أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - بين رفض التدخل الأجنبي والعداء للخارج















المزيد.....

بين رفض التدخل الأجنبي والعداء للخارج


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 1500 - 2006 / 3 / 25 - 09:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الصراع الدائر اليوم في معظم بلدان العالم العربي من أجل التغيير، برزت إشكالية العلاقة بين العوامل الداخلية والخارجية كما لم يحصل في أي تجربة تحول ديمقراطي من قبل. والسبب في بروز هذه الإشكالية هو الطبيعة الاستثنائية للتدخل الخارجي الذي تعرضت له بعض بلدان المنطقة، كما حصل في أفغانستان والعراق من جهة، والضعف الذي تعاني منه قوى التغيير الداخلي من جهة أخرى. فبقدر ما يشجع هذا الضعف على التطلع نحو مزيد من الدعم الخارجي لحركة الاصلاح يجعل النخب الحاكمة تدرك بشكل أكبر خطر الضغوط الخارجية، التي يدفعها الخوف من عواقب الانسدادات لطويلة الحاصلة، وما تخلفه من حصر وضغوط داخلية تهدد بالانفجار، إلى العمل لأول مرة لصالح التغيير، بعد أن عملت لعقود طويلة لصالح الاستقرار وتطمين النظم والقوى الحاكمة. وهكذا لم يكن من المستغرب ولا من غير المتوقع أن تعمد النخب العربية الرسمية إلى تركيز النقاش حول الاصلاح والتحول الديمقراطي حول مسألة الضغوط الخارجية، وأن تجعل من وقف هذه الضغوط ومن رفض قوى المعارضة التعامل معها قاعدة لاستراتيجية جديدة للحفاظ على الوضع القائم. فهي تأمل أن تضرب من خلال ذلك عصفوين بحجر واحدة: تحييد الضغوط الأجنبية عن طريق إثارة المشاعر الوطنية والقومية المعادية للتدخلات الأجنبية، وعزل قوى التغيير الداخلي عن حلفاء محتملين لها في مهمتها الصعبة من أجل تعديل موازين القوى والتأثير على مجريات الأحداث في ساحة عملها الوطنية. وبتحررها من الضغوط الخارجية والداخلية تستطيع السلطات القائمة أن تضبط مسيرة التغيير على رزنامتها الخاصة، أي بما يضمن لها إعادة تسويق نفسها في النظام العالمي الجديد والاندماج في السوق العالمية، من دون أن تضطر إلى تقديم تنازلات للمجتمعات. وهو ما يعني في الواقع ضمان قدرتها على الانتقال من نظام الاقتصاد المغلق إلى نظام السوق الجديدة، مع الاحتفاظ بالاحتكار الكامل لعوامل السلطة والثروة والمعرفة معا، وبالتالي لموقعها الاجتماعي المتميز والمتفوق، الذي حولها بالفعل إلى طبقة أرستقراطية.
ومن الواضح أن النخب الحاكمة قد نجحت إلى حد كبير، من خلال استغلال تمسك الرأي العام العربي الشديد بمباديء الاستقلال والسيادة ورفض الارتهان لمصالح أجنبية، في تحويل التدخلات والضغوط الخارجية إلى قميص عثمان، والاستفادة من التلويح به لتبرير الهرب من عملية التغيير والاصلاح. وهكذا جعلت منه أداة لابتزاز سياسي دائم يهدف إلى عزل قوى المعارضة الديمقراطية عن الخارج وحرمانها من إمكانات التضامن العالمية حتى يسهل عليها حصارها وانقيادها. واستخدمت المطابقة بين التدخلات الأجنبية وكل ما له علاقة بالخارج، وسيلة لإحداث قطيعة نفسية وسياسية كلية بين الشعوب العربية والمجتمعات الأخرى، ومنطلقا لتعبئة مشاعر عصبيوية بدائية ترفض أي تعاون خارجي، باسم خصوصية ثقافية تجمع بين التجريد المطلق والعبثية السياسية.
يشكل الخلط بين ما هو خارجي، مهما كان، وما هو أجنبي معاد وعدو، ووضعهما في سلة واحدة، خطأ فكريا وسياسيا كبيرا، على المدى المنظور والبعيد معا. فبتغذيته مشاعر الخوف واليأس والانطواء على النفس، وتشجيعه على التشكيك بكل ما يأتي من الخارج، واتهام من يختلط به أو يتعامل معه بالانتماء للأجنبي والانحراف عن الفكرة الوطنية، يهدد هذا الخلط قدرة المجتمعات العربية على التعامل مع العالم والنجاح في الدفاع عن مصالحها فيه. ولا يمكن لأي دولة ولا أي وطنية أن تعيش في هذا العالم مع الاحتفاظ بمثل هذا التعميم الفاسد ومن دون التميز بوضوح بين خارج وخارج. فإذا كان هذا الخارج مليء بالفعل بالقوى التي تتبع سياسات استعمارية، فهو غني أيضا بقطاعات واسعة من الرأي العام والهيئات والمنظمات الدولية التي تؤمن بقيم التضامن والحرية والعدالة والمساواة، وتدافع عن مباديء التعايش السلمي والتبادل المثري. وإلى جانب المنظمات والتحالفات العدوانية التي تطبق المعايير المزدوجة، هناك العديد من الهيئات والمنظمات المدنية التي تعنى بقضايا الشعوب الضعيفة والمضطهدة وتدافع عن حقوق الانسان وقيمها الأصيلة، التي يشكل ضربها أو التنكر لها خسارة إنسانية كبيرة. ولا نستطيع أن نطلب من العالم أن يقف إلى جانب قضايانا العادلة إذا كنا نرفض بالأصل هذه المباديء. وإذا لم يكن بوسعنا استيعاب مفهوم الحق في التضامن عندما يتعلق الأمر بدعم قضايانا فسيكون من الصعب علينا أن نمارس مثل هذا الحق إزاء الشعوب الأخرى المنكوبة التي تحتاج إلى مساعدتنا. وستكون النتيجة خروجنا نحن أنفسنا عن معايير الإنسانية التي نشكو من هدرها من قبل أعدائنا، وبالتالي خروج مجتمعاتنا عن مباديء الحق والعدل والانسانية.
وبالمثل، إذا لم يكن العالم أو الخارج مكونا من حكومات فحسب وإنما هو غني بالقوى والهيئات ذات الأهداف الإنسانية، فليس جميع الحكومات في العالم ذات نوايا عدوانية، لا تفكر إلا في حرمان الدول الضعيفة من السيادة ونزع الاستقلال عنها ونهب ثرواتها الباطنية. فإلى جانب الحكومات والدول التي تحمل في سياساتها مشاريع استعمارية أو هيمنية هناك حكومات ودول تسعى إلى تحقيق مصالح مشروعة وطبيعية وتنحو في تعاملها مع غيرها نحو الالتزام بقواعد قانونية تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة والمصالح المشتركة. وإذا كان من الضروري أن نرفض التعامل مع الحكومات الأولى، ونتصدى بكل ما أوتينا من قوة لمشاريع هيمنتها الإقليمية والدولية معا، فمن واجبنا بالمقابل أن نعمق تفاهمنا ونوسع دائرة تعاوننا مع جميع القوى العالمية التي تدافع عن القيم الانسانية التي نشارك فيها، والتي تؤمن بأهمية بناء عالم جديد قائم على الندية والمساواة بين الشعوب واحترام الآخر. وليس علينا أي حرج في أن نستفيد من تضامن تلك القوى، على مختلف أشكاله، وأن نشكل معها أيضا منظمات ومؤسسات لفرض القيم المشتركة والدفاع عنها على الساحة الإقليمية والدولية. وربما وجدنا في الخارج، أي في العالم، شركاء من الأطراف والقوى التي تدافع معنا، ضد مشاريع الهيمنة الاستعمارية التي تتعرض لها بلادنا، أكثر بكثير مما نستطيع أن نراهن عليه من قوى داخل بلداننا العربية نفسها، بل داخل أقطارنا، التي أفقرت سياسات التخريب والتفتيت والعزل والإضطهاد التي تمارس عليها علاقاتها الانسانية وتكاد تودي بما تبقى لها من قيم المدنية الحقيقية.
لا ينبغي أن نسمح للصراعات السياسية الداخلية أن تقودنا إلى حالة من الاحباط القومي التاريخي يهدد حاضر مجتمعاتنا ومستقبلها. فمن دون نظرة ايجابية للعالم نفقد نحن العرب، ذاتنا، كل معاني الانسانية، ونخرج كليا من دائرة السياسة والحياة الدولية، ونحكم على أنفسنا بالعيش في عزلة كلية، وفي ضائقة سياسية وفي حالة كفاف أخلاقية. ونهدد بأن نتحول، ونحول المجتمعات الأخرى التي نتعامل معها، في ذهننا أولا، ثم في الواقع فيما بعد، إلى وحوش تبحث عن فريستها في عالم أصبح كالغابة، لا روابط إنسانية فيه ولا قيم ولا مباديء ولا غايات ولا قواعد تجمع بين أطرافه.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعم الديكتاتورية باسم المصلحة القومية
- الانجرار وراء الحرب الحضارية ليس مصلحة إسلامية
- موارد التسلطية العربية
- وحش الاستبداد
- الخروج الكارثي للعالم العربي من الحقبة الوطنية
- محنة الوطنية في سورية والبلاد العربية
- عن العطالة السياسية في المجتمعات العربية
- لعنة الطائفية في المجتمعات العربية
- التاريخانية وترف التفكير في الديمقراطية العربية
- تعرية المعارضة السورية
- نحو نهاية النزاع السوري الأمريكي
- رد أخير وختام النقاش حول الليبرالية والديمقراطية
- رد على الليبراليين العرب
- سورية من دولة البعث إلى وطن جميع السوريين
- تحرير الديمقراطية من فلسفة الليبرالية شرط تعميمها
- في معنى قيادة حزب واحد للدولة والمجتمع
- بعد ربع قرن على صدور كتاب بيان من أجل الديمقراطية
- سورية والولايات المتحدة الأمريكية
- الحاجة إلى عقد وطني يؤسس لاجتماعنا السياسي والمدني
- في ضرورة تجاوز القطيعة بين أصحاب الرأي وأصحاب القرار


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - بين رفض التدخل الأجنبي والعداء للخارج