|
عقوبات ، و مصالح ، و رئيس وزراء قادم ، واقتصاد جديد
عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 5958 - 2018 / 8 / 9 - 15:24
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عقوبات ، و مصالح ، و رئيس وزراء قادم ، واقتصاد جديد
اقتصاديّاً .. فإنّ العراق ، مع سلسلة العقوبات الأمريكية الأخيرة على ايران ، هو ليس العراق كما كان قبلها.. ولا يُفترَضُ بهِ أن يكون كذلك . وهذا يعني .. أنّنا لا نستطيع ادارة الاقتصاد داخليّاً ، بالتفاعل مع محيطنا الاقليمي ، وامتدادنا الدولي ، ولا رعاية مصالح متوازنة مع أصحاب المصلحة والتأثير والنفوذ ، بذات السياسات ، وذات المناهج ، وذات المقاربات السابقة ، التي تفتقر الى المعنى والهدف، والخالية من أيّة رؤى ، تتضمنُ نهايةً واضحةً للمرحلة الانتقالية التي طالتْ اكثر مما يجب ، والتي طبعتْ سلوكنا السياسي والاقتصادي بطابعها السلبي والسيّء و "الانتكاسي" ، منذ العام 2003 وإلى الآن. أنّ "الموقف" الذي أعلنتْ الحكومة العراقية عنه ، ومفادهُ : "أنّ العراق سيُطَبّقْ العقوبات على ايران (أو سيلتزم بها) ، وإنْ لم يتعاطف معها " ، هو ليس "موقفاً" في الحقيقة، بل هو "وجهة نظر" حكوميّة تنُمُّ عن نزعة "براجماتيّة" قصيرة النظر، ومُتسرّعة ، وغير مدروسة ، وعاطفيّة ، ولن تصُبّ في مصلحة العراق ، لا على المدى القصير ، ولا المتوسط ، ولا البعيد . وهذا يعني .. أنّ العراق عاجز تماماً عن ممارسة دوره كـ "وسيط" مُحايِد بين طرفين تربطهُ بهما علاقات وثيقة ، ولا "توظيف" المتغيرات ، و التداعيات المترتبة على تعقيدات العلاقة بين هذين الطرفين ، وتحويلها الى ربحٍ صافٍ لصالحه. إنّ محاولة العراق مسك العصا من الوسط ، في ظروف جيوسياسية كهذه ، والرهان على استمرار تدّفق عائدات الريع النفطي لتذليل المشاكل المُستعصية ، والاختلالات المُزمنة ، التي تنخرُ عميقاً في "نظامه" الاقتصادي ، و في نسيجه الاجتماعي الهشّ والمُتآكل .. هو ليس "موقفاً" في نهاية المطاف ، وهو لن يقود الى شيء ، أكثر من تعقيد الظروف الصعبة ، المعقّدة اصلاً ، التي يمُرُّ بها ، وتخترقهُ طولاً وعرضاً ، خاصةً في العقدين الأخيرين من تاريخه"الجديد". إنّ الموقف الذي مفاده : " سنستمرُ في استيراد الغاز من ايران ، بالرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها" ، هو موقف يصبّ في خدمة المصالح التركية السيادية العليا ، لأنّهُ يمُسُّ أمنها القومي في العُمق. و "تفعيل قانون التعطيل" ، هو موقفٌ يخدم المصالح الأوروبية ، لأنّ العقوبات الأمريكية على ايران تمسّ الأمن القومي للدول الأوروبية في الصميم. و "سنستمر في استيراد النفط الايراني ، رغم العقوبات .. " هو موقفٌ يصبُّ في خدمة مصالح الصين الوطنية - السيادية العليا ، لأنّهُ يمُسُّ أمنها القومي في أكثر جوانبه حسّاسيّةً وخطورة. ولا تنطبقُ ميوعة وهلاميّة "موقفنا" ، الذي لا يُجَسّدُ أيّ موقفٍ في الحقيقة ، على طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فقط ، بل يسري أيضاً على تعقيدات العلاقات السياسية والاقتصادية بين تركيا والولايات المتحدة ، الآخذة بالتصعيد والاحتقان ، يوماً بعد آخر . وهذا يعني : أنّ رئيس وزراء "تقليدي" و "نمطي" و "مُتوافَق عليه" من قبل حلقة سياسيّة – مصلحيّة ضيّقة ، لن يكون بوسعه أبداً مواجهة تحديات مصيرية ومعقدّة ومتشابكة كهذه ، ولا الاستجابة "المهنيّة" و "العقلانيّة" لتداعياتها الخطيرة. وهذا يعني.. أنّنا بحاجة ماسّة الى رئيس تنفيذي أعلى "مُختَلِف" ، يكون فاعِل ، و مُبادِر ، وخالِق بارع للأفكار ، وصانع حاذق للسياسات المُناسبة . رئيس تنفيذي "أعلى" يعرف قواعد اللعبة ، ويُجيد اللعب في كلّ الخطوط ، وعلى جميع الجبهات. وهذا يعني .. أنّ "زعاماتنا" التقليدية قد أكلَ الدهرُ عليها وشَرِب ، وبالتالي فليس بوسعها تقديم بديلٍ كهذا ، بفعل ظروف تكوينها وعملها منذ عام 2003 والى هذه اللحظة . وهي ظروف تكوين وعمل مُلتَبِسة ، وعقيمة ، جعلت هذه "الطبقة" السياسية عاجزة عن اقتراح الحلول ، وبناء المواقف ، ورصد الامكانات المادية والبشرية ، وتخصيصها واستخدامها بكفاءة. وهذا يعني.. أنّ قاعدة المصالح الشخصية ، والفئويّة ، والمذهبيّة ، والمناطقيّة ، ومنهج "الزبائنيّة" القائم على "التخادم" السياسي قصير الأجل ، لن يقودنا الى ما هو أكثر من تداعيات هذه الفوضى التي نعيشُ في أتونها الآن ، ولن تُرمّمَ لنا سقفاً يأوينا وسط هذا الخراب الشاسع والشامل ، والمتعدّد الأبعاد. إنّ جزءاً كبيراً من عجزنا ، و انكسارنا ، وانتكاساتنا المتعاقبة ، و ضعف قوّتنا ، و قلّة حيلتنا ، وهواننا على الناس ، هو أنّنا لا نعرفُ ماذا نفعل ، ولا ماذا نريد . وهذا التيه ينطبقُ علينا جميعاً ، حكومةً ، وشعوباً ، وأفراداً ، و دولة. لقد اوْكَلْنا مصائرنا ، وتركنا زمامنا سائِباً ، واستطالَتْ أعناقنا الرخوة خنوعاً واستسلاماً لسكاكين من لا يهِشُّ ولا يَنِشُّ ، ولا يدري ، ولا يفهم . وهذا يعني .. أنّ العراق بحاجة لمنهج مختلف ، ومقاربات مختلفة عمّا سبق ، عند شروعهِ باختيار قياداته السياسية والاقتصادية ، وذلك في مرحلة تاريخية هي الأهم والأخطر والأصعب في تاريخهِ الحاليّ. هل بوسعنا فعل ذلك ؟ إنّ الاجابة عن هذا السؤال هي التي ستحدّد ملامح المصير الذي ينتظر هذا البلد ، بكلّ ما يختزنهُ من أحلام ، وتطلّعات ، و حُريّات ، و رفاه ، وموارد ، و وجود.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مُتابِعون للبيع : وسائل التواصل الاجتماعي .. -المؤثّرون- Inf
...
-
والله و وكَعَتْ براسك ي فهداوي
-
عشرة كوابيس في الرأس .. و حُلْمٌ واحدٌ على الشجرة
-
اوديسّةُ النومِ والموت
-
هذا هو الشِعْر .. هذا هوَ الشاعِر .. وهذه هي القصيدة
-
أفضلُ شيءٍ يحدثُ لك
-
قبورٌ رديئة .. لموتى الزمن الرديء
-
على بُعْدِ لحظةٍ واحدةٍ من الماءِ العظيم
-
تموتُ الفَقْمَةُ .. عندما يصل البدوُ الى القطب
-
عندما كانت النساء جميلات
-
ألوانٌ مائيّة تُلَطِّخُ الروح
-
احراجٌ عاديّ
-
السيّد البنك المركزي المحترم .. السادة البنك المركزي المحترم
...
-
خلايا جِذْعِيَّة للسموِّ البشريّ
-
هذا الذي يحدثُ الآن
-
في مزرعتنا أيضاً يحدثُ هذا
-
لن أُغادرَ البيتَ .. ولن أُطفيءَ صوتي
-
قُبُلات .. من أجل أن يكون الضَرَرَ أقلّ بكثيرٍ، ممّا كان
-
مُحامون و شيوخ عشائر و عرضحالجيّة .. وقانون
-
نُتَفٌ من السَخامِ العراقيّ الكثيف
المزيد.....
-
خبراء يفسرون لـCNN أسباب خسارة البورصة المصرية 5 مليارات دول
...
-
اقتصادي جدا.. طريقة عمل الجلاش المورق بدون لحمة وبيض
-
تحد مصري لإسرائيل بغزة.. وحراك اقتصادي ببريكس
-
بقيمة ضخمة.. مساعدات أميركية كبيرة لهذه الدول
-
بركان ينفت الذهب في أقصى جنوب الأرض.. ما القصة؟
-
أبوظبي تجمع 5 مليارات دولار من طرح أول سندات دولية منذ 2021
...
-
-القابضة- ADQ تستثمر 500 مليون دولار بقطاعات الاقتصاد الكيني
...
-
الإمارات بالمركز 15 عالميا بالاستثمار الأجنبي المباشر الخارج
...
-
-ستوكس 600- يهبط ويتراجع عن أعلى مستوى في أسبوع
-
النفط ينخفض مع تراجع المخاوف المتعلقة بالصراع بالشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
-
جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال
...
/ الهادي هبَّاني
-
الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية
/ دلير زنكنة
-
تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى
...
/ سناء عبد القادر مصطفى
-
اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك
/ الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
المزيد.....
|