أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - مظهر محمد صالح - ديوان الحكومة القديم














المزيد.....

ديوان الحكومة القديم


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 5888 - 2018 / 5 / 30 - 22:09
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


ديوان الحكومة القديم
الكاتب:د. مظهر محمد صالح

03/9/2014 12:00 صباحا

ابتدأت العطلة الصيفية واستمالتني الرغبة في يوم ساخن من ايام ستينيات القرن الماضي إلى زيارة عمي في مكتبه الحكومي الذي كان يحظى بوظيفة رئيسة في وزارة المالية يوم كان ديوان الوزارة ببغداد يشغل مكاناً لم تتسعه وقتذاك سوى جدران وأقبية ديوان الحكومة القديم، ذلك الديوان الذي شيد في عهد الوالي العثماني مدحت باشا واكتمل بناؤه في العام 1870. وبين الأروقة شبه المضاءة والملفات البالية التي رقدت في سباتها فوق الرفوف أو ممن استرخى بعضها براحة الموت في داخل دواليبها الخشبية المظلمة لتعتليها أعداد من الزواحف الصغيرة وهي تسير برفق بين طبقات الغبار الذي تسلل هو الآخر بلا استئذان يذكر من النوافذ المفتوحة او المغلقة في غرف الموظفين.
عندها تخطت أرجلي برفق، آخذة طريقها في ممرات الطابق الاول كي أتسلق أدراج الطابق الثاني وكان عليَّ المرور بين الموظفين الذين لم أستدل من عملهم شيئا إلا بكونهم مضمونا غامضا سواء الجالس منهم او الواقف او نصف المتحرك. ولم افهم من نشاطهم شيئا على الوجه الصحيح وأنا تلميذ ما زلت أتطلع الى ذلك الفضاء الغريب المتداخل من عالم الوظيفة العامة. قلت في سري ان الوظيفة هي خدمة للناس قبل كل شيء وحق للكفاءة وواجب للضمير وكبرياء للذات البشرية وهي جانب من عبادة الله خالق الكفاءة والضمير والكبرياء. ولكن كنت احمل في سري ايضاً اللغز الذي لم يفارقني يومها بأن دور الشيطان في الادارة ظل قوة راسخة منذ الأزل، وان من يمارس الوظيفة العامة عليه ان يعبر جسراً من الدبابيس المدببة بحذر كي تبقى الوظيفة نقية خالصة في خدمة الانسانية!. فمازالت الوظيفة العامة معبد الله على الارض تتقرر فيها مكانتنا نحن البشر في الدنيا او الآخرة!
دخلت غرفة عمي الذي استقبلني بفرح غامر، قائلا لي انت اليوم في قلعة المالية العامة، ودعني اصطحبك بعد انتهاء الدوام لنتناول طعام الغداء سويةً، وهو العرض الذي أفرحني ولكن تداركتُ نفسي في تلك اللحظة، ليقع نظري على رجل وقور بسيط، بدأت ملامح الحزن العميق عليه، جلس أمامي مرتدياً قميصا أبيض وسروالا أسود وبيده عصا ويضع فوق عينيه نظارة سوداء غامقة.. ثم تحدث كلاماً جميلاً وبهدوء عالٍ عن فقدانه بصره وضياعه لمشاهد الطبيعة وحتى متعة النظر الى نخيل مدينته التي ولد وترعرع فيها، فضلاً عن مشقة التعامل في ادارة شؤون الحياة ومساراتها اليومية.
كان الرجل موضوع اهتمام غير عادي في ديوان الوزارة.. وقام عمي من فوره بتسليمه كتابا صادرا عن الحكومة، تضمن في نصه قيامها وقت ذاك بتحمل نفقات علاج هذا الرجل في واحدة من مستشفيات اسبانيا. فرح الرجل ووقف على قدميه بعد أن تحسس الأمل في استعادة دواليب حياته..! ودهشت وقتها على هذا الاهتمام بهذه الشخصية البسيطة في لباسها ومظهرها وهي تنال الاهتمام الرسمي ويتلقى في الوقت نفسه كل الود والمحبة والاحترام.غادرنا وهو يمسك عصاه بيد ويرافقه شاب قام بامساك يده الأخرى، وصرتُ أتابع خطاه البطيئة في ممرات ديوان الحكومة القديم (القشلة)!. وهو مبتسم وما زال يقرأ المستقبل بنفسه على ضوء فرحه وقرة عين حلمه الابدي بأن يعاود الحياة ثانية وببصر ثاقب ويجلس ذات يوم في مكانه المضيء نفسه...!
التفت عمي نحوي، بعد ان سقطت دمعتان من عينيه قائلاً، انه رجل قدَم للعراق خدمات نادرة وهو لا يملك في هذه الدنيا شيئا ولكن البلاد والإنسانية قد ورثت منه كل شيء، مما جعلته يستحق الاهتمام والمودة الفائقة!. قلت له من هذا الرجل يا ترى..؟ أجابني: ويحك ألم تعرفه؟ أجبته: كلا قطعاً..! استدرك قائلاً، انه فنان الأمة إنه.. حضيري ابو عزيز! حزنت في نفسي عليه بعد ان أخذت أساريري تنعى حال عملاق الطرب الريفي الأصيل صاحب أغنية طفولتي..عمي يبياع الورد!!
ختاماً توفي مطرب العراق الكبير حضيري ابو عزيز في العام 1972 لتطوي البلاد حينها صفحة في الغناء والطرب الريفي الأصيل لم يعوضها غيره حتى الساعة.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفارقة اسيا
- متجر الماس:أغنياء وفقراء
- انغولا والنفط الملعون...!!
- الشاي الأسود والسكر الابيض
- نهاية الموديل الاقتصادي للقيصرية الروسية
- المقاصة الدراسية وازمة الهوية
- الخمر والأغلبية الصامتة!
- ‎امرأة من حديد!
- عالم مسطح ..!!
- القمامة و صندوق النقد الدولي
- الرقص مع الذئاب..!
- مسابح العنصرية
- العبودية في القرن الحادي والعشرين!
- تقسيم العمل..ثروة أم اغتراب؟
- غزوة المتحف..!
- ليلة الهروب
- صبي تحت الشمس..!
- النفط والحليب من دين واحد
- نساء في اقتصاديات العمل
- فندق الاسرار!


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - مظهر محمد صالح - ديوان الحكومة القديم