أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - عبدالفتاح ديبون - هل الجنس شرط في العلاقات العاطفية؟















المزيد.....



هل الجنس شرط في العلاقات العاطفية؟


عبدالفتاح ديبون

الحوار المتمدن-العدد: 1500 - 2006 / 3 / 25 - 08:54
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    


تقديم
تتبعت ما كتبه قراء جريدة الأحداث المغربية حول الملف أعلاه في سبعة أجزاء من 10 فبراير إلى 3 مارس 2005، وخلفت لدي ملاحظات وانطباعات، حفزتني إلى أن أنجز هذه القراءة، علها تساهم في ترسيخ المنحى العلمي، في نقاشاتنا وكتاباتنا. وتحفز شبابنا على التزود بالمعارف العلمية، بعيدا عن الكليشهات الثقافية والاجتماعية.
وتحقيقا لهذا الهدف، قسمت القراءة إلى ثلاثة محاور
المحور الأول حاولت أن أركب تركيبا أفقيا مجمل ما قدمه المساهمون.
المحور الثاني: عرضت فيه ما استنتجت من تلك الكتابات.
المحور الثالث: قدمت فيه تصورا للموضوع من منظور علمي وديني.



المحور الأول: نحو قراءة تركيبية


من جماع ما كتب في الملف، أمكنني أن أصنف مواقف المتدخلين إلى موقفين اثنين:
موقف يفصل الحب عن الجنس ووضعت له عنوان "الحب المثالي".
موقف يربط بينهما، وعنونته ب "الحب الحقيقي".



الحب المثالي



يتبنى جل المتدخلين هذا الموقف، مع تفاوتات نسبية في لهجة المطارحة، التي تتراوح بين الصياغة الهادئة، والصياغة الانفعالية الحماسية والخطابية، بين الاستقراء الواقعي، والتجربة الذاتية.

الجزء الأول: عدد 10 فبراير 2005
افتتحت الأخت فاطمة الدكالية هذا الملف بمداخلة عنوانها"الحب لا يبنيه الجنس وذووا العاهات الجنسية لا قلب لهم"، كانت لغة الحديث فيها خطابية، أقرب إلى الموعظة منها على المعالجة الموضوعية. تقول متحدثة عن واقع العلاقات العاطفية: "فكل العلاقات أصبح الجنس هو مفتاحها الذهبي وسيد الموقف فيها، فبدون ممارسة الجنس في اعتقاد البعض لا تحلو الجلسات. ألا تعففتم أيها الشباب (أيتها الشابات)، وتركتم الجنس جانبا وطهرتم العلاقات بينكم. قولوا لي بالله عليكم ألا تقدرون على الجلوس جنبا إلى جنب إخوانا، أصدقاء لا غير، لأن الجنس لا محل له من الإعراب في العلاقات بين الجنسين، إلا في إطار بيت الزوجية". وتستمر المتدخلة في لهجتهاالوعظية، مستمدة يقينها من علاقة عاطفية مرت بها، وكانت عفيفة خالية من الجنس، ومن ثم تريد أن تمنح هذا اليقين للقراء قائلة: "إخواني أخواتي استأصلوا من أدمغتكم الممارسة الجنسية لأنها لا تؤدي إلى نتيجة ترجى، ولأن الحب لم يرتبط بالجنس يوما ولا كانت له به صلة.. فالجنس يأتي بعد الزواج. واجعلوا من الحب شيئا مقدسا ، شيئا ساميا فوق كل ما تتصورون لأن به نحيى وبه نموت".
فضلت الأخت كلثوم النعيمي من البيضاء أن توجه كلامها في مداخلتها "المحب الصادق يترك الجنس إلى ليلة الدخلة"، إلى الأخت ابتسام صاحبة الموضوع، ولعل في العنوان ما يكشف عن المضمون دون إضافات، فعلى الشاب والشابة أن يؤجلا الممارسة الجنسية إلى يوم الزفاف ويضعاها في الحلال.

لم تضف الأخت حفصة من ورزازات جديدا في مداخلتها "الرجال لا يفهمون أن الحب أسمى من الجنس"، إلا أنها تبلغ من العمر 21 سنة وأنها مرت من تجربة عاطفية دون جنس، وأنها لن تقبل تجربة أخرى إلا إذا كانت مشروع زواج، وبذلك فإنها تريد أن تقدم حسن السيرة لكل فتاة تريد أن تنفتح على دنيا الحب العاطفي.

في مداخلة بعنوان "اشتراط الجنس في الحب مقدمة نحو التلاعب والفضيحة" حاول الأخ مصطفى جويهري من تيفلت أن يكون موضوعيا في طرحه بالإشارة إلى دراسات أجريت على أساليب الحب، دون أن يقول لنا من أجراها ومتى وكيف؟ من سوء حظه أن هذا الادعاء سيتهاوى كليا في الفقرة الثالثة حين نفى نفيا قاطعا الجمع بين الحب والجنس، يقول " لأن الربط بين الحب من جهة، والجنس من جهة ثانية حتى تكتمل العلاقة شيء غير مقبول أخلاقيا ولا دينيا ولا اجتماعيا ، باعتبار أن الحب عاطفة إنسانية نبيلة، اما الجنس فهو عملية آلية تجنى من ورائها المآسي والويلات والمشاكل المستعصية". والواضح أنه وجد في السرد ضالته فراح يعرض علينا ما يمكن أن يحدث أثناء العلاقات الجنسية وبعدها، منتهيا إلى خلاصة نسفت كل ما قاله سابقا، وربما نقلها دون أن يتأكد من علاقتها بالسياق "أن الحب قبل الزواج رواية.. وبعد الزواج تاريخ. إن خدع القلوب يظهر من كلمة على اللسان أو نظرة في العين".

الجزء الثاني ، عدد 15 فبراير.
لم نجد طرحا مغايرا، ولا رؤية جديدة للموضوع.
تحت عنوان الجنس يدمر الحب ويمزق الشرف كتبت الأخت نادية الذهبي من الرباط تعرف الحب على أنه "إحساس جميل نابع من القلب، روح أخرى أحياها الله بداخلنا، لتسعدنا لا لأن تدمرنا". ومن ثم لا يمكن أن يكون مقرونا بالممارسة الجنسية إلا "في حالة وجود الرباط المقدس ألا وهو الزواج". لأن الممارسة خارج هذا الإطار تعني فقدان البنت لشرفها، تقول "وبعد أن يقضي غرضه ويشبع من الجسد الأنثوي يرمي الحبيبة إلى الهامش ليبحث له عن فريسة أخرى ليلعب بها على هواه".

الأفكار نفسها عبر عنها الأخ عبدالقادر بوعسرية في موضوع تحت عنوان"الجنس ليس بالضرورة تعبيرا عن الحب". بالقول إن الحب والجنس لا يلتقيان خارج نطاق الشرع، وبأسلوب مثقل بالحمولة الدينية، راح يميز بين الحب والجنس قائلا: "الحب والجنس خارج الشرع لا يستويان، فالحب كلمة خفيفة على اللسان لها وقع على القلب جميل، سراج تضاء به ظلمة الحياة، البوح مع القدرة نعمة، وإلا فكتمانه وإن كان عاديا فهو رحمة... وأما الجنس خارج الشرع، فكلمة ثقيلة على اللسان، وقعها على القلب بغيض. نظرة حيوانية على المشاعر والعواطف، شهوة قليلة وندم وقلق طويلان ما بقيت الفتاة عازبة..". وبهذا ينزه المتدخل أن يكون موضوع الحب جسد المرأة "ومن يعتبره كذلك فهو قطعا يعتبر المرأة مجرد مادة تنتهي صلاحيتها بانتهاء ما يثير فيها شهوة الرجل".

في المنحى ذاته عنون الأخ عبدالرحيم الفراضي من الرباط مداخلته "الجنس مرفوض خارج الزواج"، موجها اللوم للآباء والأمهات الذين لا يفاتحون أبناءهم في هذا الموضوع، ولاينبهونهم لخطورته، كما يوجه النداء إلى كل المؤسسات والهيئات المسؤولة عن التربية والتأطير لكي "يتجندوا ويضعوا يدا في يد ويقفون وقفة رجل واحد للتحسيس بأهمية هذا الموضوع وبخطورته ونتائجه الوخيمة على صعيد الفرد والمجتمع".

حاولت الأخت خالصة من مكناس في مداخلتها "الرجال يحتقرون المرأة التي تمارس الجنس بلا زواج"، أن تقارب الموضوع من زاوية المعيش اليومي، وتحديدا من خلال تجربتها الذاتية، فالفتاة التي تمارس الجنس مع حبيبها سرعان ما تصبح ساقطة ويتخلى عنها بعد أن يقضي منها وطره تقول:"أتزوج من؟ فتاة ساقطة مثل ما منحتني جسدك ستمنحينه لغيري. وإذا أردت الزواج أتزوج بنت الناس". وبناء على ذلك تدعو بنات جنسها إلى رفض الممارسة الجنسية خارج الزواج، مستشهدة بتجربتها. تقول:"فأنا مثلا تعرفت على شبان كثر، وكانت النهاية الانفصال. والسبب دعوتهم لي للجنس. وهذا لأني أحترم نفسي ولا أحب أن يقال عني يوما فتاة ساقطة".

من ابن جرير نفى الأخ سعيد العتوبي في مداخلته "الشرف كالوردة لا تقطف مرتين"، ألف مرة أن يرتبط الحب بالجنس، بل ذهب إلى القول "إن الحب الحقيقي موجود بدون أن يرافقه الجنس"، دون أن يبين لنا أين يوجد وكيف؟

الجزء الثالث: عدد 17 فبراير
كتبت ل وديع من الرباط موضوعا بعنوان"ممارسة الجنس باسم الحب تؤدي إلى العزوف عن الزواج" أقرت فيه أن الحب "شجرة وثمرة تسقى بالجنس" لكنها استدركت قولها بأن المقصود بالجنس هو الجنس الحلال. وبذلك فالحب في نظرها يساوي الزواج. وكل ممارسة خارج إطار الزواج تعارضها قطعيا وتعتبرها "أفعال حيوانية شهوانية لا تقوم على مبدأ ولا تحتكم إلى عقل، ومصيرها حتما الضياع والزوال والفشل". وتنحدر في معالجتها إلى مستوى متدن وهي تنصح الفتيات قائلة" هكذا يجب أن تتعاملي أختي في زمن الذئاب، وهكذا يجب أن تتصرفي وسط زحمة من الكلاب.. ويجب أن تعلمي أختي أن الفتاة مثلها مثل الوردة تموت إذا ما اقتطفت وتذبل إذا ما اشتمت".

اختار الأخ سعيد الأطلسي من الصحراء المغربية في مداخلة بعنوان"لا للجنس خارج محرابه الشرعي"، أن يحمل رسالة إدانة لشباب اليوم، محملا إياهم ما نعيشه من انحلال خلقي ، يقول"لقد ساد الحب المغشوش، وعدم التناقض حياتنا وأصبح هذا الجيل جيلا بدون إرادة.. بلا أمل، جيل المغالطة، جيل الانحلال واللامبالاة.. استرخص العلاقات الماجنة تحت ظلام البصيرة وجزم بالترابط بين الحب والجنس كترابط إلزامي لا مفر منه".

"الجنسيون رجال لا يرون في المرأة سوى نصفها الأسفل" كتب محمد البغدادي من أصيلة، يبرئ بدوره الحب من الجنس، لأن الحب في رأيه شيء مثالي يبنى عليه عش الزوجية. الغريب أن هذا الرجل يقول هذا الكلام وهو مشرف على الثلاثين، وبعدما قضى عشر سنوات وهو يطارد الفتيات، يقول"والآن بدأت أفكر جديا في وضع حد لهذه المهزلة، فأنا مللت نفسي والمحيط الذي أنا أعيش فيه، فلا أجد مذاقا لهذه الحياة، فقررت إن شاء الله أن أتبع الطريق الصحيح، وإن أطال الله في عمري عند إتمام الثلاثين سوف أفكر في الزواج". وبكثير من الانتهازية يصرح أنه لن يتزوج فتاة "سبق لها أن مرت بعلاقة عاطفية معي أو مع أحد زملائي". ثم يتقمص دور الفقيه فيقول واعظا "أصدقاء هذا الملحق العزيز لنكن واقعيين ولا ندع غرائزنا تتحكم فينا ويجب أن نفكر بعقولنا قبل أحاسيسنا وجوارحنا ولا ندع غرائزنا تتحكم فينا، ويجب أن نفكر بعقولنا قبل أحاسيسنا وجوارحنا ولا ندع الفأس تقع في الرأس ونصبح على ما فعلنا نادمين، حين لا ينفع الندم بعد فوات الأوان".

الجزء الرابع:22 فبراير
حاول الأخ عبد الإله من البيضاء من خلال مداخلته "النساء يبحثن عن الجنس أكثر من الحب"، أن يوهمنا أنه بصدد الدفاع عن الموقف الجنسي للحب، خاصة وهو يعلن منذ البداية أنه بصدد الرد على الأخت حفصة من ورزازات، التي أشعلت غيظه كما قال، وجعلت نيران الغيرة تتدفق في عروقه، قبل أن نكتشف بأنه بصدد الانتصار للأخ ظالما أو مظلوما، وأعني هنا الانتصار للذكور، بعد أن انتصرت حفصة للإناث. وكل ما قاله أن النساء بتبرجهن، وسفورهن يبحثن في الحقيقة عن الجنس، ويستفززن الرجال لذلك. وهذه رؤية سطحية جدا للموضوع، يقول في هذا الصدد: "لو حاربنا التبرج والانحلال الأخلاقي والسفور.. ولو احترمت كل فتاة نفسها وشرفها وعزتها، وصدت كل واحدة جنسا خشنا مرة أولى فثانية وثالثة، فأنا متأكد أعزائي القراء أنه لن يبقى ما نسمع عنه الآن من خيانة وتلاعب بالمشاعر والأحاسيس النبيلة ولوجدنا علاقة حب حقيقي حب الروح للروح أو عطاء دون أخذ".

الجزء الخامس:24 فبراير
لم يكف مصطفى جوهري من الخميسات ما كتب قبله في الموضوع، فأضاف إلينا مداخلة بعنوان "ممارسة الجنس تجعل الحب مغامرة في بحر المخاطر"، تقمص فيها دور الفتاة العفيفة، في الوقت الذي كان عليه أن يذكر لنا على الأقل تجربته الشخصية، وهل يمارس الجنس أم لا؟ وأين يصنف نفسه ضمن التقسيم الذي اقترحه؟ هل هو "محب جنسي" أم "محب مثالي". أقول هذا الكلام لأنني لا أجد مسوغا يدفعه إلى أن يتحدث باسم الفتيات ويدافع عنهن، بينما هو يوجد نظريا في الاتجاه المعاكس. لنستمع إليه وهو يمطر فتاته بسيل من النصائح فيقول: "أن تحبي آنستي يعني أن تخاطري بنفسك وجسدك وروحك وشرفك ومستقبلك وحياتك، وأعني الحب الذي يؤدي إلى انكسار العلاقة جراء الممارسة الجنسية المراهقية.. فإذا أحكمت فتاتي حماية نفسك وشرفك وجسدك من آلام الحب الزائف فأنت بذلك تجعلين من المستحيل أن ينال منك أي طرف أو أطراف جنسيين".

بخلاف الأخ مصطفى، حاول الأخ عصام العيون من البيضاء أن يسوغ موقفه الرافض للجنس من منطلق أنه في علاقاته العاطفية لا يثيره الجنس، لولا أن الفتيات من يفرضن عليه ذلك، وهذه كذبة كبرى، لا أعتقد أنها ستنطلي على أحد، لنستمع إليه في هذه الشهادة: "وحتى عندما أحاول تكريس مفاهيمي النبيلة في العلاقة مع الفتاة تأتي هذه الأخيرة لتعلن لي بكل جرأة ووقاحة أني أعبث، وأن الجنس غاية ما تصبو إليه لتدفعني بالتالي إلى التفكير في خوض غمار ما اقترحته".


الجزء السادس: 1 مارس
عاد الأخ مصطفى جويهري من الخميسات، مرة أخرى، وفي المكان نفسه من الجريدة، ليقول الكلام ذاته. أما لماذا؟ فلا أرى أن هناك داعيا للكتابة إلا الرغبة في النشر، حتى ولو كان الكلام بدون فائدة. فقد أمطر الفتيات، مشكورا، بسيل من النصائح، في العدد الماضي، ثم عاد ليكرر النصائح ذاتها، لكن بلغة جامعية هذه المرة، وتقليدية، إنشائية، بكل أسف. فشباب اليوم لم يعد يطربهم بوب مارلي، ولا جاك بريل كما كتبت. قد يكون هذا، ذوق الجيل الذي أنت منه، أما شباب اليوم فيطربهم الهارد روك والراب. أما ماعدا ذلك فلم أجد ما أستشهد به لتقديم مداخلتك، فالكفاية في ما مضى.

أما الأخ خالد البورحيلي من سيدي قاسم، فقد فضل في مداخلته "رجالنا يعانون من هلوسة جنسيةتحجب العقل وتغلق الأبصار" أن يعود بنا سنوات إلى الوراء. ففي رأيه أن طرح الموضوع للنقاش عديم الجدوى، ما دامت الأمور في نظره "واضحة أكثر من الوضوح نفسه، ولا تحتاج إلى تفسير، ولا إلى توضيح، ولا حتى إلى فتاوى..". بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين اعتبر السؤال والرد كارثتين ومعضلتين. من حسن حظنا، أنه عاد ليستدرك أن الموضوع أصبح واقعا معيشا. ثم لكي يؤكد أن "الأمر أصبح شيئا طبيعيا في مجتمع مغربي أصبحت عنده العلاقات العاطفية والجنس هواية أو حرفة يمارسها في السر والعلن، بل أصبحت هذه العلاقات والممارسات أسهل من أكل البسكويت". أحمد الله أنك اعترفت يا أخي أن الحب والجنس صارا أمرا طبيعيا، أو بتعبير علماء الاجتماع، ظاهرة اجتماعية، وبالتعبير الفقهي قاعدة وليس شذوذا. ولعلك تعرف أن كل موضوع اكتسب صفة الظاهرة، إلا وينبغي البحث في أسبابها وتقديم حلول لها، لتأطيرها، وليس السكوت، كما تريد لنا يا عزيزي، لأن السكوت في مثل هذه الحالة، أشبه بالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، ظنا منها أنها حينما لا ترى أحدا فلا أحد يراها. من حسن حظنا أيضا أن الأخ خالد، قبل أخيرا أن يدلي بدلوه، في هذا الموضوع الكارثي على حد قوله. لكنه لم يضف جديدا، وكان من الاولى أن يقول أنا أؤيد الأخ فلان، الذي قال في الجزء كذا من الملف، عوض أن يعيد كلاما قيل سابقا.

القول نفسه أوجهه للأخت سناء من فاس، إذ لم أجد جديدا في مداخلتها "من يحب بصدق لا يطلب ممارسة الجنس". أما قولك "الجنس فيروس ينخر جسم العلاقة بين الطرفين" فكلام لا أساس له من الصحة. وأما دعوتك "دعنا نعيش كشباب من أجل مبدأ، ولنبني صرحا أساسه الحب الطاهر والإخلاص" فلا تعدو أن تكون حلما مثاليا لن يتحقق إلا في المدينة الفاضلة إن وجدت. أما أنا فأدعوك أن تكوني واقعية في تفكيرك وتطرحي الأسئلة بالصيغة التالية: كيف تتحرر الفتاة من لعنة الشرف التي تطاردها، ولا تطارد الفتى؟ ألا يمكن أن يكون هناك اجتهاد ديني لتأطير العلاقات العاطفية التي يعيشها شبابنا اليوم؟

أما الأخت أمال من مكناس فأدعوها أن لا تسدي نصائح إلا إذا كانت متأكدة من صحتها العلمية والدينية، أقول هذا الكلام لأنني وجدت كل نصائحك التي أوردتها في مداخلتك "الحب طهارة لا تقبل نجاسة الجنس" خاطئة. فقولك "إذا كان كل واحد قد طلب منك ممارسة الجنس فهم لا يحبونك" قول خاطئ علميا. وقولك "وسيظل (الحب) طاهرا إلى آخر ثانية في عمرنا" قول مجانب للحقيقة التاريخية، إذ لا وجود لحب طاهر بين رجل وامرأة، إلا في حالات شاذة، والشاذ لا يقاس عليه، كما يقول الفقهاء. وأما نداؤك: "أرجو أن يتصرفوا (الشباب) بطريقة رجولية، لأننا في زمن ولت فيه كل الصفات الرجولية الحقيقية" قول لم أفهم قصدك منه. فرجولة الرجل في مثل هذه المواقف في فحولته، أما ما عدا ذلك فهو أشبه بالفتاة. أليس كذلك؟

لا أجد وصفا لمداخلة الأخت نجاة من طنجة بعنوان: "طالب الجنس لا يستحق الحب" إلا وصف المثالية. فهي تعتبر الممارسة الجنسية قبل الزواج خيانة للزوج المستقبلي! وهذا اجتهاد لم يقل به حتى ابن تيمية. ثم تضيف في تصوراتها المثالية قائلة: "نعم، على كل فتاة أن تحافظ على طهارة جسدها، أن تحافظ على شرفها، وليس الشرف هو غشاء البكارة، بل الشرف هو أن تحافظ على عذرية كل جزء من جسدها، وتحافظ على نقاء مشاعرها للرجل الوحيد الذي يستحق ذلك وهو زوجها. جسدها، مشاعرها، كل ما فيها أمانة عندها". لتعلمي أختي أن معدل الزواج في صفوف النساء، في مغرب اليوم، هو 30 سنة، حسب الإحصاء الأخير، وأن حالات الطلاق في ارتفاع مستمر. إذن أنت والحالة هذه، تدعين الفتاة، أن تصون جسدها ثم تنتظر غودو، الذي لن يأتي أبدا. صحيح أن جسدنا أمانة، ينبغي صيانته، كما لا ينبغي حرمانه من متعة جعلها الله فيه. وسنحاسب على ذلك. ومن ثم يجب النضال من أجل حلول شرعية، ومواجهة الرهبانية القسرية التي فرضت على الأجيال المعاصرة من الشباب المسلم.

إذن كان من الأولى أن توجهي الدعوة إلى الفتيات على الشكل التالي:
-إن تحمل الفتاة مسؤولية الشرف وحدها، مسألة في غاية الظلم. لماذا نفرض على الفتاة صيانة جسدها باسم الشرف، في حين نعفي الفتى من هذا المطلب؟
-إن انتظار الزواج لكي تمارس الفتاة الجنس، أصبح حلما أكثر منه واقعا. ولذلك كان من الأجدر أن تتساءلين عن كيفية إيجاد إطار شرعي يضمن للفتاة ممارسة حقها الجنسي، دون انتظار سن 30 إن هي تزوجت.

الجزء السابع: 3 مارس
حمل هذا الجزء من الملف مداخلتين من مدينة شفشاون لثلاثة ذكور هم أحمد الحبوسي ومحمد الحبوسي ومحمد عبده. المداخلة الأولى بعنوان "الجنس خارج الزواج إعدام للحب" والثانية بعنوان "الحب تضحية والجنس عطاء". كلا المداخلتين لم تحمل جديدا، اللهم تعابير إنشائية مدرسية عن الحب، وأحكام مطلقة لا أثر فيها للمعرفة النسبية. لننظر في هذه الفقرة التي جاءت في المداخلة الأولى، يرد فيها صاحبها على أولئك الذين يعتبرون الجنس أساس العلاقات العاطفية: "اعتقادكم لا أساس له، هو خاطئ وبعيد عن الصواب بنسبة 200 من المائة وأكثر.. كلامكم مرفوض.. لا يسمع. معدل أخلاقكم تحت الصفر، إنسانيتكم في رحلة اللاعودة. احترامكم مغمى عليه.. ولا أجد ما أقوله لهم سوى "الله يهديكم"! ". ولا أدري من أين اكتسب الأخ أحمد هذا اليقين العلمي ليطلق مثل هذه الأحكام؟ وكيف يتصرف هو مع الفتيات؟ وكيف يقضي حاجاته الجنسية؟

لم أجد ما أستشهد به من المداخلة الثانية غير شذرات جمعها الأخوان من هنا وهناك لتعريف الحب، مع حضور لافت لنزار قباني، يقولان في تعريف الحب "فالحب هو سر هذه الحياة. والحب أعمى، والحب نعمة، والحب عذاب وسهر وانتظار وشوق وعيش على أمل نظرة تسعدنا وتجعلنا نحلق في أجواء الأحلام والسعادة". ولكم أن تعلقوا.

اختار الأخ خالد خولطي من الرماني في مداخلته "لا تتذمرن من الجنس وأنتن الداعيات إليه" المسلك الهجومي، بوضع الكرة في مرمى النساء، لأنهن في رأيه المسؤولات عن انتشار الجنس بين الشباب، بلباسهن العاري، وحركاتهن الشبقية، وكل أشكال الإثارة التي تستفز الرجل، ولتجنب المشكل في رأيه، يدعو الفتيات إلى إيقاف حروب الجسد: "أوقفن هاته الحرب يا آنسات، واسترن أعراضكن واحرصن على طهارتكن ولا تجعلن أنفسكن موضع شفقة، غيرن طباعكن، واعلمن أن موضة التعري التي أصبحت بادية على أجسادكن ما هي إلا فتنة وفضيحة استوردناها من الغرب ولا نرضاها لكن".

لم يكف الأخ خالد البرحلي ما قاله في الجزء السادس من الملف، فتفضل بمداخلة ثانية بعنوان "أرفض تحرير الجنس بين رجل جوال وامرأة مستهترة" ارتأى فيها ، أن يرد على الأخت لبنى التي سأتعرض لمداخلتها في الموقف الثاني، وإذا كنت أحيي فيك، أخي خالد، غيرتك الدينية، فأنا في المقابل أدعوك، إن كنت حقا تخاف على دينك، أن تنظر إلى المستقبل لا إلى الماضي. أما التحليل والتحريم بناء على وقائع تعود إلى القرن الأول الهجري، فلا يقبل به عقل سليم. أنت تميز بين "الكائن والحاصل وبين ما يجب أن يكون ويحصل". الكائن برأيك هو هذا التجاوز للحدود الشرعية في العلاقات العاطفية. والممكن حسب فهمي لمداخلتك، هو التعفف، وانتظار مرحلة الزواج، اقتداء بالسلف الصالح. وهذا وهم. والفقهاء أنفسهم يقولون لا قياس مع وجود الفارق. وإذا كنا نسلم بأننا نحن مسلمي القرن الواحد والعشرين أننا نختلف، عن مسلمي القرن الأول للهجرة، لسبب بسيط أن بيننا أربعة عشر قرنا وزيادة الزمن بكل ما تعنيه من تحولات في كل شيء، فكيف تريد أن نتصرف مثلهم؟ هذا أمر لا يقبل به عقل سليم؟ إذن هناك خلل ما، ليس فيك أنت، كما أنه ليس في الأخت لبنى، مثلما أنه ليس في كل هذه الملايين من الشباب المسلم.

المحور الثاني: الحب الحقيقي
في مداخلة بعنوان"من غير لف ولا دوران.. الجنس أعظم تعبير عن الحب" بدا الأخ كمال فصيح من فاس مدافعا عن الاتجاه الثاني بقوله "فالعلاقة الجنسية التي لا مناص منها بين كل عاشق وحبيبته هي أعظم تعبير عن الحب، فأما الفتاة التي لا تقبل إقامة علاقة مع حبيبها فهي في الواقع لا تريد التعبير عن الحب". لكنه يعود ليتراجع عن هذا الطرح الجريء، ليحصر مفهوم الحبيب في الزوج المستقبلي أما ذلك العابر الذي سماه "المياوم" فيحدر الفتاة منه إن هي فقدت معه شرفها. وبذلك وضع الموضوع في عنق الزجاجة حين ربط الممارسة الجنسية قبل الزواج بالوفاء، ومن ثم يكون عاد من حيث لا يدري إلى الطائفة الأولى.
كان علينا أن ننتظر عدد 22 فبراير لنقرأ للأخ علي من الداخلة مداخلة بعنوان "لنكن صرحاء فالجنس رفيق الحب في الدرب" أعتبرها جريئة في طرحها، وإن كان صاحبها متمردا بشكل عدمي، على الضوابط الدينية. وهنا أريد أن أقول للأخ علي بأن التمرد الأعمى، مثله مثل التقليد الأعمى، لا يصنعان المستقبل أبدا، وإنما التفكير العقلاني المبني على معطيات وحجج. صحيح أنك أردت أن تتناول الموضوع من منظور واقعي "دون أي نفاق اجتماعي أو اجترارات التقاليد أو امتدادات الماضي المتزمت"، لكنك تخندقت في الطرف الأقصى من الزاوية، حين تجاهلت وجود ضوابط دينية تؤطر النشاط الجنسي الإنساني بقولك "إنه لا وجود لجنس حلال أو حرام"، بل هو موجود بنص القرآن والسنة، وإنكاره إنكارا لهذين المصدرين الأساسيين في الدين الإسلامي. أتفق معك في قولك "وللأسف أختي ابتسام هناك تعقيدات دينية وثقافية تضفي بحمولتها على هذا النشاط الجنسي الآدمي، وتنعته بانه حرام، وحرام أن يمارس خارج نطاق الزواج. فماذا إذا لم يتحقق الزواج؟ ماذا إن صدئت مفاتيح القفص الذهبي؟ أو أنها ليست في المتناول؟ هل نظل ننتظر ونحرم من لذة الجنس؟". نعم هناك تعقيدات، كما أن تساؤلاتك مشروعة تماما، ولكن نحن من يتحمل مسؤوليتها، لأننا لا نناضل من أجل إسلام لنا لا إسلام القرن الأول الهجري.

أعيب عليك أيضا، خطابك التعميمي، المجانب للنسبية العلمية، مثل قولك "وأنا هنا أتحدى أي واحد في الوقت الحاضر لا يقر في نفسه أن الحب هو الجنس". أيضا أعيب عليك لهجة التعالي التي ضمنتها مداخلتك، مثل قولك "وسعيا مني إلى أن أنقل شعلة المعرفة الجنسية بصفة عامة من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل"، هذا مع العلم أنك لم تقدم أية معرفة، لا قديمة ولا جديدة، وإنما انطباعات وملاحظات من صميم الواقع المعيش.
ما عبر عنه الأخ علي نظريا، صاغته الأخت لبنى م من جنوب المغرب عمليا، انطلاقا من تجربتها الذاتية، وأنا إذ أحييها على الجرأة في الموقف السلوكي والتعبيري، أواخذها في الوقت ذاته، على الإفراط في التمرد، الذي قد يعصف بها إلى العدمية، وهي موقف سلوكي مرفوض قطعا.

لا أخفي أنني أعجبت بكثير من تعابيرها، التي تعكس رغبة كبيرة في خلخلة السائد، وإعادة التفكير في كثير من التقاليد التي صارت بمثابة المسلمات، بينما هي في الحقيقة استعارات وأكاذيب، اتخذت بحكم العادة صفة الحقائق.
من هذه التعابير قولها:
"إنني حرة في حياتي ومسؤولة عن كل تصرفاتي فثارت معي الغريزة الجنسية، واقتنعت بنفسي كفتاة من حقي أن أحب وأن أمارس الجنس، وأنه من باب السخافة أن أقمع هذه الغريزة وأحرم نفسي من هذه اللذة، وأنتظر إلى ليلة الزفاف لأمارس هذا الحق".
"وبالإنسان كتلة مشاعر وأحاسيس لا توقظها المادة ولا الجاه ولا الأكل الشهي، إنما توقظ بالممارسة الجنسية".
لا أملك إلا أن أحيي مداخلة " لا وجود لعلاقة دون عناق وقبلات" ل ميم باء على الطرح الواقعي للموضوع وإن كنت أعيب على صاحبها أو صاحبتها إخفاء الإسم. بينما الموضوع لا يحتاج كل هذا التخفي. لقد جاءت المداخلة حافلة بالاعترافات الصادقة، التي تدعو إلى التساؤل لا إلى التكتم، ومن هذه الاعترافات:
-استحالة كبت الحاجة الجنسية للإنسان، لتعدد وسائل الإغراء، وصعوبة الزواج.
-اعتبار التعفف والصوم، لمداراة الحاجة الجنسية، حلين لا علاقة لهما بالعصر الذي نعيش فيه.
-"هل الكبت الجنسي حل في حد ذاته في عصرنا الراهن هذا؟".
ما أحوجنا إلى هذه الجرأة، لدى شبابنا!





خلاصات واسنتاجات:


بناء على المعطيات السابقة يمكنني أن أبدي الاستنتاجات التالية:
-ساهم في هذا الملف 35 متدخل ومتدخلة، باحتساب المداخلة موضوع النقاش.

-تبنت 29 مداخلة الموقف الأول، بينما عبرت خمس مداخلات عن الموقف الثاني. أي حوالي واحد على خمسة. وهي نسبة تبقى مهمة في مجتمع محافظ دينيا واجتماعيا، كمجتمعنا، حيث تسود ثقافة شعبية شفوية توجه آلية السلوك الفردي، بشكل لا يقاوم.

-21 مداخلة كان أصحابها ذكورا، بينما كانت 14 مداخلة موقعة من لدن إناث. أي بنسبة الثلثين، وهذا رقم يثبت أن الفتاة المغربية لم تعد قارئة للجريدة فقط، وإنما مدافعة عن وجهة نظرها الشخصية، من خلال الكتابة، التي نعرف جميعا، غيابها كتقليد ثقافي في مجتمعنا، بين الجنسين معا.

-إن هناك نمطية في الرؤية للموضوع بين الجنسين، وفي كل المناطق المغربية. وهذا يعود إلى توحد المصادر الثقافية للشباب المغربي، التي تتجلى خاصة في وجود المذهب المالكي، والمدرسة الموحدة.
-إذا كان دفاع الفتيات عن الحب العفيف يبدو طبيعيا، انطلاقا من إكراهات سوسيوثقافية، فإن ركوب الفتيان نفس النهج (17 مداخلة) يبدو غير مسوغ إطلاقا، فهم من جهة يمارسون الجنس في علاقاتهم، وهذا بشهادة بعضهم، ومن جهة أخرى يدعون إلى التعفف وهذا نوع من الشيزوفرينيا، التي تسود واقعنا الاجتماعي والثقافي. كان حريا بهؤلاء أن يتحدثوا لنا عن حياتهم الجنسية، حتى نعرف من أي الأنواع هم.

-تحمل مداخلات الموقف الأول الجيل الحالي من الشباب، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، مسؤولية ما يقع، في حين كان من الأولى أن تتوجه بالنقد إلى كل المؤسسات المسؤولة عن التربية والتأطير لفشلها في إيجاد حل للعلاقات الجنسية قبل مرحلة الزواج.

-إن كل المداخلات تعكس الفراغ المعرفي لأصحابها، مما انعكس على المادة المقدمة، فكانت كلها من الكلام المعاد المكرور، وهذا يعود إلى استسهال هؤلاء الشباب للكتابة دون أن يكون لهم اطلاع على الموضوع المراد الكتابة حوله.

-إن جل المداخلات وقعت تحت سلطة الثقافة الاجتماعية التقليدية السائدة، باعتبارها ثقافة ذكورية، خرافية، تعتبر البنت مسؤولة عن الشرف العائلي، في حين تعفي الذكر من هذه المسؤولية.

-هناك تبخيس غير مفهوم للممارسة الجنسية، إلى درجة التعبير الحيواني، مع أنها ليست كذلك لاعلميا ولا دينيا كما سنرى لاحقا.

-هناك إجماع على أن الزواج هو تتويج لعلاقة الحب الصادقة، في حين أن الواقع يثبت أن الزواج هو نهاية الحب، وهذا يتجلى في نسب الطلاق المرتفعة، وكثرة الخائنين والخائنات من المتزوجين. ربما كان الزواج شرعنة للممارسة الجنسية، وليس الحب، وبين الأمرين مسافة كبيرة.

-كل المداخلات ترفع الحب إلى عالم المثل، بما يعنيه من قداسة ورمزية، وهذا يعود إلى ثقافة رسختها في المدرسة، بينما الحب لا يعدو أن يكون حالة كيميائية يعيشها الذهن الإنساني، كما سنرى لاحقا.

خلاصة القول: إن جل المداخلات لا تعبر عن تصورات جديدة في مقاربة الموضوع، ولا تضيف شيئا إلى الجاهز، ولا تحرض على طرح السؤال، وتأسيس فكر نقدي بناء يبحث عن حلول لمشاكل واقعية، بعيدا عن الكليشهات الثقافية والمعرفية.



هل الجنس شرط لوجود الحب؟

سأحاول في هذا المبحث أن أجيب عن السؤال من وجهة نظر علمية ودينية، حتى لا أدع مجالا، لكثير من المشككين، في الاستمرار في تغييب الحقائق البينة بذاتها.


من منطلقي علمي:

يتحقق الحب عبر أربعة مراحل:
1-الاستثارة: أي بوجود الطرف الآخر الذي يثير الذهن عبر حواسنا,
2-الإعجاب: بعد أن يوافق الدماغ وتحديدا منطقة الهيبوتالاموس، مركز إحساساتنا ومشاعرنا، على موضوع الاستثارة، بناء على عمل عضوي معقد.
3-الرغبة في الطرف الآخر، إذ لا وجود لإعجاب بدون رغبة.
4-الممارسة الجنسية لإشباع تلك الرغبة، وتحقيق الحب.
هكذا يتضح أن دماغ الإنسان لا يفصل الحب عن الجنس، وإنما الحب مقدمة للممارسة الجنسية. فنحن لا نقبل على شيء إلا إذا رغبنا فيه، ولا نرغب فيه إلا إذا كانت هناك حاجة بيولوجية. وهذه الثلاثية: الحاجة، الرغبة، الإشباع، هي التي توجه كل أنشطتنا الذهنية. عندما تتناقص مادة الغليكوز في الدم مثلا، يتم إشعار الهيبوتالاموس، مركز إحساساتنا في الدماغ، بذلك، فيقوم بتنشيط ميكانيزمات الجوع. ومن ثم تتشكل الحاجة البيولوجية إلى الأكل، فتتجدد الرغبة، بحثا عن الإشباع. كذلك الحب باعتباره ضرورة بيولوجية. غير أنه يجب التمييز هنا بين الرجل والمرأة.
الرجل كمي خطي، والمرأة نوعية غير خطية. الرجل يمارس الجنس لكي يحب، لأنه موجه باحتياطي التيستوستيرون، وهو في حاجة دائمة لكي يتحرر من ثقله. ولذلك لا نستغرب أن نجد الجندي فور عودته من الحرب، يبحث عن الممارسة الجنسية. إنه يقوم بذلك، لكي يستعيد نشاطه، لكي يشعر بالثقة بالنفس والأمن الداخلي. والرجل خطي لأنه في ممارسته الجنسية يكون هدفه القذف، لكي تتكلل العمليةـ في رأيه، بالنجاح.
المرأة على العكس تماما، يجب أن تحب لكي تمارس الجنس، يجب أن تشعر بالأمان أولا. والجنس عندها، ليس عملية ذات بداية ونهاية، بل هو نشاط مفتوح، ومتعة لا نهائية. إنه أشبه بعملية التسوق, تجول المرأة كل المحلات، قد تشتري، وقد لا تشتري. كذلك هي في الحب. تفضل أن يكون بدون ممارسة، وإذا وجدت فتفضل ألا تتجاوز الهمسات واللمسات والمداعبات.
من هنا أكون قد أجبت عن سؤال ربما تبادر إلى الأذهان:
لماذا نجد حالات من الحب دون جنس؟
هذه الحالة موجودة لدى المرأة بكثرة:
إما لأنها لا تشعر بالأمان.
إما لأنها لا تجد الشروط الدنيا لممارسة جنسية مقبولة
إما لأنها خاضعة لسلطة خارجية، دينية أو اجتماعية.
أما بالنسبة للذكور فيبقى الأمر مستبعدا، إلا إذا كانت هناك أشياء غير طبيعية: كالشعور بالخوف والخجل، وإما خضوع الشاب لسلطة خارجية، دينية أو اجتماعية، وإما لعجز جنسي، وإما لخلل هرموني.
وبعد:
أرجو أن يتأمل شبابنا جيدا هذه الخلاصات:
-الحب حالة ذهنية ولا علاقة له، بعالم المثل والخيالات كما يعتقدون.
-إن الجنس هو التحقق الفعلي لحالة الحب، كما أن الطعام هو الإشباع الفعلي لحالة الجوع.
-إن إصرار الشاب على ممارسة الجنس اثناء الوقوع في الحب أمر طبيعي، بالنظر إلى تكوينه البيولوجي.
-إن إصرار الفتاة على تأجيل الممارسة الجنسية أمر طبيعي أيضا، وعلى الشاب في مثل هذه الحالة أن يهيئ لفتاته الظروف المناسبة لكي تقبل على الممارسة.
-إن الزواج، من منظور قانوني، لا علاقة له بالحب، الزواج مؤسسة اجتماعية تشرعن الممارسة الجنسية، وتنقلها من قوة الحب إلى قوة القانون. فالمرأة التي لا تمارس الجنس مع زوجها، دون عذر قانوني، هي خارجة عن قانون هذه المؤسسة، وكذلك الرجل. أما أن يكون ذلك عن حب أو لا فذلك لا يهم.

من منظور ديني:
غالبا ما وجدت أن المساهمين في هذا الملف فضلوا أن يكون الحب عفيفا غير مقرون بالجنس، بدعوى أن الممارسة الجنسية في مثل هذه الحالة، محرمة شرعا لأنها زنا. بينما كان من الأولى أن يطرح الموضوع، طرحا جديدا، مغايرا للتصورات الفقهية التقليدية. لأننا أصبحنا أمام حق إنساني، حق الشاب في الممارسة الجنسية، ومعلوم أن الإسلام، يمنح الحق أولا، ثم يأتي العقاب ثانيا. وليس العكس. ومن هنا يجب أن يكون منطلقنا في النقاش.

حب وجنس

تعتبر الآية "وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا" من سورة يوسف، مدخلا مهما لمناقشة الموضوع. ومعنى الآية، أن الحب الجارف الذي لا مس شغاف قلب امرأة العزيز هو الذي أجج رغبتها في ممارسة الجنس مع يوسف عليه السلام. ومن ثم يكون الحب مقدمة للرغبة الجنسية كما جاء في الأية. غير أنه إذا أمكن الحديث، في النص الديني، القرآن والسنة، عن حب بلا حدود، فإن الحديث عن الجنس أو الجماع، كان مسيجا بضوابط شرعية هي على الخصوص الزواج بنوعيه الدائم والمؤقت، والتسري بالجواري. وبذلك قدم الإسلام بدائل متعددة لتأطير المسألة الجنسية، ولتحقيق العفاف الذي يعتبر قيمة راسخة في السلم الإيماني.

وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا
على الرغم من البدائل التي قدمها الإسلام، لتأطير المسألة الجنسية، فإن هناك فئة كانت غير مؤهلة للاستفادة من تلك البدائل، لأسباب اقتصادية وهي فئة الفقراء من الشباب المسلم، وهي المعنية أساسا بالنصوص الدينية التي تطرقت إلى الموضوع، وأهمها:
الآية 33 من سورة النور: "وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله".
الحديث النبوي: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
مفهوم من الشاهدين معا أنهما يأمران من لم تكن له القدرة المالية على الزواج أن يتعفف. واعتقد أن الموضوع المالي لم يعد مطروحا، في الوقت الراهن، وإنما هناك متغيرات طرأت على الوضع العام في المجتمعات الإسلامية.
لقد كان التعفف أمرا ممكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولا: لأن الزواج لم يكن بالتعقيد الذي نجده الآن.
ثانيا: لأن الزواج المعروف لدينا الآن لم يكن هو الخيار الشرعي الوحيد، وإنما كان إلى جانبه التسري بالجواري، وزواج المتعة الذي تم التراجع عنه لاحقا.
ثالثا: لأن السياق الاجتماعي كان سياقا دينيا يساعد الفتى على التعفف.
رابعا: لأن الفارق الزمني بين العزوبة والزواج، لم يكن يتعدى أربع سنوات على أبعد تقدير.
هل هذه العوامل ما زالت مستمرة؟ كلا.
- تم إلغاء التسري، لأنه لم يعد مواكبا للمجتمعات الحديثة.
-تم تحريم زواج المتعة، أو الزواج المؤقت بتعبير أصح.
-تباعدت المسافة الزمنية الفاصلة بين العزوبة والزواج، لأسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية.
فما هي الحقوق الجنسية التي منحناها لشباب اليوم؟ هل من المعقول أن نطلب من شبابنا أن يصوم 14 سنة حتى لا يسقط في المحرمات؟
إذن: من يتحمل المسؤولية؟
إنها المؤسسات المسؤولة عن التأطير الديني والاجتماعي والثقافي والسياسي للشباب. لا يمكن تغييب الحق الجنسي عن دائرة المساءلة والتفكير. لأن من شأن ذلك أن يترك المجال مفتوحا للتسيب والفساد، وهو ما نلاحظه اليوم.
ما هي البدائل المقترحة؟
أعتقد أن الزواج المؤقت يعتبر حلا إسلاميا رائعا لاحتواء المسألة الجنسية، وذلك للأسباب التالية:
أولا: لأنه بديل شرعي عن العلاقات العاطفية الخفية التي نراها اليوم. فقد كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن اليوم أحوج إليه.
ثانيا: لأنه ينقل العلاقات الإنسانية من طابع النفاق الاجتماعي، والسلوك الازدواجي، إلى الوضوح وهو شرط صحي لمجتمع سليم.
ثالثا: لأن الزواج المؤقت يناسب الفئة العمرية من الشباب، فهو لا يشكل حاجزا ماليا ولا اجتماعيا.

أخيرا أدعو كل القراء إلى تأسيس أرضية سليمة للنقاش البناء، من أجل إقرار الحقوق الجنسية للشباب.



#عبدالفتاح_ديبون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خدعة بيداغوجيا الكفايات
- كيمياء الحب
- حقا أنت لا تفهمني: قصة التعايش الصعب بين المرأة والرجل


المزيد.....




- السعودية.. فيديو دموع امرأة مغربية في الحرم ردا على سؤال يثي ...
- شاهد..امرأة في مصر تؤدي دور المسحراتي خلال رمضان وتجوب شوارع ...
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة والإعل ...
- صلة رحم.. معالجة درامية إنسانية لقضايا النساء
- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة رغم ان ...
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام السجينات في مراسم خميس العهد ...
- السعودية رئيسا للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 2025
- انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط ...
- -اكتشاف هام- يمنح الأمل للنساء المصابات بـ-جين أنجلينا جولي- ...
- ما حقيقة مشاركة السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون بالمكسيك ...


المزيد.....

- الجندر والجنسانية - جوديث بتلر / حسين القطان
- بول ريكور: الجنس والمقدّس / فتحي المسكيني
- المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم / رشيد جرموني
- الحب والزواج.. / ايما جولدمان
- جدلية الجنس - (الفصل الأوّل) / شولاميث فايرستون
- حول الاجهاض / منصور حكمت
- حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية / صفاء طميش
- ملوك الدعارة / إدريس ولد القابلة
- الجنس الحضاري / المنصور جعفر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلاقات الجنسية والاسرية - عبدالفتاح ديبون - هل الجنس شرط في العلاقات العاطفية؟