|
لا بذيل عن دمقرطة الدولة الجزائرية ( 6 )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5903 - 2018 / 6 / 14 - 18:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
امام الفشل الذريع الذي حصدته الدولة الجزائرية بعد انقلاب 19 يونيو 1965 ، خاصة في الميدان الزراعي ( الثورة الزراعية ) ، والميدان الاقتصادي ( الثورة الصناعية ) ، وبعد ان اصبح الوضع غير مطاق ، ومرفوض من قبل كل الدوائر المكونة للشعب الجزائري ، في مواجهة الاختيارات الفوقية التجريبية المجردة من اية نزعة أيديولوجية ، والتي كانت كل نتائجها تصب في مصلحة حفنة متربعة على سدة الحكم ، المُقسم مناصفة بين جنرالات الجيش ، وبين فاشيو جبهة التحرير ، وبعد ان ضاق الخناق على الطبقة السياسية الماسكة بكل السلطات ، خاصة بعد التعديل الدستوري الأخير الذي وسع من سلطات رئيس الجمهورية على حساب سلطات الحكومة ، وعلى حساب البرلمان الذي قُلصت اختصاصاته الى حد ادنى ، واضحى عاجزا عن ممارسة الرقابة الفعالة على الحكومة وعلى رئيس الجمهورية ، ودوره لم يعد يتعدى التصفيق للرئيس ، وان كان مريضا خارجا عن دائرة العمل ، وللحكومة التي أعضائها كلهم من الفريق المكون للأغلبية داخل البرلمان ، حتى بدأ جهابذة النظام المتمسكين والمتشبثين بالأصبع العشرة على الحكم والنظام ، كآلة لاستمرارهم في التحكم في الثروة وفي الاقتصاد، يتحركون لإيجاد الحلول ، لا لإصلاح الوضع عن طريق الترشيد والتقويم ، ولكن وباسكيزوفرينة مقيتة ، ادمجوا ما يسمى بالإصلاح في قالب ( قطاع خاص ) مع الاحتفاظ بشكل خجول باقتصاد عام موجه كبستنة وضيْعة محجوزة للجنرلات ولفاشيو الجبهة ، مع ترك بعض الفتاة للبيروقراط الذي ادلو بدلوهم كطبقة جديدة ومتميزة ، وتطمح لتمثيل البديل عن الفشل الذي أصاب الدولة الجزائرية في ( ثورتها الزراعية ) ، وفي ( ثورتها الصناعية ) ، ومن ثم الإعلان عن فشل النموذج التنموي الجزائري الذي تبنته الجزائر ،منذ الإطاحة بأول رئيس اشتراكي لجزائر ما بعد الاستقلال في 19 يونيو 1965 . فما هي التوازنات السياسية الجديدة للنظام العسكاريتاري التوتاليتاري الجزائري ؟ ان الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر ، جنرالات الجيش وفاشيو جبهة التحرير ، الماسكين بقبضة من حديد على رأس الحكم ، بوصفها قد عبرت تاريخيا عن مرحلة التراكم البدائي للرأسمال الصناعي الجزائري الذي رافق صعود رأسمالية الدولة ، قد اقامت -- وتمشيا مع متطلبات شروط الفترة الحرجة التي يمر بها النظام الذي فقد كل أوراقه ، واستنفذ كل خياراته ، وتعرت كل ( تجاربه ) مناوراته وافتضحت -- نظاما سياسيا يتميز بتمركز شديد لسلطات رئيس الجمهورية ، وهي المؤسسة التي يتقاسمها بالتناوب جنرالات الجيش وفاشيو الجبهة . فالتعديل الدستوري الأخير الذي عرفته الجزائر ، ارتقى بالرئيس من مجرد رئيس ( منتخب ) ، الى قوة غير مرئية تشبه في النظام السياسي المغربي مكانة الأمير ، والامام ، والراعي الكبير . وما يذل على هذا التشابه بين النظامين المغربي والجزائري ، في تقوية رأس النظام ، وتقوية المؤسسات الاستراتيجية المرتبطة بالنظام ، والتي منها وبواسطتها يضمن استمراره وديمومته الأبدية ، هو انه رغم مرض رئيس الجمهورية ، الذي اصبح خارجا عن الخدمة ، ف ( الجزائريون ) ومن خلالهم المؤسسات الهشة من برلمان وحكومة ، متمسكين به . وبطبيعة الحال ان الذي يتمسك بالرئيس هم من يضمن استمراره من عدمه ، وهم الجنرالات وفاشيو الجبهة الذين يُسمون بالصقور ، لانهم هم من يحافظ على تماسك النظام ، من خلال فرضهم رئيسا تحت الطلب . فالرئيس وحسب التعديل الذي أُدخل على الدستور ، يكون قد ارتقى الى مرتبة إله ، واصبح وجوده على رأس الدولة بمثابة عطاء إلاهي ، لا يجب معارضته ، تحت طائلة الخروج عن اجماع ( الامة ) – الإحالة دينية -- ، فالرئيس المريض بمرض افقده الذاكرة ، يجب ان يبقى على رأس الدولة حتى يقر الله امرا لم يكن منظورا . لكن ، ان ( ديناميكية ) قوانين ذاك التطور نفسه المؤسس لدولة الشخص ، قد افرزت عوامل تقضي بنفي شكل السلطة السياسية ذاك ، وتحتم تجاوزه نحو شكل اقل تمركزا من سابقه ، بفعل الضغط الداخلي ، وبفعل الفشل المحتوم للخيار الجديد الذي يتنافى مع الديمقراطية وحقوق الانسان . ان هذه العوامل هي التالية : أولا ، على صعيد الرأسمال الخاص الجزائري : من جهة أدى توسع القطاع الخاص العمومي ، وما رافقه من تزايد في حجم العمال المرتبطين به ، وتوسع قطاع موظفي الدولة ، الى خلق سوق جديدة استغلها الرأسمال الخاص ، لإقامة صناعة تلبي حاجات الاستهلاك لتلك السوق ، وهي أولى بوادر المطالبة بليبرالية اكثر ، ورفض لنظام الشخص – الرئيس الإله . ومن جهة ثانية ان ظهور فئة جديدة من الأطر التكنوقراط ، والبيروقراطية داخل جهاز دولة الشخص الذي قد يتشبه بالأمير ، والامام ، والراعي الجزائري للشعب الجزائري ، وما استتبعه من تزايد في حجم مداخيلها ، الامر الذي خلق لها ميولات استهلاكية ، تقارب العقلية الاستهلاكية المتعارضة مع عقلية الاستحواذ على الثروة والتقنين الخدماتي للمشاريع العامة ، وهذا يعني الشروع في خلق طبقة معارضة ، على طريقة الطبقة الاستهلاكية الاوربية المتمردة على دولة التقنين ، وضبط عمليات السوق المختلفة . ومن جهة ثالثة ، ان تطور الشركات الوطنية العملاقة مثلا " السونتراك " قد يسمح للمقاولات الصغيرة والمتوسطة ، ان تعمل في الظل داخل المجال الصناعي الذي تركته تلك الشركات شاغرا . وهذا يعني فرز المجتمع الجزائري لطبقة جديدة معارضة لتركيز الحكم ، والثروة ، والاقتصاد في يد شخص ، ومنه تركيزه في يد جنرالات الجيش وفاشيو الجبهة . ان هذه العوامل وبالتعارض مع الاقتصاد الممركز والموجه ، قد مكنت إذن ، ورغم انف العسكر وجبهة التحرير ، الرأس المال الخاص بان يبرز في الساحة كقوة اقتصادية ، وحتى سياسية جديدة ، فاصبح مطلوبا اخذ مطالبها بعين الاعتبار ( نلاحظ مثلا كيف اصبح الرأسمال الخاص اليوم يتجرأ على توجيه انتقادات لاذعة لسياسة الدولة الاقتصادية المركزية ، وبالمقابل نلاحظ وامام هذا التطور ، حصول نوع من التغيير في الخطاب السياسي للنظام الاميري الجزائري ، بحيث اصبح يؤكد على ضرورة تشجيع القطاع الخاص ،رغما عنه ، كحل للهروب من فضيحة الفشل الذي أصاب الدولة الجزائرية نفسها ، وليس فقط اختياراتها . فالاعتراف عن مضض بالقطاع الخاص ، الذي يعني الشروع في بروز طبقة تطالب بالحداثة ،والشفافية ، والديمقراطية ، وحقوق الانسان، ومن ابرزها التأكيد على المبادرات الفردية ، غايته ليس التشجيع على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، بل توريط القطاع الخاص كي يتحمل مناصفة ، فشل اختيارات الدولة الجزائرية ، ومن ثم خلط الأوراق بما يجعل الفشل والازمة ، خارجة عن طاقة الجزائر ، ورميها الى سياسة المؤامرة الخارجية . ثانيا ، اما على صعيد مناورات النظام والطبقة التي تمسك الحكم بقبضة من حديد ، فلقد أدى تطور رأسمالية العسكر وفاشيو الجبهة الى فرز فئة جديدة من التكنوقراط التي تُسيّر بالتلكوموند ، والمتربعة على رأس الشركات الوطنية الكبرى ،والمتحكمة في تسيير القطاع الصناعي العمومي لإنقاذه من الإفلاس . ان هذه الفئة الصاعدة اليوم ، وان كانت مرتبطة برئاسة الجمهورية اكثر من ارتباطها بالمؤسسات الهشة ، فهي في خدمة الدولة الجزائرية . وهي وبخلاف العسكر وفاشيو الجبهة الذين ركزوا على التقنية بدون مدلول أيديولوجي ، لها عقلية وسياسة مخالفة شيئا ما لانقلابيي 19 يونيو ، بل أصبحت تشكل نوعا من التمايز ( الطبقي ) داخل الطبقة الحاكمة التقليدية ،التي تسببت في ففشل الدولة الجزائرية . بل ومن خلال تتبع وتحليل التطور الذي حصل بالجزائر قبل التعديل الدستوري الذي ركز السلط بيد رئيس الجمهورية ، فتمايزها اضحى واضحا داخل ( النخبة السياسية ) المتربعة على رأس جهاز الدولة ،والجيش ،والحزب ، والنقابات . ان تطور الطبقة الحاكمة في اتجاه تعميق الانقسام بين فئة التكنوقراط ،وفئة النخبة السياسية ، وما يترتب عن ذلك من تنافس بينهما ، يفرض احداث تغيير حقيقي وليس مجرد صوري في العلاقة بين اطراف الطبقة الحاكمة . ان هذه العوامل ، مضاف اليها الضغط الجماهيري التواق الى الحريات الديمقراطية ، تستوجب تجديد صياغة سياسية جديدة ، تضمن نوعا من التوازن بين الأطراف المذكورة : الرأسمال الخاص ، فئة التكنوقراط الجديدة ، النخبة السياسية ، الطبقات الشعبية ، والصياغة السياسية الممكنة ، تكمن في شروع النظام المركزي للقيام بشيء من " دمقرطة المخزن الجزائري " من اجل مجتمع مدني حقيقي . فهل سيكون الشعب الجزائري في مستوى المرحلة ، للنزول الى الشارع ، واحتلال الساحات ، وإعلان العصيان المدني ، للثورة ضد ثلاثة وأربعين سنة من الدكتاتورية الموزعة مناصفة ،بين جنرالات الجيش ،وفاشيو جبهة التحرير الوطني ، لبناء جزائر الشعب ، لا جزائر الإنقلابيين ، وإعادة للجزائر مكانتها التي كانت لها وعليها قبل انقلاب 19 يونيو 1965 المشؤوم .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النزعة التوسيعة الفاشلة للنظام العسكريتاري التوتاليتاري الجز
...
-
الحل كان في اصله فاشلا -- علامات انهيار الدولة الجزائرية ( 4
...
-
تناقضات النموذج ( التنموي ) الجزائري -- ازمة زراعة ، فشل صنا
...
-
التنمية الجزائرية المعاقة ( 2 )
-
الانقلاب البومديني ( بودين ) ، وفشل اختيارات الدولة الجزائري
...
-
وثيقة نادرة : بلاغ حول الاراضي المغربية المغتصبة . - الاتحاد
...
-
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
-
الحاكمية
-
سيناريوهات الحرب القادمة والخطة المحكمة لمواجهتها ( تابع )
-
الخطة المحكمة لمواجهة اية حرب طارئة بالمنطقة ( تابع )
-
حتى لا تداهمنا بغثة الحرب القادمة ( تابع )
-
التهديد بالعودة الى الحرب
-
القرارات الاممية حول لالصحراء .
-
قراءة لقرار مجلس الامن 2414 حول الصحراء .
-
حين يتم ضرب وحدة العمال ، يتم ضرب الوعي الطبقي / الاجتماعي -
...
-
( المثقف ) المغربي الانتهازي
-
عندما تصبح القيادة البورصية عائقا امام تبلور فكر طبقي / عمال
...
-
سيناريو القرار المقبل لمجلس الامن حول الصحراء .
-
حقوق الانسان
-
دور الاجهزة البورصية النقابية في ضرب وحدة العمل النقابي واعا
...
المزيد.....
-
رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة
...
-
قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
-
مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا
...
-
تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل
...
-
السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة
...
-
بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي
...
-
وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب
...
-
مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث
...
-
-أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3
...
-
-تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي
...
المزيد.....
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
-
شئ ما عن ألأخلاق
/ علي عبد الواحد محمد
-
تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|