أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - هدنة مع الجان















المزيد.....

هدنة مع الجان


رولا حسينات
(Rula Hessinat)


الحوار المتمدن-العدد: 5948 - 2018 / 7 / 30 - 22:04
المحور: الادب والفن
    


هدنة مع الجان


الحرقة التي أصابت عينيه، أدرك معها أن الشرايين و الخطوط الحمراء تنبض من عينيه الملتهبة...
بسيوني لم يعد يعرف نفسه...
خوفه من الجن أبقاه صامتًا مرسلاً أذنيه لكل حفسةٍ، وقد راقته تلك البقعة الدموية التي بدأ الشحوب يلملم حمرتها.
ثوانٍ وشبح الظلام أطبق بعواء ذئابه على بحرٍ أسود، لم يستقبلهم أحد، لم يشعر بشيءٍ من الألفة مع الرمال المفككة، والبيوت الممتدة على حافة من العالم، لم يكن ليعرف شيئًا لولا رغبته في المال، ربما هذه الرغبة هي التي تجعله يفكر في التحالف مع الشيطان... بل سيتزوج امرأة من الجان...
-لم عساه يخشى الجان؟
-أليسوا أممًا أمثالهم وربما العكس؟ ما يدريه...؟! استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وهو يمدُّ فكره إلى حيث لم يرمد أحد..
الهمس يُسمع في الصحراء، فابتلع لسانه وأخذ ينصت لهمسٍ من نوعٍ آخر، نعيق البوم وعواء الذئاب، ونباح الكلاب، والأفاعي، والرفوف، والمزامير التي تصدح بها الخيام البعيدة، وهالةٌ من الضوء تنبعث منها في قلب الصحراء...
البيوت خلاء...
-يومًا ما تحت قيظ الصحراء ستستيقظ العظام، وتحيط بموجة من الذهول، وتنازع الموت من جديد...لِمَ يخطر بباله هذا الخاطر؟
سياطٌ لهيبه أوجع جسده، عندما غطت الغيوم هالةُ القمر...
الخيمة الكبيرة التي ابتلعت الأجساد الستة، هوت بدفوفها، تقارع طقوس الظلام، وتهادن ريح الخوف...
ما يريده أن يتقن لغة الصحراء، ولغة ناهبيها ليغترف من بئرهم ويرتوي، ولم يخطر بباله سوى أن يتعلق بالآمال الكثيرة.
المطر هو الذي أفاق عليه في الضوء الأول من الفجر، لم يكن ذلك المطر الذي اعتاده في أمِّ الغيطان، حينما تتراكم السحب، وتعتصر لتتساقط منها حبات المطر هادئةً سلسة، تمتلئ منها الترع والغيطان والآبار، ويستحم الصغار وتغتسل النساء...
والدواب تنبطح على ظهورها لتتقلب في الوحل الذي امتلأ بالروث، وفاحت رائحته ثم تنتفض لترشق ما اكتسى به جسدها من براغيث في الطين، ثم تغتسل من جديد بمياه السماء، ودموعها المنهمرة لتحييَّ الأرض الموات، وترتعش على أوتار حبها ونباتها، مراسم العرس المطري مبالغ فيها...
لكن هذا المطر، لم يكن ليحمل سوى دويًا عاليًا وأجسادًا متراميةً، تسبح في بركةٍ من دماء امتصت الرمال لزوجتها، لم يكن ليعرف إلى أين يذهب؟!...
غير أن عبد الوهاب لكزه في كتفه ليتبعه، لم يكن لديه الوقت الكافي ليفكر، ليعثر على أمواله التي كانت مرصوصةً في الحزام القماشي الذي يوثق به سرواله...
لكنه انسحب دون أن يرتديه، دون أن يعثر عليه، ما تمكن من إيجاده سحبه على عجل، وهبط من دائرة الضوء إلى الدائرة المعتمة، وصور الروث ورائحته تقتحم أنفاسه، وهو يحبس ارتجاعه بشق الأنفس...
انسحب بهدوءٍ مرسلاً ظلاً قصيرًا محدودبًا ليتوارى من بيتٍ لبيت، في البيوت المتلاصقة لا توجد قوانين.
العيون السوداء التي تطلق أسهمها من وجوه ملثمة، معصوبةَ الشفاه لا تبين سوى شعلتين سوداويين من الوجوه السمراء، وكلٌّ منهم اعتاد بصمتها رؤية الأشباح الهاربة، والتي اعتادت مطر الرصاص...
كل شيءٍ هنا بالمجان...
الموت هنا بالمجان... والحياة بالمجان...
هزَّ الفنجان من القهوة عند إعادته لتلك اليد السمراء، التي أرسلت إليه نظرةً طويلة، لم يبن منها سوى العينين كانتا مختلفتين عما يحيط به من خوف، عينان تشعان بالحياة والأمل... معشقتان بالود...
سمرةُ الوجوه تمدُّ طيبتها إلى البعيد...
إلى أدراج سماوية...
لم يعثروا على أقدامهم ليتسلقوها...
ليلتمسوا رحمة السماء، لعلهم يرون وجه الحياة، بعيدا عن عين الخوف الممزوج بالفقر والخضوع...
أغمض عينيه ونطق بالشهادتين...: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله...
شعر ببرودةٍ تتغلغل إلى جسده.
كم مرَّ عليه دون النطق بها، وتلك الرعشة التي سرت في جسده كوميض من كهرباء؟.
ألف شريط وألف سؤال دار في فص رأسه الأيمن، فأثقل عليه الصداع، والتهبت مفاصله، والسائل الأصفر يمرر شريطًا رفيعًا في جسده...
وكأنَّما يختم كتابه في تلك الساعة...
لم يكن ليتصور أنّه سينتهي هكذا بهذه السرعة، سيختتم حياته هنا مع هذا الذي يسمي نفسه العبد الوهاب...
الذي قتلته أنفاسه كما قتلته رائحة عرقه...
تلك الحقيقة التي سيصارحه بها...
ابتلع نبضات قلبه الذي هبط لقدميه، وهو يلتف على جسده كأفعىً على غصن خرب...وهو يرى خروجها كلمح البصر...
كنسمةٍ ربيعيةٍ باردةٍ نبتت من أحشاء الشوك...
كلفحةٍ صحراويةٍ حارقة...
مرورها المتعجل من أمامهم كشبحٍ قد آثر الولوج إلى النور الضئيل...
تسارعت نبضات قلبه...
ازداد تخشب مفاصله، لم يستطع فك معانقته لنفسه...وهو يسمع صراخها واضحًا كما هو وقع المطر...
تتسابق سيقانها المغروزتان في الرمال، ووقع صراخها كدويٍّ هشٍ تحت مطر الموت...
- المطاردون مروا من هنا... من هنا...هوت كلماتها بلهجة لم يفهمها، لكنها كانت كافيةً لأن تجعلهم يسيرون إلى الهاوية...
أيُّ حمق هذا الذي ينوء من ثقله ويهوي به إلى جهنم؟!
لم تكن قدماه لتحملاه...
مؤلمٌ حقًا أن تلمس الجرح بعد كيه، فالكي نفسه عذاب، ونصيبه هذا، ولكنه يهون إذا كان له أمل في أن يعيش...
الكؤوس قد ضربت في الهواء، وهي تمتلئ بالشاي العجمي، أجسادهم متوكئةٌ الراحة، بعد ساعاتٍ من العودة في النفق الطويل...
النفق الذي أُنير بأنوار الأمل المنبعث من صدورهم، ها قد بُثت الروح فيهم من جديد...
الليل قد أرخى سدوله... وهم يطفئون النار، وقد رشفوا الكؤوس، وعلامات السرور على وجوه ثلاثتهم، لم يعرف أيٌّ منهم ما حدث؟...
كل منّهم مدَّ تفكيره لفعل تلك الفتاة ذات العينين القتالة...
-هل كان سهم الحب الذي أوقدَته في قلبه ومضى؟
-أكان ذلك وكرًا وكان هذا دورها؟
-أسئلةٌ كثيرةٌ مرت في باله، و الصداع الشديد عصف في رأسه...
لملم أنَّةً في البعيد، و قد انطفأت آخرُ جذوةٍ للنار، وقد هدأت طقطقةُ الحطب...
النوق تنتظر، ثلاثة أخيلة حملتها النوق وسارت تتهادى في البعيد، والخرج على الجانبين مليء بالسلاح...
السماء الرمادية والألسنة السوداء الهاربة من الحطام، ينتظر أصحابها سلاحهم، بنادقهم، والصغار يجمعون الرصاص الفارغ بأكياس ألعابهم يحصون فيها عدد القتلى...
الحيرة تملكته وهو يرقب انتهاء الصفقة واستلامهم للأسلحة من الشيخ وهدان...
ربما كانت صدفة أن يختزل الرصاص كل ما معهم، أموالهم التي نهبت في رقصة الخوف...
-لِم مضَ الجنود دون أن ينظروا إليهم؟
-هل حقًا هم من الجنود...أم هي مكيدةُ الشيخ وهدان ليستولي على ما معهم ثم يهبهم القليل ؟؟
- لا بد أن هذا ما حدث...
-وما يدريه أن عبد الوهاب ومساعده الذي لم يره حين دخلوا إلى خيمة الشيخ، وغاب مع جن الصحراء...
-لم يدر أكان عليه أن يشفق عليهم أم على نفسه...؟!

متاهةُ المشاعر تستولي عليه، وتلك الفتاة مازالت حاضرةً تعنُّ على باله يهيم معها
وسط الرمال المفككة والكثبان المترامية...
قبب السماء البيضاء والهجير...
بسيوني اكتشف أخيرًا معنى الحب الذي يعيشه هنا، لها طعمٌ مختلف مع ذات الخمار...
الفتاة الملقاة إلى السرير تنتظره، كلما هاجت نفسه إليها واشتياقه للصحراء وللفحة نيرانها، التي ولدت بعد زمن...
لم ينته اشتياقه بقدر ما أنّه قد بدأ للتو...



#رولا_حسينات (هاشتاغ)       Rula_Hessinat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيمياء الحب
- حمى البحث عن الذهب في الأردن هوس بلا حدود...
- فريق تعافي لا نهوض
- كما تكونوا...
- حكومة أميرية في الوقت الصعب.... الأردن أولاً...
- محمد صلاح في ظل الأزمة
- حواديت حواء..الكتاب الإلكتروني للفائزات في مسابقة الأديبة ال ...
- العدوان الثلاثي بين عام 56 وعام 2018
- وكانت مريم
- قارب ورقي
- عبد المولى
- الريادة في الأعمال
- عمليات السطو المسلح والمساومة الأمنية
- الناجي الوحيد
- ثورة يناير ثورة الكرامة والعدالة الاجتماعية
- سد النهضة واللعبة السياسية
- مبادرة الاديبة الأردنية رولا حسينات(تمكين) لدعم المرأة الأرد ...
- سانتياغو
- الورقة(3) مرحلة البناء
- معجزة الراتب


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - هدنة مع الجان