أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل محسن - عودة السندباد















المزيد.....

عودة السندباد


جميل محسن

الحوار المتمدن-العدد: 1499 - 2006 / 3 / 24 - 03:14
المحور: الادب والفن
    


السندباد الحفيد
حافي القدمبن يتسكع في ازقة بغداد , ليجد نفسه دوما قرب هذا الجدار العالي الممتد الذي لاتضهر من فوق حافاته الشاهقة غير اوراق الاشجار وزهر متساقط يمنح المكان سجاد اخضر احمر ابيض ندي زكي الرائحة , هنا يطيب له الجلوس والحلم وامام تلك الباب افترش الارض يوما السندباد الحمال وتخيل ونطق ثم دخل ورأي وسمع ماهو اغرب من الخيال , حفيده اليوم هو الجامع الراوي هذا الوراق الصغير الذي يحب السمر معه وسماع حكايا الاجداد , عبرا معا سن البلوغ وما كان لاحدهما ان يتخلص من مصيره وما ال اليه الحال ودوام الاحوال من المحال واجترار الافراح لا يعني نوالها , قصص جدته وتعاسة امه والعز الذي سمع به ولم يره , يقارن حكايات جدته مع روايات حفيد الحمال المكتوبة, البحر والسفن والعواصف الانس والجن والوحوش , الذهب والجواهر , الملوك والتجار , الندم والعودة والبذخ والحنين الى الاخطار , والنهوض من وسادة الراحة الى هدير الامواج , والبدء من جديد في الغربة عاريا الا مما يستر الجسد , لتقدح ثانية الافكار ويفك العقل والحظ جدران العقد والاسرار وتعود شهرزاد رافعة راية السندباد ظافرا محملا بروح الحياة عائدا من غزوة اخرى الى بغداد ,
التجارة شطارة ومن لها غير الاحفاد بعد افول شمس الاجداد , خط بالحجر امالها على طول الجدارلتعلو الكلمات والرسوم كلما طالت قامته وتحول بياض الحائط الى لوحة من (الاحلام) متنوعة المعاني , وقف السندباد الاول يوما امام بياض كهذا املس عال منحني حرك باطن كفه عليه تصعد وتميل وتدور كبيضة عملاقة , كانت كذلك بيضة الرخ الكبير , وكيف ربط نفسه بواسطة عمامته برجل الرخ الذي نقله من ارض الفواكه والغابات الى ارض الجدب والدر والجواهر والافاعي وجثث المواشي التي يسلخ جلدها وتربط بالحبال وترمى الى الوادي ليلتصق بجسدها بعض الجواهرثم يأتي النسر او الرخ لرفعها , لا انها لاتربط بالحبال النسر هو من يرفعها كوليمة ثقيلة لصغاره ولكن الصيادون في اعلى الوادي يمطرونه بالحجارة ليسقط الذبيحة المسلوخة والملتصق بجسدها بعض من قطع الجواهر , ما اعقدها من طريقة لكسب العيش , وما اوسع حيلة جده الذي ربط جسده برجل النسر ليرفعه الى الاعلى مالئا جيوبه بالجواهر .
راجع القصة مرارا مع حفيد الحمال وقلب وجوهها كل ماخلف له والده كلمات علم ومعرفة ولغات وخيال, وتوقف الحال بعد موته ذلك السكير الماجن المبذر المتلاف الذي احب الحياة وكره البحر والسفن , انتهى الى رهن البيت والبستان والسياج وخرج صفر اليدين تاركا الجده تنام في قبر في قبو داخلي امتلأ يوما بالنفائس من مختلف الامصار وانتهى منام للجدة التي رفضت ان تكون خارج السور كما كانت قبل الرحلات , ورث الابن المال ولم يرث الروح واعطى الحفيد الشارع والزقاق والكثير من الحلم , لو عاد الرخ لارتبط به متنقلا الى دنيا اخرى وحال ثان ولكن بماذا يربط جسده ولا عمامة تلتف حول رأسه المكشوف وشعره الاشعث !! وادي الجواهر ! الدر والياقوت! كيس كيس كبير لن تكفي جيوبه لاتتسع لكثير حبل طويل وخوف قليل , الحيات تختفي نهارا كي لاتراها النسور كلما كبر الحجر زادت قيمته , جدته تتذكرالمكان والتاجر الذي قاسمه السندباد حصيلته حل يوما ضيفا عليهم ببغداد , ترك تذكارا وكلمات وسرا دفينا اخذه من جدته ودخل احدى اذنيه ولم يخرج من الاخرى بل استقر في عقله , من يملك الطموح؟ من لديه الرغبة ؟ من يملك التجاوز ؟ لينطلق تاركا بغداد راكبا البحر متوغلا في المجهول حاملا الشعلة والهدف. الناس نيام خدرتهم الجواري والغلمان والفيئ والجزية والاحسان . ماتبقى لاكمال الخطة هو رفيق الطريق وماسك الحبل وكاتم الاسرار , ومن لها غير الحمال الحفيد؟ الكاتب الوراق,!.
هل جننت ياسندباد نحن سليلوا الحمالة والحطب كثير علينا مايحيطنا من امان ولا نطاب المزيد , ولا تجرفنا الاحلام , البحر لكم احفاد التجار ولنا القلم والمداد والورق نسطر لياليكم ونعيد ايام شهرزاد ونبهر الملوك وكل شهريار , لنكسب لقمة العيش وتوهب لكم الضياع والاموال والغيد الحسان .
اسمع ياحمال رمى جدك كيس الحطب ودخل فردوس جدي وراقق والدك ابي ودفنه بيده واردفه بأمي , وتوفى بعدها كمدا وحزنا ولازلت حمالا للاوراق والكتب والاقلام ! اتبعني فالجنة هي الحلم والخيال والمال والاقدام وليس الصدى وتسطير كلمات الاخرين , خذها من الحافي حاسر الرأس واتبع الحبل الذي ربطك بنا سنمده نحو الوادي السحيق , حبل طويل متين من الليف والقنب الهندي امسكه من الاعلى ودعني اهبط انزلق نحو الجواهر اتشبث بنتوء الصخر احدق نحو الهاوية ليلتمع في عيني وهج الدر والالماس . الشيخ العجوز لنتأمل انه لازال على قيد الحياة ينتظر السندباد يأخذه الى الوادي , احمل متاعك يااخي الشبا ب لا بنتظر ولا تسأل عن زاد الطريق فكم منح السندباد! وكم اخفى ! ستمتد اليه يد الحفيد ويطلق ساقيه للريح ليعيد سيرة الاجداد ويرجع السور العالي ثانية ناصع البياض يمسح الصبغ رحلةالالام ونستبدل الباب القديمة باخرى فاخرة تنفتح بعد حين لتحتوي دهشة حمال اتعبته الايام .
نسيم البحر يملا الرئتين ولا يرتد البصر الا عن الافق البعيد الازق نهارا الاسود ليلا , داخ الوراق الصغير افرغ مافي جوفه مرارا لزم الفراش اصفر وجهه ثم استعاد عافيته ومرت الايام وعينا السندباد الحفيد لا تحيد عن الافق يحسب الايام ويقلب الخطط ويعد السنين التي كبرها صديق جده وصاحب الشاة المسلوخة . تمتلكه الدهشة وهو يستعيد الصوت مرددا الكلمات القديمة والسر الدفين , اشرق وجهه انفرجت شفتاه ثم صمت ولم يرفع رأسه ذهبت الايام ببصره وخارت قواه وثقلت حركاته واستوطن هذا الكوخ الموحش الوحيد مثله وسط هذه البراري الشاسعة.
نست الناس الحكايا والخرافات ياولدي تحول البحارة الى صيد الاسماك وتجار البراري الى الزراعة وغرس الشجر .
الدر ياعمي الجواهر الماس الرخ والبيضة العهد القديم بينك وجدي ! حملني اليك تحياته نقلها لي ابي التجارة هي المستقبل والدر مكانه تيجان الملوك وليس الصحاري الجرداء تحرسها الافاعي بل تزين لمعتها جيد الحسان . انهض ياعمي انهض صف لنا الارض سنكون عيناك ودليلنا قلبك وشاتنا حبل طويل نصنع به قدرنا بعيد عن النسور والحيات .
لاتوقض الاحلام القديمة ياولدي سيترك الرجال الحرث والزرع والنساء والاسماك والحطب ليتبعوك هذا هو سرنا الصغير ياجدي نحن الثلاثة . وفي هذا الكيس الاسود الفارغ ستنام الجواهر ويذهب التجار حاملين الخير وليالي شهرزاد الى بغداد! لننطلق هاهي عصاك ياجدي لاتنس الحبال ياحمال الجبال امامنا وفي بقعة ما بينها سنتوقف لنرى الهاوية ونلقي الحبل وانزل انا واختار الجواهر ويمتلئ الكيس واربطه حول ضهري .. العلو شاهق يداي مدميتان ساقاي انسلخ جلدهما جسدي هده التعب كل هذا هبوطا فكيف الصعود ؟ متى يرفعني الحمال وهل لديه القدرة ! ربطنا طرف الحبل بالشجرة والحمال يراقب والشيخ بين الموت والحياة من طول الطريق وشدة التعب يجب الصعود لانسور بعد اليوم بل حيات اسمع فحيحها تنتظر الغروب الليل مسرحها وجسدي لقمة سائغة . تعلق بالحبل هيا , اشعل السندباد نارا على ضهر الحوت فتلقفه الموج والبحر . وألقوه في سرداب قبر ولم يمت وبقي يستقبل حلي الاحياء والاموات وخرج ناجيا مع الماء الى حيث البحر الواسع , تشبث واصعد مايحيطك من دماء وجلد مسلوخ سينبت لك غيره وسيكون طريا تغطيه بالحرير وتغذيه باللبن والعسل المنتصف يقترب , شاهق مافوق, بعيد ساحق ماتحت , ثقيلة هي كل قطعة من جسدك الا الحجارة التي يحملها ضهرك تمنحك الامل , الحبل يكاد يتفتت ولكن لا ينقطع , وهنالك فوق جسد الحمال , رأسه , يداه, وجهه , عيناه , فمه , شفتاه , هيا ياسندباد , اعطني ذراعيك , خذ يدي ! , هيا ثانية التصق بجسدي .
الارض ممتدة كالفراش ساقاي تستقر عليها , ظلام هو ماحولك ! هل عميت؟ ام ان النهار لن يعود ! انهض ياسندباد , سقطت قطرات الماء تغسل دمعا ودما وتراب , استيقضت يداه امتدت الى ضهره , تحسس الحجارة ابتسم فتح عيناه على شمس الضهيرة , الماء قرب شفتيه , كل شيئا قدم له الحمال الخبز والزاد , نحى الاكل جانبا , دورك ياوراق , دوري بماذا؟ ستجلب حصتك , لا اريدها ياسندباد سينقطع الحبل , سأمسكه انا وتملأ جيوبك , انظر ما احلاها تخير الكبيرة واترك الصغار , الملونه اغلى واندرهن ناصعة البياض , هيا لاوقت للتردد و لاحظ هدوء الشيخ سينال حصته وقتما يريد لا املك كيسا اخر اعطيك اياه جيوبك ستغنيك طول العمر , ها انت تنزلق هل رأيت الامر سهل ومنتصف الطريق اقرب اليك من حبل الوريد , لاتنظر الى اسفل وتشبث بالصخر ولا تتثاقل اكثر من اللازم تحرك الوقت يداهمك , لاتجعل صبري ينفذ , الشمس تهرب نحو الافق البعيد وانت لا يبدو عليك الوصول الى القعر , هل سانتضرك طول العمر ؟ مع حملي الثقيل وهذا الشيخ العاجز! اسمع ياحمال تدبر امرك تحت , واحترس من الحيات سأذهب واتيك بالمدد , وانت ايها الشيخ الجليل هل فقدت قدرة النطق؟ بعد البصر تكلم بالله عليك ! انهض كي اعيدك الى كوخك , لن تخبر احد بالسر اليس كذلك ؟ هذا ما اتفقنا عليه , حسنا هل تريدني ان احملك انت والجواهر! لا استطيع , احدكم سيبقى فوق ضهري والاخر سيعود الى الهاوية , اذهب ايها العجوز فالموت راحة ورحمة لامثالك من عذاب الايام وصعود الجبال ووعورة الصحراء هناك في الوادي السحيق ستكون مرتاحا وتشغل الحيات عن اخي الحمال .
عائد يابغداد تحميني دعوات شهرزاد ويصيب الارق شهريار وترتخي قبضة سيافه عن غمد حسامه وابحر منتصرا الى السور لأعيد بنائه عاليا شامخا ابيضا تتوسطه الباب الحديدية واذهب الى القبو حيث قبر الجدة المهدم ارجع لها حليتها المستعارة رأسمال الرحلة كلها واعيد بناءه ثم ابتاع العبيد المخلصين الاشداء لاصنع منهم جيش الخلاص الذي سيزحف معي ويملأ سفني مخترقا البحار متسلحا بالحبال الى حيث الهاوية العميقة رافعا السيوف التي ستقطع الحيات لتنزل ثم ترتفع الاكياس لتنظف الوادي من اخر الاحجار وتعود السفن ثقيلة الحركة واثقة الخطوة لاتزعزعها الريح ولا يتقاذفها الموج .
ابشري يابغداد جاءك الحفيد ليس بالحكايا والاساطير بل بالحجر الملون والناصع البياض ليضع فوق رأسك انت تاج شهريار ملك الزمان



#جميل_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرنا الديني والفكر السياسي المعاصر
- الاسود والابيض
- تاريخ الحركة الشيوعية في العراق من يكتبه؟؟
- يوميات عاطل عن العمل
- ستالين تروتسكي والسلطة
- مسرحية محكمة السيدة العجوز
- ( حول ( مشاكل الحزب الشيوعي العمالي
- الظلام


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل محسن - عودة السندباد