أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم الحيدري - ثقافة الجماهير وتصنيعها















المزيد.....

ثقافة الجماهير وتصنيعها


ابراهيم الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 5902 - 2018 / 6 / 13 - 09:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثمة خلاف واضح بين رؤية فالتر بنيامين وبين أعضاء مدرسة فرانكفورت النقدية وبخاصة تيودور أدورنو حول أزمة الثقافة في المجتمع البرجوازي ودور ووظيفة الفن فيه وخاصة الثقافة الجماهيرية. فقد رأى معظم رواد مدرسة فرانكفورت النقدية، بان للفن وظيفة سياسية، فهو يقوم عموما بوظيفة المصالحة بين النظام القائم والجمهور.
تأثر فالتر بنيامين ببرشت، الذي ارتبط معه بصداقة وطيدة واعتبر اعماله المسرحية من أهم الاعمال الفنية وأكثرها تأثيرا في الجماهير، بالرغم من خيبة أمله من الستالينية التي دفعته مؤخرا الى التمييز بين الماركسية والستالينية ورأى بان الماركسية التقليدية تتصور العمل مجرد تقدم للسيطرة على الطبيعة وليس تراجعا اجتماعيا والدليل على ذلك انتعاش الملامح التكنوقراطية في ظل الفاشية. ومع ان العمل ينظر اليه بارتياح ساذج دوما، فانه يتعدى استغلال الانسان للطبيعة الى استغلال الانسان للانسان نفسه.
وبالرغم من خيبة أمل بنيامين من صناعة السينما، فانه كان متفائلا بوظيفة الفلم الثورية. وقد كتب مرة، "بان إعادة انتاج العمل الفني سوف يغير العلاقة بين الفن والجمهور، مثلما عمل بيكاسو وشارلي شابلن، التي تميزت اعمالهما بمضامين ثورية ونقدية". ففي السينما تتداعى المواقف السمعية والنقدية للمشاهد معا، ولكنه في ذات الوقت، دعا الى تسيس اشتراكية الفن كجواب مباشر على تجميل فاشية السياسة.
وخلال اقامته في باريس واهتمامه باعمال بودلير، احتفى بجمهور الحداثة الحاشدة التي تملىء شوارع باريس وتحولهم الى سلع رأسمالية خاضعة لمعايير العرض والطلب التي تؤرخ لأزمة الفن الحديث.
لقد اختلف أدورنو مع بنيامين ورأى بان الثقافة الجماهيرية هي أيديولوجيا باعتبارها "ثقافة مصنعة" لا تتحكم عفويا بالجماهير، وانما تشيؤ ما يظهر منها كثقافة، كما في الموسقى التي هي قوة دعائية نقدية. وقد ذكر أدورنو، بان بنيامين لم يكن مولعا بالموسيقى ومن يقرأ كتاباته يلاحظ موقفه منها وبصورة خاصة في مقال له حول"المؤلف كمنتج" الذي اظهر بوضوح تأثره ببيرشت حيث قال" وان تضيف الى الموسيقى كلمات"، وهو رأي يتضمن معنى سياسيا واضحا.
وقد ميز تيودور أدورنو بين "تصنيع الثقافة" و"الثقافة الجماهيرية" التي تفترض ان الجماهير تتحمل المسؤولية عن الثقافة التي يستهلكونها وذهب الى ان منظروا الثقافة الجماهيرية فرضوا هذا النوع من الثقافة على الجماهير فرضا، مما هيأهم للترحيب بها، دون ان يدركوا انها مفروضة عليهم قسرا، وبمعنى آخر، فان أدورنو يرى بان هناك ثقافة تُصنع من اجل الجماهير وهي أقرب الى انتاج السلع الاستهلاكية التي توجه للجماهير من أجل التلاعب بعقولهم دون ان يدركوا محتوياتها وأهدافها.
ان نقد ادورنو للثقافة الجماهيرية لا ينطلق من " ديمقراطيتها" وانما من أدلجتها، فهي توجه وتدار ليس بصورة عفوية، بل لكونها ثقافة مشيئة. وعلى سبيل المثال، فالتراجيديا لا تعبر في الحقيقة عن احتجاج، بقدر ما تعبر عن عزاء وسلوى، وان الرسالة التي تهدف الى توجيهها هي قبل كل شيء رسالة استسلام وليس اتخاذ موقف رفض وتحدي. وهي بهذا تبعد الافراد عن الواقع، تماما مثل اساليب السيطرة التي كانت تمارسها الموسيقى الكلاسيكية الطبقية. ويأتي أدورنو بأمثلة عديدة، منها موسيقى الجاز في أمريكا كنموذج آخر للثقافة الشعبية المؤدجلة. فالموسيقى، بحسب أدورنو، كالنظرية، يجب ان ترتفع على الوعي السائد للجماهير، لأن البحث عن العواطف الحقيقية والعميقة لا يمكن التحقق منها في المجتمع المعاصر بسهولة. إنّ الثقافة المصنعة، بحسب أدورنو لا تشبع بكل بساطة حاجات المستهلكين، وإنما تدفعهم إلى الاندماج في النسق الاجتماعي العام، الذي يرتبط بالثقافة السائدة، التي تتجدد باستمرار وتندمج بالنسق العام بحيث لا تترك لعفوية الجماهير أي أثر يذكر، وتجعلهم يتحركون في فضاء لا يستطيعون فيه تحقيق استقلاليتهم. والشيء الحاسم، كما يقول أدورنو، ليس بيع الثقافة والفنون والاتجار بها، وإنما الطريقة التي تتغير بها الثقافة والفنون لتصبح منتجات سلعية تعرض كبضاعة مصنعة شعبية رائجة.
إنّ الثقافة الشعبية المصنعة على نطاق واسع إنما تمثل خطراً على الفنون الرفيعة ذات الجوهر الفكري والفني الرفيع. فعلى العكس مما تشبعه الثقافة المصنعة على نطاق واسع من سلع، فإن الحاجات الاجتماعية والنفسية الحقيقية هي الحرية والاستقلالية والإبداع التي تشيع السعادة الحقيقية.
ان الثقافة والفنون تعيش اليوم في وضع متأزم، لخضوعها الى تقنيات غير مرئية يحددها ويسيّرها المجتمع الرأسمالي. وإذا كانت هذه الأزمة لا تمثل «نهاية الفن»، فان الفن فقد وظيفته الاجتماعية وأصبح موضوعاً هامشياً وزائداً عن اللزوم لتحرير الحاجات الجمالية. فالرياضة والإعلام والتلفزيون والموضة وغيرها تقدم للأفراد بدائل جديدة وذلك بسبب التغيرات التكنولوجية التي حدثت في القرن العشرين، التي «ثورت» الإمكانات التقنية وقادت الى توسيع وامتداد كبيرين للفنون، ولكن في الوقت ذاته، أدت الى تجزئتها وانتشار الفنون الترفيهية بدلاً من التمتع بالفن الرفيع والتبصر العميق فيها. كما ان التقنيات الجديدة للثقافة الجماهيرية جعلت الفن البرجوازي عتيقاً ولم تعد له تلك «الهالة» الفنية التي دعا إليها فالتر بنيامين في كتابه «العمل الفني في زمن إعادة إنتاجه». وهذا في الحقيقة مؤشر على انحطاط الذوق الجمالي الذي يقوم على النظرة الطبيعية والمباشرة والأثر الاجتماعي لأي عمل فني. وبدلاً من ذلك ظهر الفن المجزأ والموجه الى الجماهير، كما في الفلم والتصوير، الذي يطلق العنان للفئات غير الواعية، ويجعل عناصر الواقع الجديدة في متناول الجميع ومن منظور زمني ولكن مشوه. ومن هنا يبدو لنا بأن أدورنو لا يهتم بالفن الجماهيري بقدر ما يهتم بصحة واستقلالية العمل الفني وتحرره من الثقافة المصنعة وتسطيحها. فهو يرى، بان الفن يتضمن خصائص معرفية، فهو مطبوع بأفكار التحرر التي تظهر بوضوح في الأعمال الفنية الراقية وفي الوسيط الذي يربط بين الشكل والمضمون، وهو النظرية، التي تدعم وظيفته النقدية. للفن إذاً وظيفة نقدية ثورية، لأنه يبدع عالماً جمالياً جديداً معادلاً لانغلاق الواقع ومواجهته وكذلك تغييره.



#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثابت والمتحول في الشخصية العراقية
- علي الوردي والطبيعة البشرية
- ماضوية الثقافة العربية... وتشوّهات الشخصية العراقية
- جون لوك والتسامح
- حين تحل القبيلة محل الدولة؟!
- في المعنى السوسيولوجي للثقافة
- الخاتم السحري
- على الوردي ونقد العقل البشري
- الاسكندر الكبير في بابل
- يورغن هابرماس و-الشعور الأخلاقي-
- التربية والتعليم بين النظرية والممارسة
- الفن وروح العصر
- نمو الطبقة الوسطى وضمورها في العراق
- عولمة الثقافة وثقافة التصنيع
- ابن رشد وحقوق المرأة
- النقد والحرية
- الفن والثقافة الشعبية
- المحاصصة الطائفية والهوية الوطنية
- الدولة الريعية الشمولية تجعل السلطة أكثر قوة وتماسكاً
- هل العراقيون أهل شقاق ونفاق؟


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل محاضرة في الجامعة العبرية بتهمة الت ...
- عبد الملك الحوثي: الرد الإيراني استهدف واحدة من أهم القواعد ...
- استطلاع: تدني شعبية ريشي سوناك إلى مستويات قياسية
- الدفاع الأوكرانية: نركز اهتمامنا على المساواة بين الجنسين في ...
- غوتيريش يدعو إلى إنهاء -دوامة الانتقام- بين إيران وإسرائيل و ...
- تونس.. رجل يفقأ عيني زوجته الحامل ويضع حدا لحياته في بئر
- -سبب غير متوقع- لتساقط الشعر قد تلاحظه في الربيع
- الأمير ويليام يستأنف واجباته الملكية لأول مرة منذ تشخيص مرض ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف وحدة المراقبة الجوية الإسرا ...
- تونس.. تأجيل النظر في -قضية التآمر على أمن الدولة-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ابراهيم الحيدري - ثقافة الجماهير وتصنيعها