أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - بين جاذبيتين: مصر بالحرف واللون...















المزيد.....

بين جاذبيتين: مصر بالحرف واللون...


السيد إبراهيم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5911 - 2018 / 6 / 22 - 13:23
المحور: الادب والفن
    





لم تعش مصر في كل جاذبية منهما حبًا دفينًا، بل أعلنتاه على الملأ؛ فصاغته الأولى حرفًا مكتوبًا لكن القارئ يرى فيه الألوان ويسمع الأصوات، وصاغته الثانية تشكيلًا ولونًا ولكن من يراه مرسومًا يقرأه كلماتٍ بليغات.

عاشتا معًا في نفس الوطن وتعاصرتا في نفس الزمن، ولا أستطيع أن أجزم مع هذا هل التقتا أم لا؟ لكن ما أعلمه علم اليقين أن قاربيهما كان يتجهان نحو مرفأ واحد دائمًا اسمه: "مصر".

أما الأولى فهي الكاتبة الكبيرة جاذبية صدقي والتي أبدأ بها لوصولها بالميلاد إلى عالمنا في عام 1920م وتسبق الثانية وهي الفنانة التشكيلية الكبيرة جاذبية سري بخمسة أعوام، وأول ما يجمعهما غير أنهما من جيل واحد بحسب المولد هو نشأتهما الأرستقراطية، وحين تقرأ لجاذبية صدقي تستنشق رائحة مصر في عناوين أعمالها الأدبية قبل أن تتوغل في ثناياها على الرغم من كونها تجيد الإنجليزية والفرنسية إلى جانب إتقانها لغتها الأم وهي العربية بالطبع، ومن هذه العناوين: (على باب الله، بوابة المتولي، البلدي يوكل، من الموسكي إلى الحسينية، أهل السيدة، حلو يا بلدي).

حين تفتح صفحات كتابها "البلدي يوكل" أو كتابها "من الموسكي إلى الحسينية" تستنشق على الفور رائحة مصر المعتقة بلون عشق الكاتبة والتي تَهِبُ من عمق التاريخ، فتتحول من مجرد قارئ إلى متجول داخل صفحات الكتاب ثم إلى مارٍ في الشارع تستمع لأصوات الناس التي تنقل جاذبية صدقي ببراعة عباراتهم من أفواههم إلى صفحات كتبها فكأنها مولودة طازجة في مناسباتها وحكاياتها قد قيلت في التو.

إن جاذبية صدقي كاتبة المصرية روحًا ودمًا وإن كانت سليلة الباشاوات وبنت وزير الأشغال الأسبق غير أنها تصبح بسيطة كالبسيطات من "شارع السد" أو "الموسكي" التي تبدأ مقالتها عنه "في الموسكي" بتلك العبارة التي تخطفك من ذاتك كما خطفتها تلك المرأة حين خطفتها من نفسها: (قالت لي: "عدي يا أختي، وتعاليلي! نطي من فوق كوم قشر البطيخ ده".. ففعلتُ ما أمرتني به .. شاردة .. كأنها ولية أمري!).

لقد كان مشروع جاذبية صدقي الذي أخذ من عمرها عشر سنوات فأخرجته في خمسة كتب أي بمعدل عامين لكل كتاب، قامت خلالها بعدة دراسات ميدانية عن الأحياء الشعبية فى مصر من شمالها لجنوبها وطولها لعرضها غير أن الحيز الأكبر من تلك الدراسات كان عن أحياء القاهرة، ومنها: (الموسكي، سوق روض الفرج، الحسينية، خان الخليلي، وكالة البلح، الغورية، سانت تريزا)، كما أنها اهتمت بأحياء الإسكندرية ومنها: (المنتزة، كوم الشقافة).

في كل حي من هذه الأحياء عبر كتبها يخرج القارئ بموفور علمي كبير من خلال زياراتها التي تقوم بها لكل حي على حدة، وعلى الرغم من المعلومات التي تعدها إعدادًا جيدًا إلا أنها من خلال لقاءاتها مع الناس تستجمع بيانات ومعلومات جديدة سواء أكانت طرائف أو لمحات من الجغرافية والتاريخ، كما أنها ترسم أهم الملامح التي تميز كل حي، ولهذا فقد دأبتْ على تجسيد نقلها بالكلمات التي تعتمد على التصوير للمشهد بواقعية وأمانة، وخاصة تلك اللمحات الإنسانية مع أشخاص حكاية كل حي مُحاوِلةً كسر الحاجز النفسي بينها وبينهم حتى تصير منهم ويصيرون منها، مما جعل القارئ يشعر فعلا أنه يعيش في نفس الحي الذي تتحدث عنه في كل كتبها بلا استثناء.

ستقول أنك تعشق مصر وتحبها، ولكنك لم تقرأ ما كتبته جاذبية صدقي عنها، ولهذا فأنت مازلت لم تعرف مصر التي وثقتَها تلك السيدة الرائعة بكل صدق وأمانة تزيل سوء الفهم المُلتاث عن أعماقها في الحارة الشعبية الذي زيفته أقلام بعض من يدبجون الأفلام ويرسمون فيها واقعًا من خيالاتهم التي لا تعرفه مصر وتشوهها في أعين العالم على عكس ما فعلت هذه المصرية العاشقة لبلدها، والتي أنفقت من عمرها كل هذه الأعوام بقدر عشقها لها، وبقدر قيمة بلدها في عينيها، فتقول:
(روحي في الأحياء البلدية! لا أصلح أنا مع الأرستقراطية المُنشاة! يضيق صدري، وتنطبق أنفاسي! وقد قال لي محمد عبد الوهاب أول مرة لقيته فيها: "أنتِ تشبهين بنات باب الشعرية مسقط رأسي"، ففرحتُ أنا جدًا بتشبيهه! وفي أمريكا، كنت ألتف بملاءة بلدية وأتزين بـ "كردان لبة"، وأحضر أعظم حفلاتها! وأعز صديقاتي الطيبات اللاتي يعشن على الفطرة التي فطرها عليهن الله، سبحانه، تجدهن في "الحسين" و"المغربلين" و"الدرب الأحمر"!).

انتقلت الفنانة التشكيلية الكبيرة جاذبية سري من الحياة الإرستقراطية لتعيش في الحي الشعبي بعد وفاة أبيها والانتقال لبيت جدها لأمها، لتصب جدتها في أذنيها الحكايات الشعبية المصرية عن الأقدمين والمحدثين، والتي تصورت شخوصها في ذهنها رسومًا في ذلك العهد الباكر من طفولتها التي ساهم فيها نشأتها في أسرة فنية، ثم تركت لنفسها النزول لساحة الناس تنقل عنهم فنها ولكن بنفس الأناقة التي تربت عليها؛ فقد كانت قابضة على ناصية الجمال في الشعبيات المصرية بتنوعها لكنها أبت إلا أن تنقله برقيها الذوقي الذي ينحاز إلى الناس بحساب.
يعتبرها أهل الفن في مصر "الأم المصرية" للرسم في فن التصوير الحديث، والتي قدمت مصر للعالم من خلال ريشتها التي غمستها في نهر النيل، ذلك أنها منذ نعومة أظفارها في بداياتها مع الفن والشخصية المصرية تلح عليها في أعمالها التي تحاول فيها الخروج من رتابة النمط المألوف والسائد في الرسومات التي كانت شائعة في الفن آنذاك، لتنفخ فيها جاذبية سري من روحها المحبة للحياة فتمنحها الحركة في تكويناتها التي تنعم بالحيوية بتكويناتها الثرية بالألوان، وقدمت ذلك من خلال رؤيتها التي زاوجت فيها بين الأرستقراطية الجامدة والشعبية بحركتها التي حاولت أن لا تنحاز لها تمامًا كما لا تجعلها تخرج عن إطارها في اتزان وتوافق بينهما دقيق.

لم تكن جاذبية سري الفنانة التي تخلص للرسم في ذاته باعتباره موهبتها ومجال دراستها بل لأنه كان وسيلتها في التعبير عن حبها للوطن الذي اعتبرته مادتها الخام، ومخزونها الحيوي التي تستلهم منه شخصياتها التي بدأت معها منذ عام 1949م حين رسمت بوعيها الثوري وحسها الوطني في فيعان الشباب الشهيدة "أم صابر" التي سقطت وهي تدافع عن مصر ضد المحتل البريطاني.

كانت جاذبية سري حتى في عناوين لوحاتها شديدة المصرية ومنها لوحة "الزوجة الثانية"، ولوحة "أم رتيبة" التي أجادت فيها التعبير عن الحارة المصرية وروحها، وأشهر لوحاتها "الأستغماية"، ولوحة "نشر الغسيل" التي تفيض بالمصرية في التصوير والتكوين والتلوين، و"لعبة الحجلة"، و"تكوين من مصر" الذي واكب مرحلتها الفنية الخامسة التي زاوجت فيها بين البيوت والصحراء والتي مالت فيه نحو التجريد في التعبير بالتشخيص الحواري من خلال المفردات في لوحاتها، ولوحة "الحياة على شاطئ النيل"، ولوحة " الفلاحة والغلام" وتحمل خلفيات الكثير من لوحاتها، بحسب مراحلها الفنية، شخصية مصر التي تحكي فيها طرفًا من مصر وتاريخها وتطورها السياسي والاجتماعي في العهدين الملكي والجمهوري.

نقلت جاذبية سري مصر إلى المتاحف العالمية حين حصلت على بطاقة العضوية البلاتينية بمتحف "المتروبوليتان" بنيويورك وهو من أكبر وأهم المتاحف العالمية المخصصة للفن الحديث، وبذلك أصبحت تجاور كبار الفنانين العالميين، وتصبح لوحتها "الطيارة" وهي واحدة من مجموعة لوحات لعب الأطفال التي رسمتها عام 1960م أول لوحة مصرية تعرض في ذلك المتحف، ولقد وصف الناقد الإيطالى "كارمينى سينسيكالكو" الفنانة الكبيرة جاذبية سري بأنها: (من معالم البانوراما المصرية للفن النسائي).

ينبغي على من يحب مصر أن يقرأها بقلم الكاتبة الكبيرة جاذبية صدقي، ويراها بريشة الفنانة الكبيرة جاذبية سري، فسيرى مصر التي يبحث عنها في أعماقه، ومصر التي يجب أن تكون، ومصر معشوقة من أحبوها حتى أفنوا أعمارهم كلٌ بحسب ميدانه ومجاله في تخليد تاريخها وتوثيقه وتسجيله كتبًا ولوحات، مصر التي كانت بين جاذبيتين خلداها بالحرف وباللون.



#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمضان بين -التواحيش- ورجاء القبول..
- رمضان: مدرسة لا تغلق أبوابها..
- التاريخ وشهر رمضان تعانقا
- باكورة انتصارات الإسلام في رمضان
- السويس: مدينة النضال والجمال..
- أعلام العرب في تقديم الثقافة -موجزة-..
- مسرحية: -المنعطف الأخير-..
- مسرحية: -العائد الذي ما عاد-..
- استرشاد المرأة العصرية بحياة أمهات المؤمنين.
- أيَّامٌ في دَنْدَرَة..
- لقاء في -ساحة النور- بدندرة..
- صور الحب في فكر الدكتور محمد حسن كامل
- الشهيد عبد المنعم رياض: دلالات النشأة والوطنية..
- مفهوم -الشعر- في فكر الدكتور محمد حسن كامل..
- قراءة في بناء ومعوقات رأس المال الاجتماعي عبر المجتمع الافتر ...
- تقدمتي لقصة ” شاء قدري”.. للكاتبة هزيل حورية..
- الهجرة النبوية: المقدمات والنتائج..
- -حول المجتمع الافتراضي-.. حوار مع عالم الاجتماع الدكتور وليد ...
- حوار حول الأمازيغية مع الشاعر الباحث عادل سلطاني
- التصوف وعلاقته بالتشيع.. الافتراق والالتقاء


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - بين جاذبيتين: مصر بالحرف واللون...