أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - الشهيد نجمة في السماء والاسم المجهول لى الارض














المزيد.....

الشهيد نجمة في السماء والاسم المجهول لى الارض


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5884 - 2018 / 5 / 26 - 18:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الشهيد نجمة في السماء والاسم المجهول على الأرض



أول مرة اصطدمت بكلمة شهيد ، كنت في الصف الرابع حين أخذت امرأة كانت يوماً جارة لبيت جدي في قرية المجيدل المهجرة – مجدال هعيمق – تحدثني عن جدتي التي جن جنونها حين استشهد أبنها – عمي - ، وكان ذلك بعد أن هربوا الى قرية يافة الناصرة عام 1948 ، تاركين خلفهم بيتهم في المجيدل واثاثهم المتواضع من فراشات ولحف ووسائد وأدوات المطبخ النحاسية والأرض المزروعة ببعض الخضروات ، أما جدي فقد أصيب بطلقة رصاص في فخذه ، مما أقعده فوق كرسي الشلل ، يتنقل بصعوبة، لذلك الجدة كانت ربان القارب التائه .
لم أعرف عمي ولم أسمع حكاية استشهاده إلا من تلك المرأة التي كانت شاهدة عيان ، لكن بدأت أنظر الى جدتي من زاوية أخرى ، وأتأمل ملامحها الحزينة المثقلة بحنين غامض، وقسوة تستمدها من ظروف أحاطت بعنقها ، كالحبل المجدول بخيطان الدهشة والرحيل والفقر والجوع واللجوء ونظرات الأبناء الذين وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة خارج بيتهم والحيرة والعراء عنوانهم، والخوف من الآتي في انتظارهم.
الحبل المجدول بدهشة اللجوء والدم يشد على رقبة جدتي ، يخنقها ، و لا تجد أمامها إلا المزيد من التجهم والعبوس، حتى أننا كنا نخاف الاقتراب منها، وعندما نلمح ابتسامة تشق شفتيها ، نراها عجيبة قد نزلت من السماء ونتساءل – شو صاير في الدنيا - ، لكن كأنها تحرم نفسها من لحظة فرح تتسلل الى القلب في غفلة ، سرعان ما تزم شفتيها وترجع الى حالة التجهم .
ما معنى شهيد ؟ سألت أمي التي أجابتني ،اللي بموت دفاعاً عن وطنه ، لكن عمي الصغير لم يحمل بندقية ، لم يقاتل..! فقد عرفت أن جدتي همست له، حيث كان أكبر أولادها بأن يتسلل الى قريتهم ، ويأتي ببعض الخضروات من أرضهم، لكن عند وصوله الى بيتهم ، وحين كان يهم بدخول الأرض الملاصقة للبيت ، إذ بأحد الذين استولوا على البيت من اليهود ، يطلق عليه الرصاص ويرديه قتيلاً ، ولم يكتف بقتله غدراً وفي وضح النهار ، بل قام بوضعه بالعرض على الحمار الذي كان يركبه عمي ، متدلياً كالذبيحة ، أما الخرج الذي جهزه عمي من الطرفين لوضع الخضروات، فقد أحتضن قطرات الدم النازفة من الجسد الذي أخذ ينتفخ من حرارة الشمس .
سار الحمار حاملاً جثة عمي وهي تنزف دماً ، حتى وصل الى الطريق المؤدي الى يافة الناصرة ، وهناك رأى أحد المشاة الحمار وأخذ يصيح وينادى لعل أحدهم يعرف الشاب المقتول ، وبعد أن تدافعوا وتأملوا وجهه عرفوا أنه أبن فلان .
كانت جدتي عندها في الطابون تقوم بخبز أرغفة الخبر التي عجنتها ، وكانت تنتظر الخضراوات التي سيأتي بهم ابنها لكي تطبخ، لكن الصراخ القادم ، الذي يقترب رويداً رويداً من الطابون ، جعلها تقف ، وما أن وقفت حتى رأت الدماء تقطر من جثة قد تحولت الى سواد نتيجة الغبار والاتربة التي التصقت بها في الطريق .
قالت المرأة التي حدثتني عن حزن ووجع جدتي ، ان جدتي أمسكت بالجمر الساخن وأخذت تنثره على وجهها وتلطم على صدرها ، ولم تفق من غيبوبتها إلا بعد دفن أبنها الذي دفنوه بسرعة، بملابسه المنقوعة بالدماء لأنه مات شهيداً .
وبعد سنوات طويلة ، عندما كانت جدتي تحتضر أوصت أن تدفن في قبر ابنها ، ليس الى جانبه، بل في قبره حتى تمتزج عظامها وجلدها وروحها به .
تستيقظ الشمس وتنهض الحياة ، تعيش الوجوه ، ويتم تكريس الأيام لبناء سنوات الاجتهاد والعمل ، وكل واحد يدخل بطولاته الشخصية ، وحكاية التحدي للوصول الى هدفه باختياره ، يربح أو يخسر هذا هو شأنه الخاص ، لكن عندما يستشهد أحد الشباب أو احدى الشابات أشعر أن الشهادة ستتحول الى الشأن العام ، ستتحول الى مهرجان خطابي وشعارات تٌسجل واغان وأهازيج وغيرها من عبارات مضيئة، لكن هناك في داخل وجع الغياب من ينتحب و يصرخ بصمت ويفتقد وينتظر العودة .
لا أحد يسلط الضوء على تلك الغابة المصنوعة من شرايين الأم والأب والأخوة والزوجة والأبن ، لا أحد يجر السنوات ويسأل عائلة الشهيد كيف عشتم تلك السنوات ؟ وكيف حدقتم بصور الشهداء وتأملتم غياب تقاسيم الوجوه التي عصرت لحظة التصوير، فخرجت الابتسامة كأنها الآن الفسفور المضيء في ليل معتم .
كلما سمعت كلمة " شهيد " أدرك أن الأم ستتغطى بالحزن طوال العمر ، ومن يصدق زغردة الأم عند خروج جثمان ابنها الشهيد من بيته ؟ يعرف أنها الصرخة التي كللتها بزغرودة كي تخفف من وجع الفراق والرحيل .
أدرك أن الشهيد يتحول الى نجمة في السماء أو يتحول الى سبيكة من ذهب الذكريات في خزائن العائلة ، لكن أعرف أيضاً أسماء الشهداء على الأرض سرعان ما تجف ، وتخرج رويداً رويداً من الذاكرة ، حيث تتسع خلايا النسيان وتشاطر الزمن عملية مسح بصمات الضوء ، وقد يتراكم الثلج أمام أبواب مخازن الارشيفات التي تحوي المجلدات التي يُسجل فيها أسماء الشهداء .



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون العنزة السوداء في حذاء نتنياهو
- عذراً من أقدام الشهداء
- الكاتوشوك لنا والمرايا لنا وليس لهم الا الصمت
- الشجاعة تؤدي الى المرحاض الذهبي
- ماذا سنقدم لمرغريت وفيكتور وفانيسيا
- انحني تقديساً لأم أحمد جرار
- خمس دقائق تلخص وجع وعد بلفور
- عهد التميمي ليست فلسطينية
- أموت في أمك يا تميم
- الموت وقبعات السحرة
- شادية وشوقية والجد حسن
- زمن ياسمين زهران
- رؤساء برائحة النفتالين
- تقبيل اليد التي ضربت الخد الأيمن
- ام كلثوم تصافح المرأة السعودية
- ابن الحارة الذي أصبح مخرجاً سينمائياً في هوليوود
- شرشف الشرف المنشور على حبال المجتمع
- الميدالية المزيفة وانتحار مهند
- الحديقة في روما والفزع من ياسر عرفات
- أطفال الكواكب وأطفال المفارق


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - الشهيد نجمة في السماء والاسم المجهول لى الارض