أن يوجد أم لا، الله فاشل

حمو بوشخار

الحوار المتمدن-العدد: 5952 - 2018 / 8 / 3 - 00:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

س. جيجيك
غالبا ما يذكر جون بيير ديبي حكاية قديمة للجمل الأحد عشر: يموت تاجر عربي ويخلف أحد عشر جملا لأبنائه الثلاثة، مع أوامر دقيقة عن توزيعها: يتسلم الابن الأكبر نصف القطيع، الثاني الثلث، والثالث السدس. لكن كيف سيعمل حين لا تكون 11 غير قابلة للقسمة لا على 2، ولا عن 3، ولا عن 6؟ أثير القاضي وقدم الحل: في البداية، أضاف للمجموع جملا في ملكيته. والآن بما أنه لدينا 12 جملا، نستطيع الالتزام بأوامر الاب: الابن الاول يأخذ 6، الثاني 3، والثالث 2- وهو ما يشمل 11 جملا، ويسمح للقاضي بأن يستعيد جمله وألا يجد نفسه خاسرا. مفتاح المسألة، هنا، هو أن الجمل الثاني عشر. يمكن ان يكون خياليا- ليس في حاجة ليوجد كي يقع الحساب صحيحا. ومن حينها، ألا يمكن للجمل الثاني عشر ألا يكون اسما آخر لله؛ كذبة (كلية غير موجودة) تجعل الاشياء أكثر وضوحا؟ اذن الله موجود أم لا؟ لا يوجد بطريقة واقعية، لكن لا ينوجد بطريقة غير واقعية، الشيء الذي لا يعني أنه وهم بسيط: إنه بالأحرى تناقض وهم دائم في واقعنا، في عالمنا الرمزي. التحدي، لملحد حقيقي، ليس فقط ان ينكر وجود الله ولكن كذلك ان يرفض لا وجوده.
لنعمق هذه الاطروحة عبر مثال مأخوذ من السنيما: the rapture / التضحية الأخيرة، كتبه وأخرجه الأمريكي مايكل طولكين في 1991، حيث تجسد الممثلة الكوميدية ميمي روجرز بامتياز شارون، امرأة شابة من لوس انجلس والتي تعمل نهارا كتقنية اتصالات هاتفية في محل صغير بين العشرات، والتي تتعاطى مساءا لمتع تبادل الازواج. شارون لما ضجرت دون ان تحقق اشباعا من هذا الوجود الخاوي، التحقت بجماعة تقول باقتراب نهاية الزمن وبالقيامة [«rapture" في النص]. تبنت شارون، عندما صارت مؤمنة مقتنعة، اسلوب حياة ورعة، اقترنت بـ راندي- واحد من اصدقائها القدماء في تعاطي المتع التبادلية- وكان لها بنت، ماري. ست سنوات بعد ذلك، حين صار راندي، بدوره مسيحيا متفانيا، جعلت مجنونا يرميه برصاص، قوت هذه الكارثة العبثية، عند شارون وابنتها، الاقتناع بأن القيامة قريبة. اعتقدت شارون ان الله يطلبها لتأخذ ماري إلى مخيم مهجور وانتظار نقلهما الى الجنة. بعد اسبوعين تفقد شارون الصبر بدورها، وتقرر ارتكاب الفظيع بتتبع نصائح ابنتها؛ والحالة هذه، بعد ان انتهت من ماري، عجزت شارون عن توجيه السلاح ضد نفسها. تقر بجريمتها لشرطي، فيبعث بها الى سجن المنطقة.
الانجيل حرفيا
الى هنا، تطورت القصة بطريقة واقعية، ونستطيع ان نتخيل لها " نهاية ملحدة": مُرة ووحيدة، ممنوعة من ايمانها، ستفهم شارون بشاعة افعالها... ومع ذلك، اقتفى الفيلم طريقا مفاجئا: بينما توجد شارون في الزنزانة، تحل القيامة، حرفيا، في كامل بلاهتها، مع مؤثرات سنيمائية رديئة. في البداية ماري هي من ستظهر، في قلب الظلام، لشارون. رفقة اثنين من الملائكة. ثم، في الصباح، سيدوي صنف من الناي، ويعلن سلسلة أحداث فوق واقعية، كانهيار شبابيك السجن. حين خرجت شارون من السجن ستجري في الصحراء، حيث تضاعفت علامات القيامة: وهذه تذهب من إعصار الغبار الى فرسان القيامة الذين يركضون بعد وحول سيارتها. ومن حينها، يمكن لرسالة الله ان تقرأ هكذا:" أرأيت، يا امرأة، أنت قرأت الانجيل ومع ذلك اعتقدت أني أمزح حين قلت أن هذا سيقع هكذا! مع ذلك قلت لك جيدا أن هذا سيقع هكذا، إذن لا تبدئي بالنحيب. انت تعرفين في اي شيء تنخرطين. الآن، تحملي مسئوليتك!"
انه اذن نقيض الفكرة العامة التي تفيد انه لا يلزم أخذ أقوال الله حرفيا، ويجب علينا تعلم الكشف عن معانيها الاستعارية العميقة. وهذا ما يعتقده من جهة ثانية أغلب الناس: حين نسألهم إن كانوا يفكرون حقيقة انه، قبل ألفي سنة، كان يتجول ابن الله في فلسطين، يقولون أنه ليس صحيحا بالمعنى الحرفي، ولكن توجد جيدا قوة عليا تعتني بنا. درس دو رابتير هو ان هذه المقاربة الاستعارية، هذا البحث عن معنى عميق، هو فخ. شارون، فيما بعد، "مسرورة", بنقلها الى مشهد تطهيري. تنزل ماري من الجنة لرؤية أمها وترجوها قبول الله، أن تقول أنها تحب الله- لأنه يكفي لشارون أن تنطق هذه الكلمات لكي تلتحق بماري وراندي في السماء. غير أن شارون ترفض، قائلة بانها لا تستطيع أن تنشد حبها لـ إلاه، تكشف، دون مبرر، قاسيا مع اسرتها. حين سألتها ماري إن كانت تعرف كم وقتا ستمضي في المطهر، وحيدة، ترد شارون "إلى الأبد". تفهم شارون أنها ضيعت حياتها بوهبها لأحد يتلاعب بأحاسيسها- وما هو سيء بحق، بالنسبة للمتفرج، هو أن يكتشف أن الله غير موجود وأن شارون كانت ضحية خيالها المهلوس.
تعاند شارون برفض الله الذي هو حقيقي، ولكن الذي هو نرجسي ومتبجح، الذي لا يمنحنا الحياة إلا لكي يطلب حبنا اللامشروط في المقابل، دون الاهتمام بالخسائر التي يسببها هذا الطلب. يضمر الفيلم أن الله، ولو أنه موجود، لا يستحق حبنا، وأنه ذات للنذالة والثمالة بالسلطة كمخلوقاته. الله بهذه البداهة، غير مبال بجديتك حين تقولين إنك تحبينه.
أب شاذ
إلاه من هذا الطراز، عابث ونرجسي، ينتمي للتقليد المسيحي: بالنسبة لمالبرانش، تماما كالقديس يستغل آلام الآخرين كي يحقق الاشباع النرجسي لمساعدة هؤلاء البؤساء الآخرين، الله لا يحب غير نفسه ويستعمل الانسان لإقرار مجده الخاص. يستنتج مالبرانش- الاستنتاج الذي يساوي قلب فكرة لدوستويفسكي تم انجازها من قبل لاكان (" إن لم يوجد الله، فلا شيء إذن مسموح به"): ليس صحيحا ان تقول، إن لم يهبط المسيح على الارض لينقذ البشرية، لكانت الارض مفقودة. وربما كان العكس: لا أحد كان سيخسر، بمعنى ان كل البشر كان عليهم اولا ان يقعوا كي يستطيع المسيح المجيء لإنقاذ البعض. خلاصة مالبرانش شاذة: منذ ان شكل موت المسيح مرحلة حاسمة في انجاز هدف الخلق، فيما الله (الاب) لم يكن ابدا سعيدا الا حين رأى ابنه يتعذب ويموت على الصليب.
مقاومة شارون، رفضها اعلان حبها لله، هو اذن فعل أخلاقي. سيكون من الخطأ القول أنها تنكر الله المزيف وأن، في نسخة مسيحية من الفيلم، سيظهر الله الحقيقي في النهاية كي يعلن شارون "مؤمنة حقيقية" كونها منعت حبها لله المزيف. والمحاولة الحقيقية التي يمكن مقاومتها هي تلك التي تحثنا على إعلان الحب لإله لا يستحقه، حتى عندما يكون نفسه حقيقيا.
بالنسبة لمادي بسيط، هذا سيظهر كتفكير مزيف، تجربة ذهنية غير ذات موضوع: ولكن مع مادي أصيل، انها الطريقة الوحيدة للتخلي عن الله: لا ننكره أبدا بالسبب الوحيد بأنه غير موجود، وإنما ننكره ولو أنه موجود. بإيجاز، المعادلة الحقيقية للتعبير عن الالحاد ليست " الله غير موجود" وإنما:" ليس فقط الله غير موجود، وإنما هو غبي، شارد، وربما سيء للغاية." إن لم نخرب رواية الله من الداخل، سيكون في وسعه تمديد وجوده بـ " اعلم جيدا، ولكن مع ذلك" : " اعلم أن الله غير موجود، ولكنه مع ذلك إنه وهم عظيم والذي يرفعنا."

إحالة
Slavoj Zezek « Qu’il existe ou pas, Dieu est nul »
: le nouveau Magazine Littéraire, juillet -Août 2018.N° 7-8, p. 30-31

ترجمة: حمـو بوشخار

#حمو_بوشخار (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات