|
حدود سلطة المظاهرات : 1 - 3
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5953 - 2018 / 8 / 4 - 13:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظلت مظاهرات المحافظات الجنوبية والوسطى محصورة حتى (19 / 7 ) في نطاق حدود هذه المحافظات ، ولم يتوسع لهيبها ليشمل محافظات المنطقة الغربية . هذه معلومة يعرفها الجميع ، ولكنني أحب صياغتها على شكل سوءال : لماذا للمرة الثانية تتوقف المظاهرات عند الحدود الشمالية للمحافظات الجنوبية والوسطى ولا تنتقل شرارتها الى المنطقة الغربية ؟ اوجه هذا السوءال لمن أخذته الحماسة فأطلق على هذه المظاهرات صفة : الثورة ، ناسياً او متناسياً بان الجنوب يشكل جغرافياً وديموغرافياً : جزءاً من البلاد وليس البلاد كلها ، وانه في كل الأحوال لا يمكن للجزء ان يمثل الكل ... اذا قفزنا فوق فترة حكم عبد الكريم قاسم ، فان تاريخ العراق السياسي ، منذ تاسيسه الرسمي في 5 اب 1921، هو تاريخ صراع أجزاء المكان الواحد التي يتألف منها العراق على السلطة والنفوذ ، وفِي هذا الصراع المسموم كانت خسارة الاقليات الدينية والقومية فادحة . تسيّدت اسماء : السنة والشيعة والكرد اجزاء المكان الثلاثة ، وتحت هذه السيادة تم قمع الوجود الاثني والقومي للاقليات الدينية والإثنية . والحقيقة ان هذا الشعور العصبوي عام وشامل ، ولا تستطيع اي مجموعة سكانية في اي جزء من اجزاء المكان تبرءة ذاتها من شعور : انها سيدة المكان ، ولا شريك لها في هذه السيادة من قبل اي أقلية دينية او قومية . وكان من الطبيعي ان يفضي هذا الصراع الى تغلب وتحكم جزء من أجزاء العراق ببقية الأجزاء ، وهذا ما أدى الى اثارة الريبة والشك من قبل الأجزاء المحكومة بالجزء الحاكم وَقاد الى انطواء كل جزء على نفسه : على مذهبه وعشاءره وقراه ومدنه وأعرافه ، وأصبحت دلالة هذه المفردات المذهبية والعرفية والاجتماعية والادارية هي التي تتحكم بوعي السكان السياثقافي ، وتحدد موقفهم من السلطة الحاكمة بالقبول او الرفض ... بعد 2003 تم الطلب من الناس : الاشتراك في حرية اختيار ممثليهم في البرلمان ، فلبى الناس هذه الدعوة ونفذوها بشروط وعيهم المناطقي الطاءفي لا بشروط الوعي الوطني العراقي ، وقد وجد المرشحون لعضوية الانتخابات في هذا المناخ السياثقافي عوناً مثالياً على كسب المزيد من الأصوات . لقد اكتشف المرشحون وهم يروّجون لأنفسهم في وقت الدعاية الانتخابية : بانهم كلما عملوا على تثبيت هذا الوعي المناطقي في اذهان ناخبيهم ، وكلما عملوا على حرمان خيال الناس السياسي من التحليق فوق هذه الأسوار وروءية العراق الكبير ، كلما ازدادت حضوض فوزهم في الانتخابات . لقد ارتبطت مصلحة الطبقة السياسية الجديدة في العراق ، منذ الشروع بالدورة الانتخابية الاولى ، بصناعة وعي سياسي ينطوي على بعد : أَعْط صوتك لابن قريتك.. لابن مدينتك .. لابن محافظتك او ابن مذهبك . اختفت الدلالة الوطنية للانتخابات وحلت محلها عصبية مناطقية وولاء مذهبي وعشائري . واصبح الوعي السياسي نوعاً من العصبية والولاء المناطقي .. وحين خرج المواطن الجنوبي محتجاً فلم يكن في وعيه : انه ذاهب لقلب النظام السياسي وتغيير منظومته الفكرية واستبدالها بمنظومة فكرية اخرى يؤسس انطلاقاً منها : نظاماً سياسيا جديداً خال من المادتين الاولى والثانية اللتين تتصدران دستور 2005 المعبرتين عن فلسفة النظام السياسية ونهجه في إدارة العلاقة مع محكوميه ، وتشرعنان قمع الاقليات وتدمران نمو وتكون ومن ثم قبول مفهوم المواطنة ومفهوم تساوي الجميع امام القانون وفِي الحقوق والواجبات .. ان المبالغة في تكبير الوعي السياسي للمتظاهرين ، وتقويلهم ما لم يقولوا ، ونقل الوعي الجاهز اليهم من خارج صفوفهم ، هو نوع من انواع تمجيد المناطقية ، وهو بمثابة استعادة لمنطق الجزء الذي يتحكم ببقية الأجزاء ، في حين ان المضمون الاراس في كل الثورات يتمثل بانفتاح الكل على الكل ، وليس بحرب الجزء ( = سنة السلطة قبل 2003 ، وشيعة السلطة بعد 2003 ) على الكل . من غير هذا الانفتاح وتضامن اجزاء المكان لا توجد ثورة بل توجد في أحسن الأحوال : انتفاضة مناطقية ذات هوية طاءفية ، كما حدث في الانتفاضة الشعبانية في جنوب العراق عام 1991، وكما حدث في المنطقة الغربية منذ 2003 وحتى تحريرها من سيطرة داعش الإرهابية . ما تقوم به الثورات عادة يتمثل بتغيير منهج الحكم ونسف فلسفته السياسية ، وليس تبديل وجوه بوجوه مع الإبقاء على فلسفة النظام التي تجسدها اليات اشتغاله فاعلة . ولم تكن كذلك مظاهرات تموز 2018 : لقد عبرت هذه المظاهرات عن نفسها بالقول : سلمية سلمية ، وطالبت الحكومة باشياء قابلة للتنفيذ ، ودخل بعض ممثليها بمفاوضات مع الحكومة حول مطالبهم ، ولم تهتف بأكثر من ذلك ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية - حرب الكلب الثانية - لابراهيم نصر الله
-
ليلة خضراء
-
نموذجان من نماذج الدول
-
حول موءتمر - إنقاذ - العراق
-
أسوار وغيتوات ودعوة الى العزلة
-
1 - من كتاب - في العشق الالهي -
-
انظروا في حل مصائبكم عن بديل للتصويت البرلماني
-
في العولمة
-
استحلفكن ... من كتاب - في العشق البشري -
-
يقولون لا تهلك اسىً وتجمل .. امريء القيس
-
لست مع او ضد ، انا ضد الحروب جملة وتفصيلاً
-
الممثلة الهوليودية : أنجلينا جولي
-
سفينة مهاجرين
-
من كناب - في العشق البشري -
-
صح .. يارءيس وزراء العراق .. انت صح
-
من كتاب - في العشق البشري -
-
البرلمان العراقي : من تزوير الشهادات الى تزوير الانتخابات
-
عادل مراد
-
لا عودة الى - جمهورية الخوف -
-
التيار الصدري : كما فهمت بعضاً من استراتيجيته السياسية
المزيد.....
-
فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
-
الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
-
طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
-
آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات
...
-
RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
-
نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
-
البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا
...
-
إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد
...
-
تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس
...
-
مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|