أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عايدة الجوهري - أرجل الرّجال














المزيد.....

أرجل الرّجال


عايدة الجوهري

الحوار المتمدن-العدد: 5895 - 2018 / 6 / 6 - 17:13
المحور: المجتمع المدني
    


«أرجل الرجال»، «الرجل الرجل»، «رجل ولا كل الرجال»، «رجل بكل معنى الكلمة»، هذه الشعارات ذيّلت، الشهر الماضي، الصور العملاقة لأحد زعماء الطوائف اللبنانية، الراسخين الأبديين، تبريرًا وتفسيرًا لانحياز أنصاره الثابتين له، وتشجيعًا للآخرين على إعادة انتخابه، دون غيره الأقلّ «رجولةً وقوةً وسطوةً» ضمنًا.
لا يأبه هؤلاء الناخبون لأداء زعيمهم السياسي الفعلي، ولا يتساءلون عن إنجازاته الوطنية، ولا عن الملفات العامّة التي عالجها، ولا عن القضايا المهمّة التي دافع عنها، ولا عن التشريعات التي أسهم في إنجازها، من أجل تحسين ظروف حياتهم، والدفع بالبلاد إلى الأمام، كلّ ما يعنيهم هو كونه نموذج السياسي الهجومي، والعنيد، والشرس، الذي لا يلين، والذي يخشى غضبه زعماء الطوائف الأخرى، في عملية تهديد وابتزاز متبادلين.
أظنّها ظاهرة لبنانية عربية عالمية تقضي بتماهي الذكور المقهورين والإناث المقهورات، مع من يُمثّل الصورة النقيضة لصورتهم، والتي توحي بالسلطة، والنفوذ، والسيطرة على الواقع والتأثير على الحدث، والقدرة على النجاح والارتقاء والعلو، وتوزّع على المهمّشين وقليلي الحيلة أوهامَ القوة والغلبة، والانتصار، فينساق هؤلاء إلى من يجسّد في عيونهم «الرجولة الحقّة» و«القوة الحقة»، بما هي قوة مطلقة ينشدونها لأنفسهم، ولا تتوفّر لهم، فلا يملكون سوى التماهي مع من يظنّون أنّه يمثّلها.
وأظنّها ظاهرة تحاكي في الآن عينه مجموعةً من الصور، والخيالات، الراقدة في اللاوعي الجمعي العربي، وبعضها ماثل في الذاكرة المعاصرة، والتي تقرن السياسة، بالقوة، والتحدي، والغلبة، والمغالبة، والقدرة على إخضاع الآخر، وهزمه.
ولمّا كان تعريف السياسة على هذه الشاكلة، فهي تندرج في منظومة الرجولة، بما هي هوية الذكر الاجتماعية التي يحوز بفضلها مكانته الاجتماعية، والاعتراف به ككائن ذكري مكتمل خالٍ من شوائب الأنوثة، والسياسة هي مسرح الرجولة الأمثل، فهي في العالم العربي عمومًا، وفي لبنان على سبيل المثال، عالمٌ قائم على الصراع، والتحدّي، وعلى المواجهة الفظة، وعلى الانتصار القبلي الطائفي، أو الهزيمة القبلية الطائفية، والصراع المذكور يحياه المحكومون بحماسٍ وحمية يفوقان حماس وحمية الحكّام الذين وجدوا، منذ نهاية الحرب، حلاًّ تسوويًّا قضى ويقضي بالتحاصص السياسي، والإداري، والاقتصادي، والمالي، والخدماتي، والأمني، وحتى الدبلوماسي.
ورغم اشتراك الشعوب العربية بجذور الثقافة السياسية، التي يشتبك فيها الدين بالسياسة، المقدّس بالفعل والحدث التاريخيين، العقل القبلي الجماعاتي، بالعقل الفردي، إلاّ أنّ اللبنانيين ينفردون بدوافع انجذابهم إلى زعمائهم الطائفيين، فهؤلاء هم، في عيونهم، قادة المعارك السياسية من أجل انتزاع ما اصطُلح على تسميته تعسُّفًا «حقوق الطائفة».
إنّه وهمُ الحماية الذي يُغذّيه الخوف من الطوائف الأخرى، ووهم الحقوق المحفوظة على لوح الزعامة، اللذين ينهضان (الخوف والوهم) على عدم الوثوق بالدولة، وحياديّتها وموضوعيّتها، وقدرتها على حلّ النزاعات، فضلاً عن وهم استحالة الخروج من المأزق، الذي يجعل اللبنانيين، وخلافًا لمنطق التاريخ، يعيشون واقعهم، كقدر إلهي، حتمي، مستسلمين لفكرة الزعيم الملهم، والمنقذ، والكلّي القدرة.
في ظلّ هذا الصراع المدمّر لفكرة الدولة، ولفكرة المواطن، ينبهر اللبنانيون بالزعيم الصنديد، المتصلّب، العنيد، المستعدّ للمبارزة والمواجهة، والمغامرة، أيًّا كانت الأثمان العامّة، وهم يمقتون الرجل السياسي المتّزن، المتروّي، المتأنّي، الحكيم، ويصمونه، بالرخاوة، والجبن، والميوعة، والتأنّث، وبأنّه «شبه رجل»، عملاً بالعبارة العربية المشهورة، «يا أشباه الرجال».
استوعب الزعماء اللبنانيون الدرس فكلّما أفصح الزعيم عن قدرته على انتزاع الحصّة الأكبر من موارد الدولة، وانتهاك القوانين، ومعه منطق الدولة والعدالة، استقطب مزيدًا من التأييد والمبايعة، وأبدى أتباعه استعدادهم لفدائه بالروح والدم.
ووفق منظومة المفاهيم والمقولات التي يرجع إليها مصطلح «رجولة» في الثقافة العربية، هو «أرجل الرجال»، و«رجل بكل معنى الكلمة»، هو وجه الرجولة المثلى، المكتملة، المظفرة، الرجولة البطلة، التي تُبطل قدرات الخصوم، وتهزمهم، وتُشعر المقهورين والضعفاء بالقوة، والعلو.
إنّه استعمال مشوّه لأخلاقيات «الرجولة» التي تشتمل في تعريفاتها المتعدّدة والمتناقضة على خصال إيجابية هي أصلاً عابرة للجنس، منها روح العدل، والعدالة، والترفُّع، والنزاهة، والوفاء، والحكمة، والمسؤولية، إلخ... ولكنّ الثقافة السياسية الأثرية archaique القائمة جوهريًّا على مفاهيم الغزو والسلب والنهب والاستعباد والتحكّم والأمرة والتسلّط، شاءت أن يستعمل المصطلح، ذي الرنة الإيجابية المطلقة في آذان العرب، لتجميل ما يرفضه المنطق السياسي الحديث، ويُمجّده منطق القبيلة.
إنّ توظيف دلالات الرجولة في الوضعيّة التي وصفنا، إنّما هو استعمال انتقائي، أداتي يرمي إلى مخاطبة المنظومة الثقافية الأخلاقية الأثرية الكامنة في لاوعي الجماعة المستهدفة، ولا بدّ أخيرًا من الاستنتاج أنّ ثمّة علاقة عكسية بين انحسار قيم الديمقراطية، والقانون، والعدالة، والحرية، والمواطنة، والفردية، وحقوق الإنسان، وبين رواج وطغيان صورة الرجل القوي، والمتسلّط، والفتّاك.



#عايدة_الجوهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة التي تعشق جلادها
- أنا أغنّي، أنا أسمع الموسيقى، أنا أرقص، أنا حرّ، أنا حرّة
- هل أنتمي إلى أقليّة؟
- -يسار- عايدة الجوهري: مفهوم متحرّك للعدالة الإجتماعية
- كلُّنا مقتولات محتَمَلات
- العرب يكرهون العمل
- التمرُّد على الله
- لماذا تكتبين؟
- أسياد وعبيد
- لعنةُ الأنوثة؟ أم لعنةُ الرّجولة؟


المزيد.....




- بيان للولايات المتحدة و17 دولة يطالب حماس بالإفراج عن الأسرى ...
- طرحتها حماس.. مسئول بالإدارة الأمريكية: مبادرة إطلاق الأسرى ...
- نقاش سري في إسرائيل.. مخاوف من اعتقال نتنياهو وغالانت وهاليف ...
- اعتقال رجل ثالث في قضية رشوة كبرى تتعلق بنائب وزير الدفاع ال ...
- بايدن و17 من قادة العالم يناشدون حماس إطلاق سراح الأسرى الإس ...
- البيت الأبيض يدعو حماس لـ-خطوة- تحرز تقدما في المفاوضات حول ...
- شاهد.. شيف غزاوي يعد كريب التفاح للأطفال النازحين في رفح
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات مستقلة في المقابر الجماعية بغزة ...
- بلجيكا تستدعي السفيرة الإسرائيلية بعد مقتل موظف إغاثة بغزة
- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عايدة الجوهري - أرجل الرّجال