أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - مسرحية: -المنعطف الأخير-..















المزيد.....



مسرحية: -المنعطف الأخير-..


السيد إبراهيم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5871 - 2018 / 5 / 13 - 01:57
المحور: الادب والفن
    


نبذة عن المسرحية:


عن تلك الجدلية الكبرى التي تلازم البشر على اختلاف مجتمعاتهم ألا وهيَّ الصراع الدائر بين الغني الجامح والفقر الجائح، تلك التي قصمت ظهور الرجال، وأفسدت الضمائر، وأوردت أجيال في المهالك..

يقوم هذا العمل من خلال رصد كاتبه لتلك الفجوة الظاهرة بين الطبقة البرجوازية عمود المجتمع وسنامه، وطبقة الملاك من السادة الذين أسلم لهم الواقع خطامه، وتملكوا أدواته، من خلال شخصيتين تمثلان كلا الطبقتين.

تغلب الكاتب على واحدية المكان والزمن بكوميديا الموقف التي تواكبها بعضٍ من العامية الراقية التي تصنع التناقض وتنميه، وحوارية تعري المجتمع، تناقش الواقع، وتقدم بعض الحلول، حتى تكاد تكون المسرحية "فانتازيا"

خلَقتها الوقائع التى فاقت الخيال، وقد يصنفها بعضهم ضمن "البلاك كوميدي" لتضافر الطبيعية بالواقعية فيها معًا.

والمسرحية تتوازى مع فاوست جوته وعقده مع الشيطان الذي انتهى به إلى الضياع، بقدوم "ميفستوفيليس" ليأخذ روحه، ولم يشفع له الندم والبكاء والحوار، بيد أن بطل العمل يأتي مغايرًا لفاوست حيث لم يستسلم ــ رغم انحرافه

الجزئي القسري ــ لشهواته وتطلعاته، وأن الحوار قد يفلح مع الشيطان أما الموت/المنعطف الأخير في حياة الإنسان فلا يفلح معه تلك المحاولة.

فكأن الكاتب يدق جرس الإنذار منحازًا لطبقته البرجوازية من الوقوع في مهلكة الإفساد، ومنتصرًا للإنسانية في العموم من الجنوح إلى هاوية الطمع اللامتناهي.



الشخصيات:


رجل (1): اللص

رجل (2): صاحب الشقة



(في الواجهة باب الشقة في المنتصف، وبجواره إلى اليمين نافذة شبه مفتوحة تطل على حديقة خاصة بالمنزل.. صالون فخم يسار الباب، تبدو الغرفة أنيقة: بها مكتبة منسقة، ومكتب، وهاتف بجوار المكتب.. الجو ليلي شبه مظلم..

بصيص من النور داخل المكان.. الساعة تدق الثانية بعد منتصف الليل).

( يقفز إلى داخل الشقة من خلال النافذة رجل يرتدي بنطلون وبلوفر برقبة
وقفازين وغطاء رأس كلها باللون الأسود، تبدو لحيته الكثة في شكل مؤثر
وأخاذ نوعًا ما، بيده كشاف للنور.. يعبث قليلاً بالغرفة، ثم يضيء النور)

اللص : ماهذا؟.. لايوجد سوى كتب، وفازة أنيقة.. ودائمًا ورق وأقلام
وكلماتِ هوجاء، وهاتف.. إذن فأين الخزينة؟!.. دائمًا ما يخبئونها
بعيدًا، مع أنها صاحبة الحق الوحيد في هذه الغرفة ..

(صوت محرك سيارة يقترب، ثم يتوقف، يسرع فيطفيء النور).

اللص : ليس أمامي إلا الاختباء خلف هذه الستارة، وربنا يستر.

(يفتح الباب شابٌ في متوسط العمر، يرتدي حلة أنيقة.. يلقي
بمفاتيحه على المكتب، يجلس على كرسي الصالون، ثم يتناول
الهاتف ويطلب رقمًا)..

صاحب الشقة : آلو .. ندى ..معذرةً إذ أقلقتك في هذا الوقت المتأخر، لا لم
يحدث شيء، أودعت سارة المستشفى؛ فقد أبلغني الطبيب بأنها
على وشك الوضع..
نعم ..نعم.. هيَّ بخير لاتقلقي، لم نكن نريد أن نتعبك..
من البداية.. كنت سأمر عليكم لولا أن صدمتني سيارة من الخلف
وكادت أن تقع كارثة.. لا .. الحمد لله سليمة..
لا يامؤمنة لست أخاف الموت، ولكن التوقيت هو المشكلة،

وشوقي لأن أرى وأحمل ابني الأول..سلامي
الحار إلى عادل..باي ..باي.

(حركة خلف الستارة ..تحدث صوتًا خفيفًا)..

من وراء الستارة؟ تكلم..

(يقوم، ثم يعود إلى الخلف)

اللص : (يحدث نفسه)..مادام هناك موت، فهناك عذرائيل..
فُرِجَتْ..أنا..أنا ملك الموت.

صاحب الشقة : ملك الموت!!..(وهو يحتمي بالمكتب)..ملك الموت..
كيف؟! وفي هذه الساعة المتأخرة من الليل.

اللص : ومتي يجب أن يأتي ملك الموت أيها الفاسق؟..
معذرةً، كان ينبغي أن آخذ ميعاد مسبقًا من سيادتك..
يا أفندي يجب أن تعلم أن أي وقت مناسب لي تمامًا.

صاحب الشقة : أعرف هذا جيدًا، ولكن ألم تسمعني وأنا أتحدث عن
انتظاري لمولودي الأول ويجب...

اللص : (مقاطعًا) ماتتحدث عنه ليس مهمًا عندي، ففي الوقت الذي
ستسقط فيه ورقتك من شجرة الحياة، ستنبت ورقته، ولا
سبيل أمامي لإعادة ورقتك مرة ً أخرى.

صاحب الشقة : ولكن ماذا سيفيدك موتي الآن؟

اللص : (ساخرًا) وماذا أفادتني حياتك أيها الصعلوك؟!..ولكنه النهاية،
المهم.. ان سأخرج، ولكن حذاري أن تلمسني، فلمسةٌ واحدةٌ
مني كافية لموتك في الحال.

صاحب الشقة : النتيجة ياسيدي واحدة.. فأنا ميت ميت.. باللمس بالهمس
بالنظرات، ولكن تمهل قليلاً.. صدقني، لن أتحمل رؤيتك.
اللص : سأخرج رغمًا عنك (يخرج) والآن هأنذا.. أين أنت الآن؟

صاحب الشقة : (يخبيء وجهه بكفيه، ويعطي ظهره للستارة)
أليس شكلك مفزعًا..أرجوك، لاتفزعني، ارحمني،
فأنت كما تراني وحيدًا.

اللص : لاتخف يابني، واستدر لتراني، فرؤيتي ليست إلا مرة واحدة،
فمن يراني مرة لن يراني ثانيةً، وأعتقد أن أحدًا لم ولن يراني
من قديم الأزل وإلى الآن وبعد الآن .. هيا استدر..تعبتني..

صاحب الشقة : لكن فيما أعلم أنك لا تظهر لأحد بشخصك الصريح للبشر،
بل تخطف الروح وتمضي، ولا يستطيع أحد أن يفلتها من بين
يديك فلماذا تزورني أنا في نص الليل.. ها..ها..لماذا؟!

اللص : هذا بحسب الأحوال والأشخاص، وأنت غالي علينا جدًا،
ثم أنني.. يا أيها المهذب لا أخطف ولاأسرق..
(يصرخ فيه) استدر هيا.

صاحب الشقة : (يفزعه الصوت) حاضر..
(يستدير ببطء يرفع كفيه بالتدريج)..
أسود كله أسود..ياربي ليس هناك شيءٌ أبيض..

(يسير اللص نحوه ببطء)

صاحب الشقة : (يصرخ فيه وهو يحتمي بأحد المقاعد)..
أرجوك.. قف عندك، لاتقترب، الوقت مازال أمامنا طويل،
وقد تقتنع بوجهة نظري، نتحاور، ألا تؤمن بلغة الحوار؟
ألا تعرف الديمقراطية؟

اللص : اسمع.. الحوار قد يأتي مع الشيطان بنتيجةٍ ما، ولكن الحوار
مع عذرائيل، لايأتي إلا بنتيجةٍ حتميةٍ واحدة.

صاحب الشقة : عارفها .. أعرفها، لكن قل لي كيف سأموت؟ ألا يحق لي أن
أختار الطريقة التي سأموتُ بها؟

(يسير خلف الكرسي)

أنا يا سيدي رجلٌ رومانسي..أحب سماع الموسيقى الخفيفة
عند القراءة والكتابة والاستحمام، ورائحة الورد الإنجليزي، وأفضل
شرب الشاي السيلاني،وتدخين السيجار الأمريكاني..

اللص : وألا تحب الموت بالطريقة الدنماركية، كالدجاج الدنماركي،
بحق الله أنت كوكتيل دولي، وهذا ما أفسد أخلاقك، ولكن
ونحن في هذه الحالة من الفضفضة، كلمني عن نفسك،
ماذا تعمل؟ كم تكسب؟ كيف تعيش؟

صاحب الشقة : أهو كده.. نتكلم كأصدقاء.. أنا موظف بأحد المصالح الحكومية
بالدرجة الرابعة، ومرتبي لا يكفيني بالطبع وكذلك حال كل
الموظفين أمثالي.. يعني بالعلاوات والبدلات يجيب الألفين جنيه.

اللص : بس.. وتريد أن تعيش.. يا رجل الموت في كل الأحوال أفضل لك.

صاحب الشقة : ليه هو أنا عندكم هاخد كام ها؟

اللص : عندنا سوف تأخذ بالـ...(بحزم) أتمزح معي؟.. اخبرني واصدقني
القول، أتعيش في هذا المستوى الرفيع..

(وهو يشير إلى الشقة بيديه، بينما صاحب الشقة يستعيذ
ويخمس بكفه في وجهه)..

بهذا الراتب الرفيع..الوضيع؟

أليس لك مورد رزق آخر؟ ألا تُسمسِر ..أو ترتشي؟
تكلم ولاتخف، فأنا من ميتٍ إلى ميت لا أنقل كلامًا،
وإن أفشيتُ سرك افعل بي ما تشاء.

صاحب الشقة : يا عم وأنا هشوفك فين تاني..
للحياة متطلباتها الكثيرة، ولم يترك لي والدي غير
الدعوات الصالحات بطول العمر، والحمد لله حضورك
حققها، أما حديثك عن الرشوة فهيَّ مثل وجبة الإفطار،
والسمسرة كوجبة الغداء بالمنزل، أما العمولات فهيِّ العشاء
على ضوء الشموع وعزف الموسيقى، وهذه الوجبات الثلاث
أسهمت اسهامًا إسهامًا عظيمًا في تكوين بنياني المالي
والاجتماعي.

اللص : بهذا النظام الغذائي أنت رجل يحافظ على صحته..أكمل يابطل.

صاحب الشقة : كان والد زوجتي هو طبق الحلو الذي أختم به وجباتي؛ فهو
عميلنا الدائم والمقاول الكبير صاحب الخير كله، وأتممت صفقاتي
معه بزواجي من وحيدته، لأكون أنا أيضًا وحيده في ثروته، لهذا
كله أصبحت أملك عدة سيارات نقل وأجرة عدا سياراتي الحديثة
الخاصة، وشركة باسم زوجتي، وحبة فكة بالبنك وفقط.

اللص : وفقط.. كل هذا وفقط (صاحب الشقة يخمس بكفه عليه) ياجاحد يا
فاسد يا مرتشي يا مصلحجي..والآن تمدد على الكنبة لأقوم بشطب
روحك من سجلات الدنيا وإثباتها في سجلات الآخرة.

صاحب الشقة : ماهذا؟! تتكلم عن روحي كأنها عهدة أميرية.. اصبر لاداعي
للاستعجال، تمهل يومًا أو ثلاثة أيام حتى أقابل الله وقد كفَّرت عن
ذنوبي، هو أنا هروح منك فين، ألستَ جائعًا الثلاجة مليئة بالخير
كله بلدي ومستورد.

اللص : والله من حيث إني جائع فأنا جائع وميت.. لأ بلاش كلمة ميت دي..
ولاداعي لتعطيل موظف عن تأدية عمله المكلف به، تمدد وإلا
سيزيد هذا في عقابك أيها المرتشي.. ألم تتذكر مرة أنني يومًا ما
سأزورك؟

صاحب الشقة : واقع الأمر وبلا نفاق، لم أكن أود رؤيتك، بل وكنت أبحث عن
وسيلة تنقذني من الموت، ويبدو أننا من خوفنا منه نحاول أن
نتناساه..

(يخرج عدة كتب من المكتبة)..

غرني برناردشو عندما قال أنه لن يموت إذ ليس هناك
ما يبرر موته،و كذلك الفيلسوف ديكارت الذي كان
يقسم أن في استطاعته أن يعمر ما يشاء، والمصيبة أنهما ماتا.

اللص : كلهم يضحكون عليك يابني، كلهم خائفون، يصرخون فزعًا،
ويتوهمون أنهم يحاربون الموت، يظنون أن إلغاء فكرة الموت
في عقولهم، ستلغيه بالتبعية واقعًا في الوجود.. يدفنون رؤوسهم
في الرمال كي لا يسمعون وقع خطوات الموت القادم إليهم يومًا ما
وينسون أن الموت دفنٌ أيضًا ولكنه دفن الرأس والجسد معًا،
وأتحير لماذا تخشون الموت؟!

صاحب الشقة : تتحير لماذا نخشى الموت!.. لأننا معاشر الأحياء نراه انسحاب
إجباري من الحياة، كأنك لم تكن فيها، إنني حين أفكر في أنني
سأموت، وسأكون وحدي.. ياله من شيء مرعب ومخيف أن
تبقى وحدك في أعماق حفرةٍ ساكنةٍ باردة ومظلمة، والعالم من
بعدك سيستمر ويمضي، دون أن يهتم أحد بغيابك.. ثم أنني لم
أعمل..

اللص : (مقاطعًا) نعم ، لم تعمل، الحقيقة أنكم تخافون من لقاء أعمالكم
مثلكم في هذا مثل النحات الذي يصنع تماثيلاً قبيحة ثم يمضي
وينساها، فتجتمع تماثيله معًا محتجةً وتصرخ في وجهه:نحن
من صنع يديك.. المهم لاتهرب وتفلسف القضية، تمدد..هيا..

صاحب الشقة : أحان الوقت؟

(يقف اللص جامدًا، بينما يرن الهاتف فيقفز صاحب الشقة نحوه)

مكالمة خاصة لي.. أتسمح لي.. آلو، أيوه نعم أنا، وضعت..ولد،
الله يبارك فيكِ.. حاضر سأحضر في الصباح، مع السلامة..

(يتوجه إلى اللص من بعيد متوسلاً)..

أيها الملاك الطاهر من فضلك دعني لأرى ابني لعدة أيام ..
أسبوع ليس أكثر، فقط أسبوع لأراه، وأقبله، وأتشممه،
فهذه لحظة انتظرها منذ كثير.. ألا يرق قلبك لحالي؟!

اللص : الفجر أوشك وأنا متعجل، عمومًا دعني أفكر..

(يقف خلف الكنبة).

صاحب الشقة : (يرفع يديه بالدعاء وهو يتمتم) يارب أأمره أن ينصرف..
(يخرج اللص شيئًا من جيبه فيقع تحت الكنبة وينحني
باحثًا عنه، فيبدو وكأنه اختفى، ليلتفت صاحب الشقة
فلا يجده، فيتقدم نحو الكنبة ليتأكد)..
الحمد لله انصرف، أشكرك يارب..

(يهب اللص واقفًا، فيتفاجأ صاحب الشقة ويفزع لمرآه).

اللص : كفى ..كفى.. لقد وجدت لك حلاً جيدً، شيء مثل المقايضة
صاحب الشقة : مقايضة؟!

اللص : نعم يعني مبادلة شيء بشيء، يعني إذا أنا تركتك وشأنك لعدة
أعوام لا أيام ولنقل عشرة أعوام.

صاحب الشقة : فقط عشرة أعوام، وقبل أن تتذمر وتتراجع أنا موافق.

اللص : ولكن هذا الأمر مرهون بشرط.

صاحب الشقة : أأمر أنا موافق.. فما هو؟

اللص : أن تتنازل عن كل مال غنمته من الأعمال الرديئة التي قمت بها،
وتبدأ حياة جديدة أخرى طيبة بعمل شريف ومال حلال.

صاحب الشقة : (مبهوت) أأتنازل عن كل ثروتي مقابل أن أحيا (مناجيًا نفسه)
إذا مت فلا حاجة لي بالمال، ومن أجل أن أعيش أتنازل عن كل
مالي! معادلة صعبة، في الموت أتنازل عن مالي مجبرًا، ولكي
أحيا أتنازل عنه مختارًا، والمال لا ينفع مع الموت، والحياة بغير
مال موت! أيهما أختار؟ (يتوجه للجمهور) ها.. ماذا أختار؟

اللص : ارجع .. ليس في برنامجي الاستعانة بصديق ها، ماذا قررت؟ أجب
بسرعة، الوقت يمضي، ولست هنا في خدمتك، أنا أبدي بعضًا من
التعاون لظروف خاصة بكلينا.

صاحب الشقة : ولكن يا عذرائيل باشا، كيف أحيا بلا مال؟ ومن هذا الذي سأتنازل
له وأراه يتمتع بمالي أمامي وأنا أحرم منه؟

اللص : هذه سهلة.. ستكتب كل ما تملك من مالٍ وعقار باسم مستعار
وليكن اسمي أنا مثلاً، وسأقوم أنا بدوري في توزيعه على الفقراء
والجمعيات الخيرية، وبذلك نساهم في محو خطاياك قبل الرحيل.

صاحب الشقة : ماذا تقول؟ أأكتبه باسم مستعار؟! لاتحاول أن توهمني بأنها
مقايضة شريفة، بل هيِّ رشوة سافرة، ومادام الأمر كذلك فلماذا
تلف معي وتدور؟ إن أصغر موظف مرتشي يستطيع أن يفعل هذا
بأداءٍ أفضل.

اللص : إذن علمني أيها الخبير!

صاحب الشقة : دعك من التعليم الآن وأخبرني باسمك الذي سأتنازل له أهو مثلاً
السيد قابض الأرواح حمدي أو هازم اللذات فوزي، لا وربي إنها
لرشوة وفيها تناقض رهيب.. أأتنازل أنا عن مالٍ حرام لأتطهر
وتقبله أنت لتتدنس؟..أستغفر الله..

اللص : (غاضبًا) اخرس لا تتجرأ علىَّ يا أحمق، والله لقد تجاوزت الحد،
وبمقدوري أن أنهي هذه المهزلة وأقبض روحك فورًا،هيا تمدد..

صاحب الشقة : (يجثو على ركبتيه) معذرةً سيدي لتطاولي، اقبل أسفي وأمهلني
وقتًا للتفكير، وأشر عليَّ أيهما أترك وأيهما آخذ.. أقول لك نقسم
البلد نصفين.

اللص : لا أفهم ماتقول.

صاحب الشقة : أقصد أن أعيش نصف المدة وأحتفظ بنصف الثروة.

اللص : (ينظر إليه شزرًا) تموت في المراوغة.. نقسِّم البلد، ونصف
المدة ونصف الثروة.. حتى قسمتم البلاد بين فقير غارق في
الفقر، وغني بعيد عن الفقر بأميال..لن ينفع فيك التطهير،
تفكيرك قائم على النفعية والمصلحة، حتى الزواج وهو أعظم
رابطة بين اثنين لم يسلم من تفكيرك العفن (يصرخ آمرًا) هيا
تمدد وأغمض عينيك، فلا فائدة منك.

صاحب الشقة : حاضر وسأنام ولكن اهدأ (يتمدد)..

اللص : هل تمددت؟ أغمض عينيك..
(بلاوعي منه يلتقط سيجارة من علبة فوق المكتب).

صاحب الشقة : (يهب واقفًا).. الله الله..وبتشرب سجائر (يقترب منه)
وأمريكاني كمان، وتعيب عليا وتقولي كوكتيل دولي،
ورأسمالي.. وأنا الذي أتساءل لماذا لا نسمع في
نشرات الأخبار عن وفيات في أمريكا إلا نادرًا، وكل
أخبار الوفيات الجماعية لآخر النشرة من دول العالم
الثالث .. أتاريها محسوبيات واتفاقيات.. بدأت تتضح
شكوكي فيك.

اللص : دعني أدخن سيجارتي وإياك أن تلمسني، أفهمت.

صاحب الشقة : (يقترب منه ثم يمسك بذراعه فجأة)
ها قد أمسكت بذراعك وبقوةٍ أيضًا، هيا.. أمتني
لو تستطيع، لماذا لم أمت؟ إذن قل لي يا ملك الموت
المزيف من أنت قبل أن أستدعي الشرطة؟

اللص : (وقد تخلص من قبضته) اهدأ وسأجيبك..
أنا لست لصًا على الإطلاق، وإنما جارٌ لك، لا ليس هنا،
ولكن بالحي القديم الفقير المقابل لحيكم الغني الذي تطلون
عليه، وعندما أشرب شاي العصاري ببلكونة بيتي الخشبية
أنا وزوجتي أضحك وأنا أخبرها بأننا أذكى منكم لأننا
نستمتع برؤيتكم بلا مقابل، بينما أنتم دفعتم الألوف لتسكنوا
هنا وتطلون علينا، نعم نضحك ثم نتحسر .. حتى قارب
الموقف على الاشتعال..

صاحب الشقة : ولماذ يشتعل الموقف؟!

اللص : متناقضان يتواجهان يوميًا.. الفقر المدقع، والغنى المتبجح،
قنبلة موقوتة تتحرك على ساقين..داخل كل صدر.

صاحب الشقة : (يصفق) محاضرة اقتصادية اجتماعية لا بأس بها يا بروفيسور..
لم نتعارف ..ما اسمك؟

اللص : ليس مهمًا اسمي، بل ليس مهمًا أن نتعارف فلن نتقابل ثانيةً،
(يجلس وهو يضع رجلاً فوق رجل.. وينظر إليه مليًا)..
أنت الذي فرضت نفسك على واقعي..

صاحب الشقة : (مندهشًا).. أنا.. أنت مجنون.. ومالي بك؟!..فهمني..

اللص : مروقك بسيارتك الفارهة وأنا في طريقي للعمل، كأنك
تصفعني على وجهي، فألعن عجزي، وأثور على حالي،
حتي سمعت ذات مرة من أحد العمال بالأبراج جمعتني
به جلسة على المقهى ما حباك الله به، فاستغربت سنك
ووظيفتك العادية حتى ذكرت اسمك لزميل لي في العمل
فاتهمني بالجهل، وحكى لي عن أعمالك المشبوهة،
وكيف كنت، وعن أصلك الـ..

صاحب الشقة : (مقاطعًا) اخرس.. ولا تعود لوقاحتك..لكن لماذا جئت إلى هنا
ولماذا ادعيت أنك ملك الموت والعياذ بالله؟

اللص : لا أدعي أنني لم أحضر لأسرق، كان لي طموح في الانتقال لشقة
أرحب، في مكان أفضل، وكان في داخلي صراع يدور بين ما
تؤمن به وبين أن تخالفه.

صاحب الشقة : (ساخرًا) مباديء!

اللص : أيوه مباديء.. بين أن أسرق رجل والمال عهدته لا يملكه،
وأن أسرق سارق ..لص ..

صاحب الشقة : لصٌ شريف يعني، ولكنك في النهاية لص جاء يسرق لص.

اللص : نعم، هو تناقض أوقعتنا فيه الظروف، وحتى هذا اعتذار واهي..

صاحب الشقة : وطبعًا اقتحمت البيت بعد أن رأيتني خارجًا منه ومعي زوجتي
فظننتها سهرة وسنتأخر.

اللص : ما شاء الله.. كأنك كنت معي..

صاحب الشقة : تفكير لصوص، زي بعض، وهذا أجيده.. ولكن لماذا ادعيت إنك..

اللص : ملك الموت.. أنت من أهديت الفكرة لي بحديثك عن التصادم
والموت..

صاحب الشقة : خيبك الله ألم تجد غير ملك الموت لتتشبه به؟!

اللص : ليتني كنته، لخلصت الدنيا من الأشرار، أو حتى الفقراء فهم أكثر
من يتمنى الموت في هذا البلد.

صاحب الشقة : بس يخربيتك سهرتني وصدعتني (يمد يده بورقات مالية) خذ
هذا ليعينك على ما أنت فيه.

اللص : لا يافندم أشكرك.. أنا لم أكن ولن أكون لص.. لا تشفق عليَّ ربما
في غياب العقل ضللت الطريق .. وفر عليك مالك، أو تطهر منه
أمامك الآن فرصة حقيقية لتولد من جديد مع هذا المولود الطاهر
ابنك، جرب المقايضة، أو تنازل عن مالك بإرادتك وبغير اسم
مستعار.

صاحب الشقة : أشكرك على النصيحة.. وكفاية كده.. لقد تحملت كلامك المهين
لعلمي بأنك ملك الموت، أما الآن فلا شيء يدعوني البتة للصبر
عليك، هيا انصرف من الباب..

اللص : سأنصرف.. ولكن يجب أن تعلم أنني لم أكن ملك الموت..

صاحب الشقة : تاني ملك الموت.. هيا انصرف، ويكفي أني لم أبلغ عنك..

اللص : أعرف، ولكن اسمعها مني يا ماجد بك، ولن تندم..
حقًا لم أكن ملك الموت ولن أكون.. ولكن فقط تذكر أن
خلف هذه الستارة كان يقف ملك الموت، وعلى هذا
الكرسي جلس، وفي جنبات بيتك سار، وأنه في ركن
ما من هذا الكون الفسيح ينتظر الأمر الإله لينقض
عليك، ويأخذك إلى القبر الساكن المظلم وحيدًا..
مجردًا من كل شيء.. ولن تستطيع أن تقيم معه حوارًا أبدًا؛
فهو لايعرف الحوار.. والحوار معه لايأتي إلا بنتيجةٍ حتميةٍ
واحدة.. الموت.. سلام..
(ينصرف)..

صاحب الشقة :
(يقف وحيدًا.. تنطفيء الأنوار حوله ماعدا هالة ضوئية ساقطة
عليه، وأخرى على الستارة) ..

(صوت اللص يتردد:"أنا لست ملك الموت..ملك الموت كان يقف
خلف الستارة.. ملك الموت لايعرف الحوار..ملك الموت خلف
الستارة"... الستارة تهتز بشدة)

(يصرخ) ملك الموت انتظر.. سنتحاور.. لا أريد أن أموت..
لا أحب الوحدة..

(يلف في المكان.. والستارة تطير نحوه)

لا يا ملك الموت .. انتظر.. لا أحب الوحدة.. بالله عليك..

(يلف المكان والستارة تطير نحوه أكثر.. فيصرخ أكثر)

لا أريد الموت ..

(يقع على الأرض.. تسكن الستارة .. وتبقى الهالة الضوئية
عليه وعلى الستارة)..


[ستار]



#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحية: -العائد الذي ما عاد-..
- استرشاد المرأة العصرية بحياة أمهات المؤمنين.
- أيَّامٌ في دَنْدَرَة..
- لقاء في -ساحة النور- بدندرة..
- صور الحب في فكر الدكتور محمد حسن كامل
- الشهيد عبد المنعم رياض: دلالات النشأة والوطنية..
- مفهوم -الشعر- في فكر الدكتور محمد حسن كامل..
- قراءة في بناء ومعوقات رأس المال الاجتماعي عبر المجتمع الافتر ...
- تقدمتي لقصة ” شاء قدري”.. للكاتبة هزيل حورية..
- الهجرة النبوية: المقدمات والنتائج..
- -حول المجتمع الافتراضي-.. حوار مع عالم الاجتماع الدكتور وليد ...
- حوار حول الأمازيغية مع الشاعر الباحث عادل سلطاني
- التصوف وعلاقته بالتشيع.. الافتراق والالتقاء
- -مالك بن نبي- .. رؤية جزائرية
- -عرعار- في ذاكرة التاريخ الجزائري...
- أوهاَمٌ مُسْتعَارة
- الإسراء والمعراج .. المعجزة والقصيدة
- فَزَّاعَةُ العَامِّيَّة...
- عندما تتلمذ -الأعلم- على -الأدنى- .. السلجماسي والدباغ أنموذ ...
- طفلة الرؤيا


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد إبراهيم أحمد - مسرحية: -المنعطف الأخير-..