|
رحلة العائلة المقدسة … عيدًا قوميًّا
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5891 - 2018 / 6 / 2 - 16:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أولَ يونيو من كل عام، نتذكّرُ يومًا مهيبًا من تاريخ مصر الثريّ، وقع قبل ألفي عام. في ذاك اليوم، وصل السيدُ المسيح طفلاً، مع أمه مريم العذراء، عليهما السلام، إلى أرضنا الطيبة؛ يحتمون بها من بطش هيرودس ملك فلسطين. فقط أرضُ مصرَ، من بين راضي الله الشاسعات، اختارتها العائلةُ المقدسة ملجأً وسكنًا، فأحسنتْ أرضُنا الدافئةُ استقبال ذلك الوفدَ الكريم، وضمّت بين شغاف قلبها طفلاً قدسيًّا، لتحميه من قاتل الأطفال. وكبر الطفلُ ليغدو رسولَ السلام الذي "يجولُ يصنعُ خيرًا"، فطوّبه اللُه بالسلام: "وسلامٌ عليه يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويم يُبعثُ حيّا". كانت أرضُنا الطيبة لتلك العائلة “ربوةً ذات قرار ومعين". جالت فيها سيدةُ الفضيلة فتفجّرتْ تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت بكل بقعة وطئتها زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُنا بخصب لا يبور، وإن بارت بقاعُ الدنيا. طافت العائلةُ المطوّبة من شرق مصر إلى غربها إلى جنوبها ثم عادت من حيث أتت. هجروا فلسطين ودخلوا مصرَ من باب "رفح"، ثم "العريش". ومن سيناء" الشريفة، دخلوا "تل بسطا" بالزقازيق. وظمأ الطفلُ ولم ينجدهم أحدٌ بشربة ماء، وبكت الأمُّ الصغيرةُ، فتفجّرت بئر ماء تحت قدمي الشجرة، وارتووا. وستأنفوا الرحلة إلى "مسطرد" ثم "بلبيس" ثم شمالا نحو "سمنّود" ثم غربًا نحو "البُرّلس" ثم "سخا"، ثم "وادي النطرون". بعدها دخلوا منطقة "المطرية" و"عين شمس". ثم ارتحلوا إلى "الفسطاط"/بابليون، بمصر القديمة فاختبئوا في مغارة محلّها الآن كنيسة "أبو سرجة" الأثرية. بعدها دخلوا "المعادي"، ثم سافروا جنوبًا نحو صعيد مصر ومكثوا برهة في قرية "البهنسا". ومن بعدها ارتحلت العائلة المقدسة جنوبًا نحو “سمالوط” ومنها عبرت النيل شرقًا حيث "جبل الطير" ودير السيدة العذراء. ثم عبروا من جديد من شرق النيل إلى غربه إلى حيث بلدة "الأشمونيين" التي شهدت معجزات عديدة للسيد المسيح. ثم ساروا جنوبًا نحو"ديروط" ثم "القوصية" ثم غربًا حيث قرية "مير". إلى أن دخلت العائلة الطيبة منطقة "دير المحرّق"، وهي أهم محطّات الرحلة المقدسة، حيث استقرّت بها الأسرةُ قرابة نصف عام، وتٌعدُّ تلك أقدم كنيسة في التاريخ لأنها شهدت طفولة المسيح عليه السلام. بعدها كانت محطتّهم الأخيرة بمغارة في "جبل درنكة" بأسيوط، لتبدأ بعدها رحلة العودة إلى أرض فلسطين. طوال تلك الرحلة الشاقة القاسية، كانت أرضُنا تذوبُ رحمةً تحت قدمي الفتاة التي اصطفاها الُله لتحملَ في خِصرها الرسولَ المُطّوب؛ فكان وأمُّه آيةً. تفجرت عيونُ الماء في الصحراء القواحل، ونبتت زهورٌ بين طيّات الصخور، وتساقط فوق كتفي البتول، من جافّ النخيل، رطبٌ شهيٌّ يسُرُّ الناظرين. لهذا بارك الكتابُ المقدس أرضَنا الكريمة التي استقبلت المُصطفاةَ، وبارك ابنُها شعبَنا الطيبَ قائلا: “مباركٌ شعبي مصر". ربما ذلك العهدُ القدسي الذي سطرته مصرُ في قلبها للمسيح وأمه، ودوّنه التاريخ في كتابه، هو سبب تلك العروة الوثقى والرباط الأزليّ الذي يربط الأقباطَ بأرضهم مصر، التي سمّاها أجدادنا الفراعنة: "ها كا بتاح"، أي "منزل روح بتاح"، وتحوّرت إلى: “ كَبَت”، (قَبَط)، ثم "إيخبت" ثم "إيجبت"؟! أُكررُ مناشدتي للدولة المصرية بأن تجعل (أول يونيو) عيدًا قوميًّا رسميًّا وشعبيًّا، يحتفل فيه المصريون كافة، بذلك الحدث الاستثنائي. وأكرر طلبي الذي أنادي به منذ عام 2003، بأن تنظم وزارة السياحة رحلات رسمية للسياح وللمصريين يقطعون فيها محطّات تلك الرحلة. فيكون لها مردٌّ هائل على إنعاش السياحة، والأهم، انتعاش المعرفة التاريخية عن مصر العريقة في عقول النشء الجديد. ولقاؤنا الجمعة القادمة في المتحف القبطي للاحتفال.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البئرُ المقدسة
-
لماذا تُدهشنا دولةُ الإمارات؟
-
الرقص داخل الأغلال … محاولة للطيران
-
السؤالُ أم الإجابة؟
-
العالم يُحذّر من كتاب فاطمة ناعوت الجديد
-
الرئيسُ والبيسكليت...والعجبُ العجاب
-
أنا لِصّة طباشير
-
لماذا أكتبُ بالطباشير؟
-
3 دروس صعبة ... في حكاية محمد صلاح
-
لماذا يُقبّل البابا أقدامَ الفقراء؟
-
صائغُ اللآلئ … عظيمٌ من بلادي
-
الأرخميديون
-
هاتفي... الذي أحبَّ تونس
-
مات نزار العنكبوت ... منذ خمس دقائق
-
عاصفة الغبار ... شهادة جماهيرية ل (علي الحجار)
-
فيلم هاني رمزي الجديد .. الضحك بطعم المرّ
-
هل جدلت السعف بالأمس؟
-
أوهامُ الحبّ ... وفنّ الهوى
-
مشعل النور من الأقصر للمغرب على صفحة النيل
-
نشاركُ في الانتخابات … حتى نستحقُّ مصرَ
المزيد.....
-
كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا
...
-
بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي
...
-
أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا
...
-
لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن
...
-
المتطرف -بن غفير- يعد خطة لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى
...
-
فيديو/المقاومة الإسلامية تستهدف قاعدة ميرون -الاسرئيلية- با
...
-
-شبيبة التلال- مجموعات شبابية يهودية تهاجم الفلسطينيين وتسلب
...
-
المقاومة الإسلامية تستهدف مقر قيادة الفرقة 91 الصهيونية في ث
...
-
الخطارات.. نظام ري قبل الإسلام لا يزال يقاوم الاندثار
-
الشيخ قاسم: المقاومة الإسلامية فرضت قواعدها باستخدام الحد ال
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|