات المتعددة في هوية الغرب ، تتمحور حول المعرضة : عرب – يونان و أوروبا ، ليقول : بأن التاريخ السياسي ، أي الحكومي و الدولتي ، للعرب يختلف جذريا عن المسار الغربي ( يونان – أوروبا ) و إن هذا الاختلاف يرتكز على اختلاف القاعدة الجغرافية – التاريخية – الإنتاجية – الاقتصادية ...إلخ ، أي بما معناه يشكل هذا الاختلاف جزء من اختلاف تاريخ العلم لكل من العالمين المذكورين . ليتجاوز ناقدا الرؤية التي تربط الاختلاف و تعلله باختلاف بين دينين أو عقيدتين دينيتين ( الإسلام و المسيحية ) . مفرقا ، مميزا بين العقيدة الإسلامية و الأيديولوجية الإسلامية أو أيديولوجيا الثقافة و الحضارة الإسلامية ، مستشهدا بقول ماركس : التاريخ ليس تابعا لوعي البشر و إرادتهم ، تاريخ البشرية سار كأنه سيرورة تاريخ طبيعي ، و رغم نقده للأيديولوجيا الإسلامية و الفكر الإسلامي ، بالمعنى التاريخي – الفلسفي لكلمة نقد ، إلا إنه يؤكد ، بأنه ليس هناك من خصوصية إسلامية جوهريا و مسيحية و يهودية .......، و الاختلاف في التواريخ – المسارات، هو اختلاف أرضي – مادي " اقتصادي " فرق في قضية الوجود و إنتاجية و نتائج هذا الإنتاج الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الذهنية.
ويمكن أن يلاحظ القارئ، بأن مرقص عندما يقيم هذه المعارضات ، ليس واقعا تحت ضغط اللحاق بالغرب أو محاكاة الغرب أو غيره من العوالم والتجارب التاريخية، بل هدفه الفهم والوعي، وكونه العربي ومستقبله مع العالم، معه وضده، معه وليس خارجه، وليس من أجل الحكم والمحاكمة، بل من أجل أن نفهم تاريخنا وتاريخ العالم، لكي ننشئ اللوحة، ولاسيما لوحة الحاضر، ولكي نقيم وعيا ومشروعا، دون المعارضة كمبدأ ، نحن دون الفهم والمعرفة.

بهذه النهاجية تعامل مرقص مع مفهوم العلمانية(بفتح العين) بوضعه إزاء وضد العالِمية بأنواعها، عالم آدم والخلافة. بالتالي تشكل موقف معرفي من جهة، وتشكل اشتراط بشري من جهة ثانية، أي أنه لم يربط العلمانية بدين بعينه، بمجتمع بعينه، بمرحلة تاريخية بعينها، وذلك على عكس الوعي السائد، بعد ذلك يحاول أن يجد لهذا الفهم- التصور، جذر لاهوتي، وهذا ما تميزت به كتابات مرقص الأخيرة، فتشكل عنده الفكرة" التوحيدية" الله، فكرة تؤسس لهذا الاعتراف ( الاعتراف بالعالم، عالم آدم والخلافة) . كما تؤسس فكرة الله للترخنة ( التاريخ) والعلمنة، مثلما يؤسس المطلق النسبي ، لذلك توجد مفهومية، ويوجد تاريخ.
وبذلك ينتقل مرقص نقلة معرفية-فكرية مهمة باستناده على المناهج الحديثة( الانثربولوجي) وتاريخ الأديان المقارن ، في تعامله مع ظاهرة الدين والبعد الروحي، ينتقل من فكرة الدين –دين و الدنيا- دنيا، إلى فكرة الدين هو دين ودني ، والدين في الدني، مبتعدا عن تخصيص دين بعينه، وناقدا هذا التخصص، لأنه حسب مرقص، ليس هناك دين للملائكة، والتاريخ البشري شاهد على ذلك، بالطبع ينطوي الدين ( أي دين) على فلسفة، على سياسة بالمعنى الكبير وغير الشرقي، وبالتالي يضع الحد على الوعي الذي يفرق بين الإسلام والمسيية بهذه الوجهة.
وبهذه الرؤية يتابع مرقص خط ماركس – أنجلس فيما يخص الموقف من الدين، والظاهرة الدينية، كبعد بشري، جدير بالتقدير والاعتراف، أي جدير بالمعرفة. وهنا تنطرح ،بشدة، علاقة الدين بالسياسة وعلاقة الدين بالدولة، وإذا كانت العلمانية عند مرقص موقف اعتراف بالعالم، فهي من جهة أخرى موقف يدعو إلى تحرير الدولة من الدين، وتحرير الدين من الدولة. مستشهدا بماركس في نقد " المسألة اليهودية". إلا أنه يفرق بين دولة ودولة، ويرى أنه تلزمنا نحن العرب الدولة، فكرة الدولة، مفهوم الدولة، لا الدولة الشخصية التي تتمحور حول شخص الحكم، هذه الدولة الشخصية القريبة والمحببة للذهن العربي السائد.
وإذا كنا نلاحظ العطش المعرفي، الذي يتميز به إلياس مرقص، بالبحث عن الأسس والجذور، حيث يشكل هذا الموقف- النهج، موقف التزام بالمستقبل والإنسان والوطن، فالتجرد الفلسفي، الرياضي، الحقوقي، عمل يهيئ المستقبل. إنه في خدمة العمل: صناعة الإنسان، وسياسته، الفكر تجريد أساسه الروحي التجرد، المعرفة، إقلاع، تحليق. والتحليق تعميق، والأشمل هو الأعمق. وبذلك تتوضح عنده العلاقة العضوية التي تربط الموقف المعرفي والموقف السياسي والموقف الأخلاقي، مشكلة حلقة لا يمكن مقاربة البداية منها من النهاية، فيقول : " في تاريخ البشرية كسمفونية متموجة، إن فكرة الدولة وفكرة المفهوم تنموان معا وتتقلصان معا، الفلسفي والسياسي، المنطقي والاجتماعي أخوان" ( راجع ص : 416،417)
وإذا كان يرى بالمجتمع السياسي ، الدولة، على أنهما الشيء العام. إلا أنه يرى تشخصن الدولة في ملك- رئيس هو جزء من قضية أكبر، هي قضية " المجتمع المدني" ما تحت الدولة- الحكومة. من هنا تشكل عنده" المدينة اليونانية" حلقة أولية بارزة جدا في التاريخ السياسي للبشرية، والتي تمثل عنده نفي الحرب خارج الدينة. لذلك لذلك يرى حديث العقل مع السياسة يتطلب أولا وقبل أي مقولة، مقولتي الإنتاج والاجتماع. فالسياسة تستوجب عنده، الفكر، الوعي، الروح، الذاتية، الضمير، الأخلاق.... يدعو إلى " حزب" مبدأه: أنت تدخل هذا البيت، الذي يدخل هو ضميرك أنت ووعيك أنت.
واضعا "الحد" على قول ميكافيلي" الغاية تبرر الوسيلة" وعلى قول كلاوسيفيتس : الحرب امتداد للسياسي إلخ . فظهور السياسة هو تراجع للحرب وهو بداية التاريخ.
لذلك يرى بأن انتكاسنا المقبل إذا ما حصل، سيكون إنتكاس إلى ما قبل الحضارة إلى الغاب وشريعة العاب ، مع أسلحة الدمار الشامل، البيئةو الفقر....( ص 415) ، أي أن البشرية تواجه أكبر مفترق في تاريخها ، وقضية الحرب في محور القضية. فإما أن يكون للبشرية بعد ذلك " تاريخ" تاريخ حق أو أحق، وإما أن لا يكون وأن لا تكون.
ويشكل وعي هذه "اللحظة الكونية" الحرجة، قضية مهمة وراهنة وواجبة، وعلى أرضية وجوب وإمكانية هذا التحول يستوجب حضور العرب، لذلك يرفع راية الوعي، الفكر من أجل المستقبل، من أجل المشروع، من أجل الإبداع، من أجل الخروج من الأزمة، من أجل الرؤية، فبدون الفكر لا نرى الواقع: إن الرؤية الحقيقي، الصحيحة، الحيّة ، الأمينة للواقع والحاضر الفعلي، هي غاية ونهاية الطريق ، جهاد. وعنده الديالكتيك يعني جهاد الفر والمعرفة، كما يعني الإيمان والتصوف جهاد النفس. والجهاد الثاني يشكل ركيزة روحية للجهاد الأول. لذلك يرى أن كل الثقافة يجب أن تغذّي الفكر والفكرية، فالثقافة هي التربة، بعد ذلك يطالب بدراسة تاريخ الشعوب وتاريخ النهضات و" المعجزات" ليقول بعد ذلك: بأننا لسنا بحاجة إلى الأيديولوجيا، بل إلى المنطق، إلى الفكر والمعرفة والعلم، وإلى أيديولوجية تضع الفكر والمعرفة في المكان الأول. لسنا بحاجة إلى الأيديولوجيا بل إلى الروح، لسنا بحاجة إلى " الأيديولوجيا+ العلوم" بل نحن بحاجة إلى الروح والفكر( ص 502)، وإلى نظرية معرفة ثلاثية المبدأ هي الفكر، الواقع، العمل( مع تنويعاته: الفعل-الإنتاج). ( ص 507)



الموضوع الخامس

المستقبل وتطور العقلانية

إذا كانت الرغبة في التطور، التحديث،، الحداثة، رغبة حميدة ومشروعة، إلا أنها تبقى رغبة، وتتحول إلى وهم تطور، وهم تحديث، وهم حداثة، إذا لم يتم البحث بالمعنى المعرفي- التاريخي عن الأسس والجذور، فدون الأساس والأسس ليس هناك نتائج ترتبط بالرغبة والهدف. من هنا دعوة مرقص بضرورة الرجوع إلى ما دون الأسس المرئية في جميع المجالات، ذلك لأن التطور مرهون بذلك. حيث أن الصواب والخطأ لا ينتميان إلى مملكة العمل إلا على جسر النظر والفكر والتصور ( ص : 511 ) ، مؤكدا هذه المسألة وداعيا إلى هذا المنهج إزاء ما لاحظه في أجواء الندوة، من أن الوعي العربي ما زال يعمل بدلالة النتائج، وواقع تحت ضغطها، دون السؤال والبحث عم الجذور، الأساس، التربة....بالتكبر القاتل والعاجز.
حيث يشكل سؤال الجذر والتربة عند مرقص، ركيزة أساسة من أجل تأسيس العقلانية في الوعي العربي، وذلك من أجل فهم العالم، استيعابه، دمجه، أخذه، الإنسان وتاريخه ومصائره الآن، في فكرنا ووعينا وروحنا. وهنا مسؤولية أهل الفكر.
من هنا شكلت البيريسترويكا( السوفياتية- الغورباتشوفية) عند مرقص، " لحظة" تحول عالمية مهمة بالمعنى المعرفي- الأيديولوجي والسياسي- الاقتصادي، حيث يقف عندها مطولا، ناقدا، مفكرا، يقرأها تاريخيا ومن زوايا متعددة، مثمنا لها، آخذا عليها كثير من النقاط أهمها غياب الفلسفة عنها. بعد ذلك وإزاء الوضع العربي ، يرى بأن ا تحتاجه هو البيريسترويكا والديمقراطية والغلاسنوست( الحقيقة + الحق) بشرط أن تتلافى ومن البداية غياب الفلسفة( ص:515) .
وإذا كان الكثير من الماركسيين، وبعد البيريسترويكا، أخذوا يراجعون منظومة أفكارهم، ويحمّلون المرحلة الستالينية، المسؤولية المعرفية- الأيديولوجية، وبذلك تخرج الذات ، مرة أخرى، من خانة الشك والنقد، إلا أ، المطلع على مسار مرقص الفكري ، سيلاحظ " ماركسيته" تتكون –وتنضج إزاء الماركسيات السائدة عامة، والماركسية – الستالينية بنموذجها العربي خاصة، هذا التكون المستند على نقد معرفي- منهجي- تاريخي، وهذا ما يمكن أن نلاحظه تماما وفي أغلب صفحات كتاب مرقص " نقد العقلانية العربية" ، حيث يترجم دعوته برؤية ترى بأن هناك ضرورة تاريخية واجبة، معرفية- أيديولوجية، في تصفية الحساب مع فلسفة ستالين، منهجيا، ونقد هذه النظرية العامة والخاصة بندا بندا( ص: 229) فإعادة النظر هي أبسط شروط وأسس الوعي، فيرى من الفضيحة أن تقام باسم الماركسية منظومة فكرية وروحية الإنسان ليس في منظورها، منظومة تعتقد أن الخلاص آت على تراكتورات ضخمة . ( ص: 516)

وإذ تشكل كثير من المحاولات للمفكرين العرب، محاولات جادة في تطور الماركسية، وتجوينها. إلا أن محاولات المفكر سمير أمين تعتبر الأكثر جدية ودفعا ، والأكثر عمقا وشمولا، وتحديدا في الميادين الاقتصادية. حيث يعتبر مرقص محاولة تستحق التقويم، النقد، المعارضة. ورغم تثمينه له، وبأنه أفضل من تابع التطور الاقتصادي للعالم المعاصر وعوالمه من العرب، إلا أن هذا لا ينفي الكثير من التحفظات الفكرية على " أمين" وماركسية أمين تحديدا.
والمطلع على نتاج سمير أمين ، سيلاحظ بأنه يحاول نحت ماركسية تشكل حالة تجاوز للماركسية الستالينية، المنتشرة عربيا، حيث كان ، دائما، في الموقع الناقد للمرحلة الستالينية ، وللماركسية الستالينية، وذلك بالرجوع ، بالمعنى النقدي، إلى ماركس- أنجلس- لينين.
وإلياس مرقص له في ذلك رأي آخر ، وبمنهجه النقدي، يستنتج عكس المصرح به، وبدلا من القطع مع ستالين، يلاحظ الربط معه. ربطا وبشكل مباشر بين " مادية" أمين و"مادية" ستالين، وتأكيده على العلاقة المباشرة بين الماديتين. هذه المادية، أقامت مثالية المادة والطبقات والحزب والطبيعة والتاريخ. وتحولت الماديانية الفلسفية الستالينية إلى تركيبة من مثالية جديدة ومن ما قبل الفلسفة والمفهوم .( ص:498) وإلى ضرب من مادية فيزيائية تقاتل المثالية الفيزيائية، بمعية الكثير من المقولات الماديانية، مثلا،الموضوعية، العلمية، القانونية، الاقتصادية، الطبيعة، الضرورة، لتعطي نوعا من تأمين نفسي ضد المثالية المرذولة ستالينيا. والتي يعتبرها مرقص أداة وغطاء للمثالية، الذاتوية، الإرادوية. حيث يحطّ الواقع إلى مادة امتلك الحزب قوانينها(ص 499) ، وجعل" ماديته التاريخية" تطبيقا( !!) يتابع، مرقص، لـ " ماديته الفلسفية أو الجدلية"، وجعل مقولة " شروط حياة المجتمع المادية" ومقولة " الوعي الاجتماعي" مع المؤسسات السياسية امتداد لمقولتي" المادية الفلسفية" اللتين هما الوجود أو المادة والفكر أو الوعي !! وهذا حسب مرقص ، محال ولا معنى. وبذلك صرف ستالين بالتي هي أحسن ، أهم وأخطر أطروحات أنجلس ولينين وهيغل عن المادة: المادة كمادة هي تجريد خالص، المادة تبقى أزليا هي هي ، المادة هي المجرد على وجه الامتياز، والمادة لا يمكن أن تفكر بدون الحركة، الحركة نمط وجود المادة، فالمادة والحركة هما اختزالات لا أكثر ، الحركة هي الوحدة المباشرة للمكان والزمان( ص:496). وبالتالي فإن الواقع والوجود والطبيعة غير المادة، والإدراك غير الإحساس، والوعي ليس فقط يعكس العالم الموضوعي بل ينتجه أو يخلقه، فالفكر ينتج الواقع أيضا.
وبذلك يضع مرق الحد على الكثير من مقولات ستالين التي تشكل إلى حد ما مخزون الوعي الماركسي السائد، وأهم هذه المقولات " الماديانية الجدلية" و" الماديانية التاريخية" التي كانت ابتكار ستالين نفسه، رغم ادعائه بنسبها لماركس وانجلس. إلا أن الآخرين، حسب مرقص، كانا حريصين على كلمة " التصور" قبل المقولتين، أي " التصور المادياني للتاريخ" فهو تصور وقبل أي شي آخر concoption ، تصور بالمفاهيم، أي أن التصور المادياني للتاريخ هو فكر وتفكير يقيم صوره، فالتصور لا يمكن أن يكون ماديا، الطاولة أمامي مادية، التصور يمكن أن يكون ماديانيا، وهذا يعني أن يكون تصورا للواقع أو العالم الذي له الصفة المادية، أي بما معناه، الواقع أو العالم خارج الرأس ، خارج الفكر، أي خارج الفكر المتصدي لمعرفته بتمامه كما هو، وبدون مصادرة أو مسلمة ضمنية من نوع أن العالم ليس نتاج الفكر والشغل والإنسان، وبدون حذف الفكر والوعي والأفكار والعواطف ...إلخ ، من هذا العالم الموضوعي بحجة أنه العالم الموضوعي والمادي ( ص: 497) .
أي إزاء " مادية" أمين-ستالين، مرقص يرفع لواء ماركس، هيغل، أبن خلدون، وجميع الذين سبقوا ماركس وهيغل، والذين ألقوا بنظرهم على جوانب مختلفة من حياة المجتمع.
والذين يمكن أن نسميهم" الماديانيين الاجتماعيين " . فالمادية الحقيقية في التاريخ نجدها عند هؤلاء جميعا.
عندما تحيل مقولة المادة عند مرقص إلى ما هو خارج الرأس، والتي تستدعي مقولات الوعي، الفكر، التصور. فيقيم هذا الوعي- الطريقة أرضية لخلافات أساسها ،بالطبع، مسألة المنهج أولا وأساسا، حول جملة من المقولات أبرزها مقولة " المثالية" و" الميتافيزيقيا" ، التي تتحول إلى نقاط خلافية بين رؤيتين، تصورين، منطقين. " مرقص" يرد الاعتبار لهذه المقولات ضد الرؤية المانوية، التي تقيم مخلوطة لا طائل تحتها، تهاوي( تماثل) الميتافيزيقيا والمثالية ، كعدوين في واحد، والتي تعني بالوجه الآخر إلغاء قضية الفكر من أساسها وطرد للفلسفة ، وهو المأخذ لمرقص على سمير أمين وستالين وغيرهم، الذين يقيمون قاموسا يحب اللامتناهي واللامحدود
( بلا فهم ومع خلط، حسب مرقص) من جهة ، ومن جهة ثانية يكره المطلق والأزلي.
ومرقص وراء هيغل وماركس ولينين ، وإزاء هذا الخلط والمفارقات، يرفع لواء الميتافيزيقيا و المطلق والأزلي. ويقول : فكر، علم، معرفة، فلسفة، كل هذا يعني عند ماركس الما وراء، ما بعد المحسوس، خرق الجوهر، إقصاء كل جوهرية......وبالتالي حذفنا للميتافيزيقيا هو حذف للمعرفة، العلم ، الفلسفة....، وبحذفك المطلق تحذف الفكر، تحذف الحقيقة وعدة أمور أخرى، مثل الحق والأخلاق ...إلخ ، فالمطلق حد، حد يحد النسبي، كابح معرفي- أخلاقي- سياسي. مؤسس للنسبي والبشري، هكذا الفلسفة اليونانية، الأوروبية.والأزلي مؤسس التاريخي، الارتقاء. بذلك فقط يمكن أن نفهم، نفي، نعقل، كيف أن هيغل هو المدخل إلى ماركس، و" المنطق" هو المدخل إلى " رأس المال" ، و " المثالية المطلقة" هي المدخل إلى الماركسية ( ص: 555)
أي أ، المطلق عند مرقص هو لحن الفكر، العلم أو الفلسفة، العلوم، الأخلاق، الحق والحقوق، الجمال ، الفن والفنون. ضد كل أشكال الأصنام الفكرية واللغوية والسياسية، بذلك نفهم لماذا مرقص دائما مع المطلق ورافعا لواءه، من أجل " فرضه" على الجميع " يقاتل" لأنه يرفع البشرية، ووجوده منوط بوجود الإنسان. التاريخ ارتقاء ، من أجل استئصال المطلق يجب إبادة جميع البشر، ولا تملك أية جهة أو قوة هذه القدرة، بدون أن تبيد نفسها( ص: 565) لذا إصرار مرقص على المطلق وعلى الميتافيزيقيا وعلى النزعة الإنسانية المجردة.

بعد ذلك يستطرد مرقص كثيرا فيما يخص أطروحة " أمين" نمط الإنتاج الخراجي، ويطعن بصحة أن تكون الاقطاعية الغربية شكلا للخراجية العامة العالمية، وأن تكون الخراجية مدركة لمجتمعات الشرق، فيقول: " ما حصل في القرن 5-8 هو انهيار كبير جدا لايطاليا، وانهيار كبير لبلاد الغول واسبانيا وبريطاني، مع اجتياح واستيطان الجرمان، وانقطاع لخطوط التجارة مع الجنوب والشرق، انتهاء العالم المتوسطي الهلنستي- الروماني، انزياح الغرب نحو الشمال ، ثم توسع هذا الحيز في وسط أوروبا وشمالها، ، تكون أوروبا غربية جديدة ، وأوروبا شرقية جديدة، لم يكن لهما وجود من قبل . إن قيام أوروبا هو قيام الإقطاع، أي نظام أرض وعبيدا ، أرض وأمراء أرض، نظام زراعة، تود " ثورة إقطاعية" لأوروبا في العصور البربرية فالوسطى، لنقل من القرن الوسطى الأولى إلى القرون 11و12و13 ، مثلما توجد " ثورة شرقية"" لعوالم الشرق العريقة قبل ذلك بأربعة آلاف سنة. وهذه ليست مسألة تجارة وخراجية، بل مسألة فلح وزرع واستعمار( إعمار ، فتح) لأرض وإنشاء لأمصار وأوطان ودول، مسألة إنتاج للوجود البشري والاجتماعي . ما حصل في مصر والشرق الأدنى وآسيا الوسطى والهند والصين وكوريا إلخ ،قبل ذلك بكثير يحصل هنا في شروط جغرافية أصعب وشروط تقنية وحضارية وثقافية أرقى، إن انقطاع الشريان التقليدي( البحر المتوسط) انقطاع الغرب عن التبادل العالمي، انعزاليه وانزياحه شمالا، وانهياره....كان أحد شروط السير والصير الجديدين. إن تسمية ذلك باسم نمط إنتاج خراجي طرفي وغير مكتمل تسمية ضعيفة بالتأكيد. إنها لا تحيط ولا تقبض على واقع وضرورة وإنتاج ورزق ، ولا على الفوضى البربرية والحروب .... وهي تهمش اختلاف الطابع الحضاري لمناطق العالم أو عوالم العالم. ..... ثمة واقعيات ( حقائق، فعليات) كبيرة تبقى خارج المقولة الخراجية... المقولة الخراجية الشاملة لـ " أوروبا" بلا إحاطة وعمق واستطاعة.... نحن أمام نشوء، وما ينساه سمير أمين هو النشوء، بدلا من النشوء الداخلي، يرى المحرك الخارجي. هذا موجود، لكن المحرك الخارجي لإفرنج ( شارلمان) هو سقوط الخارجي، انتهاء المتوسط بالنسبة للإفرنج ، انعزال الغرب عن العالم" ( ص: 585-586 ) .
مرقص هنا يرجع علم " أمين" من العتبة، الانطلاق، لأنه لا يرتكز على " إعادة إنتاج البشر لوجودهم" ، لأن اقتصادية " أمين" حسب مرقص تجنح وتجمح نحو " الإنتاج – علاقات الإنتاج- العالم" بعيدا عن " الشغل- الإنتاج" ، وهذا لا يخدم فهم التاريخ الأول ولا التاريخ التالي، لأنه لا يخدم فهم " نشأة الرأسمالية" ( ص: 623 ) ، القضية التي كتب فيها سمير أمين مطولا.
بعد هذه المضاربات الفكرية- الاقتصادية- التاريخية إزاء أطروحات سمير أمين ، يقول مرقص: بأن أمين بعيد عن الفلسفة والمنطق والتاريخ الحقيقي للفكر والأفكار. ولو لم يكن كذلك لأدرك الكلي والمفرد ووحدتهما، ولأهتم بالثقافة مع الشغل،بمقولة الروح، لاختار الديالكتيك ضد الوضعانية والعلموية وليس العكس( ص: 616 )

فهو أراد علم اقتصاد بدون الفلسفة وتاريخها ، لا يعرف فكرة الدائرة، وفكرة الكائن الحي الكنطية والهيغلية والأنجلسية. وفي الحاصل لم يفسر شيئا ، بل طوى بالتفسير- تفسيره هو- قسما كبيرا جدا من الواقع واوقائع في نظره على تاريخ البشرية ومصائر البلدان المختلفة.
كل هذا يربطه مرقص بنهاجية أمين في تطوير الماركسية و" إصلاحها" ، والتي اعتمد فيها على تطهير الماركسية- حسب أمين- في التمركز الأوروبي أو " التشويه الأوروبي المتمركز" . حيث يتصور، والقول لمرقص، أن هذا التطهير تطويرا وتوسيعا، دون أن يعي بأن " تطهير ماركس وخلفائه من الجغرافيا، من النمط الآسيوي للإنتاج ، والركود الشرقي والاستبداد الشرقي ، من مسألة الملكية الخاصة، من التاريخ كظهور، وانتصار للملكية الخاصة، من المجتمع المدني، من ثرثية الشغل والملكية الخاصة والانخلاع،من صراع الطبقات ، وباختصار من ماركس والماركسية" ، ويتابع مرقص" يجب حذف المقالات عن الهند وصفحات لا حصر لها من الفصول الأولى لرأس المال،...إلخ ، كما يجب على أرضية التطهير هذه الاستغناء عن الفصل الأول من كتاب ماوتسي تونغ" الثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني " وعن الكثير الكثير مما قاله لينين عن الشرق ، عن استيقاظ آسيا، عن المدنية والبربرية، عن المثل العليا الأوروبية و البروليتارية، عن الثقافة ، عن روسيا.... يجب حذف المصادر الثلاثة المباشرة للماركسية( الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، الاقتصاد السياسي الإنكليزي، الاشتراكية اليوتوبية الفرنسية) ...." ( ص: 579 ) وبالنتيجة هو تجاهل لتصور ماركس للواقع، طريقة فكره كلها، طريقة إدراكه لمقولة الواقع الهيغلية الفلسفية صعودا إلى أفلاطون وأرسطو وديموقريط وهيراقليط، مرورا برياضيات المقادير المتغيرة ( ص: 627 ) .


وبعد ذلك تأخذ المضاربات والمشاجرات الفكرية مع نديم البيطار ، وتحديدا فيما يخص بحثه" العقلانية القومية والعقل الحضاري الحديث " حيزا لا بأس به من صفحات الكتاب.
حيث يشكل خطاب " البيطار" خطاب ناقد للحالة التي يعيشها العقل العربي، حالة الصنمية والانغلاق والتيبس ، حالة العقل الجوهري ، الذي يأخذ أشكالا مختلفة ، مادي، روحي ، فكري عقلي ...إلخ . والبيطار في نصه يرد مقولة الجوهر أو عقيدة الجوهر من أساسها ، وبدائله لهذه الحالة هي تبني الصيرورة والتحولية والسيرورة والتغيير والتطور – هيراقليطية؟ ( ص: 637) وإذ يلقى موقف البيطار تثمين مرقص ، إلا أنه يؤكد حدوده ونقصه، ويرى فيه موقفا غير كاف،لأن نقد العقل القومي والهوية القومية أو نقد الصورة المعنية حول العقل أو الهوية القومية" لا سيما ،تحديدا ، تحت نقد المذهب الجوهري، أمر واسع، كبير وغني، لا يمكن ، والكلام لمرقص، أن يحققه جهاز المفاهيم أو المذهب المقولي الذي يقيمه البيطار ( ص: 646 ) . فليس مصادفة أن تكون نظرية البيطار القومية، في الأمة والوحدة، قريبة إلى أن تكون تقنية من أجل عمل سياسي. وهذا لن يكون ذا جدوى بالمعنى الفكري التاريخي ، في مناقضته لعقيدة الجوهر.
فالبيطار، مثلا، يريد تطورا وتاريخا بدون مقولة النفي nogation . فهو مع الإيجابية والخطية وضد الكلي والفلسفة، وهذا هو خط الوضعانية وأخواتها( ص: 658 ) الخط الذي يشكل النقيض لخط هيغل وماركس الفلسفة.... وكل هذا الذي يشكل الركيزة والسند للقراءة الحقيقية للواقع Reality . وابتعاد البيطار عن مقولة النفي ..... الفلسفة.... هو ابتعاد عن أن المطلق سائد وحد للنسبي ، كما أن الله الثابت ضمان ومسند لعالم التحول والزوال الدائم، وهنا ابتعاد البيطار عن هيراقليط( ص: 663 ) الذي يشكل مسند البيطار الأساسي.
وإذا كان العمل " بالجواهر" عمل ضد الواقع، ضد العقل، ضد الديمقراطية، وموقف البيطار الآنت جوهر " ضد الجوهر" مع هذيان الهدف، الغاية، النتيجة، هذا ليس مفهوما بل يشكل جوهر مضاد ( ص: 837) هو اتفاق " الجوهر " و" الآنتي جوهر" على التصور المناقض للديمقراطية التي تشكل تصورا للعالم، طريقة تفكير، فلسفة. وهذا على النقيض من مسار مرقص الفكري، الذي يمكن أن يدرس ، تحت جهادة ضد الجوهر وعقيدة الجوهر، إلا أنه يتبنى ضده فكرة المفهوم CONCEPT و BEGRIFF المرتبطة بالإيدوس الأفلاطونية أولا، وبالفلسفة ثانية ، أي أن البديل عن " الجوهر " عند مرقص هو " المفهوم " قبل أي كلام آخر. وهذه نقطة خلافية أساسية بين مرقص والبيطار تنسحب " على طول الخط " .
فيكتب مرقص قائلا: إن البديل عن الجوهرية والهوية المجوهرة، .... وكل هذا الطغيان والفيضان، الذي يحاربه البيطار، ليس الدينامية والاندفاع الحيوي والتحولية، مقولة " الصيرورة" المجردة، إن البديل عن عقيدة الجواهر المادية والروحية، هو العقل، عقل الكون وكون العقل ( ص: 757 ) .... مقولة العالم، مقولة الكل والجملة والعالم، أي فكرة التكوّن ، فكرة التشكل، إذن مقولة الشكل الفلسفية، فكرة التركيب، وفكرة" الاختلاف ملازم الوجود" ، فكرة الأفراد- الناس، فكرة الحرية والعقل، العقل ( مع الضرورة) أساسا للحرية، والحرية منجبة العقل والضرورة ....( ص: 822 ) ، أي كل هذا الذي يشكل خط مرقص وجهاده المعرفي .

إذا كان مرقص والبيطار يتفقان على نقد الجوهر وعقيدة الجوهر، إلا أنهما يختلفان في النقد والمنهج، أي بالانطلاقة، بالأساس، بالجذر، وهذا ما ينسحب حتى النهاية ، أي هناك اتجاهين فكري- منهجي، أي هناك موقف آخر، اتجاه آخر، رأي آخر. وهذا ما يمكن ملاحظته وبشكل واضح في مشاجراتهما الفكرية حول كثير من المسائل: الواقع، التطور، التقدم، السياسة، الدولة، الاختلاف، الدين، الخير والشر، الوعي، الإنسان، المادة، النفي، اللاهوت، التاريخ ..... .زكان مرقص يطلب من البيطار أن يتقدم بعملية الفرز، الفرز الفكري، ويدفع مقولاته إلى نهاياتها، وبأنه لا يرى قاعدة وجود صلبة للتاريخ ، تاريخ البشر، ألا وهي إنتاج البشر لوجودهم ذاته، فعل البشر وكدّحهم كشرط لظهورهم ونموهم وتطورهم . (ص: 681 )
فمرقص كان دائما مع البداية والبدايات ، مع الأساس والتأسي، ضد هذيان الهدف والغاية، لذلك كانت عنده المقاضاة الأساسية تبدأ بالذات العارفة، تبدأ بالفكر والمفكرين. ففي قضية الديمقراطية ( كما في سواها لكن خصوصا في قضية الديمقراطية) إن المقاضاة بالنسبة للفكر والمفكرين والملتزمين، تبدأ بالفكر والمفكرين والملتزمين، لا بـ ط الحكام" ( ص: 846) ليعبر هذا الموقف عن نضج وعمق معرفي – أخلاقي بامتياز، وعن موقف سياسي ( بالفهم المرقصي) بالضرورة.
فالوسيلة عنده ليست قضية نافلة تابعة، الأخلاق ليست مسألة تابعة ولاحقة بالسياسة والعلم والعلوم، فالوجوب في السياسة بالمعنى الحق، عنده، وجوب أخلاقي، فليس من باب الصدفة أن سقراط أقام الأخلاق و المفهوم ، وأنهم أقاموا الفلسفة والسياسة معا، لذلك وضع الحقيقة فوق العلم، الأخلاق فوق السياسة، والجمال تابع لهما وخاضع. وهذا الموقف" الرقصي" موقف إزاء البيطار والعقل العربي الذي لا يقيم وزنا للمنطق والأخلاق والمال.
حيث يرى مرقص في سقوط " العلوم المعيارية" عند العرب، جذر لسقوط كل علم ومعرفة وعمل ( ص: 778) . لذلك مازلنا دون الفلسفي والمنطقي والرياضي، دون فكرة الحالة والتحولية، دون الضرورة والمصادفة والحرية والعقل، دون الإنتاج وإعادة الإنتاج، دون المفهوم والتاريخ، دون جميع المفاتيح ( ص: 883) . وتأكيده هذا هو بحد ذاته دعوة منه للتواضع والبداية من الجذور والبدايات، أي دعوة للفهم، التعلم، بلوغ الإيجابي والنهائي( بالمعنى الهيغلي) أي التفاعل والتضارب مع الشيء الذي أمامي بغية التمثل، بغية جعله أناي، إدخاله وإدّماجه في فكري وعقلي وضميري، أي في كياني الأحق والأدوم. وهذا هو جهاد مرقص الأبرز. ويشكل هذا الكتاب حالة بسط وإنضاج ودفع للأمام، لحيثيات ومنطويات هذا الجهاد إزاء مناخ ثقافي عربي سائد.

أخيرا يمكن أن نقول ، ومن خلال قراءة هذا السفر الضخم: بأنه سيلاحظ القارئ انتماء هذا المفكر إلى شكل من أشكال الموسوعية المعرفية . بانتمائه إلى الفلسفة "كلها " وإلى العمل الإنساني " كله" . ناقدا التخصص والاختصاص، طارقا كل الميادين، حيث اخترق الحوار والمشاجرات الفكرية حقول الاقتصاد والسياسة والفلسفة والمجتمع وعلم اللغة والدين وحقول الرياضيات والفيزياء وعلم الأحياء.... وجاعلا كل واحد من هذه المناطق شاهدا على الآخرين، من أجل معرفة أوثق بالمنطق الكلي الشامل والحاكم لكافة المناطق بوصفها أجزاءه. ليشكل الديالكتيك الماهية الحقيقية لكافة المناطق وإلا فلا عقل ولا منطق، من هنا جاء هذا المؤلف اسهاما كبير الأهمية في إعادة قراءة الفلسفة والفكر المنتمي إلى التجربة البشرية من جهة، وتطويرا مفصليا وهاما للفكرية النقدية العربية من جهة أخرى. بتحويله السؤال إلى مبدأ والمبدأ إلى سؤال. فمرقص اختار العقل ضد " العقل السليم" و " الحس السليم، الاختيار الذي يشكل ركيزة لجملة من الاختيارات تبناها وحاول في هذا الكتاب أن يبسطها ويدفعها إلى نهاياتها المفهومية- المنطقية والتاريخية، والتي تشكل بحد ذاتها جملة من الانتقالات المعرفية- المنهجية، التي يراها مرقص واجبة وراهنة وممكنة ضد-مع هذا السوء المعمم.
داعيا الأيديولوجية الغنوزيزلوجية العربية الانتقال من الرمزية والشيئية إلى المفهومية والواقعية، لأنه بهذا الانتقال فقط نرى الأشياء، بدونه لا نرى سوى خيالاتنا وأشباحنا الأيديولوجية. هذا الانتقال الذي يشكل شرط وركيزة الانتقال من السرمدية والثورية إلى التاريخ والتقم ، وشرط انتقالنا من" الجماهير" و " الاستبداد" إلى شعب ودولة. ومن حرية الطائر الحر إلى العقل والحرية، ومن ديمقراطية واهمة جدا إلى دولة حق وديمقراطية.
كل هذا يشكل مشروع و" برنامج" مرقص الذي قدمه لندوة" العقلانية العربي ...واقعا وآفاقا"
الذي يشكل دعوة ومساهمة في انعطافة جدية في الفكر ، للفكر وللشعب، وتأسيس الأمة الآن وهنا. ودون الالتفات إلى هذا المشروع- البرنامج ومناقضته، يقول مرقص: بأنه ليس هناك واقع وآفاق.( ص: 884)



#نضال_درويش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد خمسة عشر عاما على رحيله إلياس مرقص بين التأسي واستشراف ل ...
- الحوار العربي الكردي
- من أجل علماني أكثر انفتاحا
- الرياح تعصف عندما تمر من الفجوات
- المجتمع المدني بين التهميش و التجييش - الساحة السورية نموذجا


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال درويش - نقد العقلانية العربية.. ألياس مرقص