أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم عبد القيوم عباس - بناء الخيار الوطني في ظل المأزق الحالي (عطفاً على ذكرى 19يوليو 1971م )















المزيد.....

بناء الخيار الوطني في ظل المأزق الحالي (عطفاً على ذكرى 19يوليو 1971م )


اكرم عبد القيوم عباس

الحوار المتمدن-العدد: 5940 - 2018 / 7 / 21 - 07:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمر الذكرى السابعة والاربعون لحركة 19 يوليو ، والوطن تعصف به الأنواء ، وأن كانت الأنواء وصفاً غير دقيق ، ولا نبالغ إن قلنا ريحاً صرصاً عاتية . والذكرى هنا للإعتبار وليس لتأييد الفعل نفسه ، و مع أختلاف الروايات حول ماقام به ثلةٌ من الضباط السودانين بعضاً منهم يتمني لتيار سياسي بعينه ، فأن تقييم الفعل يندرج تحت ملابسات الذاتي والموضوعي في ذلك الوقت . و انا هنا لستُ بصدد التقييم أو حتي تبني أحدى الروايات ، ولكن إنطلاقاً من ضرورة النظر في مفهوم التغيير بإطاره الواسع الاجتماعي ، وبإطاره الراهن السياسي . حيث أن أدوات النضال من أجل التغيير تحدد المدي الكمي والكيفي لعملية التغيير ، كما أن لها القدرة علي كسب التأييد الجماهيري ، وإضعاف قوة العدو الطبقي والسياسي.
أصدر الحزب الشيوعي السوداني تقييماً كاملاً لحركة 19 يوليو 1971م، كما جاء ايضاً في وثائقه: ( دشن الانقلاب العسكري الذي نفذه الضباط الاحرار في مايو 1969 الفترة الاكثر اضطراباً في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، فقد ادي تباين الاراء في الموقف من الانقلاب الي انقسام حاد للاراء داخل الحزب حيث ايد بعض قادة الحزب "حركة الجيش الثورية" معولين على تقدميتها ومعاداتها للطائفية. وتم تعيين عدد من رموز هذه المجموعة كوزراء في حكومة الانقلاب وساندت هذه المجموعة دعوة النميرى بان يحل الحزب نفسه اسوة بتجربة الشيوعيين في الجزائر ومصر والانخراط في الاتحاد الاشتراكي السوداني الذي اسسته الحكومة. اما التيار الاخر الذي قاده الامين العام للحزب عبد الخالق محجوب فقد تمسك مبدئيا بتحفظه على الانقلابات العسكرية ورفض فكرة حل الحزب ودعا الي مواصلة السعي لبناء جبهة وطنية ديمقراطية يشارك فيها الحزب محتفظاً باستقلاليته.
بتصاعد حدة التوتر بين الحزب والسلطة قام الرئيس النميري بطرد الوزراء الشوعيين من الوزارة في 16 نوفمبر 1970 وفي فبراير 1971 اعلن النميرى عن عزمة على تحطيم الحزب الشيوعي واتبع اعلانه بحل تنظيمات الطلاب والشباب والنساء التي يسيطر عليها الشيوعيين.
تحسبا للهجمة القمعية على الحزب نفذ الضباط الشيوعيين انقلابا عسكريا مضادا في 19 يوليو 1971 واعتقلوا النميري واعلنوا السودان جمهورية ديمقراطية، الا ان عدم اكتمال التحضير الجيد والدور المصري الليبي المضاد اديا مجتمعين الي فشل الانقلاب واعتقل قادة الحزب واعدم منهم عبد الخالق محجوب، جوزيف قرنق والشفيع احمد الشيخ والضباط الشيوعيين الذين نفذوا الانقلاب. وعلى اية حال ليس ثمة دليل حتى الان يؤكد ان هيئات الحزب اتخذت قراراً بتنفيذ الانقلاب.)
بغض النظر عن رواية الحزب الشيوعي وتحليله للملابسات ، وبعيدأ عن تأويلات المناؤين للحزب من كل التيارات ، فأن الحقيقة تقول أن محاولات التغيير تظل مرتبطة بظرفها التاريخي ، لذلك يجب أن تُفهم حركة 19 يوليو كمحاولة للتغيير في سياقها الذاتي. قد يجوز أنها اتخذت وسائل وأدوات خاطئة ، قد لاتتسق ومبدأ التغيير السلمي ، لكنها دون شك شكلت تراكماً في محصلة الفعل السياسي المناضل والمقاوم. و رغماً عن كل التحفظات الورادة في وصفها ، ظل المجتمع السوداني يحفظ في ذاكرته لمجموعة ضباط يوليو ، وطنيتهم وشجاعتهم وعدم إرتاهنهم لقوى أو أجندات خارجية ، بل أن تكالب القوى الخارجية ساهم بشكلاً مباشر في فشل الحركة.
الشاهد أن هذه الثلة من الضباط الذين انتمى بعضاً منهم للحزب الشيوعي السوداني ، لم يخرجوا من أطار عمل الحزب في ذلك الوقت . حيث أورد الحزب في تخليصه لتجربة مابعد أكتوبر1964م ، والتي كانت مقدمة لأنقلاب مايو 1969م ، النص التالي: (التطور الوطني الديمقراطي لن يتم الا بالمبادرة الثورية للجماهير وبقيادة الطبقة العاملة – أي أنه يعتمد علي درجة تنظيم الجماهير ومستوي وعيها ومقدرتها الفعلّية علي النضال والوحدة والالتفاف حول مطالبها الأساسية التي تستهدف التغيير الاجتماعي الديمقراطي.) . ظلت نظرية التغيير التي يتبنأها الحزب ملتزمة بالإطار الوطني ، وترهن عملية التطور في الفعل المقاوم بحركة الجماهير ، والتي تعبر عن مطالبها بشكل مجرد بعيد عن الإملاءات . ويقيني هذا أمر جدير بالملاحظة فقد ظل معظم السودانين بتفاوت درجات إختلافهم مع الرؤية الفلسفية والسياسة للحزب ، يؤكدون حفاظه علي الخيار الوطني. وحتي حين رفض الكثيرون السبيل الذي اتخذه ضباط يوليو ، لم ينكروا عليهم وطنيتهم وإخلاصهم لفكرة التغيير . هذا وذاك نجده أكثر بساطة وأدق تعبير عند حميد رحمه الله، حين قال :
آه يا وطني المستف
في المطارات القصية
آه يا كفني المنتف
في مدارات القضية
آه يا صمتي المكتف في العبارات الندية
آهي يا نفسي الملطف بالنهارات الصبية
آهٍ من رفع المصاحف بالرماح الاجنبية

أن المطالبة بالتغيير كهدف في حد ذاته مشروع ، ولكن السُبل لذلك إنما هي تعبير حتمي عن منهج وطرق تفكير كتلة التغيير ، أوالمجموعات التي تطالب بالتغيير. وحركة يوليو كانت تنشد التغيير في إطاره الواسع والراهن ، وعبر أسلوبها عن طرق تفكيرها ومناهجها ، المحكومة دون شك بظرفها التاريخي ، وأن تعددت هذه السبل فهي ظلت تنطلق من إطار وطني . ومن هنا يأتي الإعتبار وضرب الأمثال في الراهن ، حيث أن معركة التغيير في السودان ظلت ومنذ فجر الأستقلال تمثل ببساطة صراعاً بين مصالح دولية وإقليمية تعبر عنها قوى محلية، وقوى وطنية تعبرعن مصالح قطاع كبير من الجماهير السودانية . هذا الصراع أتخذ أشكالاً مختلفة ، تبدلت فيها موازين القوة والغلبة بين هذان التياران وفقاً للظروف الدولية والإقليمية ، وكذلك العوامل الداخلية.
أتخذ هذا الصراع منحني جديد منذ العام 1989م ، تاريخ وصول الحركة الإسلامية للسلطة في السودان. حيث أصبحت القوى الدولية ولإقليمية أكثر حضوراً في المشهد السياسي السوداني ، وذلك بسبب الإنخراط المبكر للسلطة الحاكمة في صراعات المحاور الدولية والإقيلمية ، ودعمها المباشر وغير المباشر لحركات معارضة للانظمة الحاكمة في عدد من دول الجوار . ثم من بعدها إيواها لقيادة حركات الجهاد الإسلامي الدولية ، والداعية لمحاربة كل الكيانات الدولية ، وبالتأكيد الولايات المتحدة الإمريكية (الشيطان الأكبر) حسب رؤيتهم وتفسيرهم.
وفي ظل سياسة النظام الحاكم القمعية ، ومع إشتداد وطأة الصراع الداخلي ، والذي أتخذ في بعض الإحيان أشكالاً من العمل المسلح ، تعاظم تأثير القوى الخارجية ، وصار النظام يتخذ من تضارب الأجندة الدولية والإقليمية طوق نجاة من أزماته الداخلية ، وأضحت نظرية المؤامرة الخارجية منهج عمل لتبرير القمع وفشل السياسات الداخلية.
وبما أن السياسة في الأساس قائمة على قاعدة المصالح فقد اتخذت القوى الإقليمية والدولية من سوءات النظام عاملاً مؤثراً ، تبني عليه موقفها التفاوضي ويمكنها من الحصول على مكاسب تدعم أجندتها ، بل أنه صار منهجاً دائماً للتعامل مع هذا النظام. وأستمر النظام في سوء إدارته للمشهد السياسي ، و وقوعه المتكرر في ذات الأخطاء ، علاوةً على خرقه الدائم لقاعدة المصالح الوطنية ، بما فيها حقوق مواطنيه. هذا النهج العبثي المتعمد من كل الأطراف عصف بالأجندة الوطنية ، وحجم من دور القوى الوطنية ، وقدراتها في تدعيم خيارات حركة الجماهير ومطالبها .
هذا وغيره من عوامل أفضى إلى ما نعيشه الأن من أزمة سياسية ، تتجلي بشكل واضح في ضعف أدوات النضال السياسي ، الذي صار يعتمد على فكرة ردود الأفعال وعدم أمتلاك المبادرة. وفي وضع المفعول به نصباً ، صرنا نتتظر أن تأتي السلطة أو منسوبيها ، من أجهزة وأفراد بأفعال معلومة لدينا بالضرورة ، أو نتوقع حدوثها في ظل حالة الفوضي والفساد السائدة الأن ، ثم نجعل من هذه الأحداث إيقونات لتبرير فساد النظام وسوء عمله . عزز ذلك الإستخدام غير الرشيد للوسائل الحديثة والمتطورة للتواصل ونقل المعلومة ، حيث أضفى بعداً جديداً جعل من النضال في حد ذاته فعلاً إفتراضياً .
أن مآلات الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لا تحتاج مزيد من الأدلة ، كما أن التغيير صار دون شك أمر حتمي لامناص منه ، بل أصبح يقيناً حتي في أوساط الزمرة الحاكمة . و رغم توفر هذا المعطيات تظل أدوات نضالنا اليومي تحتاج إلى إعادة نظر ، خصوصاً في ظل التضارب الكبير في أجندة كل القوى الفاعلة في المشهد السياسي الراهن. وأعتقد أن أول درس يستفاد من تجربة يوليو هو أمتلاك زمام المبادرة المنطلق من قاعدة مصالح الجماهير ، والإرتهان الفعلي لخيار المواجهة دون أنتظار لحدث أو فعل بعينه لأتخاذه مدخلاً للتغيير.
وظني أن موجة الثورات العربية ربما خلفت لنا بعض العوامل ، التي خلقت بعض التشويش في تحديد أدوات نضالنا من أجل التغيير. العامل الأول فكرة الحدث الإيقونة مثل فيديو تعذيب وقتل خالد سعيد في مصر، والثاني أستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التعبئة . هذان العاملان لا يصحلان قطعاً أن يكونا قاعدة عامة لتحفيز التغيير، وتختلف هنا طبيعة تكوين الكتلة الحرجة من مجتمع لآخر ، طبقاً لفروقات الواقع وظرفه الذاتي والموضوعي. هذا التشويش مع حالة الأحباط وسوء الاوضاع الاقتصادية دفع حركة التغيير للسير في أتجاهات ، قد تصب في كثير من الأحيان في مصلحة السلطة الحاكمة ، بل أني أخشي أن فقدنا زمام المبادرة ، أن نتحول إلي الحال الذي وصفه نزار قباني حين قال:
أيامنا تدورُ بين الزارِ، والشطرنجِ، والنعاسْ

حركة يوليو وأن أختلفنا حولها ، تظل حركة تغيير وطنية الهوى ، عبرت عن واقعها ومآلاته ، قد يكون سبيلها الذي أتخذته غير متسق مع قواعد التغيير السلمي ، لكنها في النهاية عبرت عن نظرية الفعل النضالي ، التي ظل الحزب الشيوعي يتبنأها ، وشرطها الأول والحتمي مصالح الجماهير وخياراتها الوطنية ، ثم ثانياً أمتلاك زمام المبادرة وتجويد العمل النضالي ، وعدم الإنزلاق للمعارك الجانبية التي تستنزف المخزون الثوري ، وتضعف القدرة على إستقطاب السند الجماهيري. الخلاصة ، أن التغيير حتي وأن اخطأ الفاعلون في أختيارهم للوسيلة ، يجب أن يحتكم للقاعدة الوطنية ، وهو ما جسدته مجموعة 19 يوليو1971م ، لذلك حفظ لهم التاريخ شجاعتهم ، ومواجهتهم للموت بخطى ثابتة ، ثم أن التغيير لا يأتي محمولاً علي أجندة الأخرين ، وهنا قال حميد وكفى به شهيداً:
يامحرق
يامحرّق
يا مجرب
عشت بي شرف البنادق
ويسقط
العفن البتلب فوقنا من شُرف الفنادق



#اكرم_عبد_القيوم_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السَّلِفِيَّةُ وَتَرْسِيخُ الْعُقُلِ السردي


المزيد.....




- -انتهاك صارخ للعمل الإنساني-.. تشييع 7 مُسعفين لبنانيين قضوا ...
- لماذا كان تسوس الأسنان -نادرا- بين البشر قبل آلاف السنوات؟
- ملك بريطانيا يغيب عن قداس خميس العهد، ويدعو لمد -يد الصداقة- ...
- أجريت لمدة 85 عاما - دراسة لهارفارد تكشف أهم أسباب الحياة ال ...
- سائحة إنجليزية تعود إلى مصر تقديرا لسائق حنطور أثار إعجابها ...
- مصر.. 5 حرائق ضخمة في مارس فهل ثمة رابط بينها؟.. جدل في مو ...
- مليار وجبة تُهدر يوميا في أنحاء العالم فأي الدول تكافح هذه ا ...
- علاء مبارك يهاجم كوشنر:- فاكر مصر أرض أبوه-
- إصابات في اقتحام قوات الاحتلال بلدات بالضفة الغربية
- مصافي عدن.. تعطيل متعمد لصالح مافيا المشتقات النفطية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم عبد القيوم عباس - بناء الخيار الوطني في ظل المأزق الحالي (عطفاً على ذكرى 19يوليو 1971م )