أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - المنصور جعفر - ثلاثة أسئلة من تغيرات العراق وسوريا















المزيد.....


ثلاثة أسئلة من تغيرات العراق وسوريا


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 5915 - 2018 / 6 / 26 - 17:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انتهت تراكمات الأوضاع السياسية في سوريا والعراق الى أزمتين كبيرتين في التطور الوطني والقومي، شملت مختلف المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية، وانتهت بالدولتين وحزبي البعث فيهما إلى أزمة عنقودية متسلسة، مثلما انتهى أسلوب الحكم الواحدي في كثير من البلاد، ومن ثم ظهرت مع تناقضات الأوضاع ثلاثة أسئلة تؤثر على طبيعة الوجود الوطني والقومي في البلدين وعلى إمكانات تطور التنسيق الإستراتيجي بين البعثيين والشيوعيين.

تأسست هذه الأسئلة بحكم الصراع الدموي/الواقعي في البلدين وبحكم تراكم بعض الأحداث في تاريخ الحكم وقواه في كلا البلدين يحاول هذا المقال الإشارة إلى بعض أصول وتشكلات هذه الأحداث قبل أن يؤشر إلى الأسئلة التي يرى أنها قد تفيد في الخروج من أسلوب التفكير الواحدي في قضية تنسيق العمل التقدمي بين البعثيين والشيوعيين المقتصر على تمجيد أو على تكريه بعض النتائج أو الأحداث أو الشخصيات التي ارتبطت بالتفاعل أو الصراع البعثي والشيوعي، الأسلوب التعددي البديل الذي يرتسمه المقال، يقوم على ربط التطور أو التناقض السياسي ببعض عناصر التركيبة الإجتماعية الداخلية وثقافتها وببعض العوامل الإقليمية والدولية المحيطة بوجود الدولتين، وببعض المسائل والخطوط التنظيمية في حزبي البعث، وكذلك بتناول تأثير النشاطات الشعبوية، والتناغم الضمني بين القوى الإسلامية والإمبريالية وإدارتها الصهيونية. وترسم المقال هذا العرض عبر النقاط الآتية وصولاً إلى بعض أسئلة الحاضر والمستقبل.

1- نشأت قضية فلسطين مرتبطة مع قضية النظام الملكي الليبرالي في العراق والأردن ومظالمهما، وفشله في الحفاظ على وحدة سوريا الكبرى مع حالات كسر قبرص ولبنان وفلسطين والأردن من الوحدة المفترضة للكيان العربي.

2- تزاحمت متطلبات القضيتين الفلسطينية والديمقراطية، وسط أوضاع جماهيرية تعاني الهزيمة وتعاني التخلف، وفي معمعان أزمتي الهزيمة والتخلف ولد حزب البعث العربي الإشتراكي أواخر الأربعينيات مع أو بنوع من "الشعبوية".

3- حدثت ثورة يوليو 1958 في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم ضد النظام الملكي الفاسد والظالم والمتآمر مع قوى الإستعمار ضد ضرورات وأهداف الوحدة والثورة والنهضة العربية. بعد فترة قصيرة من تلك الثورة ذات الركائز الريفية شبت فيها الإنقسامات والصدامات التقليدية المعروفة في ريف العراق، لكن ذلك الشبوب حدث في ثوب حزبي حديث (لابس بعضه أجزاء من صدامات الشيوعيين والبعثيين، وصدامات "الحرس القومي")، كذلك أيضاً في سوريا أخذت الإنقسامات التقليدية ثوب صراع حديث اظهر بعض الأحداث لمحات منه في تنازع بعض القادة في الجيش وفي حزب البعث بمستوياته الإقليمية الداخلية والقطرية والقومية، وكانت التنازعات السورية أقل شهرة في الإعلام السائد (اللبناني والمصري) عما تناوله مع بعثيي العراق.

4- في خضم تداخل الأزمات بدأت تكتلات صغيرة في النشاط داخل حزب البعث، قوامها العلاقات التقليدية لثقافة "المنطقة" و"العشيرة" و "الطائفة"، وحتى "الشلة"، وبناها المهمشة كمنقطة في الدولة، أو طائفة أو عشيرة في المجتمع أو مجموعة داخل الحزب أو ككتلة سياسية يستبعدها نظام الحكم، نشاط لبعض وليس كل المهمشين، ضد شكل متصور أو واقعي لتركز القيادة أو بعض نشاطها في بعض أبناء وقضايا المدينة وتركز كثير من جهود الحكم أو الحزب او المحموعة المسيطرة في تحسين مرافق ومعالم الحياة في العاصمة أو تمييزها لبعض الفئات أو الجماعات في المجتمع.

5- تداخلت بعض صور تلك العلاقة المتوترة بين السلطات الصغيرة والسلطات الكبيرة بدفع متنوع للتفسير السلبي للفروق بين الهامش والمركز. وظهر ذلك التوتر وما يصاحبه من تحفز وتكتل في أحزاب العراق، خاصة في نشاط بعض أبناء الوسط المهمش (العوجة وتكريت) داخل حزب البعث، وكذا في نشاط بعض أبناء الأقليات المضهدة في سوريا، (علويين وإسماعيليين ودروز وبدو وكرد ومدينة حلب) حيث تجمع المهمشين أو جمعتهم الظروف، في الجيوش وفي الأجهزة الأمنية في الحزبين. ترابط عامل كثرة (الأقليات) في سوريا كثرة أقرب في تعدادها لنصف السكان المقيمين. مع عامل آخر هو ان نسبة الملتحقين منهم بحماية الوطن والخدمة العسكرية كانت أكبر من النسبة المئوية لأبناء الطائفة السنية وتركزاتها في المدن وتجمعات الطبقة الوسطى. كذلك في العراق، حيث نشأ التكتل بين بعض أبناء مناطق الوسط المهمشة متداخلاً مع كون تلك المناطق مظلومة مهمشة في مجال توزيع عائدات الدولة ومشاريعها بينما كانت نفس تلك المناطق ذات نصيب عالي في الإلتحاق بالخدمة العسكرية للوطن وتحمل أعباء الجيش. كذلك تداخل التكتل في الحالتين مع ثقافة عنف البادية والذهنية العشائرية. وفي الحالتين السورية والعراقية إستلمت ثقافة عنف البادية وذهنية الحرب العشائرية مقاليد الكفاح المسلح في الحزبين: في سوريا تكتل المهمشين في اللجنة العسكرية لحزب البعث، وفي تجمعات دقيقة قبلها، كذلك في العراق تحالف بعض أبناء الوسط المهمش (الأنبار والمناطق المحيطة ببغداد) مع بعض أبناء مناطق الجنوب (الناصرية والبصرة) ومع بعض أبناء الشمال الخليط والكردي، وبدأوا كجماعة حزبية متناغمة/متكتلة في إزاحة بعض ظروف تهميشهم وفي فرض وجودهم أو سيطرتهم.

منذ نهاية الخمسينيات سادت ثقافة عنف البادية وروح الهامش العسكرية، وزادت بشكل وئيد الوتيرة الكفاحية القائمة على الرفض والإقصاء في حزبي البعث أكثر من الوتيرة السياسية القائمة على التفاهم والتنازل، وغلبت الروح الحربية الموقودة بمظالم الهامش والفشل القومي والتنموي، على خطب وأحاديث القادة السياسيين المدنيين في الحزبين وتفاعلاتهم المفردة الكثيرة الذاتية مع القضايا الكبرى ومع المظالم الإجتماعية والثقافية في بنى الدولة والحزب. ويلاحظ ان كثير من الحزبيين البعثيين اللامعين في الستينيات كانوا من الشباب الغض، ونشأوا على أسلوب التفكير الخطي الواحدي، (هدف- خطة-حشد-تنفيذ). وبعد عشرة سنوات على الأكثر في أعوام 1968 في العراق و1970 في سوريا أنفردت المجموعات التي نشأت في هامش الحزب والدولة بالرئاسات. ففي العراق كسبوا رئاستي العراق: رئاسة الحزب ورئاسة الدولة، وذلك برئاسة أحمد حسن البكر، وبقيادة الشاب قائد أمن الحزب، صدام حسين.

6- كذلك في سوريا تواصل مسلسل الإزاحات لصالح المنسوبة كينونتهم إلى الهامش، صاعدين في اللجنة العسكرية/ الجيش/رئاسة الدولة، وانتهى مسلسل الازاحات إلى بداية صعود الرئيس السابق حافظ الأسد منذ سنة 1970. كذلك في العراق يلاحظ ان تقدم الرئيس الأسبق صدام حسين لموقعه تم عبر الأسلوب التقليدي اي بأن ((السياسة فلوس وقص رؤوس وشعرة معاوية)). وفي خلال عشرة سنوات أنتهت المغالبة بين قادة التيارات بفعل بعض أخطائهم وبتخديم صلاتهم الدولية للتحكم في الأمور، انهزم واعدم حردان التكريتي ذو العلاقة المائزة مع بريطانيا، وانهزم واعدم عبدالخالق السامرائي المشهور بعلاقة مع سوريا، ثم الرئيس أحمد حسن البكر الذي بعد (استقالته) أصبح صدام قائد الحزب والدولة.

في ظروف طوارئي الأمن الحربي للدولة مع توترات حرب لبنان، وخيانة السادات لوحدة القرار العربي، وحرب إيران ثم حرب الكويت، تحققت للرئيسين الأسد وصدام إمكانات الإنفراد بالسلطة بالأسلوب التقليدي للحكم الفردي وهو تخديم العنف الواقعي ضد العناصر الرافضة أو المتذمرة، وتخديم المزايدة/المراوغة النظرية ضد الانتقاد، برفع لغة النظام ضد لغة العفوية وبتسويغ العفوية ضد الانتقادات المطالبة بنظام جديد أو بتفعيل نظام مهمل، كذا مواجهة المطالب اليسارية بلغة اليمين ومواجهة اليمين بلغة اليسار وفي كل الأحوال كانت ظروف الثروة النفطية توفر إمكانية لإجراء أمور الدولة في كافة المجالات دون تدقيق شديد في كفاءتها على المدى الطويل.

كذلك كان تفعيل سباسة الحزبين لشعبوية العروبة والاسلام لمكافحة "الخطر الشيوعي" كأداة إسترضائية لتخفيف الضغط الأميركي الصهيوني على البلدين، وأدى الهجوم الإنتهازي والشرس على الشيوعية إلى تخفيض مستوى العلمانية والعقلانية في العمل العام وانفساح المجال لتمدد ثقافة الدجل وزيادة النشاط الإسلامي الرجعي الطلئفي المناغم للتفتيت الصهيوني وتكسيره المتنوع للفكر والنشاط التقدمي بشكليه القومي والوطني!

7- بعد أكثر من عشرين سنة من العنف الداخلي ضد الشيوعية، والعنف الإمبريالي القادم من الخارج ضد حكمي البعث، وتمدد النزعات الطائفية داخلياً في البلدين وفي العالم العربي بحجة تناقض الفكر القومي وصعوبة جمع الماركسية للدعاية الشعبوية، جاءت التسعينيات، ووجد حكم العراق نفسه وحيداً، يدعو منولوجياً وثيولوجياً وميثيولوجياً إلى "التعددية" و"الإيمانية" وحرية "الإنتقاد" ! لكن سياسات الغلظة والإقصاء العنيف والدموي التي إتسم بها نشاط حزبي البعث في سوريا والعراق منذ نهاية الستينيات وراح ضحيتها بصور مباشرة وغير مباشرة آلاف البشر قتلى ومضرورين، لم تسمح بأن تتجه إلى البعث ثقة الأحزاب والجماعات غير البعثية، كما جعلت حزبي البعث العربي الإشتراكي في العراق وسوريا ومجتمعات الدولتين في وضع سلب، غير قادر على تبديل أو تجديد الحكم بشكل سلمي ديموقراطي، بل صار كل جزء من بنى الدولة والمجتمع في سوريا العراق يعاني من تمزق داخلي ومن تدخل خارجي، رغم مقاومة وتضحيات المخلصين لمبادئي الحزبين.

8- في العراق حافظ حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق على معالمه الخارجية (التحليل السياسي وبعض النشاط المصادم الليبرالية) وذلك في منطقة عربية أكثرها ذات ثقافة عشائرية وطائفية ولكن بعث العراق خسر بالإحتلال سيطرته على بيروقراطية الدولة، وبنفس الخسران تحرر الحزب من التأثير السلبي لأمور وصراعات بيروقراطيات الدولة المدنية والعسكرية والإعلامية، عليه، بل ان المقارنة الظاهرية بين عصر حكمه وإنفراده بتنظيم الدولة والمجتمع، ووضع المعيشة فيه إزاء العصر السياسي الجديد في صالحه. رغم ان الخراب الثقافي والسياسي كان نتيجة أسهمت أوضاعه وسياساته في تكوين بعض أسسها والأسباب المؤدية إليها. لكن فوز المعيشة في فترة البعث في المقارنة الظاهرية مع المعيشة في فترة الحرب الداخلية الحاضرة لم يرتبط بقوة شعبية منظومة، تعيده للحكم وسط تمزق المجتمع العراقي وتكاثر المحاصصات في هيئات الدولة وتمزق الكينونة السياسية العمل الحزبي بين حالتي التشظي المجتمعي والتجمعات العسكرية. كذلك ضعفت علاقة حزب البعث المجرد من قوة الدولة مع بعض زعماء العشائر الذين تفتحت أمامهم فكرة تعديد الانتماءات الحزبية في العشيرة/مناطق العشيرة، والتعامل مع خزائن الدولة الجديدة في ظل ضعف الدعم البعثي أو من بعض دول الخليج. أيضاً خلال مقاومته الغزو والإحتلال الأميركي زادت الاتجاهات العسكرية وزاد النزعة الطائفية في نشاط الأحزاب العراقية، وضعفت الثقة في الأساليب السياسية، وانخفض الاتجاه العلماني وغابت المعالم الثقافية للنضال التقدمي لصالح التفجيرات والضربات العسكرية والحملات والمجازر الانتقامية، وانخفاض دعوات الانتقاد الذاتي والتسالم والاتجاه لزيادة التنسيق الوطني على الأقل ضد بعض القرارات والسياسات المختلة.

بعد خروج الجزء الرئيس في الإحتلال الأميركي-البريطاني عاد حزب البعث العربي الإشتراكي في العراق من جديد إلى مواجهة مهمات 1947 و 1967 أي بناء الوحدة والحرية والإشتراكية، التي كان بناءها قد تأخر في فترة الستينيات والسبعينيات من حيث اراد لها قادة الحزب السرعة. وفي هذه المرة جاء الرجوع لمهمات التأسيس في وضع حزبي وعراقي أكثر صعوبة في بعض جوانبه وأكثر هشاشة في جوانب أخرى.

9- كذلك في سوريا والعراق تحولت سيطرة بعض المهمشين على حزبي البعث العربي الإشتراكي في ظروف الضغوط الإمبريالية العسكرية عبر الدول الجيران وإسرائيل، تحولت قيادة المواجهة إلى حالة إستبداد داخلي انحدر من درجة الإمتياز المناطقي والطائفي والفئوي إلى درجة الشكل العائلي والأسري لادارة أمور الحزب والجيش والدولة.

10- لم تعفي العلاقات والتفردات الفئوية ووشائجها الطائفية والمناطقية ومحاورها العائلية والأسرية في دولتي البعث في سوريا والعراق، لم تعفي سيطرة وهيمنة الحزبين أو من يمثلهما من ضغوط وهجوم التناغم الإسلامي الإمبريالي- الصهيوني الضبط: ورغم بقاء حزب البعث في العراق رغم تكسير الدولة، ورغم بقاء تماسك الدولة والجيش والحكومة في سوريا وتحمل هيئاتهم ضربات وخسائر كبرى في هذا السياق الجامع بين الضعف الداخلي والغزو الخارجي غير المباشر، إلا إن هذا البقاء والتماسك بين هيئات الحزب والجيش والدولة في سوريا إرتبط بتآكل في التماسك الإجتماعي النسبي الذي كان سائداً في كل سوريا، بل ان الضغوط الخارجية ومقاومتها حولت سوريا إلى منطقتين ثلاثة مختلفة الأوضاع والمعيشة والثقافة والمصير. وبتأثير نفس الإشعاع السيكولوجي لنفس التمايز القديم بين المركز والهامش ذلك الإشعاع الذي دفع بعض المهمشين في كيانات الدولتين والحزبين البعثيين إلى مواقع التحكم والسيطرة في الحزب وفي الدولة، بقدرة كبيرة في النفوذ والادارة لكن دون قدرة على الإبداع، فلم يغيروا في تلك المواقع وأعمالها الطبيعة الإحتكارية لعلاقات القيادة والتنظيم والعمل، بل بقست كما هي بذات أسلوب الأمر والطاعة الطي رفضوا نتائجه ولم يرفضوا أسلوب تشغيله، بقيت مواقع التحكم والسيطرة بلا أية تغييرات تعزز فيها الأسلوب الجمعي أو التعاوني أو تزيد فيها الجهد العلمي أو التعامل الديموقراطي على حساب الجهد الشخصي والتعامل الفردي. بل عزز الصاعدون مياسمها الإنفرادية، وأسلوبها البيروقراطي، وتعفنها بالعلاقات الشخصية والعائلية وهو ما إنكشف باليباس والعجز في تنوع وكفاءة وإستدامة أمور التنمية، خاصة مع وفرة النفط وثروته في العراق، ومع إعتماد المعيشة والاقتصاد في سوريا على نسق إنفصامي بين الحرف والمؤسسات الكبرى يجمع حرية التملك والبيع الحرفي المفرد، مع سيطرة فئات الحكم وأقرباء رؤوساءه على مؤسسات الاقتصاد الكبرى. وقد تفاقمت هذه الحالة المألوفة في أكثر دول العالم الرأسمالي بين ما يمكن تسميته بـ"مجتمع الحكومة" الممتاز باقصى رعايتها و"مجتمع الأنا" الضائع في تجريب الحلول الفردية، وذلك في مجتمع اعتاد منذ مئات السنين على الكسب من العمل الحرفي الصغير المباشر ومن الإغتراب البعيد.

في نفس الأزمة صار حكم البعث في سوريا مضغوطاً لتقديم تنازلات للإسلاميين، ولقوى السوق، ولتخفيض الاختلاف مع كل الدول المحيطة بسوريا، وقبول التوجيه الأميركي الصهيوني لعملية السلام، اي تحويل الكيانات العربية اللغة من مطالب بالحقوق أو مدافع عنها إلى تابع معولم. وإن سمحت الظروف والتوازنات بين القوي الدولية في العالم وكذلك ان سمحت التوازنات الداخلية بتحقيق هذه التنازلات، وهو وضع سيزيد التناقض في السياسة السورية، كما ان تبديل سيطرة المجموعة الحاكمة سيرتبط كنظام المحاصصة اللبناني ونظام المحاصصة العراقي بتوزيع طائفي وعشائري لهيئات الدولة يجعل حياة هذه الدولة ومستقبل شعبها محكومين بالقوة الإمبريالية الصهيونية اللوبي والإدارة

11- صار على حزبي البعث العربي الإشتراكي بعد إهتمام طويل وكثيف بأمور الأمن العسكري إزاء نشاطات الدول الجيران الضاغطة، صار ضرورة لعمليات تجديد البعث في البلدين التفكير في كيفيات وأبعاد ذلك التجديد ونشاطاته في ظروف للعولمة وتعثر المعيشة سممت شعبية قضية فلسطين، وفي ظروف إرهاب كشفت الطبيعة الرجعية والصهيونية للشعبوية الإسلامية.

12- تجديد قيم ونشاط التنظيمات التقدمية في الوسط الطائفي والعشائري يلزمه إنتقاد جذور وملامح الشعبوية الدبنية وجذور وملامح التعصب القومي العربي التي غذتها سياسة العناية بالتراث والجذور العربية الاسلامية لاستدعاء القيم الحضارية والتقدمية من ثقافة الدين الإسلامي أو من التاريخ المنسوب للعروبة والاسلام! بينما الواقع أن هذه التصورات مجرد أهواء ميثيولوجية، تعتقد ان بالإمكان تنقية الصالح من الطالح في التراث وتدعيم نظام الدولة الحديثة به في ظروف استبداد وظلم تزرع في الناس النفور من قيم العقلانية والعلمانبة والتقدم الإجتماعي المتناسق، وتعز فيهم ثقافة العودة إلى العصر الذهبي الأخلاق!؟ أو العصر الذهبي للمعيشة!؟ وفي الحالتين خرافة ووهم: حيثكان القاتل والمقتول في النار، وحيث كانت جموع الغلمان والجواري وحملات التأديب تكشف الأكاذيب المعاصرة عن إرتباط التدين السياسي بالعدل الإجتماعي. نأهيك عن موضوع الحرية السياسية، وعن أسباب الثورات التي عمت تاريخ الخلافة في أكثر الألف وأربعمائة عام الماضية.

13- تتداخل ضرورة الوقوف مع الذات والاعتذار للنفس وللضحايا مع أهمية تجديد بعض الأفكار ودحض بعض النظرات الشعبوية، خاصة مع فشل قيادتي البعث العربي الإشتراكي خلال أكثر من سبعين سنة في تحقيق أجزاء مهمة من شعارات الحرية والإشتراكية والوحدة بأسلوب التأجيل والهجوم والإزاحة والإقصاء وتخديم العنف البدني والثقافي والإعلامي ضد بعض أفكار: "الصراع الطبقي"، و"التحالف الإشتراكي العالمي"، وضد الفهم الجدلي لحركة الطبيعة والمجتمع كتاريخ موضوعي مرتبط بالوضع الطبيعي والوضع السياسي لموارد المعيشة ومقاليد تنظيمها، وبمدى توافق هذين الوضعين الطبيعي والسياسي مع مطالب البيئة من البشر، وما تتطلبه حاجات العمل والانتاج منهم من وقود والات ونظم وخامات، ومع كفاءة توزيع الجهود وعائداتها في المحتمع، ومع ترتيب كل فئة لأمور معيشتها وفق طبيعة التملكات والمعاملات داخل كل مجتمع وداخل كل فئة، ومع المجتمعات والفئات الأخرى.

14-بشكل عام يرتبط جزء من تجديد النضال التقدمي بضرورة إقصاء بعض المقولات الشعبوية التي تفصل رفض مظالم النظام العالمي عن رفض مظالم النظام المحلي، وتلك التي تبخس إمكانات الصراع الفئوي على أسس طبقية أو حزبية في البلاد العربية بينما تعمل في الواقع لصالح سيطرة وسيادة الشريحة الفئوية التي ترأست المشهدين المأساويين للبعث العربي في سوريا والعراق، كذلك من قبلهما في شرق أوروبا.

15- لغة "الرسالة الخالدة" أو "المشروع الحضاري" أو حتى "الأفق الإشتراكي" تشبه في تصويرها المفتوح المبشر بالسعادة بوضع المفردة الموجبة في نهاية الشعار، تشبه لغة التصوير التبجيلي لدور الأنبياء والرسل في إخراج المجتمعات الكافرة من الظلمات إلى النور !؟ كما تشبه الصورة العفوية لتلك "الرسالة الخالدة" ما قدمته بعض وسائط المعرفة والإعلام الرئيسة في مراكز العالم الرأسمالي عن المهمة الحضارية للإنسان/الإستعمار الأوروبي في إنقاذ العالم من الوحشية!؟ وفي تمدين الأمم المتوحشة!؟ فهو تصوير في موضوع "الرسالة الخالدة" سياسي وعاطفي يجافي بطبيعته الشعبوية ضرورة الوعي العلمي لعمليات النضال والتطور الإجتماعي إلى حال لارأسمالية أو ضد رأسمالية تخفض التجارة والانفرادات وتعلي الإنسان بالات تمظيم وتطور علمانية ومدنية التكوين مضادة لمفاقمة النعرات الدينية والعنصرية وما يتصل بهم من سيطرات وتمييز.

16- لعل علمنة التناول الإعلامي البعثي لـ"رسالة الأمة العربية" تتحقق بتكثيف تناول موضوع الإستعمار العثماني ضمن أزمة نظام الخلافة المنسوب إلى التدين الإسلامي. كذلك تتحسن العلمانية بالتقدمية مع قراءة طبقية صريحة لصور نشوء وزيادة أعمال وأساليب الإستعمار الأوروبي التمركز، ولتبلور النظام الإمبريالي العابرة نشاطاته لأغلب قوميات وجنسيات ودول العالم. لكن المتأزمة بتناقضاتهم مثلما تتأزم هذه الكيانات نفسها بتناقضات المصالح الإمبريالية.

17- كذلك قد يلزم للوعي والنشاط التقدمي انتقاد النظرة الشعبوية إلى بعض نشاطات المجتمعات العربية اللغة وعرضها كتمظهر لقوة جينية خارقة أو كسمات إجتماعية خالدة، ونقض النظرة إلى أحداثها الكبرى كتجلي لعبقرية أفراد مُقدَسين أو مُعظمَين دون تقدير لدور الظروف والعوامل غير الفردية في بلورة الأحداث الكبرى وفي قراءة الماضي من ملامح المستقبل.

18- هذه النقاط الآيديولوجية قد تفيد في عملية التجديد المتنوع لبعض الآراء الشعبوية الطاغية أو المتكلسة في حزبي البعث دون انتقاد موضوعي لها.

كذلك يتحقق التجديد بصورة أكثر في مجالات الفكر التقدمي باتجاه أذهان التقدميين وأعمالهم إلى أسلوب التفكير الإستراتيجي أو التجميعي أو الشمولي أو التأثيلي والتخلي بسغته وحركيته الجدلية عن أسلوب التفكير الجزئي والواحدي وتناوله (بالقطاعي) للقضايا المتداخلة والمتشابكة، أو أخذه الغشوم بالجملة أمور لها تنوعها وتفردها، وهو راكد قليل الحركة والإنتاج

19- تنداخل وتتطور عمليات التخلص من الشوائب الشعبوية وزيادة التجديد النظري في مقولات ومساطر إعلام حزبي البعث السوري والعراقي وفروعهما ترتبط قوة التخلص من شوائب الشعبوية في الخطاب البعثي وممارسته بعلمنة نظرة البعث إلى أفكار وأهداف الشيوعية وإلى تنظيرات الاشتراكية العلمية، وتتداخل عملية التجديد في الحالتين مع زيادة النظرة الموجبة لـ"الصراع الطبقي" وبإطفاء تلك النظرة التحكمية التي تعتني بوجود "الطبقة الوسطى" وتهمل وجود الطبقة الكادحة ووجود الطبقة والفئات الرأسمالية، أي الطبقتين اللتين تأخذ بهما فئات العاملين في الخدمات وضع وإسم الطبقة "الوسطي".

20- بشكل عام تتطلب عمليات التجديد في مياسم البعث زيادة في النقد الذاتي خاصة في مجال العلاقة مع الأفكار والأحزاب الشيوعية، كما تتطلب عمليات التجديد زيادة التنسيق السياسي الداخلي في مجتمعات كل دولة، وزيادة التعاون مع الفاعليات والأحزاب الشيوعية في أطر مدنية وجماهيرية ونقابية وتعاونية وثقافية واعلامية وفي أنشطة عرض وشرح وبناء مقاربات فكرية وتفاهمات إعلامية، وأنشطة دولية.

21- تهدف كل هذه الاقتراحات لتعزيز بعض التنسيق العفوي والمتقطع بين القوى التقدمية في المنطقة العربية، وحتى على مستوى الشرق الأوسط الكبير.

22- في قراءة أزمات العراق وسوريا تنطرح أسئلة واقعية عن امكانات العمل التقدمي في ظروف التناغم الرجعي والإمبريالي بسياسات تأجيج الأزمات والحصار والعوامة وبعض هذه الأسئلة عن:

1-ما هو الموقف التقدمي إزاء الإرهاب الإسلامي؟

2- ما هو النظام الاقتصادي الكفيل بخفض إمكانات التأثير الإمبريالي في أمور الحكم والإقتصاد الوطنيين؟

3- ما هو الموقف السياسي والمدني إزاء شعارات العقاب الجمعي المنادية بشكل قانوني أو بشكل شعبوي بإجتثاث أو بحل حزبي البعث؟



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيد البحراوي
- نحو تجديد ثوري
- التأثيل: فكرة الأصالة عند العلامة عبدالله الطيب
- من اثار انتصار ثورة اكتوبر على روسيا والسودان
- ضرورة الشيوعي لحرية العالم من تناقض بنى التدين والدولة
- تأثيل الماركسية اللينينية ضد التعامل العشواء مع ظواهر الإلحا ...
- ديالكتيك شيوعي للغة العالم والحزب والزعيم
- ديالكتيك بداية -العقل- ومواته
- تأثيل حكاية -أنا- مهزومة عن طبيعة الحزب
- تأثيل أطوار المعرفة وبعض تغيرات التفكير والنخب (نقاط من مهدي ...
- نحو تقييم آخر لصراعات الحزب
- تعقيب على موضوع بدأ سنة 1903 ومستمر في السودان منذ حوالى 26 ...
- التحليل المعرفي لطبقات التاريخ .. التأثيل: نهاية مرحلة العقل ...
- ((التأثيل)).. لمحة مستقبلية من التاريخ السياسي لتراكم وتطور ...
- القطيعة المعرفية في التقدم الفكري
- مصر بين عشرتين
- محجوب شريف مناضل شيوعي شديد الكفاح
- الديمقراطية والتكنقراطية في أعمال القانون والمحكمة الدستورية
- لمحة من الإعتقادات في مصر القديمة وعهودها الرومانية المسيحية ...
- أهمية التأثيل للخروج الإشتراكي من حالة الصراع الدموي بين أفك ...


المزيد.....




- الصحة في غزة ترفع عدد القتلى بالقطاع منذ 7 أكتوبر.. إليكم كم ...
- آخر تحديث بالصور.. وضع دبي وإمارات مجاورة بعد الفيضانات
- قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة ...
- بوريل من اجتماع مجموعة السبع: نحن على حافة حرب إقليمية في ال ...
- الجيش السوداني يرد على أنباء عن احتجاز مصر سفينة متجهة إلى ا ...
- زاخاروفا تتهم الدول الغربية بممارسة الابتزاز النووي
- برلين ترفض مشاركة السفارة الروسية في إحياء ذكرى تحرير سجناء ...
- الخارجية الروسية تعلق على -السيادة الفرنسية- بعد نقل باريس ح ...
- فيديو لمصرفي مصري ينقذ عائلة إماراتية من الغرق والبنك يكرمه ...
- راجمات Uragan الروسية المعدّلة تظهر خلال العملية العسكرية ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - المنصور جعفر - ثلاثة أسئلة من تغيرات العراق وسوريا