أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الجزائري - الاسيرة














المزيد.....

الاسيرة


سعاد الجزائري

الحوار المتمدن-العدد: 5897 - 2018 / 6 / 8 - 01:10
المحور: الادب والفن
    


اسدلت الليل على شعرها، لبست نهارها ثوبا، وبضيائه انارت كل مساحة في جسدها تستحق ان يلامسها النور، لتشع الدفء حولها..
حملت حقيبة كلماتها واسرارها، علقتها على كتفها، ثم اسدلت الهواء شالا انساب بنعومة انثناءاته على صدرها وقلبها.
فتحت باب عالمها، وبالمفتاح اغلقت خزنة حزن تكدست فيها تلال من بقايا قصص تكسرت اوجاعها على عتبات زمنها الذي سرقت سنينه من قبل اناس انتهكوا حرمة روحها قبل الجسد..
عند باب القصة، وهي تحاول الدخول تعثرت بعتبتها، وعند المدخل، تذكرته، كان مركونا في عمق دهاليز الذاكرة..يجلس وكأنه جبل لا ينزاح من موقعه..
عند المنعطف الاول في مدينة تلك الحياة التي تبعثرت بين ايام حب وشهور حرب وسنوات اغتراب، التهم الزمن دفعة واحدة، كل منبت للفرح، زمن كأنه غول حكايات طفولتها وسعالي خيالها المسكون بالخوف والهزيمة..
يجلس،هو، عند المنعطف في درب قهرها، تتذكره عاليا، وكانت قامتها بجانبه، تنكمش كلما تيبس الحب في اطرافها..وكلما يشتد البرد في فراش وحدتها..
من موقعه الغاضب، وعبر صليل شفرات قسوته، كان يراقب، ويتربص اي فرحة قد تفلت عن غفلة من روحها، فيصطادها بحجارة غضبه وتسلطه..
بهذا العالم المحشور بقهره، والذي خلا من سمائه، ولا نور فيه، تكدست ظلمته على ارصفة الغروب، بأنتظار شمس اقسمت ان لا تشرق فيه، خوفا على اشعتها التي قد تتكسر في وحشة هذا العالم المتوحد..
وتدريجيا بدأت تتساقط طيور فرحها الطفولي، وحزم شبابها امتعته ليرحل بعيدا، وقص الخوف اجنحتها فلم تعد تطير ابدا، وبقيت هي ساكنة في زاوية الوحشة ترتعد خوفا وتمطر دمعا..
عافتها السنوات بعدما تعبت شهورها، وشحبت ايامها، وتناثرت ساعاتها بين تراب الاحذية..
ظلت اسيرة زوايا جدران خذلانها، وتدريجيا نساها الكره والحب، فصارت كيس اجوف، لا يحركه حتى الخواء الذي يحيطه..هبطت الى العمق ولم يعد في حياتها خط عمودي تسطحت تفاصيلها وبدأت تتسرب اجزاء منها نحو العمق، وظل هو كنصل حاد، ينغرز في كل جزء يحاول الظهور..
الاسير لا يحلم الا بمساحة يمدد جسده فيها نحو الاعلى، او بقعة ضوئية، تتحرر فيها العين من ظلمة تلفها بقوة، او بيد تتحرك بأتجاهات مختلفة، لا يهم ان يكون قلب الاسير عاشقا، او كارها، المهم في لحظات الاسر هذه، الحركة، هي كل ما يشتهيها الاسير، حركة تحرره من البقعة التي يتسمر بها...
هي كانت داخل جسد هذا الاسير المحتجز منذ سنوات تفتحها وحتى بداية تساقط اوراقها النظرة..ظلت تراقب جذورها التي بدأت تنكمش وتلتف حول ساقيها، تلملم اوراقها التي بدأت تتساقط، لتعيدها الى مكانها..تتعبها ابتسامته الشامتة وهو يراقبها، متلذذا بذبولها المبكر، وبإمتلاكه لمفاتيح روحها وجسدها، لكنه ترك لها حرية القهر ومساحة شاسعة من حزن تخاف حتى ان تبوحه..
تعلمت منه وبسببه صنعة الخديعة، وتدريجيا بدأت تزحف خطوة خطوة خارج اسره.
كالصغيرة كانت ترتعب من خطواتها وهي تتحرر نحو الفضاء، وترتعب اكثر وهي تتذكر عالم اسرها، لكنها لم تتوقف، بعدما لامست يدها اول خيط في فضاء حريتها، هي هناك، في المدى البعيد، رأت جسدها يرقص على انغام الشمس، وفي عينيها بريق لا يشبه لمعان الدمع، هو الشيء الذي لا تعرف اسمه، لكنها ستعرف اسمه يوما ما.. ما اجمل ان ترى البريق في عينين لم يلمع فيهما الا بريق الدمع..
ستهرب من ليلها، وتقفز عاليا من حفرة الاسر، نحو فضاء عالم ستكتشفه بمفردها، برؤيتها، تتلمسه بيدها، وترسم بوعيها جغرافيته كي تنسى تاريخ تلك الظلمة..
كيف تزيح هذه الذكرى التي تركت اثارها كالحروق، او كأثر طلقة يأبى جرحها ان يندمل..
يوم تحررت من بقعة اسرها، عرفت انها دفعت من رصيد حياتها كل سنينها اليافعة، وابقت لها بعضا من السنوات الهرمة، لكن روحها ظلت مربوطة بذلك المكان الذي سكنه الاسير، وهي تتجول بين سنواتها بحثا عن منفذ تقتحمه لتحلق في فضاء تحلم به، فضاء رسمته على ورق مائي، يضيع فيه حبر الكلمات، فضاء هو حلم تلك المساحة الشاسعة التي تريد ان تنطلق بها كحصان لا يروض..
غادرت عالمها القديم، لكن بقاياه عالقة بين اصابعها، في بؤبؤ العين، بين خفقات القلب، وفي تنفسها، ويشتد عصف ذكرى ذلك العالم كلما تشكل في رحم روحها جنين فرح..
لم تتحرر من اسر قهر تلك السنوات، حتى لحظة انعكاس وجه الاخر في مرآة عينيها، رأت فيه الفضيلة، وعرفت بحضرته العبادة، لانه النقاء بدون وضوء، مد شعاع روحه، امسكته وتسلقت عاليا الى دنيا رأتها بحلمها فقط، وظلت دنيا هلامية بعدما غاب، وبغيابه، عرفت انه دخل عالمها ليفك اسرها، بعدما مدت يدها في عمق بحر عشقه وانتزعت، من محارة قلبه لؤلؤة الحب الذي لم تشاهد بريقه الا معه..
معه كسرت جدار صمتها وسمعت رنين صوتها لاول مرة، سمعت نشيد الحب..لكنه غادرها بعد ما ان وجدت بداية حدودها ونهاية جغرافيتها..
بغيابه بدأت رحلة البحث عن المفقود عن النصف الذي لن يكتمل..ولم تجده..
فسرقت الحب
علقته مبللا على حبل الصدفة
.تحت شمس البعد
فجف سريعا
وتاه قلبها من جديد
بين الخاطف والاسير
عادت بإرادتها وبكل وجد الى اسرها.
هذه المرة كانت هي الخاطف والاسير معا..لانها لا تطيق الانتظار عند بوابة الحب، كي تتلقف كلمة قد تقال او حرفا يتطاير مع رياح الوجد التي تعصف بشدة وتخبو بشدة...لكن في خزينتها الكثير من الحب خبأته لوقت الحاجة كي لا تعيش العوز حبا..



#سعاد_الجزائري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة غانية
- العراق: بين ارهاب صدام والتفخيخ بالحزام
- اين دستورنا من الاتفاقيات الدولية؟
- من غشنا فهو ليس منا


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد الجزائري - الاسيرة