أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - محمد عبد الشفيع عيسى - ثورة أكتوبر الاشتراكية وحركة التحرر الوطني : الوطن العربي ومصر نموذجا















المزيد.....


ثورة أكتوبر الاشتراكية وحركة التحرر الوطني : الوطن العربي ومصر نموذجا


محمد عبد الشفيع عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 5937 - 2018 / 7 / 18 - 20:15
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
    


كان أول ما تبادر إلى الذهن حول هذا الموضوع المهم سؤال : ما الأصل الفكرى لاهتمام ثورة أكتوبر الاشتراكية-عام 1917- بحركة التحرر الوطنى عموماً، وهذه الحركة فى المنطقة العربية خصوصاً، وفى مصر بصفة أخص ؟
ووجدتنى أمام خيط متصل ، ساعدنى فى تتّبعه ما وجدته لدّى فى مكتبتى القديمة حول بعض ثمرات التراث الفكرى الاشتراكى والماركسي والشيوعى . ووجدتنى أبدأ هنا بما سطّره ماركس وانجلز عام 1848 فى (بيان الحزب الشيوعى) حول الوجه المقابل للتحرر الوطنى وهو الاستعمار ، حيث يقولان :
"إن اكتشاف أمريكا والطريق البحرى حول شواطىء إفريقيا قدم للبورجوازية الصاعدة ميداناً جديداً للعمل .. حيث أسواق الهند والصين ، واستعمار أمريكا ، والتبادل مع المستعمرات وتدفق السلع بوجه عام ......"
ثم يقولان (تُجْبر البورجوازية كل الأمم ، تحت طائلة الموت ، أن تقبل الأسلوب البورجوازى فى الإنتاج وأن تدخل إليها المدنيّة المزعومة ، أى أن تصبح بورجوازية، فهى ، بالاختصار ، تخلق عالماً على صورتها و مثالها" .

هذ هو أقدم نّص ، فيما يبدو ، تناول فيه رائدا "الاشتراكية العلمية" موضوع التوسع القسرى للبورجوازية الأوروبية فى (عالم ما وراء البحار) بصورة مباشرة .

ومعلوم أن ماركس قد عكف، وهو بعْدُ فى الثلاثين من عمره تقريبا، على وضع لبنات أولى لتفكيره الاجتماعى، وكان محور هذا التفكير هو مقولة الاستغلال ، انطلاقاً من مقولتين أخريين كأنهما جناحان :
عملية الإنتاج ، كقاعدة للوعى البشرى ووعاء لحياة الإنسان ، من جهة أولى، و التكوين الطبقى ، من جهة ثانية .
وكان اهتمام كارل ماركس مُنْصَبّاً ، فى هذا التحليل ، على المجتمع الرأسمالى الأوروبى ، فى جميع الأحوال . ولكن فيما يبدو ، أن السنوات العشرة التالية لإعلان "البيان الشيوعى" كانت فترة حافلة فى مسار التكوين الفكرى المتعاظم لكارل ماركس . وهكذا بدا الأمر من خلال كتابه (مساهمة فى "نقد الاقتصاد السياسى") عام 1859 ، وبالتوازى معه قام ماركس – ورفيقه إنجلز – بكتابة عدد من المقالات والرسائل وقع جُلّها خلال سنوات عقد الخمسينات من القرن التاسع عشر ، انتهاءً ببعض الشذرات على شكل إضافات إلى "المجلد الثالث" لرأس المال كتبها أنجلز عام1894 -أو 1895 -مثل ملاحظته حول الاستعمار والبورصة المالية.

فى تلك المقالات والرسائل التى تم تجميعها فى كتاب صادر عن "دار التقدم" فى موسكو باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان :
ماركس ،إنجلز فى الاستعمار Marx & Engels on Colonialism
-فيها عرض الرجلان ، وخاصة ماركس ، لعملية التوسع الاستعمارى وعلاقته بنمط الإنتاج البورجوازى ، وممارسة الاستغلال التجارى والمالى للبلدان خارج أوروبا ، والتى جرى إخضاعها قسراً لهذا الغرض، فى قارتيْ آسيا (الهند الشرقية تحديداً) وإفريقيا ، وكذا العالم الجديد (خاصة أمريكا الشمالية) وبلاد عربية أخرى عديدة. وثمة إشارات عديدة إلى حالة مصر فيما خطّه ماركس وإنجلز عن الاستعمار ، وإن شاب بعضها خلط وخطأ ، كما فى ملاحظة إنجلز عن أحمد عرابى كمجرد "باشا" كبقية الباشوات . ولكن ملاحظات و شذرات الرجلين عن الجزائر وخضوعها للاستعمار الفرنسى بالقوة القاهرة، وعن الهند ، وجاوه (إندونيسيا) – وغيرها كثير، ينطق بفهم عميق للمسألة الاستعمارية . بل ونجد جذراً قويا لفهم المسألة الصهيونية –في إطارها الاقتصادي-الاجتماعي، فى كتيب كارل ماركس-الشابّ- "حول المسألة اليهودية" في وقت مبكر(1843) وهوابن الخمسة وعشرين ربيعا.

ورغم ما سبق ، فإن العمل الرئيسى لكارل ماركس وهو كتاب (رأس المال) مكرّس أساساً لتحليل الرأسمالية فى عقر دارها ، انطلاقاً من مقولة "رأس المال بالذات Capital"؛ رأس المال الذى يتحقق من خلال استدراج واستغلال نقيضه الجدلى أى "العمل" ، حيث تقوم علاقة الإنتاج الاجتماعية التى قوامها تكوين فائض القيمة ، وما يتبعها من ظواهر أخرى مسانِدة عدّة .

أبرز النتائج عن "رأس المال"-كما خلص إليها ماركس- هى التنبؤ بالثورة ، الثورة الاشتراكية ، تقوم بها طبقة البروليتاريا ، حيث أكثر بلد مرشح ومهيأ كذلك هى انجلترا ، ذات النظام الرأسمالى الأكثر تبلوراً ، و البلد الأكثر نضوجاً فى مجال التكوين والصراع الطبقى ، فى غمار تبلْور الثورة الصناعية أواسط وأواخر القرن الثامن عشر .

كان هذا عصر كارل ماركس بحق (1818-1883) وكانت واسطة العقد الفريد هى موسوعة "رأس المال" الماركسية، وصدر المجلد الأول منها عام 1867 بينما صدر المجلدان الثاني والثالث بعد وفاته ( 1885 و1894 على التوالي). وجرت مياه كثيرة قرابة خمسين سنة تقريباً، ليكتشف الماركسيّ الأبرز/فلاديمير إيليتش لينين أن الثورة البرولتيارية التى لم تقم فى عقر دار الرأسمالية –بريطانيا – قابلة للقيام خارج المنظومة الرأسمالية المركزية برمّتها ، فى أضعف حلقات النظام الرأسمالى نفسه، فى روسيا حيث نويات الزراعة الرأسمالية والتقدم الصناعى المبكر وطليعة برولتيارية مسلحة بالفكر والحزب.

لقد حدث تحول كبير – كما وجد لينين – بتحول الرأسمالية الصناعية عند كارل ماركس إلى الرأسمالية المالية الاحتكارية المتوسعة خارج مركزها .. إنها إذن الإمبريالية. وقد استفاد لينين من كتابات كاوتسكى عن تصدير الرساميل (أو "رأس المال") بغرض التجارة والإقراض التربوى كما لاحظت روزا لوكسمبورج فى كتابها "تراكم رأس المال" متخذة حالة مصر – وأندونيسيا – نموذجاً للاستعمار القائم على الديون فى القرن التاسع عشر، الامبريالية. كما استفاد من كتاب "هوبسون" عن الاستعمار ، وهلفردنج عن "رأس المال المالي". وهكذا صاغ لينين وهو يقيم فى زيوريخ عام 1916 دُرّته الفكرية : (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية).
بالتوازى مع اكتشاف لينين للامبريالية ، قدم اكتشافه لدور (الفلاحين فى الثورة) بالتحالف مع الطليعة البروليتارية . واكتشف أيضا حركة التحرر الوطنى مسجّلاً اكتشافه ذاك فى دراساته حول (حركة التحرر الوطنى فى الشرق) .

وانطلاقاً من إشعاع ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 ، طفقت تتشكل مجموعات على هيئة أحزاب (ِشيوعية) فى البلدان العربية بعد عام 1920 ، وخاصة مصر وفلسطين و (سوريا – لبنان) ، فى المشرق العربى عموماً ، و "الشرق الأدنى" خصوصاً . لقد تأججت آنئذ التناقضات الناجمة عن استغلال "النواه العمالية" الناشئة وخاصة فى مصر فى العشرينات من القرن المنصرم ، وعن المشروع الصهيونى فى فلسطين انطلاقاً من وعد بلفور عام 1917 ، وعن مشروع التجزئة الذى رعاه الوزيران سايكس وبيكو فى اتفاق عام 1916 والذى أذاعته قيادة ثورة أكتوبر الاشتراكية بعد انتصارها ، ضمن ما أذاعت من وثائق سرية لمجموعة الدول الحليفة بزعامة بريطانيا وفرنسا فى الحرب العالمية الأولى .
وفى أتون التناقضات، حدثت تحولات متعاقبة في الحركة الشيوعية العربية على هيئة دورات (فكرية – سياسية) بدأت بدورة النشوء والتكوين (1920-1930) ثم دورة للنضوج الفكرى بملامح منفتحة على فكرتىْ الوحدة العربية ومقاومة الصهيونية فى فلسطين، ثم دورة شابها جمود عقائدي على وقع الستالينية، ودورة للنضال الاشتراكي والوطني في إطار عربي، بعد 1952 و1960 ثم بعد 1967 . بعد مخاض دورة النشوء جاءت الدورة الثانية التي تعبر عنها مجموعة الوثائق الصادرة عن الأحزاب الشيوعية فى مصر وفلسطين وسوريا – لبنان فى مطلع الثلاثينات من القرن العشرين، والتى جمعها الراحل الكبير إلياس مرقص فى كتيبه الصادر عن "دار الحقيقة" ببيروت عام 1970 تحت عنوان (الأممية الشيوعية والثورة العربية ، الكفاح ضد الإمبريالية ، الوحدة فى فلسطين – وثائق 1931) . وكان فى هذا كله ، تعبير عن توّجه معين داخل (الكومنترن) في ذلك الوقت، محبّذ للكفاح ضد التجزئة الاستعمارية فى المشرق العربى ومؤيد لفكرة الوحدة العربية كمنطلق للتحرر الوطنى .

ثم أن الستالينية التى أخذت فى التجذر فى العصر - بعد اللينينى ، وبعد إزاحة تروتسكى ، أخذت تنسج خيوط التجمّد العقائدى ، وقلبت ظهر المجنّ لما دعا إليه لينين حول التفتح على الحركات القومية المظلومة فى (الشرق) – تمييزاً لها عن القومية الظالمة (فى الغرب) – وحول تحالف البروليتاريا مع الفلاحين . قدم ستالين في كتابه عن "القضية القومية" تعريفاً محدداً للأمة وللقومية جعل قوامه توفر شرط قيام سوق مشتركة أو (حياة اقتصادية مشتركة) . وانطلاقاً من ذلك ، اعتبرت المجتمعات القائمة على الرقعة العربية غير مرتكزة على قاعدة (الأمة) –لعد توفر ذلك الشرط-وإنما هى أُمم ، وهى فى أفضل الأحوال فى مرحلة ما قبل الأمة أو القومية ريثما تنشأ لها حياة اقتصادية مشتركة وربما (دولة) . وسيظل هذا الاعتبار قائماً طوال عقود لدى الحركة الماركسية والشيوعية العربية ، بالغاً تمثله الواضح فى كتابات سمير أمين : (الأمة العربية) وفؤاد مرسى (نظرة ثانية إلى القومية العربية) - ومعهما محمد عمارة (قبل تحوله "الإسلامى في الثمانينات" ثم الإسلاموى" في التسعينات ومطالع الألفية)- وكان ذلك فى كتابيْه المبكرين : "فجر اليقظة القومية" و "العروبة فى العصر الحديث" . وقدم أحمد عبد المعطى حجازى فى كتابه (العروبة ، نظرة طبقية – حضارية) فهماً متفهماً للأمة العربية مكتملة التكوين ، قبل أن يتحول إلى الفكرة (المصراوية) المعارضة للعروبة حالياً ومنذ سنين .

كان الأثر الستالينى بادياً أيضا فى انحرافات (الحزب الشيوعى الفلسطينى) الذى جنح إلى تحالف الطبقة العاملة – عربية ويهودية- لمواجهة البورجوازية المشتركة على الجانبين ، وشىء من ذلك حدث فيما يبدو لدى شطر من الحزب الشيوعى المصرى فى الأربعينات .
وكان اعتراف ستالين بقيام إسرائيل عقب 15 مايو 1948 مباشرة دليلاً آخر على ذلك . وقد ظلت النظرة العامة إلى القومية العربية كمقولة للعمل البورجوازى، فى مواجهة الفكر الطبقى، سائدة قائمة على تحالف العمال أمميا فى مواجهة البورجوزية العربية .
كانت وفاة ستالين عام 1953 ثم انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعى السوفيتى في فبراير من عام 1956 وإجراء المراجعات الجذرية عقب ذلك اعتباراً من عام 1957 بقيادة خروشوف ، علامات على موقف سوفيتى مخالف للستالينية .
و لقد كانت ثورة 23 يولية 1952 بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر أول اختبار حقيقى لمدى صدق (أو "كذب") الستالينية الدوجمائية . فقد مثلت منذ انبلاجها ثورة وطنية منفتحة على التحولات الاجتماعية ، تشقّ طريقا ثالثا بين الرأسمالية الغربية والاشتراكية على النمط السوفيتى .

فى نفس الوقت ، كان قيام منظومة اشتراكية أوروبية عقب الحرب العالمية الثانية ، جامعة للاتحاد السوفيتى وبلدان أوروبا الشرقية ، ثم انتصار الثورة الصينية بزعامة ماوتسى تونج فى ديسمبر 1949 ، إيذاناً بقيام عالم جديد : عالم المجموعات الثلاثة : المجموعة الاشتراكية (حتى بدء "النزاع الصينى – السوفيتى اعتباراً من عام 1957 تحت وطأة المراجعة السوفيتية للستالينية) ، وخاصة منذ 1959 – ومجموعة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية – ومجموعة حركة – أو حركات – التحرر الوطنى فى إفريقيا وآسيا وكذا فى أمريكا اللاتينية ، التي بدأت عمليا بمؤتمر باندونج-إندونيسيا- عام 1954 للشعوب الإفريقية و الآسيوية (أنظر كتابات سمير أمين بهذا الشأن – وأنور عبد الملك) ومؤتمر بريونى-يوغوسلافيا- الذي جمع عبد الناصر وتيتو ونهرو– عام 1956 و دشّن انضمام يوغوسلافيا-الدولة الاشتراكية الأوربية ذات الخلاف مع الاتحاد السوفيتي- لمجموعة نُعِتت بالحياد الإيجابى ، ثم المؤتمر الذي عقد في العاصمة اليوغوسلافية بلجراد عام 1961 مؤسساً لمجموعة دول عدم الإنحيار، بعد مؤتمر القاهرة التحضيري عام 1960 .

كان هذا عالم التجمعات الدولية الثلاثة ، و كانت قاعدة هذا العالم نظام دولي للقطبية الثنائية، على طرفيها : الولايات المتحدة ، والاتحاد السوفيتى . و وقفت الصين بين بين ، من ناحية أولى، ويوغوسلافيا – ثم رومانيا في موقع مختلف – من ناحية أخرى .

بالتوزاى مع ذلك ، بدأت حركة فكرية واسعة لاكتشاف موقع (العالم غير الغربى) وغير (الرأسمالى) فى الفكر الماركسى بعيداً عن المركزية الأوروبية التى مَيّزت الدوجماتية الستالينية ومن تمثلات هذه الدوجماتية ما يعرف بالمراحل الخمسة لتطور المجتمعات البشرية (المشاعية البدائية فالعبودية فالإقطاع فالرأسمالية ثم الاشتراكية). واستفاد المدّ الفكرى العالمي والأوربي بالجديد من مقولة (نمط الإنتاج الآسيوى في الشرق)، والذى اعتبر موازياً لنمط الإنتاج الإقطاعى في أوربا الغربية بالذات.
أما على المستوى العربي، فقد كتب إلياس مرقص (الماركسية والشرق) و (الماركسية والمسألة القومية) ، وكذلك فعل جورج طرابيشى جامعاً أدبيات (الماركسية والمسألة القومية) و (التنظيم الثورى) ، وكتب أحمد صادق سعد موسوعة عن (نمط الإنتاج الآسيوى) واقترب سعد زهران من ذلك أيضا . كما قدم فؤاد مرسى اجتهادا فى قضية التخلف والتنمية. ودكتور محمد دويدار – من "حقوق" الإسكندرية – قدم اجتهاده فى مفهوم الفائض واستخداماته ، ومحمود أمين العالم قدم أفكاره الثرية حول الفكر الاشتراكى المعاصر . وكانت محاولات التجديد مواكبة، في جانب منها، لحركة التجديد في نطاق ماسمي بالماركسية الأوربية في الستينات خاصة، على أيدي رعيل من قبيل هنري لوفيفر و (روجيه) جارودي و جورج لوكاش، استلهاما لأفكار كارل ماركس في فترة الشباب ( قبل أن يصير "ماركسيا" على حد تعبير البعض!) فيما سمّي (العودة إلى الينبوع) .
تجلت تلك الأفكار المبكرة في كتاب كارل ماركس "الإيديولوجية الألمانية" في 1845، ومن قبله ما يسمّى : "المخطوطات الاقتصادية والفلسفية لعام 1844" ، وكلاهما لم ينشرا سوى عام 1932 في موسكو. و يسمّيها إلياس مرقص "فجر الماركسية" وقد قام هو بترجمة كتاب تجميعي لمؤلفات ماركس الشاب تحت عنوان " مختارات المؤلفات الأولى 1842-1846"، جامعا "مخطوطات 1844" و "المسألة اليهودية" و "الإيديولوجية الألمانية" ونصوصا أخرى. (صدر الكتاب بالعربية عن دار دمشق للطباعة والنشر – د.ت – وأظنه نشر حول العام 1966).
كان موقف الاتحاد السوفيتى فى الخمسينات – وحتى الإحاطة بخروشوف عام 1965 وبروز القيادة الثلاثية بزعامة بريجنيف-متفهماً لصعود عالم حركات التحرر الوطنى ، وخاصة فى المنطقة العربية، بقيادة عبد الناصر . ورأى السوفيت فى مصر الناصرية – العروبية ، قاعدة أكيدة للكفاح ضد الإمبريالية والهيمنة الأمريكية . وبناء على ذلك تم منذ وقت مبكر التعبير عن الموقف الجديد من خلال مواقف عملية و رمزية كبرى ، وخاصة عقد صفقة الأسلحةالتشيكية مع مصر عام 1955 ، والوقوف إلى جانب مصر وعبد الناصر فى (معركة بورسعيد) – ولا نقول "السويس" – عام 1956 من خلال ما سمي "الإنذار الروسى"، كما عبر الشاعر (غير المعروف- للأسف) محمود غنيم :
ولولا صيحةٌ من غاب موسكو .. و لوْلا وقفةٌ لبنى نزارِ
و لولا مصرُ صان الله مصراً .. لتوّج رأس إيدنَ تاجُ غارِ

أيد الاتحاد السوفيتى مشروع بناء السد العالى منذ مطلعه عام 1956-57 بديلاً للبنك الدولى والغرب ، وأيد الوحدة بين مصر وسوريا . ولكن خروتشوف كان واضحاً أثناء زيارته مصر عام 1959 لتدشين بناء السد العالى ، إذ عبر عن امتعاضه من فكرة "القومية العربية" قائلاً ما معناه فيما نتذكر : (إن العلاقة بين العامل المصرى والعامل السوفيتى ، أوثق من العلاقة بين العامل المصرى ونظيره الكويتى) . ولكن مناضلى "الحزب الشيوعى المصرى" و "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى" – حدتّو- لم يقبلا بالرؤية السوفيتية الرسمية ، ودفعا ثمناً باهظاً فى غياهب السجون ، وخاصة فى أبى زعبل والواحات . وظل الجمع فى السجن خلال فترة 1959-64 حتى اعتبر قادة الفكر الاشتراكى – الماركسى ، أن "الميثاق الوطنى"-الناصري- الصادر فى مايو 1962 علامة على انبثاق فكر اشتراكى علمى وإن يكن قريباً من طريق ثالث ، دعاه السوفييت أنفسهم (طريق التطور غير الرأسمالى) .
وقام الحزب الشيوعى المصرى بحلّ نفسه ، واعترف الاتحاد السوفيتى رسمياً بذلك .. حتى أنّى أنا حينما زرت الاتحاد السوفيتى فى مايو 1967 – قبيل الحرب- ممثلاً لمنظمة الشباب الاشتراكى، عرض المضيفون السوفييت أمامى خريطة للأحزاب الشيوعية فى العالم ، وبدت أعلام الأحزاب مبثوثة فى كل مكان من الكرة الأرضية تقريباً ، عدا مصر .. إكراماً وتكريماً لدور مصر الناصرية .

اعتباراً من 1961 بالذات – عقب قوانين وقرارات التأميم التى أخذت تنهمر تباعاً خلال السنوات القليلة التالية – وقف الاتحاد السوفيتى إلى جانب عملية تصنيع مصر ، وفق (برنامج السنوات الخمس) 1957-64 البرنامج الذى اندمج فى الخطة الخمسية الأولى (1960/61-1964/65). وساعد الاتحاد السوفيتى مصر على إقامة الــ 700 مصنع التى تحدث بها جمال عبد الناصر مرارا، والتى ما زالت شواهدها قائمة رغم خصخصات حقبة (السادت-مبارك) لتمثل ربما المعالم التصنيعية الحقيقية (الوحيدة) – تقريباً – على أرض مصر طوال خمسين عاماً ويزيد .

اتبع الاتحاد السوفيتى ومجموعة الدول الاشتراكية الأوروبية، أعضاء "الكوميكون"- مجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة- مع مصر نموذجاً معينا للعلاقات الاقتصادية المتبادلة هو (اتفاقات التجارة والدفع الثنائية) لتمثل عملية التبادل وفق أسلوب"المقايضة" أو "المقاصة" باستخدام العملة المحلية، الروبل والجنيه ، حيث الواردات السوفيتية الصناعية مثلا تقابل صادرات مصر الزراعية وما إليها .

وكما كان الاتحاد السوفيتى صديقاً وفياً لمصر فى معركة التصنيع والتنمية (وفق نموذج إحلال الواردات) كان وفياً لمصر فى معركة الحرب بعد حرب 1967 : حيث إعادة التسليح من نقطة الصفر ، وإعادة بناء القوات المسلحة أفراداً وكتائب ، وإعادة بناء واختبار الاستراتيجيا والتكيتات بواسطة خبراء الصواريخ . وقامت حرب الاستنزاف ، وأعيد بناء الجيش المصرى ، ليكون مؤهلاً لأول معركة بالصواريخ المحمولة على الكتف ، والصواريخ المضادة للطائرات المغيرة ، ولو الشبحية ، كما فى عملية يوليو 1970 بإسقاط 18 طائرة فانتوم للعدوالاسرائيلى انطلاقاً من حائط الصواريخ .

تمكنت القيادة المصرية – التى التقطت أنفاسها بقبول "مبادرة روجرز" فى 22 يوليو 1970 –من أن تسابق الزمن لاستكمال حائط الصواريخ قبل بدء سريان المبادرة بلحظات ، بل واستغلال فارق الثوانى عند بدء السريان . و وضعت القيادة المصرية مخططاً أولياً لعملية عبور قناة السويس فيما سمى بعملية (جرانيت1) .

وفارقت الروح الجسد فى 28 سبتمبر 1970 ، ولكن جمال عبد الناصر ترك جيشاً أُعيد بناؤه ، وحائطا للصواريخ ، وترسانة من الصواريخ المحمولة ، وخبرة قتالية لثلاث سنوات ونصف السنة من الاستزاف"، ومخططاً أولياً للعبور . ولما بدأت الثورة المضادة بزعامة السادات فى 15 مايو 1971 ، وجدت أمامها ذلك كله ، وترددت كثيراً في اتخاذ قرار بخوض المعركة مع العدو الإسرائيلي، ثم حزمت أمرها-مرغمة- لخوض (حرب تحريك) على وقع مظاهرات الطلبة فى فبراير 1972 وندائهم الأثير مع الشاعر والمغنّي:
( رجعوا التلامذة ياعمّ حمزه للجدّ تانى .. يا مصر إنتِ اللى باقية و إنتِ قطْف الأمانى..)
(مصر يامّه يا بهيّة .. يامُّ طرحه وجلابيّه.. الزمن شاب وانتِ شابّه.. هوّه رايح وانتِ جايه).

وقامت الثورة المضادة بإعلان استراتيجية مضادة قوامها أن (90% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا) وفق ما قال من قال ، وسرعان ما قام بالاستغناء عن الخبراء السوفييت ، بعد أن لم يعد لوجودهم لزوم، وقاموا بمهمتهم على أكمل وجه، كما يقولون .

وبعد أكتوبر 1973 دار الزمن دورته فى مصر والمنطقة العربية، بدون السوفييت . ولكن أثر ثورة أكتوبر الاشتراكية ما زال قوياً جلياً ، ومجْلجلاً ، فى تاريخ العالم والمنطقة العربية ومصر .. وإلى زمان قادم بعيد . ويبقى أنه لا يصّح إلا الصحيح من ثم، فى مصرنا العزيزة وفي وطننا العربى الكبير: الخيار الاشتراكى ، وخيار العروبة ، وخيار اليسار الاشتراكى – العروبى ..
فإلى الأمام باليسار. و من هنا نبدأ.



#محمد_عبد_الشفيع_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوريا الشمالية وما بعد: ماذا عن إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط؟
- الشرق أوسطية إذْ تعود مجددا: المسارات البديلة للعلاقات الاقت ...
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ...
- هل نحن على ابواب حرب تجارية عالمية حقا؟
- الحضارة الجريحة..وكيف نستعيد قوة الدفع الذاتية؟
- جدليات العولمة فى ظل اللاعولمة


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- الإنسان يصنع مصيره: الثورة الروسية بعيون جرامشي / أنطونيو جرامشي
- هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات ... / عبد الرحمان النوضة
- بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا / مرتضى العبيدي
- الحركة العمالية العالمية في ظل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر / عبد السلام أديب
- سلطان غالييف: الوجه الإسلامي للثورة الشيوعية / سفيان البالي
- اشتراكية دون وفرة: سيناريو أناركي للثورة البلشفية / سامح سعيد عبود
- أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول) / علاء سند بريك هنيدي
- شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهاز ... / ابراهيم العثماني
- نساء روسيا ١٩١٧ في أعين المؤرّخين ال ... / وسام سعادة
- النساء في الثورة الروسية عن العمل والحرية والحب / سنثيا كريشاتي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - محمد عبد الشفيع عيسى - ثورة أكتوبر الاشتراكية وحركة التحرر الوطني : الوطن العربي ومصر نموذجا