أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سالم - الأندلس التي أضعناها والتي يضيعونها منا















المزيد.....

الأندلس التي أضعناها والتي يضيعونها منا


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 5938 - 2018 / 7 / 19 - 13:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"لكنها تدور يا ملوك الطوائف الجدد..."

الأندلس التي أضعناها والتي يضيعونها منا
د.خالد سالم

هناك ضرورة ملحة في علاقاتنا مع الآخر وتأمل ماضينا، بمناقبه ومثالبه، تكمن في الاعتراف بأنه لم يكن مخمليًا ولا فردوسيًا، إذ كان ككل مواضي شعوب اليابسة، يطرزه الغث والسمين ويشكل لحمته. وهذا يحملنا على الاعتراف بالمثالب، قبل المناقب، بغية استخلاص الدروس، دون الحلم بالفراديس المفقودة، ومعها الخلافة المزعومة -التي قُتل ثلثا حكامها حتى سقوط الدولة العباسية-، سعيًا لوضع قواعد متينة لبناء يتحمل الروافد الصلدة صوب السحاب.
هذا يحملنا إلى الاعتراف بأن وصول العرب إلى الأندلس لم يكن فتحًا والبقاء فيها لم يكن فردوسًا، فما سال فيها من دماء سجله تاريخ تقشعر له الأبدان والأرواح. هذا إذا أخذنا في الحسبان أننا لم نغزُ الأندلس من أجل نشر الإسلام كما حاولوا افهامنا في الكتب الرومانسية والخطاب الديني المغيب، بل دخلنا الأندلس لغرضين: النساء والخيل، دبابة ذلك العصر، حسب المصادر العربية. أي أن الغزو كان ككل حركات الاحتلال والاستعمار تسبقها أغراض اقتصادية وسياسية رُسمت لتبريره. والفتح ليس إلا غزو تحت ستار ديني، فلم بطلب منا الإسبان الذهاب إليهم لنشر الإسلام، وكانت شبه الجزيرة عامرة بسكانها وفيها دولة يحكمها ملك قوطي.
المناقب العربية في الأندلس تشهد عليها العيان إلى اليوم، ولهذا تمثل زمردة تاج الحضارة العربية، رغم كل المثالب، بدءًا بدماء أسيلت بين المتنازعين على الأرض، الغزاة وأصحاب الأرض. وقد تقشعر روح أكثر من شخص عندما يعلم، على سبيل المثال، أن معركة وادي سليط على مشارف طليطلة، في منتصف القرن التاسع، وكان النصر فيها للعرب إلذين فتكوا بقوات مملكتي أستورياس ونبارّا، أن العرب بنوا من جماجم الأعداء مئذنة نودي للصلاة من أعلاها!
الرهان هنا ليس على ما إذا كنا شياطين أم ملائكة، بل على الدروس المستفادة من مغامرة الأندلس التي استمرت حوالي تسعة قرون، بدأت بالغزو عام 711م انتهت بطرد الموريسكيين في 1614م، فما قدمناه في الأندلس يمثل حلقة كبيرة في تاريخ البشرية وعلامة فارقة فيه، نموذج للتعايش والتناضح بين الحضارات المختلفة والمتنافرة، رغم الحروب والدماء، فالعرب لم يصفوا الإسبان ولم يحولوهم إلى أقليات، هنود حمر، كما حدث في الأمريكتين، خاصة في الشمالية، ومن تخنه الذاكرة فليولج في كتاب إدواردو غاليانو "أوردة أمريكا المفتوحة".
- عندما ذهبت للدراسة في جامعة مدريد، في مطلع الثمانينات، كان لدي شبق المعرفة وامتصاص ما يحدث حولي في ذلك العالم الغريب لي، وكنت حريصا على حضور المؤتمرات العربية الإسبانية، ومن خلالها علمت أن الإسلام دين صفته التسامح وأن العرب عملوا بهذا المبدأ الديني في الأندلس. لم يكن أحد يتكلم عن البربر، الأمازيغ في زمن العولمة والانقضاض النهائي على كل ما هو عربي بالحروب وتفتيت دول الوطن العربي. كان لمثقفي مصر إلى جانب الإسبان دور في تكريس فكرة التسامح العربي الذي يضرب بجذوره في الإسلام، ثم وقعت الكارثة العربية الكبرى بلعبة احتلال الكويت الذي سيقه تقزيم مصر بأيدٍ عربية وأجنبية، فأخذت نعرة جديدة تنتشر ترفض الحديث عن القومية العربية وتحل محلها بالمفهوم العربي الإسلامي من خلال أبواق صحفية عربية بازغة في لندن والخليج بعيدة عن الخط القومي الذي خرج من القاهرة ثم دمشق وبغداد وجزائر هواري بومدين وليبيا القذافي.
ظل الحديث عن الأندلس العربية سائدًا لقرون، حوالي خمسة، إلا أن تراجع المد القومي بعد أن خفُت ضوؤه مع سقوط بغداد وكان ما حدث في ليبيا وسورية منذ الربيع العربي نهاية لحشرجات موت معلن بدأ بنكسة يونيو 1967 بمطلب عربي للقضاء على عبد الناصر وتنفيذ أميركي إسرائيلي. وفي هذه الأثناء بزغت أصوات الأقليات التي تنتشر في الوطن العربي لتفت في عضد العروبة التي أهيل عليها التراب وكأنها ضد المذاهب والأقليات التي أصبح لها اليد الطولى اليوم بدعم غربي يرسم خريطة مصالحة قبل تحقيقها بعقود طويلة ليجني الثمار بيسر، دون مقاومة.
في سياق كهذا علا صوت البربر –الذين لم يعد يروق لهم هذا الاسم الذي أطلق منذ الإمبراطورية الرومانية، ويجاهدون من أجل مسمى الأمازيغ، وكأن البربر صنو لليهود- وأخذوا يشككون في عروبة الأندلس وغزوها فادعوا أن القوات التي وصلت إلى شبه جزيرة أيبريا، تحت امرة طارق بن زياد والموجات التالية، كانت بربرية وليست عربية. الأمر لا يفتقر إلى الوجاهة والمنطق إذا آخذنا في الاعتبار أن غزو الأندلس وقع عام 27 من التقويم الهجري!! أي أن المد البشري العربي لم يكن قد استتب وتكاثر في شمال إفريقيا. لكن إذا قامت دولة بغزو أخرى مستخدمة مرتزقة، فهل ينسب الحكم والثقافة الفاعلة لاحقًا للمرتزقة أم للدولة التي نفذت المشروع؟ لا أعني بهذا نعت الأشقاء البربر بالمرتزقة، لكنني ألح على أن دورًا كبيرًا كان لهم في غزو الأندلس ثم في المائتي سنة الأخيرة من تاريخ الأندلس على يد المرابطين والموحدين.
هناك اصرار من قبل الاشقاء البربر على أن الأندلس تعود إليهم وليس إلى العرب، إذ كانوا أقلية، وهنا يحضرني سؤال آخر: لماذا لم يتركوا اللغة البربرية على الآثار الأندلسية؟ لماذا ليست هناك مخطوطات بالبربرية؟ ولماذا لم يتكلم أهل الأندلس اللغة البربرية؟ إنهم يذكرونني بأولئك الذين ينادون بفرعونية مصر بينما هم غير قادرين على اطلاق أسماء مصرية قديمة على أبنائهم أو تشييد منزل أو مبنى على غرار المعمار المصري القديم. كم فتاة مصرية تحمل اسم إيزيس أو نفرتيتي الجميلة اليوم؟!!! وكم صبيًا يحمل اسم حورس أو أُحمس أو مينا؟!! لم أر في حياة المديدة أكثر من خمسة,
في ظروف التمزق وحروب البربر على هوية الأندلس، ما إذا كانت عربية أم بربرية، كان على الطرف الآخر في اللعبة، الإسبان، وكان عليهم أن يدلوا بدلوهم في القضية لتخرج أقلام في سنوات الوهن العربي تدعي أن الأندلس كذبة كبرى، إذ كانت إسبانية وأن العنصر العربي كان لا يكاد يُذكر!!! هل بنى آثارها ووضع أدبها وثقافتها سكان المريخ على غرار ادعاء الصهاينة بناء أجدادهم العبيد لأهرامات الجيزة؟!! هل يصنع العبيد أو الأقليات حضارة كانت قمة ما توصل إليها الإنسان في ذلك الزمان؟ بالطبع لا، فالسوط لا يصنع مجدًا ولا حلقات في الحضارة الإنسانية. ما يحدث قد يؤدي إلى تراجع إحدى أهم حلقات الحضارة البشرية المشرقة رغم كل شئ.
يأتي ادعاء البربر تجاه الأندلس ضمن صراعهم ودعوتهم لاستعادة ماضيهم البربري في شمال إفريقيا ضد العنصر العربي، وهنا تقابله دعوة على لسان أقلية مصرية تدعو للانسلاخ عن العروبة واستعادة مجد الأجداد، المصريون القدماء. هل تقدم البربر أو المصريين أو أي أقلية أو أصحاب النعرات الأخرى تحول دون تقدم الدول التي تحتويهم؟
أعتقد أن الصواب يجانب هذه الدعوات العدوانية وأن تغيير واقع وماضٍ قوي ضرب من ضروب المستحيل، والحل الأمثل يكمن في الحرية والديمقراطية فهي القادرة على استعياب الجميع، أغلبية وأقلية، في تناغم من أجل الإنسان ليصبح محور الوطن العربي كله، دون انتظار السماء فهي لا تمطر ذهبًا ولا فضة. ولعل الغرب بأقلياته وأغلبياته التي تشكل فسيفساءه نموذج يمكن أن نحتذي به في منطقتنا.
الأندلس لا تمثل لي حلمًا ولا فردوسًا، رغم أصولي الموريسكية المثبتة في العائلة، لكنها عادت إلى الأقوى من عناصر الصراع عليها، وهو أمر مشروع، إذ استردوها رغم التواجد العربي على ترابها قرونًا عديدة. إلا أن ادعاء أنها بربرية تارةً وأنها لم تكن عربية تارةً أخرى فهذا هراء، يذكرني بالمثل العربي الأصيل "من قلة الخيل شدوا السروج على الكلاب"، أو بالأحرى يريد البعض أن يتزينوا عنوةً بزمردة تاج الحضارة العربية والإنسانية، الأندلس، إذ كانت بذرة عربية روتها مياه وردت من مناهل عدة لتخرج للانسان خير مثال للتعايش بين الثقافات والحضارات المختلفة في بوتقة فواحة بزهورها وثمارها المشهورة، وليت للبشر اليوم أن يحققوا ما حققه العرب في شبه جزيرة أيبيريا من تسامح وتقدم وإنسانية لم تتكرر في التاريخ.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرث العربي في حضارة زمن العولمة
- على المنوفي: وداعًا أيها الفارس النبيل
- خذلان وتأملات أمام المشهد البشري في أرض الكنانة
- يوميات صعلوك، قصة من الأدب الإسباني
- رسالة حول مسرح خوسيه مورينو أيناس
- مسرح الهجرة في إسبانيا نموذجًا للمثاقفة ومخاطر ترجمة التابوه ...
- صورتنا لدى الآخر وطابورنا الخامس المفقود
- المنطقة العربية والطغاة والشعبوية في أميركا اللاتينية
- المجد لكرة القدم وفلسطين
- البيت العربي في إسبانيا وجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم
- ثمانون عامًا تمر دون حل لغز مقتل الشاعر الأسطورة غارثيا لورك ...
- مهرجان طنطا الدولي للشعر دعوة للتنوع والمثاقفة
- محاولة للاقتراب من أدب الطفل الإسباني
- الأربعون ونوادر الزمالة
- الإنقلاب والاعدام
- نقاط إلتقاء وافتراق بين إنقلابي تركيا وإسبانيا
- كلمة - الرُبع- العربية الأكثر تداولاً في زمن العولمة
- المستعرب الإسباني فدريكو أربوس: الإستعراب الإسباني برئ من ال ...
- جمال الغيطاني وإسبانيا
- فن مَسْرَحة الصورة


المزيد.....




- سلاف فواخرجي تدفع المشاهدين للترقب في -مال القبان- بـ -أداء ...
- الطيران الإسرائيلي يدمر منزلا في جنوب لبنان (فيديو + صور)
- رئيس الموساد غادر الدوحة ومعه أسماء الرهائن الـ50 الذين ينتظ ...
- مجلس الأمن السيبراني الإماراتي يحذّر من تقنيات -التزييف العم ...
- -متلازمة هافانا- تزداد غموضا بعد فحص أدمغة المصابين بها
- ناشط إفريقي يحرق جواز سفره الفرنسي (فيديو)
- -أجيد طهي البورش أيضا-... سيمونيان تسخر من تقرير لـ-انديبندت ...
- صورة جديدة لـ -مذنب الشيطان- قبل ظهوره في سماء الليل هذا الش ...
- السيسي يهنئ بوتين بفوزه في الانتخابات الرئاسية
- الفريق أول البحري ألكسندر مويسييف يتولى رسميا منصب قائد القو ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد سالم - الأندلس التي أضعناها والتي يضيعونها منا