أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - عصام ستاتي: الْمِصّرِّيُ مَذْهَبًا..















المزيد.....

عصام ستاتي: الْمِصّرِّيُ مَذْهَبًا..


السيد إبراهيم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5921 - 2018 / 7 / 2 - 17:39
المحور: الادب والفن
    


تتحدث الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها "شخصية مصر" عن الشيخ تقي الدين السبكي ودوره عندما كثرت الفِرق وزاد الخلاف بينها في القرن السابع الهجري وتأزمت الأمور، فيتطلع الإسلام والمسلمون إلى مصر لتحسم موقفها كدأبها في الأزمات الكبرى، فتقول عن دوره: (فاتفق رأي العلماء على رجلنا الشيخ تقي الدين السبكي ليوفق بين المذاهب الأربعة ويخرج منها بالنفاذ المصري واللمح المصري والوجدان المصري مذهبًا ينقاد الناس له، ويرتاحون إليه، ويقرون عنده).

فكأنها تتحدث عن رجُلِنا الكاتب والباحث "عصام ستاتي" التي شهدت مدينة "السويس" أشهر مدن جمهورية مصر العربية والعالم ميلاده في مقتبل ستينيات القرن الماضي، كما كانت شاهدة على رحيله إلى العالم الآخر منذ أيام من شهر يوليو من العام الجاري 2018م، وبين التاريخين عاش مصريًا وطنيًا من المهد إلى اللحد، متخذًا من الوجدان المصري مذهبًا له إنسانًا وباحثًا.

عاش وأخلص "ستاتي" لمصريته: الحضارة والتاريخ والتفرد والامتداد، عكف كما عكف غيره من ثلة من الباحثين على إثبات وحدة تاريخ مصر كما سبقه إلى هذا الراحل الكبير محمد العزب موسى في كتابه بنفس العنوان والذي يبرهن فيه على أن التاريخ المصري هو تاريخ شعب واحد لا شعوب متعددة، وأنه تاريخ واحد بلا انقطاع، وكما أسس لهذا الدكتور جمال حمدان من قبل.

ولئن كتب غيره كتابًا واحدًا في هذا المضمار واكتفى، كان هذا الأمر هو قضية "ستاتي" ومحور عمره الذي ارتكز عليه، ودار حوله، وعمل على إثباته عبر سلسلة من الكتب التي أصدرها بما يمكن أن تشكل موسوعة لو ضمت لبعضها، ومن أهم مؤلفاته: "السمسمية بين الواقع والأسطورة، ليالي الفطام، مقدمة في الفولكلور القبطي، اللغة المصرية الحالية، شم النسيم: أساطير وتاريخ وعادات وطقوس" وآخرها "القلزم بين حقيقة التاريخ وأسطورية الإبداع السردي".

تأتي آلة السمسية لتؤكد منهج "ستاتي" في البرهنة على أن حضارتنا المصرية حضارة واحدة .. مستمرة .. متصلة بلا انقطاع، فيقول في كتابه "السمسمية بين الواقع والأسطورة": (السمسمية هي الآلة المميزة للشخصية القومية المصرية، يبدو أنني صدمت مشاعر القارئ بهذه المقولة لكنها صحيحة؛ إذ تُجمِع الدراسات والمراجع المتخصصة على أن آلة "الكنر" السمسمية المصرية القديمة أول الآلات الوترية الكاملة الصنع والتركيب، وقد عُرِفت بالتحديد منذ أكثر من أربعة آلاف عام مضت).

ثم يقول: (فهل بعد هذا نحن بحاجة للسؤال: لماذا السمسمية؟ فالسؤال ببساطة يعني: لماذا أنا مصري؟.. ولأن السمسمية آلة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ المصري، فوجودها حتى الآن يعطي مؤشرًا قويًا بأن حضارتنا على مر التاريخ حلقة من حلقات الاتصال وليس ثمة انقطاع كما يتوهم البعض).

يتخذ ستاتي السمسمية مَعْبَرًا من الإقليمية إلى الهوية المصرية بشكل عام حتى لا يتقوقع في محافظته أو إقليمه، يبدو هذا الاتجاه لديه جليًا عندما أسس فرقة للأبحاث والفن الشعبي فأطلق عليها "كنر" انعتاقًا وتحررًا من سويسيته إلى مصريته التي يعمل لها بحثًا وتأسيسًا فكريًا.

مع كونه سويسيًا عاشقًا غارقًا في قنالها وشوارعها، التي يصفها في مقاله: "السويس التي لا تنسى": (على جانب من القناة ارتسمت أحلى صورة لمدينة السويس وظهرت عروس البحر الأحمر بفستان أزرق متموج يضمه ترس وأربع عجلات تدور كعقارب الساعة يتوسطه شعلة بلون الدم والجمر)..

وليس أدل على عشقه للسويس أن يكون مفتتحه في التصنيف والتأليف كتابه "السمسمية بين الواقع والأسطورة" منتهيًا بكتابه "القلزم بين حقيقة التاريخ وأسطورية الإبداع السردي"، والرابط بين عنوانيهما كلمة "أسطورة"، غير أن هويته المصرية هي الأبقى ومن أجلها يناضل.

يثبت ستاتي انحياز المصري لأصوله عبر الاستشهاد بكلمات من العامية المصرية المتداولة التي يراها امتدادًا للغة المصرية القديمة، فيرى أن المصري استفاد كثيرًا من اللغة الفرعونية واللغة العربية لينحت منها لغته الخاصة فيما عرف باللهجة العامية كلغة وسيطة بعد أن تخلصت من الصرف والتنوين.

إن غاية الراحل عصام ستاتي هو الانتصار للهوية المصرية لأنه يراها تحتوي الأديان ولا تحتويها أي ملة لنفسها أو تحتكرها لها، ولعل من يطالع مقدمات كتابيه عن الفلكلور القبطي وشم النسيم سيلاحظ هذا جيدًا، حيث لا يرى أن الفولكلور القبطي منفصلًا عن الهوية المصرية، فهناك فولكلور وطني مصري؛ لأن كلمة قبطي في اللغة الفرعونية تساوي كلمة “مصري”، وأن المصري حالة من التواصل لا ينكر ما سبقه، بل يضخ فيه دمًا جديدًا، يتوافق مع روح المجتمع الذي يعيش فيه.

ليس هم ستاتي أن ينتصر لمصر المسيحية أو مصر المسلمة بل ينتصر لمصر بكل ما فيها ومن فيها بلا ادعاء أو مزايدة، مصر المتواصلة بتاريخها القديم في عصرها الحديث، ولذا فهو يدعو المصريين للاحتفال بشم النسيم باعتباره عيدًا عالميًا.. (هيا نكتب لمصر تاريخًا آخر غير تاريخ الملوك والسلاطين والحكام.. نكتب تاريخ المصريين الحقيقي).

إن ستاتي يريد أن ينقل التاريخ الحقيقي من قلوب وأفواه بسطاء المصريين من خلال عاداتهم وتقاليدهم وأساطيرهم.. لأنه يرى أنه آن الآوان لإماطة اللثام: (عن علامات تبين وحدة المعتقد الشعبي الذي هو وقود الوحدة الوطنية وصاهرها في بوتقة تشكل جسد وقلب مصر التي حماها الله بفضل هؤلاء البسطاء منتجين عبقرية المصريين الذين اكتشفوا جوهر العقيدة كما يراها الله، وهو الدين لله والوطن للجميع)..

حين كنت ترى عصام ستاتي يمشي متئدًا، ويتكلم هادئًا، كأنه مصري قديم من طيبة أو منف، يحمل فوق كتفيه مسوح الحكمة النابعة من الأجداد، فترى الثورة الهادرة في نظرات عينيه، كما تحس مراجلًا مشتعلةً في صمته، تظن أنه لا ينتمي لزماننا، مصري قديم خرج من تابوته وسيعود إليه بعد أن يبلغ رسالته في المصريين المحدثين، ولعل من يطالع صفحته على الفيسبوك سيدهش من كلماته التي يعلن فيها موقفه على ما يجري دون أن يصطدم بأحد، وتصل رسالته لكل أحد بقدر فهمه وعلمه ووعيه مع كونها من حكم وأمثال حضارة مصرنا القديمة.

لقد رأى الرجل أنه أنهى مهمته، وقال كلمته، وترك بصمته في آذان وعيون وقلوب من يقرأونه روحًا اتخذت من الوجدان المصري مذهبًا تميل للتوفيق، وتبتعد عن التطرف، وتحب التوسط والتسامح والاعتدال، وهذا كله كان في شخص ستاتي "الحكيم" الذي تركنا جسدًا وبقيت كلماته التي ستعانق الخلود مثل حضارة المصريين القدماء.



#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين جاذبيتين: مصر بالحرف واللون...
- رمضان بين -التواحيش- ورجاء القبول..
- رمضان: مدرسة لا تغلق أبوابها..
- التاريخ وشهر رمضان تعانقا
- باكورة انتصارات الإسلام في رمضان
- السويس: مدينة النضال والجمال..
- أعلام العرب في تقديم الثقافة -موجزة-..
- مسرحية: -المنعطف الأخير-..
- مسرحية: -العائد الذي ما عاد-..
- استرشاد المرأة العصرية بحياة أمهات المؤمنين.
- أيَّامٌ في دَنْدَرَة..
- لقاء في -ساحة النور- بدندرة..
- صور الحب في فكر الدكتور محمد حسن كامل
- الشهيد عبد المنعم رياض: دلالات النشأة والوطنية..
- مفهوم -الشعر- في فكر الدكتور محمد حسن كامل..
- قراءة في بناء ومعوقات رأس المال الاجتماعي عبر المجتمع الافتر ...
- تقدمتي لقصة ” شاء قدري”.. للكاتبة هزيل حورية..
- الهجرة النبوية: المقدمات والنتائج..
- -حول المجتمع الافتراضي-.. حوار مع عالم الاجتماع الدكتور وليد ...
- حوار حول الأمازيغية مع الشاعر الباحث عادل سلطاني


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - عصام ستاتي: الْمِصّرِّيُ مَذْهَبًا..