أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - ذكرى وداع أُمي














المزيد.....

ذكرى وداع أُمي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 5876 - 2018 / 5 / 18 - 21:05
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في مثل هذا اليوم من العام الماضي كان لنا موعدا مع الوداع الأخير لأمي, لم يكن وداعا عاديا أبدا, كانت تودع الأرض وتستقبل السماء, تودع الأبناء وترنم مع الملائكة في الصف الأول من دار البقاء,كنا في حفلة تخرج أحد أحفادها من الجامعة وكانت هي معنا وكنا نظن كل الظن أننا جئنا لنفرح وإذ بنا جئنا لنذرف الدموع على صعود الروح, وما هي إلا لحظات وصرنا نقول: قبل ساعة كانت هنا, قبل دقائق قالت: (إبخاطركم) وكأنها شيء لم يكن موجودا رغم أن عبيرها ملء البيت والحارة والمستشفى.

وكان لأمي موعدا مع السماء, ومع الذين سبقوها بالصعود إلى السماء, لن تنتظر السماء بعد الآن طويلا لتزورها ربيبة آلهة المحبة والجمال, في مثل هذا اليوم من العام الماضي اشتاقت السماء لعبيرها الذي أرسلته إلى الأرض قبل 68 ثمانية وستين سنة, كانت السماء على موعد مع نجمة الأرض... كانت السماء على موعد مع قمر الأرض, كان لقصة رحيلها وقعٌ وصدى مدوي في أرجاء حارتنا, انساب الناس إلى بيتنا من كل مكان, حتى النمل خرج من ثقب الأرض ليودع الراحلة العظيمة.

أمي كعادتها كان كل شيء لها تقضيه بسرعة البرق, ولم تكن تعرف التململ في قضاء حاجياتها, ويوم رحلت عنا كانت على بُعد ساعات قليلة لا تتجاوز ال3 ثلاث ساعات بين دخول المستشفى والموت والدفن بعد صلاة العشاء, لم تتأخر عن موعدها مع السماء, لم تتأخر عن ملاقاة خالقها, كان لون الوداع أبيض وكانت السيارة بيضاء والدرب أبيض والشراشف بيضاء والقطن أبيض مثل الشاعر أمل دنقل.

أمي في قصة رحيلها أبكت العدو قبل الصديق ولأول مرة في حارتنا جمعت بين المتحاربين طوال العمر والتي فشلت معهم كل قصص الإصلاح بينهم إلا أن موت أمي أصلح بينهم وجمع بينهم, جمعت الأعداء مع الأعداء والأصدقاء مع الأصدقاء وجاء الناس من القرى البعيدة والمدن البعيدة والقريبة, كان لإطلالة وجهها على الشارع والحارة رائحة وأي رائحة..طلةً وأي طلةٍ!!!, وهنالك حدث غريب جدا, أمي كانت شديدة الخوف طوال حياتها من الموت ومن العتمة ومن الوحدة وتحب الأطفال حبا جما, وحين ماتت, ماتت ليلا وجاء مكان قبرها بين 5 خمسة أطفال لم نعرف لهم اسما أو عنوانا أو أما وأبا, إلا أنها دفنت في وسطهم, وحتى اليوم نزورها باستمرار ونزرع الورود على قبرها ونسقي شجرة زرعناها فوق تراب جثمانها العظيم, لم يتحد جسد أمي مع التراب بل اتحد نور الأرض مع نور السماء, كانت أمي عظيمة جدا في عطائها لنا جميعا وحين انتقلت إلى الأمجاد السماوية ظن الناس أنني سأموت جوعا غير أنها وهي ميتة مازالت تعطيني وتكثر وتزيد في العطاء ولم أرى وجهها في الحلم يوما إلا وكان خيرا ورزقا, وكانت كلما نظرت لي تقول بالعامية (ربيتك بدموع عيوني حتى شفتك زلمه) وغالبا ما كانت تشق ثوبها على نحرها إذا انزعجت من مصابٍ ألم بواحد من أولادها.
ولكل الناس أعداء غير أنني طوال حياتي مع أمي لم أسمع أن لها عدوا أو عدوة, كانت تحب كل الناس على اختلاف أدمغتهم وأمزجتهم, وكانت أدعيتها من أجلنا على هذا النحو:

يارب تبعد أبصار الظالمين عن جهاد.

يا رب تعطينا الوفق والرزق.

وهكذا انطوت صفحة من العمر يسجلها التاريخ, هذا اليوم لم يكن يوما عاديا بل كان موعدُ لقاء السماء مع عبيرها الذي أرسلته للأرض من عشرات السنين,الآن على أبواب الملكوت اخضرّت الأعشاب حين فتحت السماء بابها للمعذبين في الأرض, لقد تعذبت أمي في الأرض أكثر من كل المضطهدين في العالم كله ونال منها التعب ما ناله وأكلت الهموم عيونها وجابت الأرض غربا وشرقا واشتغلت موظفة حكومية في وزارة التربية حتى جاءها يوم سقطت فيه على الأرض ولم تعد قدماها تحملها, نالت من صنوف العذاب ما نالت لكي نحيا على حسابها حياة كريمة في الوقت الذي كانت تهان فيه كرامتها وتحط من قدرها بسبب المُسمّى الوظيفي, لم تكن يوما عالةً على الناس بل كان اغلب الناس عالة عليها في وطن يُذل فيه المثقفون رغم أنفهم ويطرد منه الأخيار ويحار فيه الحكماء ويستعبد فيه المثقفون حتى يركعوا لرغيف الخبز ويحارب فيه أتقياء الروح والجسد, في وطن تُغتالُ فيه القصيدة وتُقتل فيه الرواية وتُعدمُ فيه القصة القصيرة حتى تصبح ألوان اللوحات الفنية كرائحة صفار البيض,وتموتُ فيه الأهزوجة, وطنٌ وجد لكي يكون سجنٌ للشرفاء وملاذا آمنا للخونة والسراقين.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اطردوني
- بول البعير وبول البقر
- المسلسلات البدوية الأردنية
- رب العالمين
- لويش نضحك على بعض!!
- صوت الحزن
- جِدّي جِدّي يا جِدّي
- أنا مسؤول عن ظلم أهلي
- أجمل ما قيل عن الأمهات
- الوضوء من الحنفية
- الصلوات الخمس
- المسيح في العهد القديم والجديد
- مشكلتنا نسيان الحب
- كتابي الجديد: المسيح في حياتنا
- قطع الطريق
- العرب قتلة أنبياء العصر الحديث
- الله يرينا محبته وليس انتقامه
- هل بمقدور الشيطان أن يشفي الأعمى؟
- شهور السلام
- يسوع يعلن مسئوليته


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - ذكرى وداع أُمي