أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم إبراهيم - رقص














المزيد.....

رقص


أكرم إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1497 - 2006 / 3 / 22 - 10:53
المحور: الادب والفن
    


منذ اللحظة الأولى رد علي مداعباً : أنت أنت ، باقٍ على عهدي بك ، لا تتغير .
لم يكن وقتاً للمشاحنات أو لفتح حوار . وازدحام المهنئين لا يمنحني الحق بوقت أطول ، فصمت .
بين تهنئتين سألني عن ثالث القوائم ـ إذ كنا ثلاثة لا تقوم الطاولة إلا بنا نحن الثلاثة ـ فوجدت نفسي أكيد له فأقول : كما تحب وتشتهي . وأخذتني الحيرة من أمر مشاعري .
بعد عدة أيام سألني أمام باب صديقنا : هل هذا بيته ؟! فلم ألتفت إليه حتى لا يلحظ في ملامحي ما يجلو شكوكه فتأتي المفاجأة ناقصة . قلت : حالاً نتأكد ، محاولاً أن لا توحي نبرة صوتي بما هو أبعد من هذه السخرية . وما إن فتح الباب حتى تراجع خطوة إلى الوراء كمن يهم بالهرب ، ونظر إلي نظرة مستفهمة .
ابنة صديقنا ، ابنة الخمس عشرة سنة ـ التي لم يسبق لها أن عرفته ، والتي كانت تبدو كالصبيان بشعرها القصير جداً، وربطة عنقها، وبنطالها ـ رحبت بنا بالتتابع : أهلاً " أونكل" أكرم ، أهلاً " عمو " ، تفضلا.
من العمق جاء صوته : من يا حيفا ؟
ـ " أونكل " أكرم .
ـ لا تدعي هذا الديناصور يدخل .
قلت : وحبيبك أبو الفوارس ؟!
ـ من ؟! معقول ؟! أهلاً أهلاً ، من ؟! أبو الفوارس ؟! أهلاً أهلاً ـ وراحا في عناق حميم في حين كنت أراقب الانطباعات على الوجهين ـ تفضلا ، ادخل أنت "على حجته " .
قلت لأبي الفوارس : ها أنت تسمع بأذنك ... لك واحدة علي .
على العتبة شددته من كمه وأنا أخلع حذائي ففهم على الفور ما أعنيه : "اخلع حذاءك ، أنت على السجاد من النوع الفاخر"، فرمقني بنظرة مرتبكة معاتبة وكأنه يقول:"أما كان يجب أن تقول لي؟!" ، فابتسمت متلذذاً تلذذ المقهور بالسلطة . وقهري قديم يعود إلى ذلك الزمن الذي كانت تطاردني فيه كلمة انتهازي منهما معاً، وتجعلني أحسب ألف حساب لكل كلمة أقولها .
استقبلتنا زوج صديقنا أطيب استقبال ، ونلت شخصياً نصيباً وافراً من العتاب والتوبيخ لأنني أتكبر عليهم ، فذكرتها بأن زوجها كان سيطردني عن الباب ، وأنني إن كنت أنعم الآن بوجبة البيتزا التي تجيد صنعها أكثر من أي مطعم في أمريكا ، فهذا يعود فضله لصديقنا المشترك المحبوب الذي آمل أن يصطحبني معه دوماً إلى هنا .
بعد وجبة البيتزا التي أكدت محبة حماتينا لنا سمعنا لعثمات على البيانو من حيفا وأختها الأصغر تريزا. وما إن انتهت " حيوفة " وأختها من العزف حتى بادره بالسؤال : ما رأيك أن أزوجك إياها ؟ فتدخلت مستغلاً ارتباكه : عرضٌ مغرٍ، صحيح أنها من بيت أبي قمل ، لكنها مجتهدة ومهذبة ، ولقد سمعت عزفها ، وهي فوق ذلك تجيد الإنكليزية ، وأنت لن تضمن قبول أبٍ كما ضمنته الآن .
قالت : لا عمو .. نحن بيت أبي قمل ؟! وانسحبت خجلاً من عرض أبيها ، لا من مزاحي إذ سبق لها أن سمعته مني .
بالطبع لم يكن الوالد جاداً في عرضه ، فعدا فارق السن هو يأمل بمستقبل هانئ لابنته . ولا أعرف ما الذي حدا بي للاعتقاد بأنه أراد من طرف خفي ، بوعي أو بدونه ، أن يثير أسف أبي الفوارس على ما فات ، أو أنه أراد مبادرته بالهجوم كأحسن وسيلة للدفاع وكأنه يقول : انظر الفرق بين واقعيتي ومثاليتك.
أكثر فأكثر بدا أن مرحنا مشحون، وفي كل منا تفور وتغلي هواجس وتداعيات ، وأن الجلسة ستنفجر في اللحظة القادمة .
أبو الفوارس على الأخص بدا متكوراً كالجنين ، وفي لحظة سكن فيها حتى هدبه ، كانت قدمه شبه العارية تربت على السجاد تفريجاً عن توتره فقلت له : كفاك تحريكاً لقدمك ، لقد أثرت شهية الذئب خلفك .
يبدو أن انتباهه كان قد انصرف عن الذئب أثناء دخوله ، أو أنه لم يميزه في زحمة الأشياء التي تستحق الانتباه فالتفت إليه كأنما أراد أن يتأكد من صحة كلامي .
بحدسه أدرك أنني أصبحت ثملاً تماماً ، وأن زيارتنا على قصرها أصبحت أطول مما يجب ، فوقف مستأذناً تجنباً لما لا تحمد عقباه .
بعدما خرجنا سألني : من أين له هذا ، من " أخي المواطن " ؟ وكأني به أراد أن يسمع تكذيباً لهواجسه .
قلت : بل من أخينا المواطن .
ـ ولهذا تبدو سعيداً منتشياً ؟! فجمدني كطريدة بهرها ضوء ساطع مفاجئ ؛ حقاً كنت كراقص على الجراح ، كل همي أن أزهو بنقائي أنا " الانتهازي " ، وسقوط المناضل الصلب محطّ إعجابه ، ولم أجد مهرباً من الصمت سوى سؤالي إياه : هل تقوم الطاولة على اثنتين ؟ فقال " تقوم " خاوية هامدة لا حرارة فيها ، لكننا على الطاولة لم نستطع استعادة الأجواء الحميمة ، أيام كنا نلفظ الكلمة بكل ما أوتينا من طاقة وكأنما سنغير العالم بها في اللحظة .



#أكرم_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدمة
- المطهر
- هواجس
- سقوط حر
- صخب
- سلة هواجس
- هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 2من2
- هل يمكن القضاء على الفساد بأدوات فاسدة ؟ 1 من 2
- عكك*
- شكراً لحماس وحزب الله
- قصة
- الدولة والعودة : الجدل بين الشعار والممارسة والخطاب *
- نصر آخر لحزب الشعب وشركائه
- قمة هرم أم مركز مثلث ؟!!
- قراءة في إعلان دمشق
- ليس خوفاً على السلطة بل خوفاً من حزب الشعب


المزيد.....




- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم إبراهيم - رقص