أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كمال طيرشي - مراجعة كتاب : أكسل هونيث فيلسوف الإعتراف















المزيد.....


مراجعة كتاب : أكسل هونيث فيلسوف الإعتراف


كمال طيرشي

الحوار المتمدن-العدد: 5956 - 2018 / 8 / 7 - 11:43
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


مراجعة كتاب : أكسل هونيث فيلسوف الإعتراف
كمال طيرشي*

الكتاب : أكسيل هونيث : فيلسوف الإعتراف .
الكاتب : كمال بومنير.
مكان النشر : بيروت .
تاريخ النشر : الطبعة الأولى -2015.
الناشر : منتدى المعارف.
عدد الصفحات : 128.

صدر عن منتدى المعارف ببيروت ، كتاب يحمل عنوان : أكسيل هونيث فيلسوف الإعتراف ، للباحث الجزائري كمال بومنير ، هذا العمل الجديد الذي يعتبره الباحث اسهاما في التعريف بمفكر الجيل الثالث لمدرسة فرانكفورت بألمانيا أكسيل هونيث و الذي يمكن أن نعتبره واحدا من أهم الفلاسفة الذين عرفهم العقل الغربي في السنوات الأخيرة ، و ذلك من خلال سعيه الدؤوب لتجديد فكر المدرسة النقدية التي ينتمي إليها ، بحكم أنه يحمل مشروعا فلسفيا عميق سيكون له تأثير كبير في المنحى الفلسفي و السوسيولوجي و الإتيقي ، و بالخصوص لما عمل على التأسيس لنظرية و تصور جديد معاصر سماه بنظرية الاعتراف ، التي اكتست أهمية كبيرة في الدراسات الاحتماعية و الفلسفية المعاصرة ، و خاصة لما اصدر كتابه المثير الصراع من أجل الإعتراف الذي اعتبره الباحثون أهم كتاب تأسيس لنظرية الإعتراف على الإطلاق ، لتأتي بعدها زمرة من أهم كتاباته التي تعد تأسيسية للنظرية الجديدة و نشيد بالذكر منها : مجتمع الإحتقار : نحو نظرية جديدة ، و كتاب التشيؤ كنسيان للإعتراف
و عمل الباحث كمال بومنير على تقسيم هذا الكتاب إلى قسمين ، شمل القسم الأول فصلين ، تناول الفصل الأول علاقة اكسل هونيث بفكر النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت و مسألة انتمائه إلى هذه المدرسة الفلسفية ، و في الفصل الثاني سلط الضوء على الملامح الرئيسية لموقف أكسيل هونيث في إعادة بناء النظرية النقدية من خلال موقفه النقدي من رواد الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت و كذا ممثلي الجيل الثاني منها ، و خاصة ما يتعلق بنظريته التواصلية أما القسم الثاني فقد تضمن نصوصا لأكسل هونيث باعتبراها مادة معرفية تمكن القارئ من الإتصال المباشر بفكره الفلسفي و كذا تلقي الضوء على بعض المقاربات الفلسفية النظرية التي اطرت فكره ،كما أضاف الكاتب بعض الحوارات المهمة التي اجراها هونيث مع صديقه الفرنسي أوليفيه فوارول ، وهو أحد الباحثين المتخصصين في فلسفته و كذا مترجم كتابه الهام مجتمع الإحتقار .
القسم الأول : آكسيل هونيث نحو نظرية نقدية جديدة .
تأثر الفيلسوف آكسل هونيث في بداية فترة التلمذة الفلسفية بأقطاب الجيل الأول للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت و نشيد بالذكر منهم : ماكس هوركهايمر و ثيودور أدورنو ، و هربرت ماركوز ، ثم بدأ بعد ذلك بالاطلاع على أهم اعمال فلاسفة الجيل الثاني ممثلين في كل من : ألبرشت فيلمر، كارل أوتو آبل ، و يورغن هابرماس ، ثم انكب بعدها على إعادة بناء النظرية النقدية من جديد و كذا تحيينها لتواكب المنحى الفلسفيى المعاصر و تقلبات الحياة المعاصرة تاريخيا و فكريا و ثقافيا ، لهذا كان لزاما عليه أن ينفتح على عديد فلاسفة و مفكرين كبار مثل الفيلسوف الألماني هيغل ، و لوكاش ، و مشال فوكو ، و جون بول ساتر و جون ديوي ...، و كذا علماء الاجتماع أمثال جورج هربرت ميد ،بيار بورديو ، إميل دوركايم .و علماء النفس أمثال سيغموند فرويد و دونالد وينيكوت .
و بالتالي سعى إلى إعادة بعث نظرية جديدة تقوم على جملة مفاهيم و أطروحات و على رأسها مفهوم الإعتراف الذي يحتل منزلة مركزية في الفلسفة الاجتماعية ، و لكن هذا لا يعنى بأنه نأى بنفسه عن فلسفات رواد الجيل الأول و الثاني و انما أخذ منهم الشيء الكثير ، و أهم فيلسوف حظي بمكانة مركزية في مخيال اكسيل هونيث هو يورغن هابرماس ، و بعد مناقشة مستفيضة من لدن هونيث لنظرية هابرماس توصل إلى قناعة فكرية مفادها ان التواصل لم يعد كافيا لتفسير النزاع الاجتماعي ، لهذا كان ملتزما بتقديم اجتهاد جديد يوحي ببراديغم الإعتراف ، معتبرا أن العالم المعيش الأولي الخاص بالوجود البشري هو عالم الإعتراف و ليس عالم التفاهم اللغوي ، و الأولوية طبعا للإعتراف لا للتفاهم ، و هو أمر يمكن إثباته بكل يسر و بساطة و ذلك لأن الاعتراف كأنموذج عاطفي يسبق دوما و أبدا من الناحية التكوينية عملية اكتساب اللغة .
من وشائج القربى و الاتفاق بين أكسيل هونيث و يورغن هابرماس موقفه من عملية التواصل بين الذوات كأمر لزومي داخل السياق السوسيولوجي و الثقافي و من ثم ولوجه الطابع الكوني ، لأنه انطلاقا من المنحى اللغوي منح يورغن هابرماس منزلة سؤددية للشق الاجتماعي للمدرسة النقدية ، لأن التواصل في جوهره وحسب تصوره يحيل إلى ذلك التعالق المرتبط بالرموز و ان يلتزم بالمعايير المعمول بها و التي تحدد تطلعات السلوكات المتبادلة بحيث يشترط أن تكون محذوقة و كذا معترف بها من طرف الشخصين الفاعلين ، و لكن برغم التقرب الكبير من فلسفة هابرماس إلا ان آكسيل هونيث يتحفظ من بعض أطروحات أستاذه و يوجه له زمرة انتقادات منها اعتباره ان البراديغم التواصلي الذي اقترحه عاجز عن توضيح و تحليل الخبرة المعاشة للأفراد بصورة كليانية شاملة ، فاللغة ليست تعبير الكل عن الكل ،و إنما هي فقط جانب من جوانب التواصل السوسيولوجي التفاعلي في الفضاء العمومي ، بالإضافة إلى ذلك فأستاذه تجاهل الطابع الصراعي و قيمته داخل البنى و النسيج الاجتماعي فهو الذي يقتدر على تحديد سلم الحياة الأخلاقية و كذا السوسيولوجية ، و بهذا انفتح هونيث على التأسيس لتصور جديد لا يتوقف فقط في منحى التواصل اللغوي الضيق ، و أنما يسعى حثيثا لتجاوزه نحو افق قيمي جديد للإعتراف المتبادل ، من خلال إعادة ادماج بنيوي لتمظهرات الصراعات السوسيولوجية و أيضا أنماط الخبرات الإتيقية ، بحيث يكسب فيها الفرد وعيه بنفسه و بالاخرين في الآن عينه .
1-إعادة بناء اكسل هونيث للنظرية النقدية –براديغم الإعتراف- :
لقد التزم آكسل هونيث في بداية تنظيره للطرح الجديد لبراديغم الإعتراف بفلسفة هيغل الشاب ، نائيا بنفسه عن شتى دروب مقولاته المجردة الغارقة في الميتافيزيقا و كذا الابتعاد عن طابعها النسقي المغلق ، كمفهوم الروح المطلق ، و المغترب و الجوهر الكلي .
إن أهمية هيغل بالنسبة لأكسل هونيث تكمن في اعتباره بانه أول فيلسوف غربي تعمق في دراسة العلاقات الإجتماعىة باعتبارها قطعا علاقات بين ذوات تسعى لاحقاق الاعتراف المتبادل ، بخلاف ما كان شائعا في المخيال الفلسفي الكلاسيكي الغربي مع هوبز و ميكيافيلي و هو تقليد منيت به الذهنية الأوروبية معتقدة بان التعالق الذاتوي هو في الأساس في صراع مستميت و أن الجميع في حرب الكل ضد الكل ، و ان الكيانات الحية تسعى نحو الصراع من أجل البقاء و هو صراع تتناقض فيه الرغبات الجموحة و الحاجات البيولوجية الطبيعية ، صحيح أن هيغل استرجع براديغم الصراع السوسيولوجي وفقا لما طرحه ميكيافيلي و توماس هوبز في الفكر السياسي الغربي ، و لكن ضمن المنحى التنظيري الإبستمولوجي فقط و صحح أكسيل هونيث هذا التصور معتبرا بأن هذا الصراع لا يعبر عن صراع كوني شمولي و إنما هو صراع ذو طابع عملي كونه الوسيلة أو الاجراء الذي تبحث عنه الذات من خلال اعتراف الغير بهويتها الخاصة و المتميزة ، و من ثمة نقتدر على القول بأن هذا الصراع يعبر عن عامل أخلاقي ضمن مجموع الحياة الاجتماعية .
ثم بعد ذلك انفتح هونيث على أعمال العالم السوسيولوجي البراغماتي الأمريكي جورج هربرت ميد ،هذا الأخير صاحب نظرية التفاعلية الرمزية و هي نظرية تعمد إلى تحليل الأنساق السوسيولوجية و هي تبدأ بمستوى تحليل الوحدات الصغرى منها للوحدات الكبرى بمعنى تبدأ بالأفراد و سلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي فأفعال الأفراد تصبح ثابتة لتشكل بنية الأدوار ، و يعتقد هونيث بأن ميد هو انموذج الأداة الفكرية المناسبة لاعادة بناء حدوس هيغل الشاب ، فيما يخص أهمية و دور التذاوت في اطار نظري ما بعد ميتافيزيقي ،كما يعتبر هربرت ميد بأنه لا يدان لنا و لا قدرة بتاتا على تطوير ادراكاتنا ووعينا لذواتنا و احقاق ماهية هويتنا من دون أن نقوم بالإعتراف بالآخر ، فهذا الأخير يساعدنا بصورة عميقة على اكتناه ذاتي ، و إذا أردت أن نختبر سؤددية مجتمع من المجتمعات يلزمنا ان نربطه بأشكال الإعتراف المتبادل ، فكلما ساهمنا بقوة في احقاق الإعتراف البيني و المتبادل كلما تمكنا من خلق فضاء عمومي مفتوح و عام لا يخضع للقيد أو الإكراه كما لا يبعث على الخوف و التوجس .
2-أشكال الإعتراف :
يعتقد الفيلسوف أكسيل هونيث ان الاعتراف المتبادل كفيل بوضع حد للصراعات الاجتماعية القائمة على السيطرة و الهيمنة ، و من ثمة يستطيع الأفراد تحقيق ذواتهم و كذا هويتهم ضمن علاقات تذاوتية مرهون بإحقاق ثلاث نماذج معيارية متميزة للإعتراف و هي :
1-الحب: يعرف أكسيل هونيث الحب بأنه زمرة من التواشجات الأولية الآيروسية و الأسرية ، و كذا علاقات الصداقة الموجودة بين الناس ، و نفهم من كلامه ههنا ان المحبة تعتبر بالنسبة لكل شخص شرطا أساسيا و جوهريا للمشاركة في الحياة الاجتماعية .و يؤكد هونيث بأن التجربة التفاعلية بين الذوات للحب تجعلهم يشعرون بالأمان العاطفي و من هنا بالذات يبدأ تقدير الذات و احترامها ، فالحب هو جوهر بناء الحياة الأخلاقية السديدة و القويمة
الحق : يمثل الحق البراديغم التذاوتي الثاني للإعتراف و لكن على مستوى القانون ، و الفرد يكتسب من خلال خبرة الإعتراف القانوني إمكانية حذق أفعاله كتمظهر له و تجل محترم من طرف جميع البشر ، و لما يمكن الشخص من حقوقه المشروعة كاملة يشعر في باطن نفسه باحترام ذاته كونه جدير باحترام ذوات الآخرين ، و ازداد عمق هذا الإحترام مع ظهور ما يسمى بالحقوق الكونية الشاملة ، لهذا يمكن اعتبار تمكين الناس من حقوقهم الفردية يجعل الذات قادرة على التعبير عن حاجاتها السوسيولوجية
التضامن : -2
التضامن السوسيولوجي هو التمظهر الثالث من تمظهرات الإعتراف ، و ربما يفهم هذا الأخير في شقه الاقتصادي ههنا ، و لكن مع تطور الحياة المعاصرة لم يعد مرهونا بجملة الضوابط الاقتصادية ، و إنما اصبح محمولا بحمولة أخلاقية إتيقية ، كما ان التضامن في الأزمنة الحديثة صار مقترنا بالتقدير المتماثل بين الذوات و يعني التقدير ههنا التناظر الذي يتم على ضوء القيم التي تعطي مؤهلات و إمكانات الآخرين دورا مهما

-أشكال الإحتقار : 3
إننا حينما نمايز بين الأشكال الثلاثة للإعتراف الحب و الحق و التضامن ، يقدم لنا ذلك المفتاح الإبستمولوجي الذي يجعلنا قادرين على ضبط تمظهرات الإحتقار أو بالأحرى شكول الإزدراء التي يمكن أن نجملها في ثلاث نماذج :
-الإحتقار الجسدي : و هو نمط من أنماط الإزدراء التي تحصل بين الذوات ، و يتمظهر بصورة خاصة في العنف بشتى ضروبه و كذلك في صور الإهانة و التعذيب و الإغتصاب
-الإحتقار في منحى الحقوق الاجتماعية : و يكون هذا الضرب من الإزدراء بفقدان المساواة مع الغير .
-الإحتقار في المنحى القيمي و المعياري : بحيث أنهم لا يشعرون بانهم إلى روح المجتمع ، فالفرد الذي لا يحظى بمنزلة كريمة في المجتمع ، يشعر بالاحتقار و الإزدراء.




القسم الثاني : أكسيل هونيث ، نصوص مختارة و حوارات
1-حول الإرث الفكري للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت:
اعتنق رواد النظرية النقدية بالفلسفة الهيجلية ، هاته الأخيرة التي نقول بأن الواقع الفعلي العملي الذي يرتكز على التلاحم و القيم المتلازمة يجب أن يكون ذو طابع عقلاني ، و هذا بالأساس لب و جوهر ما تسعى إليه مفاربة النظرية النقدية بمدرسة فرانكفورت ، و التي سعت جاهدة من اجل إقرار مبدأ يلح على ضرورة ادراك التحقيق الذاتي الفردي ،من خلال ارتباطه بلزومية العلاقة مع الباكسيس المشترك الذي لا يمكن أن يكون سوى نتيجة لتحقيق العقل ، و مهما تباينت مفاهيم العقل المتداولة في النظرية النقدية من عهد هوركهايمر إلى هابرماس ، فإنها تصل في الأخير إلى الفكرة القائلة بأن التوجه نحو البراكسيس التآزري التحرري يجب أن لا يكون نتيجة علاقات الانتماء أو نتيجة اختبار عقلي .
2-نماذج الإعتراف التذاوتي:
إن المنحى الإعترافي الذي أقره أكسيل هونيث هو البراديغم الأوفى الذي يضمن اللحمة الاجتماعية على منحى حثيث ، كما أنه يؤسس لنظرية في الاخلاق السوسيولوجية ، لأن هناك تواشج عميق بين الأخلاق و مفهوم الإعتراف ،و من أسمى تمظهرات الإعتراف التذاوتي ، الحب هذا الأخير الذي يعبر عن اهتمام بالجانب الوجداني أو التعاطفي و الذي انشغل به الفيلسوف هيغل ايما انشغال ، لأن الحب يجعل الإنسان الفرد يثق بنفسه و منها يكتسب الثقة بالنفس ، للتطور و تصير شكلا نموذجيا من أشكال إحترام الذات ،ليأخد بعدها منحى الإعتراف شكلا أكثر تجذرا مع الحقوق التي تسكتسي طابعا قانونيا يراعى فيها تباين حظوظ الافراد في تمكينهم من الحقوق ، و بالإضافة إلى ذلك يتم تعميم العلاقة القانونية للحقوق التي يتمتع بها الجموع ، إلا أن هذا النموذج يتسع ليأخذ صورة تضامن تتوطد فيه عرى العلاقات الاجتماعية ، و كذا التوافق التذاوتي ، و التراضي بين جميع البشر .

3-أشكال الإحتقار الاجتماعي :
إن الشكل الأول الذي يتخذه الإزدراء في العلاقات التذاوتية هو العنف الجسدي ، الذي من خلاله ننفي ثقة الشخص بنفسه ، لأن الإهانة الجسدية و الإغتصاب و القمع و الضرب ، كلها أشكال عنفية مهينة تلغى كل ما يمكن أن يؤسس لمفهوم الإعتراف في حياتنا الاجتماعية ، كما ان العنف الجسدي هو مظهر من مظاهر الإخفاق الاجتماعي ، كما أنه يولد الكراهية و الخنوع و الخضوع للأخرين ، لأن الضرر الذي يلحق ليس فقط متمثل في الألم و إنما يتعدى ذلك إلى الشعور بالخضوع لإرادة الأخرين الذين يعذبونه أو يغتصبونه ، الى الدرجة التي يشعر فيها بفقد الإحساس بواقعه الخاص، أما الشكل الثاني الذي يتخذه الإحتقار أو الإزدراء فهو متلازم بالحقوق التي يتمتع بها الأفراد في بيئاتهم الاجتماعية ،
في نظرية العدالة :
يعتقد هونيث أنه لا يدان لأي متتبع لتطور الفكر السياسي في العقد الأخير يكون شاهداً على التغيرات الإبستمولوجية التي من خلالها تتطوّر المضامين الجوهرية المحايثة لتحولات الاتجاهات المعيارية.في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، شكلت هيمنة الماركسية في التقليد القاري، ونظرية العدالة لراولز في التقليد الانكلوسكسوني، مبدأ موجهاً للنظرية المعيارية للنظام السياسي، من دون شك ولا مواربة. على الرغم من الاختلاف في التفاصيل، فالجميع يتفق على إزالة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية غير المبررة عقلانياً، حيث تركت هذه الفكرة المؤثرة، التي تُعبّر عن الفكر الديموقراطي الاشتراكي، مكانها لفكرة جديدة يصعب فهمها للوهلة الأولى كما يعتقد هونيث.بأن إزالة اللامساواة لا تمثل هدفها المعياري، بل الوصول إلى الكرامة أو تفادي الاحتقار. وكذلك التوزيع العادل للخبرات أو المساواة المادية .
من خلال قراءتنا لكتاب الباحث كمال بومنير الموسوم : آكسيل هونيث فيلسوف الإعتراف ، نحصف بدقة تأثر الفيلسوف بالتوجهات و المقاربات النقدية المعاصرة ، بغية التأسيس لفلسفة الإعتراف و من ابرز المفكرين الذين نهل عنهم الأمريكي هربرت ميد ، صاحب الفكرة الجوهرية التي استقاها هونيث منه و طورها فيما بعد ، و مفاد هاته الفكرة: لا يمكن أن نطور وعي الذات بدون الإعتراف بالآخر ، أي أن مرآة الآخر يمكن أن تطور بصورة كبيرة و حثيثة هويتنا ووعينا الذاتوي الخالص ، و أي تطور للبشرية في علاقاتها الإناسية متلازم بأشكال الاعتراف المتبادل ، بالرغم من أن نظرية هربرت ميد قريبة جدا من تصور ثيودور آدورنو الذي يعتقد أن الحرية هي أن تسعى لإثبات وجودك بلا توجس أو رهبة أمام الجماهير ، و في المقابل من ذلك نأى بفلسفته شيئا فشيئا عن منحى أستاذه يورغن هابرماس ، الذي اعتبره براديغما اقتصر على نمط واحد من العلاقة ألا وهي مستوى احترام الذات الذي بإمكانه ان يبتدع شكولا من التواصل بمعنى أن طرح هابرماس كان اقصائيا للأشكال الأخرى من الإعتراف ، و اقتدر بعمق إلى تأسيس لنظريته انطلاقا من كتابه : نقد السلطة ، مرورا بعمله الأساسي الصراع من أجل الإعتراف ، وصولا إلى آخر أعماله المثيرة للجدل : الفكرة الإشتراكية ، يحايث بها فكر من منطلق هيغل الشاب ، و نظريته الاجتماعية ، و لكن لم يركن عنده بل تواصل مع أطروحات العلوم الإنسانية و الفلسفة الأمريكية و التحليل السيكولوجي
حقيقة يمكن ان نلح من خلال هاته القراءة إلى لزومية الإنفتاح على أكسيل هونيث ، لأن له أهمية كبيرة كونه أول من حاول دراسة العلاقات البشرية كذوات معترفة ببعضها اعترافا ذاتويا ، الذي ناهض من خلاله للتصور السوسيولوجي الكلاسيكي المنتشر في حقل الدراسات السياسية و الإتيقية و بالخصوص عند كل من ميكيافيلي و توماس هوبز ، حيث التصور السائد : القائل بحرب الكل ضد الكل ، و الصراع المستميت و ان الكل يسعى لإشباع رغباته الجموحة و حاجاته
كما اقتدر بحذاقة مثيرة ان يعيد بعث فلسفة هيغل الشاب و اغدق عليها ببعض النظريات السوسيولوجية و السيكولوجية التحليلية ، و لهذا كان تصور الإعتراف المتبادل بين الذوات كفيل بوضع حد لكل ما يدعوا إلى الصراعات الاجتماعية الممزوجة بروح الهيمنة و القمع و السيطرة و مظاهر الظلم و الحرمان و الإقصاء الاجتماعي ، و من ثمة يقتدر الأفراد تحقيق ذواتهم في الفضاء العمومي وفقا لثلاثة أشكال أو بالأحرى براديغمات قيمية للإعتراف : كالحب و الحق و التضامن ، إلا أن احقاق براديغم الإعتراف في الفضاء العمومي من خلال هاته الأنماط يجد صعوبة كبيرة إذا عمدنا إلى اسقاطه على أرض الوقع ، إذ ان كثيرا من البشر يجدون انفسهم امام ما ينعته هونيث بالنأي عن الإعتراف أو المروق عن سيكولوجيا الإعتراف و الذي يتخذ ثلاث تمظهرات أساسية تؤدي بالضرورة إلى أشكال أخرى للإحتقار و الإزدراء كالعنف و الإغتصاب أو الحرمان من الحقوق في الشق القانوني أو أن يفقد الفرد منزلته القيمية السوسيولوجية فيحصل الإحتقار سوسيولوجيا



#كمال_طيرشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارل ماركس و الدين : قراءات في كتاب الدين و العلمانية في سيا ...
- قراءة مقتضبة في أهم أعمال عزمي بشارة الفكرية و الأدبية
- بهتان وكالة الأنباء الفرنسية في حق المفكر عزمي بشارة
- قراءة في كتاب: رهاب الإسلام ورهاب اليهودية: الصورة في المرآة ...
- قراءات فلسفية في الإستيطيقا المعاصرة
- هل الحرية سالبة أم موجبة؟: تأملات فلسفية حول مفهوم الحرية عن ...
- مراجعة في كتاب: المجمل في فلسفة الفن لكروتشه بقلم الباحث كما ...
- مراجعة نقدية لفيلم : - أم Mother !-
- مفاهيم متشابكة حول المثقف عند المفكر عزمي بشارة
- فلسفة الإيمان عند عزمي بشارة
- قراءة في كتاب :أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنم ...
- مفاهيم حول الدين و علاقته بالأخلاق عند عزمي بشارة (الجزء الأ ...
- في مفهوم الأسطورة و الأرموزة عند عزمي بشارة
- عزمي بشارة الفيلسوف الثائر (الحلقة الأولى)
- الفضية الفلسطينية فوق كل حاقد و ضد شبيحة الأسد و شرذمة بقايا ...
- قراءة في كتاب : النظام المعرفي عند مشال فوكو


المزيد.....




- -صدق-.. تداول فيديو تنبؤات ميشال حايك عن إيران وإسرائيل
- تحذيرات في الأردن من موجة غبار قادمة من مصر
- الدنمارك تكرم كاتبتها الشهيرة بنصب برونزي في يوم ميلادها
- عام على الحرب في السودان.. -20 ألف سوداني ينزحون من بيوتهم ك ...
- خشية حدوث تسونامي.. السلطات الإندونيسية تجلي آلاف السكان وتغ ...
- متحدث باسم الخارجية الأمريكية يتهرب من الرد على سؤال حول -أك ...
- تركيا توجه تحذيرا إلى رعاياها في لبنان
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (3).. القواعد الأمريكية
- إيلون ماسك يعلق على الهجوم على مؤسس -تليغرام- في سان فرانسيس ...
- بوتين يوبخ مسؤولا وصف الرافضين للإجلاء من مناطق الفيضانات بـ ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كمال طيرشي - مراجعة كتاب : أكسل هونيث فيلسوف الإعتراف