أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح شاكر - مسرحية جسر الى الائمه















المزيد.....



مسرحية جسر الى الائمه


فلاح شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 1495 - 2006 / 3 / 20 - 07:33
المحور: الادب والفن
    


سيناريو تخطيطي أولي لعرض
مسرحـيــة
جســرٌ إلى الأئمــة

تأليـف : فلاح شاكـر
ملاحظات أوليــه

1ـ حاولت في هذه المسرحية جاهداً .. وإن كان هذا صعباً للغاية أن أقلّـل من النواح على الفاجعة لحساب الخطاب الفنّي والفكري فأعتقد جازماً أننا نحتاج لتأمـّل الفاجعة أكثر من البكاء عليها .
2ـ في غير أسلوبي المعتاد حاولت أن أكتب مسرحية ـ وليست حالات مسرحية مشحونة ـ كما في أعمالي السابقة وذلك ليس تبسيطاً للخطاب الفنّي بل لكي تصل المسرحية إلى المتلقّي البسيط أوّلاً .. ودون الإخلال بمفاصل العمق فيها .. وثانياً لكي تخاطب عقول غير العراقيين بلغة مسرحية فيها بعض الهدوء لكي نوصل رسالتنا التي نحتاجها حول عراق واحد دون تشنّج وبكاء بل بتأمّل .. حاولت جاهداً أن يكون أقرب إلى الإقناع العقلي والضمير أكثر من استدرار الدموع .
3ـ ويبقى هذا النص كما في كلّ أعمالي السابقة مفتوحاً لإعادة التركيب حسب مغريات خشبة المسرح وفريق العمـل .

4- هذه المسرحيه مستوحاة من سيرة الشهيد عثمان علي الذي غرق بعد انقاذه العشرات من الذين سقطوا في نهر دجله اثناء التدافع















المشهد الاول
بيت قديم بعض الشيء معظم حاجاته مرزومة في صناديق وحقائب وقطع قماش مستخدمة بما يشبه الحقيبة (( البقجة )) بألوان بيضاء وسوداء وحمراء .. سينوغرافيا البيت المقترحة تمثل فضاء واسع لخيال المخرج ..

الأم : وداعاً لمآذن الأئمة التي تشهد في صلاتها بدماء الأبرياء .. وداعاً لجسر نَمَتْ أقدامي وأنا ألعب فوقه أكثر ممّـا كبرت وأنا نائمة على السرير (( تتوجّه إلى حاجيات البيت المرزومة )) سرير هذا البيت الذي كلّ حاجة فيه توضّأت بعشرات الأصوات وهي تؤذّن لله طوال هذه السنوات .. أستغفر الله في قلبي نزف كأنّه الكفر وأن أرحل عن بيت الأجداد والطفولة .. تعساً لحياة يتوجّب أن نعيشها مرتحلين ومودّعين كلّ ما نألف ونحب .. لم أحلم بذبح ابني ولم ينفع أذبحه فدية له .. لا خيار يا محنة الرب غير الصبر ودفع الوجع بالوجع .. فأنـا أكـاد أنتهـي والمحن تـتوالــد ..
(( تدخل الدكتورة تتفحص الأشياء بذهول ، الأم مشغولة برزم بعض الحاجيات .. الأم تبـدو في حالة من القسوة واللامبالاة تجاه الدكتورة )) .

الدكتورة بألم : أنت تقتلينه
الأم : أنا أمـّه
الدكتورة : وهذا أقسى أن تكوني أمه وتقتلينه
الأم : الدكتور النفساني هو الذي طلب هذا
الدكتورة : دكتور نفساني ؟! أيّ مجنون يصدّق هذا
الأم بدهشة : ما بالكِ ؟!
الدكتورة : أيّ علم نفس .. أيّ هراء ؟! لقد وضع علماء النفس قوانينهم ومقترحاتهم لمعالجة آلام وأوهام الناس
الأم : وهذا الذي نحن فيه ؟
الدكتورة : لا .. آلامنا تجعلنا من كوكب آخر .. نحن خارقين ومختَرقين بألم نتوارثه كلّ دقيقة ، كلّ دقيقة يموت أحد أحبتنا ويترك لنا عمارات من الجثث أو سكنها بقلبه أو سكنت قلبه .. أو أراضي شاسعة مملوءة بدموع المقابر .. إننا بالكاد نرث قتيلاً فنُقتل فنـُسلّم إرثنا الكفن لأحبائنا المسرعين خلفنا
الأم : يبدو أنّكِ تحتاجين أن تبتعدي وترحلي عن المكان أيضاً
الدكتورة : أنا ؟! أنا أرحل ؟!
الأم : لِـمَ لا ؟ ، الفواجع والفواتح لم تبقِ في ما تبقّى من العقل شيئا
الدكتورة : لستُ مجنونة
الأم : إذاً أنت تلعنين نفسك بالغباء وبلادة الروح
الدكتورة : بل أنا متماسكة
الأم : تدّعين ذلك .. أرجوك أن تذهبي فأنا لا أريد لمحمد أن يراك ، يكفي ما هو فيه
الدكتورة : بالتو أخرجت ثلاثة أطفال من رحم أمّهاتهم لو لم أكن مُحبّة للحياة ما فعلت هذا .. يجب أن أرى محمد
الأم : أرجوك يا دكتورة اتركيه .. لقد خرج من رحمي منذ زمن طويل فلا أظنّ أنه الآن يحتاج لطبيبة أطفال
الدكتورة : كأنّك مرتاحة ليأسه
الأم : لم يبق في القلب متسع أردّ به على إهانة أو تجريح .. اذهبي يا ابنتي واتركينا نكمل الرحيل
الدكتورة بحدّة : إلى أين تأخذينه ؟!
الأم : إلى أيّ مكان ليس فيه جسر أو إمام
الدكتورة : وأيّ جسر ستعبرين لتصلي إلى مكان مثل هذا ؟!
الأم بألم : أرجوك كفى ، توقّفي ، لا أريده أن يموت
الدكتورة : لا تريدينه أن يموت ولكنك تقتلينه بالرحيل
الأم تنفجر : ومن قال أني سأبقى أتنفس . لو رَحَلتْ عيني ببصرها شبراً بعيداً عن هذه المآذن ، كنت أموت وسأموت نعم سأموت وأنا أرى أقدامي تحمل أشيائي ، تحمل على ظهري شوارع طفولتي وأحلام الفتاة التي كبرت وسعادة الأم التي أنجبت ودموع الأرملة التي فقدت رجلها وأحلام الابن الذي كانت كلّ عضلة تنمو في جسده تعطي قوّة لدمع الخوف أن يبعد العمى فلا تغفل عيني عنه لحظة حتى أسلّمه أمانة للرجولة .. وقد كبر الطفل وصار رجلاً ولا زالت مخاوفي عليه طفلاً لا تعرف التعقل والهدوء .. سأرحل .. سأرحل وأموت .. ولكن يجب أن يبقى حيّاً
الدكتورة بتأثّر : هذا ليس حلاّ .. ليس عدلاً
الأم : وأين الحل والعدل في كلّ الكوارث التي طُحِنتْ مع مشيمتنا وصارت تشبه شكلنا وأنفاسنا ، أيّ عدل وأنا لا أرى الحل إلاّ في رحيل هو الموت نفسه ..
الدكتورة بنفاد صبر : إذا كان الرحيل هو الموت كما تقولين فلماذا تسعين إليه ؟!
الأم : كي يعيش


الدكتورة : من قال هذا ، طبيب النفس الأحمق أم ..
الأم بانهيار : هذا هو الخيار الوحيد .. لم يبق شيء لم نفعله أدعية وقراءة القرآن وأطباء وكلّ هذا وأنت موجودة .. منذ شهر وهو يموت في كلّ لحظة ، لقد عجزنا .. عجزنا جميعاً أن نمنحه قطرة حياة .. لا خيار عندي يا ابنتي .. لا شيء سوى الرحيل
الدكتورة : ثقي يا أم محمد .. لن ينفع هذا
الأم بألم شديد : وماذا يتوجّب عليّ أن أفعل إذاً .. لو كان طفلاً كنت بدم دعائي إجترحت معجزة تعيد الحليب إلى صدري فأرضعه .. أنقذه من جفافه .. إنّي أموت في كلّ لحظة تمرّ على جسده وتأكل ما تبقّى من عافية
الدكتورة : لا تخافي عليه .. لا زال يريد الحياة .. لو كان أحد غيره لمات منذ زمن
الأم بعتاب : أتبشّرين ؟!
الدكتورة : أنت تقسين عليّ يا خالة .. أنت تعرفين كم أحبّ محمد .. ( بارتباك ) أعني كم أحبّ أن يستعيد الحياة .. أستغفر الله .. أشعر من الظلم أن يموت بطل مثله .. انه حديث كلّ الناس
الأم بألم : يا للبطولة .. كلّ حديث الناس هذا أو نياشين البطولة إن وضعت بعده على صدري لن تعوّضني عن ابني وهو ينام على صدري . لكم ما شئتم من البطولات والتسميات فأنا يكفيني بطولة أن أرى ابني الوحيد حيّاً
ا
الدكتورة بإصرار وهياج : سنراه .. سنراه حيّاً وتعود القوّة إلى يديه الواهنتين وبهما ، سيعيد كلّ شيء إلى مكانه .. لا لن أسمح لك أن تقتليه حتى لو كنت أمّه
(( تبدأ بنثر أدوات البيت المرزومة وتخرجها من بعض الحقائب ونرى من ضمن الأشياء المتناثرة الكثير من صور محمد وبعض الكؤوس والميداليات ، الأم يجتاحها غضب شديد وتحاول الإمساك بها ولكن الدكتورة تنجح بالإفلات منها وتبعثر حاجيات أخرى ، أخيراً تنجح الأم بالإمساك بها بقوّة وقسوة ، الأم بغضب تدفعها باتجاه الباب ))
الأم بغضب : اخرجي من بيتي حالاً وإلاّ سوف
الدكتورة باكية : انه ليس ابنك لوحدك
الأم : لا لن يكون لسواي .. أخذتم منه فتوّته وقوّته وتلاحقوني الآن على ما تبقى منه .. أخرجي .. لا أريد أن أرى أحداً يدخل بيتي زائراً .. إنّ قلبي يسبح بدم فاسد من الألم وأنتم تحيطون بي .. إني أراكم وأنتم تملئون البيت وكأنكم تعزّوني به ..


الدكتورة : بل نعزّك به ونعتزّ بأنفسنا من خلاله .. كلّنا أولادك يا أمّ محمد
الأم باهتياج : قلبي لن يقبل التزوير أيّتها المأفونة ، لا أحد سواه رضع روحي مع الحليب من صدري .. ليس على أحد غيره كان خوفي حين يأخذه أبوه إلى النهر ليعلّمه السباحة .. نعم كنت أعرف حرص ومهارة أبيه وهو يطفو في النهر مستمتعاً مع ابنه الوحيد
الدكتورة : ويحقّ لك الفخر .. لقد نجح وصار
الأم : أيّ نجاح .. أيّ نجاح أيّتها الخائبة التي لا تعرف غير التوليد .. أيّ نجاح عظيم يستطيع أن ينتزع من أشلائي مخاوفي عليه وهو يعانق الماء ويصارعه
الدكتورة : كان مع أبيه
الأم باهتياج : ولو كان مع الملائكة ما سكن خوفي الصغير حتى يعود إلى البيت .. أعترف .. أنّ عقلي يطمئنني .. لكنه خوف صغير لا يبرحني أبداً .. خوف بمقدار رأس الإبرة ، كما أقول لك خوف صغير أحمق ، ولكن على صغره وحمقه ينغرز في عمق القلب ، أكون مجنونة لو صرّحت بمخاوف مثل هذه أمام أبيه ، وأنفجر من الرعب إن صمتّ .. فهو وحيدي الذي إن أجلسته بحضني وتثاءبت أبعدت فمي عن وجهه خوف أن تؤذيه شدّة الهواء في زفيري .. والآن ما عادت مخاوفي إبرة صغيرة بل نيران من الدبابيس تسري في دمي .. فاتركينا يا طبيبة التوليد فالرحم جفّ والابن يحتضر
(( تبكي الأم فتحضنها الدكتورة ، تبكيان للحظة ، ثمّ فجأة تبعد الأم الدكتورة من عناقها بقسوة ))
الأم باهتياج : ابتعدي .. فأنا لا أقبل التعويض .. وصدري لعناقه وحده .. وحده بعد موت أبيه
الدكتورة بحنان : أنت تكذّبين قلبك يا أم
الأم ببعض الارتباك : لا تقولي يا أم وأنا لا أكذب بما قلبي فهو
الدكتورة : بل تكذبين ، وتكذّبين المحبة التي في قلبك .. التي تكفي كلّ البشر وتفيض ، لقد رأيتك أمّاً عند الجسر
الأم بانزعاج : اسكتي
الدكتورة : كانت جثث الأطفال توائم على صدرك وأنت تركضين بها .. ثكلى ، تصرخ .. لا تعرف من الذي يموت .. قلبها أم جثث الأطفال التي بردت بين ذراعيها
الأم بألم : لقد رأيت فيهم ابني
الدكتورة : أرأيتِ إذاً .. أنّ المصائب تجعلك أمّ للجميع


الأم بحيرة : لو كان ما تقولينه صحيحاً ، فإنّ كثرة المصائب التي مرّت على هذا البلد تجعل الأم تتيه عن محبة وليدها
الدكتورة : ولماذا لا تقولين أنّ الأولاد من شدّة جزعهم يرونك أمّاً لهم
الأم بارتباك : لا .. أنت تحاولين أن تخدعي قلبي .. أنا .. أنا .. لا أملك .. ليس عندي سوى ابن واحد
الدكتورة : كلّنا أولادك هكذا يشاء قلبك حتى وإن رفضتِ
الأم بحدّة : تقولين هذا .. ما أسهل الكلام .. أنت لم تتزوجي .. لا أولاد عندك .. دونما تعب .. ما أسهل أن توزّعي قلبك إيثاراً وتأثّراً دون مشقّة دمع الليالي على صراخي وتكسّر الظهر انحناء على سريره
الدكتورة : بل أعيش الأقسى يا أم حتى وإن كنت ترفضين .. إنها مشاعري .. ليس لك سلطان عليها .. أتعرفين أيّ عذاب أن أعيش خمس سنوات في المستشفى وكلّ يوم يخرج من رحم أمّه طفل يصرخ بين يديّ خائفاً وهو يغادر رحم أمّه الآمن إلى وحشة هذا العالم .. كنت أهتمّ وأنا الأنثى بطراوة يدي أكثر من وجهي حتى يرتاح جسد هذا الطفل المذعور على مسامات المحبة في يدي وأحييّه وأهتف له أهلاً بالقادم العراقي الجديد والدموع تأكل عيوني وأنا أدعو الله أن يكبر ولا يُزفَّ لحرب أو مجزرة .. فهل تدركين يا أمّ هول الكارثة التي تجعلنا نتقاسم الخوف أكثر من الرغيف
الأم تصرخ : يا الله رحمة بقلب أمٍّ لا تعرف غير الخشوع .. اجعل هذه الليلة إحدى ليالي القدر وإن كان رمضان لم يأتِ بعد .. اجعلها ليلة قدر في غير رمضان وافتح سماءك واسمع آيات دعائي
(( تأخذ السجادة وتغادر مهتاجة ، الدكتورة لوحدها تتفحص صور محمد وبعض الأشياء الخاصة ، ميداليات ، .. الخ من إكسسوارات تناسب رؤية المخرج ، فجأة نسمع صوت محمد غاضباً ، صارخاً قبل أن نراه على المسرح ))
صوت محمد : لا أريد ، لا أريد
(( تجفل الدكتورة ، تعيد الأشياء أو تبتعد عنها، يدخل محمد على كرسي معاقين وهو في قمّة الاهتياج والغضب وهو لا يرى الدكتورة ، يبدو على محمد الوهن ولحيته لم تحلق منذ فترة ورغم أنّ وجهه لم يغسل إلاّ أنه لا يبدو متّسخاً ))
محمد : قلت لك لا أريد يا أمّي أن ..


(( يتفاجأ بوجود الدكتورة ويصمت ))
الدكتورة بمرح : تطوّر رائع .. قلت لا أريد ولم تقل لا أستطيع
محمد بتبرّم : عذراً .. لم أعرف أنّك هنا
الدكتورة : أتمنّى ألاّ أكون متطفّلة
(( ينظر إليها ويهمّ بالكلام ، لكنه يصمت فجأة ))
الدكتورة بحرج : أعرف أنّي ربما أزعجك .. بل يبدو أنّي أزعجك .. بل من المؤكد أنّي أزعجك ولكن
محمد بانزعاج : لكنك لا تستطيعين مغادرة هذا البيت لأنك إن فعلتِ فإنّ الشفقة تزعج ضميرك
الدكتورة : لو كنت أحد مرضاي لعرفت كيف أردّ عليك
محمد : أحمد الله أنّي لست أحد مرضاك لأني لست طفلاً
الدكتورة : إن لم تكن طفلاً لماذا إذاً لا تتصرّف كرجل
محمد : رغم أنّك في بيتي فأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي من أن أقول لك اخرسي
الدكتورة بهدوء : منذ شهر وأنا خرساء وأعاملك كطفل مدلل متمارض
محمد : آه يا أبي أيّ صبر مؤلم هذا الذي ربّيتني عليه فلا أستطيع أن أطرد من بيتي مَنْ يسيء إلى بيتي
الدكتورة : ليس بيتك وحدك يا محمد
محمد يصرخ بانزعاج : أمّي .. يا أمّي
الدكتورة : إنّها مستغرقة في رحمة الله والدعاء .. وأنت لم تفهمني حين قلت أنّك لست وحدك في البيت .. فلم أكن أعني أمّك أيضاً
محمد بدهشة : أيّ جنون .. إن لم يكن بيتي وأمّي وهو ملك صرف لنا بيت مَنْ يكون إذاً ؟!
(( ترفع إحدى الميداليات وتريها إيّاه ))
محمد بانزعاج شديد : ارمي هذه الخرقة بعيداً
الدكتورة : بل أنظر إليها جيداً ، كثيراً ما كنت مزهوّاً بها على صدرك
(( تقرّبها منه يأخذها فيأخذها ويرميها ))
محمد بغضب شديد : لا أستطيع أن أحتملك أكثر .. وهذا بيتي فأخرجي منه
الدكتورة بتحدٍّ : لن أخرج وهذه التي تسمّيها خرقة .. ليست لك
محمد : إنها ميداليتي . أنا الذي فزت بها
الدكتورة : فزت بها ببطولة العرب بإسم العراق
محمد بذهول : ماذا يعني هذا


الدكتورة : يعني أنّ بيتك وأنت ونصرك وأمّنا وهواءنا .. يعني كلنا عراق
محمد : عند الخسارات تكثر الشعارات .. اذهبي ودعيني .. ومتر من التراب سأجده في صحراء هذا العراق
الدكتورة : أتريد أن تموت
محمد : بل هو الذي اختارني
الدكتورة : اخترته أم اختارك في كلّ هذا حتى تقابل الله نظيفاً تحتاج أن تغسل بالماء
(( حين يسمع محمد كلمة ماء يهتاج جداً ويبدأ برمي الدكتورة بكلّ ما تصل إليه يداه .. بل إنـه أحياناً من شدّة الغضب ينهض عن كرسيّه ويتناول أشياء يرميها عليها وهي ثابتة لا تتحرّك ، حتى يهدّه التعب فيجلس على الكرسي متهالكاً ، لاهثاً ، موسيقى ، صمت طويل ))
الدكتورة بهدوء : واحسيناه .. يا سيّد العطش وبنهر دموعنا ما ارتويت ولن ترتوي .. تعال يا سيّد العطش وانظر أحفادك يموتون غرقاً في النهر أو خوفاً من الماء
محمد بألم : ما الذي تريدينه منّي يا دكتورة ؟
الدكتورة : بل ما الذي تريده أنت من نفسك يا محمد
محمد : المرض لم يبقِ لي شيئاً من الإرادة
الدكتورة : أنا دكتورة وأعرف وكلّ الأطباء أجمعوا ليس من علّةٍ فيك .. ليس سوى اليأس
محمد : أنا مرتاح إليه .. لا أملك القدرة أو الرغبة في الخروج منه ، اذهبي ودعيني يا دكتورة فما عدتُ أحتاج إلى مغذّ في الوريد .. لقد تيتّم دمي عن الروح .. لا أحبّ هذا النَفَسْ المباح أن يستمرّ طويلاً .. اذهبي أنت تؤذين راحتي
الدكتورة : ولا تجد راحتك أو قبرك إلاّ إذا ذَهَبْتُ عنك وغادَرْتَ وأمّك المنطقة
محمد : رجوتك هذا شأني فاذهبي
الدكتورة : أنت شأننا يا محمد .. لست وحدك .. لقد اندفعت ودافعت وأنقذت من الغرق ..
محمد يصرخ بغضب : كفى ، كفى ، أخرجي أيّتها اللعينة .. أخرجي أنت تقضين على ما تبقّى منّي .. وليتك تفعلينها دفعة واحدة وتقتلينني وأرتاح .. أنت تعذّبينني وتقتلينني جزءاً جزء .. سكّين عمياء بيد امرأة ظالمة عمياء تضرب جسد مسجى بالكاد يتنفّس فأيّة قسوة علّمك إيّاها الطب يا ملاك الرحمة
(( موسيقى ، صمت طويل ، الدكتورة تداري دموعها محاولة ألاّ يراها ))



محمد بحرج : لا أريد أو لا أستطيع الاعتذار .. آه لو كانت لي القدرة .. أو شيء من الشجاعة أو بكلام أكثر منطق لولا خوفي أن أكون عالة لأمسكت شوكتين وفقأت عيني .. فلا أعد أرى شيئاً فأستريح في سكون حتى الأبد .. لا أرى ولا أتحرّك إلاّ للضرورة بانتظار .. راحة القبر .. والضمير
(( يصمت محرجاً ، وهي لا زالت تداري دموعها محاولة ألاّ يراها تبكي ))
محمد : عليّ أن أغادر .. فحتى لو صرت أعمى ومقعداً فإنّ صوت المآذن سوف يغرقني ( يجفل من كلمة الغرق التي خرجت منه دون قصد ) أقصد سوف أغرق .. أغرق بالهواء الذي يخنقني بالأصوات .. أنا أغرق .. ( يسيطر على نفسه بصعوبة ويصرخ بها غاضباً ) لماذا تتركيني أثرثر كالمجنون لماذا لا تقاطعيني .. لماذا أنت صامتة تكلمي .. أجيبيني .. أأنت سعيدة لأني نسيت نفسي وبدوت أمامك مخبولاً أجيبي ما بك ( يستدير ويحاصرها فيرى أثر البكاء عليها ) .. يا الله .. ما أرقّ القلب يا ملاك الرحمة وأنت تبكين شفقة عليّ .. أيّتها اللعينة لا أحتاج دموع الشفقة هذه فأنا محمــد
الدكتورة ببكاء : ولأنك محمد فأنا لا أبكِ شفقة عليك
محمد باستغراب : لماذا تبكين إذاً
الدكتورة : أنا أبكي لأنك تحـب الشمــر
محمد : يا الله إنها تخنقني فأين رحمتك فأموت مظلوماً وشهيداً بطعنة ظلمها هذا أو امنحني القدرة على قتلها دون إثم .. اخرجي .. اخرجي الآن وإلاّ .. ( رغم أنّ الدكتـورة واقفة لم تتحرك ) لا .. لا تذهبي انتظري وأخبريني من أين جاء رأسك هذا الدم الأسود الفاسد وتتّهمينني أنّي أحبّ الشمر
الدكتورة : أنبل ما خلق الله فيك روحك وأنبل ما في روحك أنّك أقذت الكثيرين من الغرق
محمد بدهشة : أمجنونة أنت .. أنت تمدحينني
الدكتورة : وفجأة أيها الشهم آخيت الشمر وضممته إلى أحشاءك وأحببته فمنعت الماء عن المسلم النبيل الذي كنته حتى تقتله عطشاً .. شمرك ينتصر عليك يا محمد
محمد بارتباك : لا أنت واهمة .. لا شيء ممّا تخرّفين به .. أيّ شمر هذا الذي في داخلي وأحب .. لا الأمر كلّه لا يتعدّى .. أنّه .. أيّ شمر هذا ..
(( الدكتورة تقدّم إليـه كأس ماء ))


الدكتورة : انتصر عليه يا محمد واشرب
(( ينظـر إلى كأس المـاء مرعوبـاً بعـض الشـيء ومتــردّداً ))
الدكتورة مشجّعة : خذ البيعة لروحك .. لا تبايع الشمر .. لا تبايعه ، اقتله بالارتواء .. اشرب .. اسقي أوعية الدعاء في جسدك قبل أن تجفّ
(( يأخذ كأس الماء مرتجفاً ، يبقى متردداً في الشرب ))
الدكتورة : اشرب ، فسيّدنا الحسين لا يحتاج إلى أحفاد يقتلهم العطش ، اشرب ودع سيف الارتواء يقتل شمرك
(( يشرب محمد من الكأس ولكنه يختنق فجأة فيركض إلى مكان خارج المسرح يتقيأ ، موسيقى ، تذهب الدكتورة بالاتجاه الذي خرج منه محمد ، يعود منهكاً ، يلازمه سعال بسيط ))
محمد : لا أستطيع .. لا أستطيع .. إنّ الماء الذي أشربه طعمه ممزوج برائحة الجثث
الدكتورة : لكنك الآن في أوّل الانتصار
محمد : بماذا .. شربة ماء صغيرة تقيـّأَتْ معها أحشائي
الدكتورة : ولكنك تقف على قدميك .. بعيداً عن الكرسي
(( يتفاجأ ، ينتبه لنفسه ، يشعر ببعض الفرح ، ثمّ يعاوده اليأس من جديـد ))
محمد : وما فائدة قدمان مرتجفتان لا تستطيع حملي أبعد من مكان قيئي
(( يعـود للجلـوس علـى الكرسـي ))
الدكتورة بتوسّل : أرجوك لا .. حاول أن تمشي قليلاً
محمد : إلى أين .. كلّ الطرق جفاف .. لا شيء يريحك في القبر سوى التمرين على انتظاره دون حراك
(( يجلس على الكرسي ، صمت طويل ، موسيقـى ))
الدكتورة بهدوء : هل لك من وصيّة أم إنك ستموت وتترك كلّ شيء على حاله
(( محمد بين الدهشة من طرحهـا وهدوءهـا المفاجئ يتجـاوب معهـا بما يشبـه التسلية المؤلمة ))
محمد : لا فرق وأمّي والذي لي هو لهـا
الدكتورة : لا شيء قيّم فيها ، إعطوها لمن يحتاجها
(( الدكتورة تلتقط بعض الأوراق والصور من أماكن قريبة من الحقائب المرزومة ))
الدكتورة : ولكن هذه رسائل غرام سريّة وصور إمرأة محفوظة ككنـز الذهب لمن نعطيها بعد وفاتك
محمد بغضب وبعض الخجل : هاتـها .. هاتـها .. قلت اتركيها .. هاتـها
الدكتورة : لماذا قد يستفيد أحد من جملة هنا أو هناك من رسائلك لـها
محمد : ليس من حقّك أن تدخلي في خصوصياتي .. ثمّ أني لا أخجل من شيء .. إنها رسائل مضت عليها أكثر من عشر سنوات .. هي متزوّجة الآن وانتهى كلّ شيء
الدكتورة : إذاً هل أحرقها الآن وتتخلّص منها
محمد بحدّة : لماذا ؟ إنها عزيزة عليّ ، وبأيّ حق تفعلين أنت هذا
الدكتورة : عجيب .. تريد أن تموت ولا وصيّة عندك وهناك بعض خصوصيّاتك .. عزيزة عليك ولكن لا يمكن أن تأخذها معك إلى القبر وفي ذات الوقت لا أحد يستفيد منها بل العكس قد تضرّ ولا تنفع إذاً أليس من الأفضل أن نتخلّص منها
(( تصفّفها رزمة وتشعل عود ثقاب لحرقها ، يتقدّم باتجاهها مسرعاً ويمسك يدها ، لحظة صمت يتبادلان النظرات للحظة ، ثمّ يبتعد بنظراته عنها ))
محمد : إيّاك أن تفعلي
الدكتورة : لماذا .. ألا زلت تحبّها
محمد : قلت لك إنّها تزوّجت .. ثمّ إنها رسائل مراهقة
الدكتورة : لماذا تحتفظ بها إذاً
محمد : لا شيء أحياناً أقرأها وأشعر بمتعة الرعشة الأولى
الدكتورة : ولكنك تريد أن تموت ولا أظنّ أنّك ستتركها لأمّك ..
محمد : أليس من الممكن أن أطلب منك طلباً
الدكتورة : طلباً أو وصيّة ؟
محمد : لا فرق ، أليس من الممكن أن تحتفظي بهذه الأوراق عندك
الدكتورة : لماذا .. فاتني منذ زمن طويل متعة رعشة المراهقة فما الذي أفعله برسائل مراهقة لرجل ميّت
محمد : هل لي أن أعترف بسرٍّ صغير
الدكتورة مشجّعة : قُل يا محمد .. فأنت تعرف كم .. كم يعنيني أمرك
محمد : هذه الرسائل كلّها .. كلّ هذه الرسائل هي لإمرأة .. إمرأة
الدكتورة مشجعة : إمرأة ماذا .. ماذا عنها
محمد بألم وخجل : هذه الرسائل كلها كتبت لإمرأة لم توجد بعد
الدكتورة بذهول : يا الله .. أتكتبها وهماً .. لنفسك
محمد : لا .. كنّ كثيرات من الجمال والعمر المناسب والذكاء والخلق .. كلّ واحدة كانت جديرة أن أخصها برسائلي ومحبّتي
الدكتورة بذهول : ولِـمَ لـمْ تفعل ، لمَ أغلقت باب مشاعرك عليك .. والله يعلم كلّ واحدة أحبّتك وعذّبت أحلامها وهي تنتظر كلمة منك .. لمَ لم تفعل ؟!
محمد يصرخ : لم أفعل لأني أعرف أن الحرب تنتظرني ؟! لم أفعل وأنا أوقن ما أن أكون مؤهّلاً للزواج حتى تسرق منّي الجبهات إن خرجت حيّاً كلّ ارتعاشات المراهقة الجميلة وأمسك يد حبيبتي أو زوجتي كما أمسك البندقية وأعانقها محاذراً قذيفة هاون أو رصاصة قنّاص أو هجوم مفاجئ أو إعدام متخاذل .. لا .. لا أريد أن أُقتل في الحرب مثلما أبي وأترك طفلاً مثلي أعلّمه السباحة ولا أراه بطلاً يعبر ضفّتي النهر دون استراحة .. أحببت الحب في إمرأة قد تأتيني في زمن مسالم .. لم أشأ أن أظلم إمرأة معي .. ولكن قلبي لم يحتمل إلاّ أن يطفح بالحب حتى ولو كان خيال إمرأة بعيدة المنال .. أنت تعرفين ما أسهل خداع القلب البكر بالأحلام
الدكتورة : يا لله .. كم ذُبحت دقّات قلوبنا الصغيرة في زمن ملعون سبقت آلامه أحلامنا .. فعجزنا حتى عن اللحاق بمتعة حبّنا البريئة
محمد: أنا أعتذر .. لقد توقّعت أنّك ستسخري منّي
الدكتورة : أيّها الألم النبيل مَنْ ذا يجرؤ على السخرية منك .. لا أملك أمامك غير الاحترام ..
وربّما المحبّة لو وصلتني رسائلك هذه وأنا لم أزل في مراهقتي بعد
محمد : مزاح أم سخرية
الدكتورة : بل هو الجدّ بعينه .. والآن هل تسمح لي أن أقرأ إحدى هذه الرسائل فربّما
محمد بحدّة : لا .. اتركيها مرزومة كما هي .. إيّاك إياك أن تفتحيها
الدكتورة باستفزاز : وماذا سأفعل بها بعد موتك
محمد : احرقيها .. أمّا الآن فاتركيها كما هي
الدكتورة : كما تريد .. ولكني أقسم جادّة أني أشعر بالغصّة .. من الظلم أن تحرق كلّ براءة القلب الأولى خجلاً من عدم وجود إمرأة ما ، لو كنت مكانك لإستنسخت آلاف النسخ ووزّعتها على الناس وأصرخ انظروا .. انظروا كيف نُحِرَتْ آمالنا .. كيف ذبحت أحلامنا .. انظروا كيف جعلناها أوهاماً نخجل منها .. يـاه .. يا لكمّ الوجع حين نخشى أن نحب حبّاً شريفاً لأنّ أيدينا مكبّلة لا تستطيع أن تعطي وعداً لأنّ الظلم يجعلنا أقرب للعبيد
محمد بحيرة : لا أعرف إن كنت تبرّرين لي أم تعيّرينني
الدكتورة باستنكار : ولمَ أفعل ؟ كلّنا عشنا فضيحة أننا لا نريد أن نكون بشراً حقيقيين .. نفعل ما خلقنا الله من أجله
محمد : لم نكن لا نريد بل لا نستطيع
الدكتورة : بل تستطيع يا محمد ولكننا كنّا نخاف .. تخاف أن تحبّ إمرأة لئلاّ تفقدك ، مثلما أختي .. عشر سنوات وهي عاقر وتقول أنّها سعيدة
محمد : أنا أصدّقها
الدكتورة : لكن الحمل نصف الأنوثة .. فكيف لا تتألّم والعقر يطعن أنوثتها
محمد : في زمان مثل الذي نعيشه لا أظنّ أنّ هذا يعيبها
الدكتورة : العجيب يا محمد أنها كانت سعيدة وهي تتكلّم بابتسامة واثقة ، لماذا أحمل وأنجب وأربـّي وأحب وأتعلّق وأقلق وأرتجف وأسهر حتى يكبر وفجأة أراه يهاجر أو يُقتل في هذه الحروب التي لا تنتهي فيتركني أرعى قبره بدل أولاده
محمد بألم : يكفي ، يكفي لقد تعبت ، ما عدت أحتمل المزيد .. أين أمّي .. يجب أن نغادر
الدكتورة متجاهلة إيّاه : وبعد كلّ هذه السنوات فجأة .. قبل أشهر تحرّك في أحشائها جنين
محمد بتهرّب : أين أمّي
الدكتورة : جنين .. أراد أن يأتي رغماً عن إضرابها وعقمها ، في البدء شعرت ببعض الغضب والقلق والرعب ثمّ ابتدأت المحبة وهي تشعر به يلعب في حديقة رحمها ، وبطنها تنتفخ بالثمر وتنتظر أوان القطاف
محمد يصرخ بهلع : أين أنت يا أمّي .. هيّا أسرعي .. لم أعد أستطيع البقاء .. يجب أن ..
الدكتورة : ومن شدّة الخوف .. كان نذراً أن تطوف به تؤمّن له الرحمة من موت مجّاني لا معنى له .. كانت أصابع يدها طافحة بحليب المحبة وهي تحضن في بطنها وليدها المنتظر لتطوف به الإمام كاظم الغيظ .. وكان الجسر
(( محمد يبدأ يتحرّك على كرسيّـه بهستيريـا وهو يركل الأشياء بقدمه أو يديه أو حتى برأسه وهو يصرخ مرعوباً تنتابه حالة استحضار مشهد الجسر دون أن ينتبه لوجود الدكتورة إطلاقاً وهو يتقمّص حواره القادم وكأنـّه يحدث الآن حتى وإن كان في حواره بعض السرد فكأنّ هذا الحوار موجّهاً إلى نفسه ))
محمد برعب وكأنه ينظر إلى دجلة : ربّاه .. إلهي .. ما هذا الذي يعانقه الماء خنقاً كالطير الذبيح ، الجثث أكثر من الأسماك فأيّ عار سيلحق بك يا دجلتي الحبيبة إن لم تكوني رحيمة بهم .. في أيّ اتجاه أسبح كانت رغبة الحياة عند مَنْ تبقى فيه أنفاس تتشبّث بي وكنت أسبح بين الضفّة والنهر وكان الماء ناراً تلسعني فلا أستكين لحظة راحة بين نَفَسَين ، وأيّ توقّف أستطيعه وأنا أرى ولداً يعانق أباه وينـزلان عمق النهر متحدّين الفراق حتى بالموت .. لا .. لا يا محمد .. إيّاك .. إيّاك والتعب .. أمٌّ تموت .. لكن طفلها لا زال على صدرها .. فيه حراك .. أحرّر يديه من رقبة أمّه .. ترتفع يداه وتلتفّ حول عنقي .. تركته يعانقني وانقلبت على ظهري وأخذت أسبح وأركل الماء بقوّة وقسوة تقترب عن عتب وعقاب المحب .. قريبة هي الضفّة ولا زالت يداه تعانق رقبتي وللحظة نسيت كلّ شيء .. كلّ شيء .. أحسسته ولدي وأنا أعلّمه السباحة كما كان يفعل أبي معي .. غمرتني سعادة آثمة .. سعادة حلم دون ضمير ونسيت الآخرين .. وحين انتهيت كنت قد وصلت الضفّة .. لا وقت كان عندي لأسأله عن اسمه كانت يداه تتشابك حول عنقي بقوّة تتجاوز قوّة ابن الأعوام الثلاثة هذا .. وبرفق ولكن بصعوبة فككت عناقه عن رقبتي .. فسقطت يداه إلى جانب لهاثي دون حراك متخشّبة زرقاء .. لم أستطع أن أنقذه وخانتني دجلة بدل أن تسقيه ماؤها العذب خنقته بالآسن من طينها .. أيّ سبّاح هذا الذي يعجز عن إنقاذ طفل لا يتجاوز الثلاثة سنوات وأيّـة دجلة خائنة تلك التي غادرتها الرحمة فلم تفرش لهم ماؤها بساطاً ..
(( يبدأ بالانهيار والارتجاف من هول الذكرى ، وكأنّ حمّى قد أصابته ،الدكتورة تحضّر ـ حقنة ـ ))
محمد : النهر حياتي .. حياتي الآن عدوّة لي .. عليّ أن أقتلها أو تقتلني .. يجب أن أغادر .. أنفاسي تسممني
(( تقترب منه الدكتورة لتحقنه الإبرة بواسطة ـ الكينولة ـ المثبّتة في يده ، يجفل .. ويحاول الابتعاد عنها ))
الدكتورة بودّ : لا تخف إنها ليست للعلاج .. إنها تخفّف الآلام فحسب
محمد : وإلى متى أبقى أُاجّل الموت بهذا التخدير اللعين
الدكتورة : رغم كلّ يأسك وحبّك للموت فأنا أعرفك مؤمنـاً متى يشاء الله يأتيك عزرائيل الذي تحب ( تحقنه الإبرة ) .. عند الضفّة كنت هناك أحاول أن أسعف مَنْ أستطيع وقد رأيتك
محمد باهتياج وارتجاف مرضي : يكفي .. لا أريد أن أسمع المزيد .. توقّفي عن ذكر ما مضى .. فأنت تقتلينني
الدكتورة : الماضي يقتلك والمستقبل قبر تنتظره .. عن أيّ شيء نتحدّث إذاً
محمد بهلوسة : يا لله .. يا للسعادة .. ما الذي يشلّ وجع روحي .. ما هذا .. إنّه موت يشبه النوم .. يالها لذّة .. أن أتلاشى .. أنا لا أشعر .. سوى بخدر عذب يلتهم أوجاعي .. أنا ..
(( يصمت للحظة ، ثمّ ينام ، الدكتورة تقترب منه بودّ وحب ، ترتّب ملابسه وبقطعة مبللة تمسح وجهه وشعره وترطب شفتيه ))
الدكتورة : لا أقول أنّك بطل في غير زمانه ، بل إنّك أوان البطولة الآن ، لكن الصعب الحاقد يثقل على ظهرك .. فانحنيت ألماً للحظة ، فعلى كبرياؤك أن يوقفك الآن .. ولأنك تدري أو لا تدري أحببتك حدّ أني وجدت فيك فتى حرمان كلّ العمر .. لهذا على محبّتي أن تخلق معجزتها وتوقفك .. يجب أن تنهض أو ينتهي كلّ شيء .. وحدي أتحمل مسؤولية هذا القرار الخطير

قطــــع


المشهــد الثـانــي

(( ما يوحي بجسر الأئمّـة ، نرى الأحذية والنعالات بمختلف الأحجام ، فيها أحذية أطفال ، ونساء ورجال .. متكدّسة في أماكن من الجسر ومتناثرة في أماكن أخرى ومن الممكن أن يضيف المخرج أيّـة قطع إكسسوارات أخرى يجدها ضرورية ، ملابس ممزّقة ، بعض المصاحف الممزّقة موضوعة في مكان دون المساس بقدسيّتها ، المكان يلفّه الظلام كاملاً ولا ترى إلاّ مصباحاً يدويـّاً في يـد عبد الله ( الكيشوان ) وهو يتفحّص ويحرس ما تبقّى على الجسر ، عبد الله يتحدّث إلى مكان أسفل الجسر ، أي إلى نهر دجلة ))
عبد الله الكيشوان منادياً بتعب : هَيْ .. لقد تأخّرتم وأنـا لا أستطيع أن أبقـى أحرس أحذيتكم لوقت أطول فأنا لست عبد الله الشاب الذي كنتم تعرفونه قبل عشرين سنة ، عشرون سنة وأنا (كيشوان) الإمام الكاظم لم يضِع حذاء أو يختلط نعل بآخر .. ولكني الآن تعب وأحذيتكم كثيرة .. والليالي تمضي وطال غيابكم يا زائري الإمام ، أألهاكم التسوّق فأنساكم الزيـارة .. يا لخرفك يا عبد الله مَنْ ذا يتسوّق حافياً .. لم يبقَ غير أنّهم يلعبون مع أطفالهم .. هذا ممكن نعم يمكن للطفل أن يلعب حافياً .. ولكن عليكم أن تشفقوا على عبد الله الكيشوان الذي لم يعد شابـّاً تلعّبون أطفالكم وتعلّمونهم السباحة وتتركوني كلّ هذه الليالي وحيداً .. لا أستطيع .. لا أستطيع أن أغادر المكان .. فقد يأتي السرّاق في أيـّة لحظة لا .. لا شيء بمأمن لقد سرقوا الكثير فهل سيتركون حذاء مسلم لا أحد يحرسه .. ( يصرخ ) هَيْ هل تسمعونني يكفيكم تلعيباً للأطفال ( لحظة صمت ) هل أصابك الخرف يا عبد الله .. كم سيبقى الأطفال والنساء والشيوخ يلعبون في الماء .. كان عليّ أن أفهم منذ اللحظة الأولى أنّهم قفزوا من الجسر إلى النهر كي يحملوا الماء إلى عطش الحسين أرادوه أن يرتوي وآل بيتـه .. نعم إنهم يحملون الماء الآن إلى عطش الحسين ولكن أين هم .. أيكون جيش ابن زياد قد قتلهم قبل أن يصلوا الضفّة .. ولكن كيف دخل جيش ابن زياد إلى النهر هل .. ما هذا ؟ ما هذا الصوت
( الإضاءة تكشف لنا الدكتورة وهي تدفع كرسي محمد الذي يبدو عليه أنـّه بدأ يستفيق قليلاً من المخدّر .. الدكتورة تصعد بمحمد إلى الجسر فيستوقفها عبد الله الكيشوان ))
عبد الله يصرخ : لصوص ؟! مَنْ أنتم لصوص أم عائدين من الزيارة أم آتون للزيارة ؟
الدكتورة : بل نحن قادمون لمساعدتك يا عم عبد الله .. نحرس الجسر معك
عبد الله يصرخ : أأنت الدكتورة ؟ ومَنْ معك .. هل هو محمد ؟! هل تعافى حتى يحرس الجسر معي
الدكتورة : سنرى الليلة يا عبد الله كم من الأحياء يحتاج حتى يتعافى من الذين غابوا وغرقوا بدمه ودمعه
عبد الله : أنا حي .. ألا أكفي
الدكتورة بألم : تكفي لو عاد أولئك الذين تركوا أحذيتهم ملقاة على الجسر
عبد الله : لا تخافي .. أنا أحرسها حتى يعودوا
(( محمد يبدأ بالاستفاقة ، في البدء لم يستوعب المكان الذي نقل إليه ))
محمد بوهن : هذا صوت عبد الله .. ما كنت أستطيع أن أودّعك فلماذا أتيت
عبد الله : أنا لم آتي ، لقد كنت أحرس الأحذية .. أنت
الدكتورة مقاطعة : عبد الله يهديك حياته ويسأل أيّ حذاء تركت على الجسر حين قفزت حافياً
محمد برعب : لا حذاء .. لم أكن على الجسر .. كنت .. ( ينتبه إلى المكان ) ما هذا .. أين أنا .. أين أمّي .. أين بيتي
الدكتورة : أنت على الجسر يا محمد .. على الجسر الذي ستعبره حين ترحل عن المنطقة
محمد برعب وغضب : سافلة ، أنت الشيطان ، كيف تستهترين بصحتي وتخدّريني وتجلبيني إلى المكان الذي .. الذي ..
الدكتورة : الذي ماذا ؟ لن تستطيع أن تجد الكلمة المناسبة .. لا تستطيع أن تقول المكان الذي تعترف وتقول أنّـه الجسر الذي تخاف
عبد الله بدهشة : محمد يخاف الجسر .. هذا الجسر الذي يقفز منه كلّ يوم أكثر ممـّا يسير على قدميه
محمد برعب : اصمت .. اصمت يا عبد الله المجنون
عبد الله : أأنـا مجنون .. ربّما .. لكنّي لا أكذب .. هل تنكر أنك
محمد بغضب : قلت لك اصمت .. واذهب عنّي بعيداً .. وأنت يا دكتورة السوء يا قاتلة الأطفال ولستِ طبيبتهم .. أعيديني إلى البيت حالاً
( يغادر عبد الله منزعجاً ))
الدكتورة بهدوء : أنت تستطيع السير
محمد يزداد غضباً : لا تكثري من استفزازي .. أنت تعرفين أنّ قدمي واهنة .. ولا تستطيع أن تلامس أرض الجسر
الدكتورة بهدوء أكثر ومزاح : تعبير جميل أن تقول أرض الجسر وليس إسفلت الجسر
محمد بغضب : أقسم لو كان لديّ سلاح لأخرستك حتى الأبد
(( الدكتورة تتقدّم إليه بهدوء وتقرّب رأسها من يديه ))
الدكتورة : لا زالت يداك قويّتين .. وهما سلاح فذ .. سلاح لا يُبارى فهو مثلما ينقذ بمحبّة يستطيع أن يخنق بسهولة .. هذه رقبتي .. ويديك لا زالتا قادرتين .. فافعل ما تريد
(( يمدّ يداه إلى رقبتها دون غضب بل هي أقرب بردّة فعل تلقائيـّة ، يكاد أن يتلمسهما بحنان أكثر من استخدام قوّتهما .. يسحب يداه بسرعة ، موسيقى ، صمت طويل ))
محمد بارتباك : أنت تربكينني .. لماذا أتيتِ بي إلى هنا
الدكتورة بمرح : بالتأكيد حتى لا تقتلني
محمد برجاء : لقد تعبت .. ما الذي تريدينه منّي ؟!
الدكتورة بهدوء : أن تبكي
محمد: ألا يكفي اليتم وفواجع الأصدقاء والنواح على كلّ ما حدث فتعبثين بكلّ خوفي وآلامي من أجل أن ترين في عيني بعض الدموع
الدكتورة : إرادتك أعظم ممـّا توقّعت .. أنت تختار بعض الدمع وليس نواح العجز .. أنت معافى يا محمد .. أنت لا تحتاج إلى شيء .. لا شيء سوى .. ( تصمت بارتباك )
محمد بحيرة : سوى ماذا
الدكتورة : أن تجد فتاة أحلام رسائلك
محمد : أتسخرين منّي .. الآن .. وسط كلّ هذه المجازر
الدكتورة : إن لم تختر الآن فمثلما تموت وحيداً ، تترك فتاة تنتظر مَنْ هو مثلك يحميها .. فإن خذلتها فإنّها ..
محمد بعجز وارتباك يصرخ : يا عبد الله .. يا عبد الله
الدكتورة : مَنْ لأمّك إن سوّرْتَ بيت رحيلك بقبرك
محمد يصرخ بصوت أعلى : يا عبد الله ، أين ذهبت يا عبد الله
(( عبد الله قريباً ولكنـّه لا يردّ ))
الدكتورة : حتى القبور التي نحب تحتاج مَنْ يحميها .. سيموت ذكر أبيك بموتك
محمد : عبد الله .. تعال وخذني إلى البيت .. ما بالك ألا تسمعني
عبد الله : أسمعك .. ولكنّي زعلان منك فكيف أردّ عليك
محمد : سأعتذر إليك فيما بعد .. أنا تعب تعال وأرجعني إلى البيت
عبد الله : اذهب وحدك فأنا أحرس أحذية الزوّار .. أردته عوناً فتعب في أوّل الحراسة ..
(( يغادر وهو يدمدم بعبارته الأخيرة ))
الدكتورة : حسناً يا محمد .. سأعيدك الآن إلى البيت بنفسي .. حاولت .. لقد حاولت بكلّ ما أستطيع من جهد وألم .. حاولت .. لكني أعترف أنّ يأسك كان أقوى من علمي ومن محبتي لعافيتك .. لهذا عليّ أن أودّعك هنا فأنا لن أدخل بيتكم بعد الآن
محمد بذهول : لماذا لا تدخلين بيتنا
الدكتورة تنفجر غاضبة : ألستم راحلون
محمد : على الأقل ليس الآن ، ليس قبل بضعة أيّام
الدكتورة بانزعاج : ولماذا أزعج نفسي في هذه الأيام المتبقية وأزوركم .. حتى أتملّى طولك وهو يتكوّر بعربة لا يعوزها سوى غطاء يحمي من المطر والشمس حتى تصبح عربة أطفال .. أعرف أني طبيبة ولادة ولكني لست جليسة طفل وحيد أمّه ..
محمد يثور لكرامته : لم أطلبك لتطبيبي .. أنت التي تطوّعت وفرضت نفسك عليّ
الدكتورة : يا للبطل المدلّل المغوار .. لقد كانت الفاجعة مجزرة تتفوّق على قدرة طبيب ساحر ليعالج عشرة جرحى يكادوا يموتون في آن واحد .. وكنت مثلهم لا أُخرج الأطفال من الرحم بل أحاول أن أعيد بعض الرحمة إلى الأطفال .. كانت يداي تتحرّك أكثر من أنفاسي وحين هدّني التعب .. وجدت أمّك ترجو مَنْ يضع ( كينولة ) لك .. فقد هدّ التعب البطل فاحتاج إلى مغذّ يصل بوريده .. وبفخر أتيت .. وليتني لم آتِ .. كان البطل السبّاح يغرق بجرعة ماء
محمد بحرج : لا تفاخري .. فعلت ما يتوجّب عليك كطبيبة في وقت أزمة .. ولم أطلب منك أن تأتني في اليوم التالي
الدكتورة : أفاخر ؟ أنا أفاخر ، بأيّ شيء أفاخر ، وقد فشلت معك .. أنت لم تكن تحتاج أن آتيك في اليوم التالي أو الذي يليه إنه ليس واجبي .. بل إعجابي بك .. لم أغادرك .. أنا التي جلبت لك خيرة أطبـّاء البلد .. ولازمتك .. لازمتك حتى تنهض أيها الكسيح
محمد : لك أن تعيّرينني ما شئت فلن أغضب منك .. وأظنّ أنّ وداعك قد اكتمل الآن .. فهل لك أن توصليني
الدكتورة : يكفيك دلالاً .ز فأنت تستطيع أن تدفع كرسيّك وتذهب
محمد بحرج : ولكن عند زقاقنا هناك حفر قد تقلب الكرسي أو .. ثمّ أنّ الظلام ..
الدكتورة : عجيب أمرك .. لقد نفد صبري معك .. ألم تنهض في بيتكم حين تقيّأت الماء
محمد بألم : حصل هذا لوحده .. حاولت مرّة أخرى في غفلة عنك ولم أستطع الوقوف .. على العموم .. شكراً لك .. سأجد مَنْ يساعدني
( يهـمّ بالذهـاب )
الدكتورة: لا تبحث عمّن يساعدك .. ساعد نفسك أنت
محمد وهو ذاهب : هذا شأني .. وداعاً
الدكتورة : انتظر لحظة
محمد : ماذا هنالك .. شتائم وداع جديدة أم ماذا
(( تخرج الدكتورة رزمة الرسائل من جيبها ))
الدكتورة : لا .. ولكني أسأل ماذا أفعل برسائل الحبيبة الغائبة .. هذه
محمد بألم : احرقيها
الدكتورة : أستأذنك في قراءتها أو بعضها
محمد : افعلي ما تشائين بها ، فما عاد هنالك شيء يهمّ بعدك فأنت
(( يتوقّف فجأة عن الكلام وكأنـّه نطق كفراً ، أمّا هي فتتجمّد مبهوتة ، صمت طويل موسيقى ))
الدكتورة بارتباك : ماذا قلت
محمد بحرج : لا شيء .. لاشيء ..
الدكتورة : بل قلت لا شيء يهمّ بعدك .. فأنت
محمد متهرّباً : إنها كلمات خرجت دون قصد
الدكتورة : وإن يكن .. حتى وإن كانت دون قصد .. لا شيء يهمّ بعدك فأنت .. أنت ماذا .. أكمل
محمد : أكمل ماذا ؟ إنها كلمة فارغة خرجت دون معنى
الدكتورة تلاحقه : لا شيء يأتي هكذا .. قل ما في قلبك
محمد بتبرّم : لا شيء بقلبي سوى يأسي
الدكتورة : أصدّقك لو أقسمت
محمد بين التردّد والخجل : أنت .. أنت .. أنت أسوأ ما في القلب
الدكتورة : أسوأ ما في القلب ؟! أنـا ؟!
محمد : قاتلت قلبي منذ أوّل يوم رأيتك .. قاتلته وكدتُ أقتله .. ليس عليك أن تنبض بالحب الآن .. ليس لك الحق أيّها القلب الكسيح
الدكتورة : لماذا ؟ ألم أكن جديرة ؟
محمد بثورة : جديرة بمن ، برجل يسكنه الكرسي ويخاف الدمعة لأنها تذكّره بالماء .. انتظرتك طويلاً ..طويلاً ما يشبهك حلماً .. وإذا بك حين تأتين أجدني مرعوباً ، خائفاً حتى من بلع ريقي
الدكتورة : أنا لا أفهم .. أأنت تصارحني بحبّك أم
محمد : أنا لا أصارحك بشيء .. بل هو ضعف سخيف أحمق .. انتابني .. فقلت صدق قلبي ما دمنا نتوادع الآن
الدكتورة : لكنك لم تسألني عن مشاعري
محمد بحدّة : لا أريد إشفاقاً مغلّفاً بالحب
الدكتورة : ومن قال أني أحبك حتى أجـمّل الحب بالإشفاق
محمد وكأنّه طعن : اعتقدت أنّ مجيئك كلّ يوم .. ثمّ إنّي لم أسألك عن مشاعرك .. فهذا لا يهمّني .. وحماقة قلبي في أحاسيسه عاقبة بما يكفي .. ثمّ أنها مشاعري وأنا حر فيها مادمت ..
الدكتورة : لست حرّاً بمشاعرك مادمت طرفاً فيها
محمد : إن لم تحبـيني فهذا حقّك لأنّي الآن لا أناسب خيال أيّة إمرأة .. وإن أحببتني فهذا شأنك لأني
الدكتورة : كيف يكون شأني لوحدي وأنت تحبني
محمد بألم : آه لو كنت التقيتك قبل فاجعة الجسر .. كنت حينها
الدكتورة : ما كنت أحبك أكثر ممّا أحبك الآن بعد الفاجعة
محمد بدهشة : ما هذا الذي تقولينه
الدكتورة : قلبي شريف .. لا يخاف التصريح
محمد بانزعاج : اذهبي بقلبك حيث تشائين .. فأنا لا أستطيع أن أمنحك أيّ سلام .. أنا مقعد ونحن نتنفّس الموت فأيّ حب أحمق يستطيع أن يعيش الآن
الدكتورة بإصرار : أنت لا ترى إلاّ النصف الأسود من كأس حياتنا فنحن رغم كلّ شيء لا زلنا نتزاوج وننجب الأطفال ونتكاثر بالحياة .. نحن باقون
(( محمد بألم يدفع كرسيّه مغادراً ))
محمد : ولكني ذاهب .. إن ينقص واحد مثلي لا يعيق التكاثر والحياة التي تزعمين
الدكتورة : لكنك كنت بطلاً
محمد وهو يذهب : كنت .. كنت بطلاً
(( الدكتورة تشهق فجأة ))
محمد بخوف : ما الذي يحدث
الدكتورة : رسائلك وقعت في الماء
محمد بحيرة : كيف وقعت .. على أيـّة حال دعيها تغرق فهي
((الدكتورة تخلع حذاءها ، وترمي حقيبتها ))
الدكتورة : لا .. لا يمكن حتى وإن كنت لا أعرف السباحة أن أترك أحلام براءتنا ومتعة الحب الذي نتوق إليه .. لا يمكن أن أترك كلّ هذا يغرق في النهر
(( الدكتورة ترمي نفسها من فوق الجسر ، محمد يصيبه رعب وإرباك شديد ، يصرخ على عبد الله وهو يحاول النهوض ))
محمد : يا عبد الله .. أيـّها الأصمّ ألا تسمعني .. يا أطرش إنّ الدكتورة ستغرق
(( مع استنجاده بعبد الله وعدم سماع ردّ منه أو رؤيته يكون قد نهض ووصل إلى السياج وبدون تفكير يرمي نفسه خلفها ، بعد أن ينـزع حذاءه بشكل لا إرادي ، صمت طويل مع موسيقى ، يأتي عبد الله ويتفحّص مخلفات محمد والدكتورة ))
عبد الله : هذان لن يتأخّرا .. محمد والدكتورة سيتطهّران بالماء ويعودان ويكملا الزيارة
(( صمت مع موسيقى ، ثمّ نسمع صوت نهر دجلة ، ونسمع حوار الدكتورة مع محمد مسجـّلاً ))
الدكتورة : لم تعد تخاف الماء من أين أتـتك هذه الشجاعة ؟!
محمد : ما كان من الممكن أن أتركك تغرقين
الدكتورة : قفزت إلى الماء من أجل إنقاذي أم إنقاذ رسائلك
محمد : من أجل إنقاذك طبعاً .. ولكنّك تجيدين السباحة
الدكتورة : جريان الماء شديداً .. كنت سأغرق ورسائلك لولا ذراعك التي تحيط بي الآن
محمد : لا أعرف .. غير أنّ قلبي ينبض الآن بشدّة .. لم أعد خائفاً من الماء
الدكتورة : أنت لم تسألني عن اسمي
محمد : لم أعد أخاف الماء أو التعلّق بك .. من أنت
الدكتورة : اسمي كوثر .. هل تستطيع الآن أن تشرب الماء دون أن تتقيّـأه .. جعلنا من الماء كلّ شيء حي .
محمد : أنـا حي .. وكأني الآن في ماء الكوثر فكيف أتقيّـأ الحياة أو أخاف منها
الدكتورة : ورسائلك
محمد : أُجـزم .. رغم كلّ شيء أنّ الوقت قـد حـان للأحلام المؤجّـلة .


مــلاحـــظــه

تمـت بعونـه تعالـى لا يسمح بأخراج او اعداد اوالاقتباس لهذا النص دون
موافقه خطيه من المؤلف
أيلـــول / 2005 .................................................. .................................................. ..........................

فــلاح شاكــر

• تولد سنة 1960
• درس الفلسفة والفنون التطبيقية
• حصل على :ـ
1 ـ 1987 جائزة أفضل نص ثاني في مهرجان المسرح العراقي التجريبي عن مسرحية ( ألف قتيل وقتيل ) .
2 ـ جائزة أفضل مؤلف شاب للموسم المسرحي عن مسرحيته ( ليلة من ألف ليلة وليلة ) ( ألف رحلة ورحلة ) عرضتا في القاهرة .
3 ـ 1990 فازت مسرحيته ( ألف أمنية وأمنية ) بالعديد من جوائز المركز العراقي للمسرح .
4 ـ 1991 فازت مسرحيته ( قصة حب معاصرة ) بجائزة أفضل نص في مهرجان قرطاج الدولي كذلك جائزة أفضل ممثلة والجائزة الخاصة بالمعهد الموسيقي التونسي ونفس المسرحية فازت كأهم حدث ثقافي في العراق في استفتاء الصحافة وترجمت إلى الفرنسية . ومثلت تونس في المهرجان العالمي الجامعي .
5 ـ 1993 فازت مسرحيته ( العقاب والجريمة ) بجائزة أفضل مؤلف مسرحي في المسابقة التي أقامتها دار الشؤون الثقافية في العراق .
6 ـ 1995 فازت مسرحيته ( مائة عام من المحبة ) بجائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان قرطاج الدولي وكذلك بجائزة أفضل ممثلة وجائزة الصحافة التونسية .
7 ـ 1997 حاز على جائزة الدولة للإبداع للمرة الثانية .
8 ـ 1998 حاز على جائزة الدولة للإبداع للمرة الثانية .
9 ـ 1999 فازت مسرحيته ( تفاحة القلب ) بالجائزة الأولى في مسابقة أفضل نص مسرحي للجنة المسرح العراقي .
10 ـ 1999 فازت مسرحيته ( الجنة تفتح أبوابها متأخرة ) بجائزة الإبداع الكبرى ( التانيت الذهبي ) في مهرجان قرطاج الدولي وقد عرضت المسرحية في بغداد ، قطر ، الشارقة ، أبو ظبي ، عمان ، القاهرة ، ألمانيا .
11 ـ 1999 ـ 2000 جائزة الإبداع الكبرى للمركز العراقي للمسرح .
12 ـ 2000 ( أكتب باسم ربك ) وقد عرضت في بغداد ، القاهرة ، بيروت ، عمان ، المغرب ، ألمانيا .
13 ـ 2001 ـ 2002 عرضت مسرحيته ( ليلة محمد الزرقطوني ) في ثلاثة عشر ولاية مغربية في جولة استمرت أكثر من أربعين يوماً .
14 ـ من مسرحياته الأخرى : ألف حلم وحلم ، كلمات متقاطعة ، ألف حجارة وحجارة ، كذبة بيضاء ، الختان والإنسان ، دولة الصعاليك ، في أعالي الحب ، مأساة مؤلف النكات ، رأس الحسين ، … الخ
15 ـ نشر كتابين في محاورات فلسفية على شكل مسرحي هما مملكة الاغتراب ، العقاب والجريمة .
16 ـ مسرحية ألف محنة في محنته وقد عرضت بعد الاحتلال 2004 لمدة يوم واحد .
17 ـ ترجمت بعض مسرحياته إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والهولندية والسويدية والكردية .



#فلاح_شاكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيده - مرثية إبن شاكر
- قصيدة - أكلوه صادقين
- قصيده - هو .. لاء
- قصيده - تبغدد في دمي


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح شاكر - مسرحية جسر الى الائمه