أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أشرف حسن منصور - إعادة نظر في قول المسيح -إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني-














المزيد.....

إعادة نظر في قول المسيح -إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني-


أشرف حسن منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5893 - 2018 / 6 / 4 - 16:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إعادة نظر في قول المسيح "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني"
تعرضت سيرة المسيح للتحرير والصياغة بهدف إخفاء الطابع السياسي لدعوته والتعتيم على السياق السياسي للمسيحية الأولى. ذلك لأن المسيحية كانت تنتشر في ظل الإمبراطورية الرومانية، ولم يكن ممكناً لدين أن ينتشر داخل الإمبراطورية ومؤسسه قد صلبته هذه الإمبراطورية بتهمة العصيان والتمرد عليها. فكان لابد لكُتَّاب الأناجيل تقديم صورة للمسيح باعتباره مسالماً مهادناً، غير مهتم بالسياسة ورسالته أخلاقية دينية صرف، وغير عابئ بالاحتلال الروماني لبلاده، بل وتقديمه على أنه يوصي بدفع الجزية لقيصر؛ وهي صورة مشوهة تماماً ولا تتفق مع منطق التاريخ ولا مع طبيعة الإنسان والمجتمع. وعلى الرغم من كل ما تعرضت له سيرة المسيح من تحوير، فإن بعض أقواله تبرز شاهدة على مواقفه الحقيقية من الرومان ومن الهيروديين الذين كانوا يحكمون فلسطين بالوكالة عن الرومان، وهي أقوال لم يستطع كتاب الأناجيل إخفاءها نظراً لشهرتها، وهي كاشفة عن الجانب السياسي والثوري والنضالي في دعوة المسيح، ذلك الجانب الذي تعرض للتعتيم المقصود في العهد الجديد كله.
سأتناول فيما يلي أحد هذه الأقوال.
"و قال للجميع إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه و يحمل صليبه كل يوم و يتبعني" (لوقا 9: 23)
كانت هذه المقولة هدفاً للتأويلات الدينية اللاهوتية، وهي موضوعة في إنجيل لوقا وسط عبارات أخرى للمسيح تدعو للسلام بحيث تأتي كل العبارات مدعمة لمعنى السلام. فحمل الصليب وفق هذه التأويلات هو قبول المسيح المصلوب فادياً للبشرية وحاملاً عنها خطاياها، والصليب هنا ليس صليباً حقيقياً بل صليب رمزي للفداء.
لكن دعنا نضع هذه المقولة في سياقها التاريخي والسياسي لفلسطين المحتلة من قبل الرومان في القرن الأول الميلادي. كان الصلب هو عقوبة الرومان للمتمردين الخارجين على سلطة روما، وقد بالغ الرومان في معاقبة المتمردين اليهود في عصر المسيح. فعندما كان المسيح طفلاً صغيراً، أي سنة 4 قبل الميلاد حسب الأناجيل، قامت ثورة يهودية مسلحة ضد الرومان، الذين كانوا يدعمون حكم أسرة هيرود بالقوة العسكرية. ولم تستطع الحامية الرومانية في أورشليم التصدي لهذا العصيان المسلح، نظراً للأعداد الكبيرة التي شاركت فيه من اليهود، فأرسل الرومان بعد ذلك فيلقين بقيادة فاروس Varus حاكم سوريا، وقضى على العصيان المسلح، وقام بصلب 2000 من الثوار. والمؤكد أن ذكرى هذه الأحداث وما تبعها من صلب هذا العدد الكبير ظل عالقاً في أذهان الكثيرين من معاصري المسيح، ولاشك أن المسيح كان على دراية تامة به، لأن أحد أهم المشاركين في العصيان كان زعيماً دينياً من الجليل وهي الإقليم الذي جاء منه المسيح، ويسمى يهوذا الجليلي.
فلا يمكن للمسيح أن يذكر الصليب وينبه أتباعه على ضرورة حملهم للصليب كي يتبعوه دون أن يقصد بذلك معاني سياسية ثورية. خاصة وأن هذه المقولة مذكورة في إنجيل لوقا في سياق تعريف المسيح بنفسه للجموع التي تساءلت عن هويته. فالمسيح ببساطة عندما يطلب منهم حمل الصليب كل يوم يبلغهم أنهم من الممكن أن يكونوا ضحية للرومان، لأن الصلب عقوبة رومانية للمتمردين عليها. لقد كان يطلب منهم بصورة مباشرة الاستشهاد في سبيل الدعوة.
أما التأويل اللاهوتي للمقولة فيذهب إلى أن المسيح كان يعرف أنه سيصلب وكان يدعو أتباعه لقبول صلبه المستقبلي على أنه فداء للبشرية. هذا التأويل اللاهوتي يقدم المسيح على أنه شخصية دينية لاهوتية فقط، وليس له أي علاقة بواقع بلاده وأقواله بدون أي دلالات سياسية، وهذا كله خطأ. كما أن الصليب في التأويل اللاهوتي مجرد رمز، في حين أن المسيح كان يقصد الصليب الحقيقي كعقوبة رومانية. إنه يبلغهم أنهم سيتعرضون للصلب، وليس هو. إنه يبلغهم أن طريق دعوته يتطلب أقصى تضحية بالنفس. ولا يمكن لدعوة تنتهي بالصلب إلا أن تكون دعوة نضالية ثورية ضد الرومان. هذه هي الحقيقة التي أراد كتاب الأناجيل إخفاءها. مقولة المسيح هي دعوة صريحة لمواجهة الرومان، وقد حدث هذا بالفعل بعد المسيح، في الحرب اليهودية ضد الرومان في 66 – 70 ميلادية، والتي انتهت بتدمير الهيكل وأورشليم كلها وفلسطين كلها.
كيف ليسوع أن يكون منتمياً لمجتمع يعاني من الاحتلال الروماني ومن تدنيس الرومان الوثنيين لمقدساته بوضع شعاراتهم العسكرية وتماثيل آلهتهم وأباطرتهم في المعبد المقدس، دون أن يتخذ من الرومان موقفاً؟ تكشف الأناجيل عن يسوع مثالي حالم، لا يهتم بالسياسة ولا بالواقع الفعلي لليهود، وهي صورة مشوهة تماماً. لكن من قراءتنا للأناجيل نستطيع أن نستشف شخصية يسوع الحقيقية، لقد كان غيوراً على دينه إلى أقصى حد، ولم يكن من الممكن أن يكون مسالماً مهادناً مع الرومان الوثنيين الذين يدنسون مقدساته. عندما يبلغ يسوع أتباعه بضرورة حملهم للصليب، فهو يدعوهم للثورة على الرومان، ولم يكن من الممكن لمستمعيه من اليهود أن تأتي على أذهانهم الدلالات اللاهوتية للصلب والتي ارتبطت بدعوة المسيح بعد ذلك، فهذه الدلالات التي أضفاها بولس الرسول في صنعه لدين جديد لم تكن في الأفق الفكري والعقلي لليهود الذين كان المسيح يخاطبهم. عندما تتحدث مع شعب محتل وتقول له احمل الصليب، فأنت تدعوه ببساطة إلى الثورة على القوة المحتلة. مقولة المسيح ثورية إلى أقصى حد، مهما حاولت التأويلات اللاهوتية تغيير طبيعتها.



#أشرف_حسن_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة الرأسمالية بين فوضوية السوق ودكتاتورية المصنع
- الترجمة ونظرية التناسخ
- القضايا الأساسية في النظرية الماركسية - 2) 2) ديناميات التغي ...
- القضايا الأساسية في النظرية الماركسية (2) - 1) الأساس الاقتص ...
- الوجوه المتعددة لهابرماس
- القضايا الأساسية في النظرية الماركسية
- حقيقة الناسخ والمنسوخ في القرآن
- الأشاعرة وكلام الله النفسي
- نحو تصحيح المفاهيم حول مبادئ الشريعة الإسلامية
- خلق العالم بين التوحيد والثنائية الأنطولوجية للروح والمادة
- كيف تملكت أوروبا فلسفة ابن رشد؟
- كيف يصير المرء رأسمالياً – المحددات البنائية للفاعلين الاقتص ...
- كيف تصير النصوص أصناماً؟
- ماذا قال ماركس عن محمد علي؟
- الحداثة والدين وتمايز مجالات القيمة
- كولريدج والجاسوس الفضولي
- هل يستطيع الإله التواصل مع البشر بطرق أخرى غير النبوة؟
- لمحات من فكر المعتزلة - 1) هل القرآن دليل على وجود الله؟
- حول إعادة النظر في تصنيفات الإسلام السياسي
- عصر التنوير ونقد الفكر الديني. هولباخ نموذجاً


المزيد.....




- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أشرف حسن منصور - إعادة نظر في قول المسيح -إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني-