لماذا كانت ظاهرة التكرار فى القرآن؟

طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5927 - 2018 / 7 / 8 - 14:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لماذا كانت ظاهرة التكرارفى القرآن؟
طلعت رضوان
لماذا يتجنب الفقهاء تفسيرظاهرة التكرار؟
وهل للتكرارمعنى آخرغيرالتأكيد المُـتعمّـد؟
فى عائلتى أكثرمن إنسان ممن أطلقوا على أنفسهم (مُـلتزمين) وأشهد أنهم لايهتمون بالسياسة، ويختلفون مع الجماعات الإسلامية التى تقتل الأبرياء وتهدم البنية الأساسية للمجتمعات، كما حدث فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، ولكن أقاربى هؤلاء رغم ذلك- مثلهم مثل كل الأصوليين- أغلق الدين عقولهم، ويرفضون التجاوب مع (الأسئلة) التى تتصادم مع ما رسخ فى عقولهم، من ذلك ماحدث معى (فى مناسبة عائلية) عندما سألتهم (بشكل عفوى) يتسق مع مجرى الحوار: لماذا تتكرّرالمعانى فى سورالقرآن وآياته؟ لم يعجزوا عن الرد (فقط) وإنما طلبوا لى (الهداية)
وأعترف أنّ هذا السؤال شغلنى منذ عدة سنوات ولم أجد له تعليلا مُـقنعـًا، ومن أمثلة ذلك:
الآيات التى تؤكد على أنّ كتب اليهودية والمسيحية مصدرها ذات المصدرالذى جاء به القرآن مثل الآية المُـوجـّـهة إلى بنى إسرائيل ((وآمنوا بما أنزلتُ مُـصدّقــًا لمامعكم)) (البقرة/41) وتكرّرنفس المعنى فى نفس السورة الآية رقم89، وتكرّرفى الآية رقم91. وتكرّربعد عدة آيات (الآية رقم101) وتكرّرفى الآية رقم136. وتكرّرفى الآية رقم211، وكل ذلك فى نفس السورة. و((وإذْ آتينا موسى الكتاب والفرقان)) (البقرة/53) و((ثم جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم)) (آل عمران/81) و((يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقــًـا لمامعكم)) (النساء/47) وللتأكيد على التطابق بين الإسلام وماسبقه من كتب العبرانيين كانت تلك الآية الحاسمة ((الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبـًـا عندهم فى التوراة والإنجيل)) (الأعراف/157) وأكثرمن ذلك فإنّ الوحى خاطب نبى الإسلام قائلا ((وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّنوحى إليه أنه لا إله إلاّ أنا فاعبدون)) (الأنبياء/25) بل إنّ نفرًا من الجن (شهدوا) بما سبق حيث ((قالوا يا قومنا إنــّـا سمعنا كتابـًـا أنزل من بعد موسى مصدقــًـا لما بين يديه)) (الأحقاف/30) والأكثرأهمية أنّ القرآن مجـّـد التوراة فقال ((إنــّـا نزلنا التوراة فيها هدى ونور)) (المائدة/44) وتأكــّــد نفس المعنى فى نفس السورة فى الآية رقم48.
يرتبط بماسبق الآيات والسورالتى كرّمتْ بنى إسرائيل ورفعتْ من شأنهم مثل ((يابنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمتُ عليكم وإنى فضلتكم على العالمين)) (البقرة/40، 47، 122) ومع ملاحظة أنّ الآيتين 47، 122متطابقتان فى الألفاظ. وجاء التكريم أكثرصراحة فى آية ((ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين)) (الجاثية/16) وهذا التكريم لبنى إسرائيل كان يقابله الموقف النقيض من قدماء المصريين وهوما نصـّـتْ عليه آيات فى سورعديدة منها (وتمتْ كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمّـرنا ماكان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) (الأعراف/137)
والتطابق الأكثروضوحًا كان بين التوراة والقرآن، فحيث أنزل رب بنى إسرائيل البعوض والجراد..إلخ على مصر(العهد القديم، أكثرمن سفرخاصة سفرالخروج) فإنّ القرآن حرص على تأكيد نفس المعنى، فبعد أنْ قال ((ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات)) قال ((فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين)) (الأعراف/ من130- 137) ونفس المعنى تكرّرفى سورة (المؤمنون- الآيات من 45- 49) وكما شقّ الربُ البحرفى التوراة لصالح بنى إسرائيل، كذلك فعل الرب فى القرآن، فقال عن المصريين ((فانتقمنا منهم فأغرقتاهم فى اليم)) (الأعراف/ 136) وتكرّرنفس المعنى فى الآية الموجهة لبنى إسرائيل فقال لهم ((وإذْ فرقنا بكم البحرفأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)) (البقرة/50) وكما أنّ الرب فى التوراة ورّث مصرلبنى إسرائيل، كذلك نصّ القرآن على ذلك التوريث فقال ((كذلك وأورثناها بنى إسرائيل)) والهاء فى هذه الآية تعود إلى مصر، بمراعاة السياق العام الذى وردتْ فيه فى سورة الشعراء (من الآية رقم16- 59) ومع ملاحظة أنّ الآية الأخيرة يتجنب معظم المفسرين التعرض لها، بينما من كتبوا (المنتخب فى تفسيرالقرآن الكريم) لجأوا إلى الأسلوب غيرالمباشر((الآية57 فأخرجنا فرعون وجنوده من أرضهم الشبيهة بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فهلكوا بصرفهم عن الحق. وإثارتهم الخروج وراء موسى. والآية رقم58وأخرجناهم كذلك من كنوزالذهب والفضة والأماكن التى كانوا يقيمون فيها، مُـنعمين بجمالها وحسن مرافقها. والآية رقم59مثل هذا الإخراج العجيب الذى وصفناه لك: أخرجناهم وجعلنا هذا المُـلك ومافيه من ألوان النعيم لبنى إسرائيل، بعد أنْ كانوا مُعدمين)) (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- أغسطس1973- ص547، 548) ومع أنّ من كتبوا ذلك التفسيرلسورة الشعراء تجنبوا تفسير(حرف الهاء) بشكل مباشرفى الآية رقم59، فإنهم ذكروا صراحة أنّ المقصود (مصر) فى تفسيرهم للآية رقم57. كما أنّ توريث مصرلبنى إسرائيل كان أكثرمباشرة فى آية ((وأورثنا القوم الذين كانوا يـُـستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها وتـمّـتْ كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)) (الأعراف/137)
ومن بين مظاهرالتكرارما ورد بشأن الجنة مثل ((وبشرالذين آمنوا وعملوا الصالحات أنّ لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار.. إلى وهم فيها خالدون)) (البقرة/25) وهونفس المعنى الذى تكرّرفى آية ((والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون)) (البقرة/82) وكذلك تكرارالتفرقة بين الأعمى والبصير، وأنّ الأخيرأفضل (الأنعام/50، هود/25، الرعد/16، فاطر/19، غافر/58، بل إنّ البصيرفى الدنيا أفضل من الأعمى وهوما نصــّـتْ عليه آية ((ومن كان فى هذه أعمى فهوفى الآخرة أعمى وأضل سبيلا)) (الإسراء/72)
وعن تفضيل الحياة الآخرة عن الدنيا التى هى لعب ولهو، حرص القرآن على تكريس هذا المعنى فجاء التكرارفى (العنكبوت/64، الشورى/20، محمد/36، الحديد/20) أما الآيات التى ردّدتْ كلام (المشركين) ووصفوا النبى بأنه مجنون وشاعرأوساحرفتكرّرتْ فى (الصافات/36، الدخان/14، الذاريات/52، الطور/29، القمر/9، القلم/2، 51، الحاقة/41، التكوير/22)
وأعتقد أنّ هذه الأمثلة كافية خشية (التكرارالممل من جانبى) وإنْ كنتُ أعتقد أنّ الأصوليين لم يتوقفوا عند هذه الظاهرة، خاصة الآيات والسورالتى وصفتْ صورالنعيم فى الجنة، مقابل صورالعذاب فى النار. ورغم أنه تكرارشديد الوضوح فإنّ الأصوليين لم يتوقفوا أمامه، ولم يسأل أحدهم- حتى نفسه- لماذا؟ فهل يتفضل أحد كبارالفقهاء فيـُـجيب؟
***

#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات