أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دريسي مولاي عبد الرحمان - زيارة خاصة














المزيد.....

زيارة خاصة


دريسي مولاي عبد الرحمان

الحوار المتمدن-العدد: 1500 - 2006 / 3 / 25 - 09:19
المحور: الادب والفن
    


الأعمار لا تقاس بالسنين,وانما بممارستها.ولكن عندما اتساءل عن قيمة هذه الممارسة في حياتي,اجد نفسي في مفترق الطرق.حياة ذات وقائع رتيبة’تخلق لي حالة من الهذيان والفوضى.احداث تاريخية وحتى يومية,اجد نفسي خارجا عن اطارها التاريخي.ترى من هو المسؤول عن هذه الحالة التي اصابتني?أهي نفسيتي الشارذة في اعماق المجهول.ام هو خلل تكويني النفسي الذي خلق لي حالة من عدم التوازن.ام أن الخوف والقسوة هما اللذان ولدا في الرغبة في الا نتحاب,ولما ايضا الانتحار.في لحظات نشوة عارمة,تعتريني أحاسيس من نوع خاص,فاحس اني حر وسوي وسعيد.ولكن لحظات السعادة تتلاشى وكانها غبار غسق,تنمحي خلاله الرغبة في الحياة,وحتى نشوة الحياة تخبو.وفي محاولة للاجابة على اسئلة تؤرقني في حياتي,وهي اسئلة مستمدة من الواقع المأساوي.كنت افضل زيارة القرية.وكنت اضع في برنامجي زيارة شخص عزيز علي لحدود الهوس.انها زيارة خاصة

انه عجوز طبعا.ليس من جيلي أبدا,عمره يناهز التسعين.وجه حليق بطريقة سيئة,وتقاسيم رسمتها ايادي السنون الطويلة على جبهته المنشرحة الأسارير.ظهره مستديرة وكانها قوس ينتظر لحظة حاسمة ليطلق رمحه الأخيروتاركا وراءه عالما حافلا بالسكون والذكرىوقمة البساطة.جلباب رث يلفه حول جسمه النحيل ويظهر من خلاله شبح أدمي,عنقه ذو أوردة دموية تنبض حياة واستمرارية تفاوم الحياة-دائما كان يقول لي الموت سهل المنال,لكن الحياة صعبة للغاية.فاما ان تكون او لا تكون- كل ما يدهشني ويستوقفني عند هذا العجوز,هو طيبوبته الخالصة.وقدرته ايضا على مقاومة الرتابة التي يعيشها في هذا الفضاء النقي,بعيدا عن غوغاء المدينة وحركيتهاالمزعجة.انه يعيش وحيدا في منزل منعزل عن بقية دور القرية,غرفة ينام فيها وتضم في جنباتها كل مستلزماتهالضرورية,والغرف الأخرى عبارة عن اوكار للارانب والدجاج وحظيرة للاغنام.رائحة مميزةوعبقة تنشرها هذه الكائنات الصديقة التي تلازمه منذ زمن طويل.لا يمكنه الاستغناء عنها,ولا هي كذلك.في محاولة منه البقاء وفيا لها.لأنها تضمن أنسه وتحقق له شرط وجوده اليومي من أكل طبيعي يعطي له المناعة لمقاومة الحياة والأمراض معا.عندما تلملم الشمس أشعنها معلنة عن نهاية يوم حافلبالهدوء,يقوم العجوز بمراقبة الغرف الاخرى,ليتأكد على ان كل حيواناته اخذت امكنتها وخلدت للراحة

كنت أزوره منحين لاخر عندما اذهب الى القرية.السكان صغارا وكبارا ينادونه جدي.عندما التقي به,تهاجر ذاكرتي في رحلة الى الماضي.أشم فيه رائحة الأرض والأجداد والصفاء البدائي.كنت أحادثه,ولكنني أجد عناء كبيرا في اسماعه كلماتي.ان سمعه يشكو من غبار السنين الذي تراكم في اذنيه.ليس بسبب قلة الاغتسال,وانما لترك تلك العلاقة الحميمية التي تربطه بالأشياء التي تمت بالصلة للماضي البعيد.عينه اليسرى فقدت القدرة على الرؤية,أما اليمنى فحادة ثاقبة.يسالني عن أخباري فأجيبه بكلمات مختصرة

?كيف حالك يا بني
بخير ياجدي,لقد قدمت الى القرية البارحةووها انذا في زيارة حضرتك
كنت أقترب من اذنيه,ويداي ممسكتان بيديه,لعل الكلمات ستنقل عبر هذا الموقف الحميمي.قال مستطردا
منذ مدة لم تزرنا
اجل ياجدي,ولكن الحياة أخذت معظم وقتي.هناك ظروف تحول دون القيام بذلك
همهم ضاحكا,فلمحت أسنانه المهترئة متناثرة في فم ألف الصمت والسكينة
انتم جيل اليوم تبررون حياتكم بالوقت.انا في حياتي لم أعر الاهتمام قط للوقت,وعندما أسال عنه,احس ان الحياة توشك على النهاية
أحسست ان الجد يرغب في اقحامي في نقاش طالما كنت أهرب منه.جيل اليوم وجيل الامس-طز على جيلنا-وأحسست أنا بدوري بتلك الحالة التي ترافقني في في حياتي.حزن داخلي.وخلل نفسي يراودني كالعادة.قلت له وأنا أرفع صوتي
انها ظروف الحياة والعمل.وليست مسألة وقت اطلاقا
مازال الجد ماسكا بيدي,ويصر على ان يدخلني للبيت,ليحضر الشاي.اعتذر بحجة انني مستعجل,وانني ساتي لزيارته في وقت اخر,ولكنه يستميث مقسما على بقائي معه.وفي اخر المطاف استجيب لطلبه.الجد يستعد لطقوس احتفالية وسط فضاء تاريخي..ها هو جالس ارضا على حصيرة متاكلة الجنبات.قنينة الغاز قربه تماما.غلاي اسود تعوله قشرة سميكة من الدخان.يسكب الماء فيه بسرعة ويضعه على موقد الغاز.براد تداعت جنباته ولوازم تحضير الشاي بقربه.كنت ارقبه بنوع من الاهتمام.رغم السنين الطويلة التي قضاها وحده,فهو ينهمك في عمله كيفما كان بثقة كاملة.وماهي لحظات حتى يستديرنحوي حاملا البراد.يقوم بالبحث عن الاكواب.انها مغسولة ومصفوفة فوق الطاولة.يأخذ اثنان ويعيد غسلهما من جديد.يقترب مني ويقرب نحوه الصينية.اعتقد ان هناك حالة تربط هؤلاء الناس بالشاي اقرب الى طقوس عقائدية غريبة.يسكب الشاي وهو يشعر بنشوة لا تضاهى.ونحن نرتشفه ونتجاذب اطراف الحدث,يخبرني بكل ماجرى في القرية أثناء غيابي.رغم انه هرم فهو مازال يتابع اخبار ومستجدات سكان القرية.لقد مات فلان وتزوج فلان...في زياراتي السابقه له.كان يرؤي لي الأحداث التي وقعت في الوادي الذي بقرب القرية.كان فيها بطلا سحق العدو الفرنسي.في واقعة كانت رمز بطولة محلية.حتى البندقية التي الحقت الهزيمة بالفرنسين مازال يحتفظ بها معلقة على جدران الحائط كانها شاهدة على تاريخ مجيد.كنت انتظر ان يدخل في سرد حكاياته البطولية ولكنه فاجئني حين طلب مني أن أبحث له عن امرأة تقبل الزواج منهعلى أساس ان تقوم بتنظيم حياته المبعثرة وتحضر له الشاي والحساء.حكى لي انه في السنوات الاخيرة التي كنت غائبا عن القرية,تزوج من امراة تصغره سنا ولكن سرعان ما طلقها بدريعة انها تكثر من التجوال والخروج من المنزل.يقول ان نساء زمانه يختلفن عن مثيلاتهن اليوم وهو مبدئيا يكره ذلك.أعده على انني سأجد له واحدة من الطراز الذي يليق به.يهم ضاحكا وأقوم انا معلنا نهاية الزيارة



#دريسي_مولاي_عبد_الرحمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأساة
- الفكر اليومي العربي ومازقه التاريخي
- في حضرة الرائحة
- مونولوج داخلي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دريسي مولاي عبد الرحمان - زيارة خاصة