أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - جارتي الرقيقة الحنون















المزيد.....

جارتي الرقيقة الحنون


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 5867 - 2018 / 5 / 8 - 05:37
المحور: الادب والفن
    


جارتي الرقيقة الحنونْ

قصة قصيرة
كامل السعدون
-1-

واحدٌ أو لنقل واحدةٌ من القلة الذين لا زلت لغاية اليوم أعرفهم "هذا إذا كنت لا زلت أعرف أحدا"، فأنا بالكاد أعرف نفسي!
هذه الواحدة اللطيفة النبيلة هي جارتي ميريت، نعم.. السيدة ميريت ...!
مالكة الدكان القائم عند رُكن الزقاق.
هذه السيدة تزورني مرتين في الأسبوع. تأتي حفظها الرّب الى منزلي حاملةٍ كل ما يحتاجه عجوز مثلي، مما يمدّني بطاقة الحياة في أوردتي وشراييني وخلايا جسمي العجوزة التي كما يؤكد العلم اليوم أنها في مثل سنّي تكف عن تجديد ذاتها، أي بمعنى أن تكون عاقرا، تماما مثلي أنا ذاتي فقد غدوت عاقرا في كل شيء إلا في قُدرتي لغاية اليوم على السخرية من نفسي أو من غيري.. هاهاها.
واقع الحال حتى هذه السيدة اللطيفة، نادرا ما أراها، فمفاتيح منزلي بحوزتها منذ أكثر من عام وبالذات منذ الوقعة الأولى لي، حين سقطت في الحمام بينما كنت استحم، ولولا رحمة الرّب وحسن الصدفة لما نجوت من تلك الوقعة.. هاها.. حيث فجأة جاءت كالمعتاد لزيارتي وتفقُدَ حالي وتسليمي ما ثقُل حمله ورخص ثمنه من مواد التموين المنتهية الصلاحية والتي تبيعها لي بثمن زهيد.
المهم.. طُرقَّ الباب، فاستعدّتُ وعيي وزعقتُ طالبا النجدة فاقتحمت الباب بضربة جبّارة من كتفها القوية المعافاة والبضّة بذات الوقت.. ودخلتْ لتجدني اتلوى من الألم في البانيو، ورفعتني بيد واحدة وأرقدتني على سريري " وليتها رقدت معي.. هاها.. ".
منذ ذلك الحين، تملك السيدة ماريت مفاتيح بيتي، كما ومفاتيح قلبي العجوز...!



إذن.. فأنا نادرا ما أراها كما قلت إذ تدخُل بيتي تدنو من الغرفة على عجل تتنصت على شخيري أو ثرثرتي مع ملك الموت الذي أظنه يزورني مرّات عدة في اليوم فأتوسل اليه أن يؤجل التقاط روحي لفترة أخرى، فقد تحصل المعجزة ويكتشفوا اكسير الحياة الذي وعدونا به منذ أيام أبقراط والأحبّة حكماء الصين والأخوة حكماء الهند الكرام.
ويغادرني ضاحكا، فأضيء النور لأتأكد من أنني لا زلت حيا، وأفرك عجلة مذياعي العتيق آملا سماع خبر المُعجزة الموعودة.
أنادي عليها بصوت واهن فيه غُنج مُفتعلْ، أنتظر الجواب فيأتيني صوت اصطفاق الباب مُعلنا رحيلها.
اللعنة.. لِمَ العجلة يا جارتي الجميلة النبيلة.. لا بأس.. " إنها امرأة شريفة ولديها كرامة " قلتُ في سرّي، ثم انفجرت مُقهقها.. وأهتز كياني الهزيل لوقع قهقهتي الجبارة، دون أن تهتز في سريري ساقٌ واحدة.
" لا.. بجدّ.. أنا راضٍ تماما عن هذا الوضع، فنحن نحمي بعضنا ونحمي أنفسنا من بعضنا، ونحافظ على الود والسلام بيننا" قلت.
هيهه.. هيهه.. نحمي أنفسنا من بعضنا.. جميلة هذه العبارة.. وماذا فيّ لأُخيفها منّي؟
وماذا عندي لأخاف منها وكل ما أملكه هو هذا الراتب التقاعدي الشحيح الذي وكلّتها أمر استلامه نيابة عني لتُطعمني طوال الشهر من رخيص ما عندها.. مُضافا لبعض الشكولاتة والبوظة التي أعشقها.. وفي الأعياد نبيذٌ أحمر أو (أبيض) مُهرّبٌ رخيصٌ لا يتوافرْ إلا عند ماريت الحبيبة.
البارحة سمعتني أئن في سريري، وأقسم أني صادقا في أنيني فقد سقطّتُ من سريري ليلاً وبالكاد نهضتُ ثانية لأتسلقه.
كان والله رهيبا ذلك الألم.
-سلامتك من الآه يا مسيو مسعودْ، ماذا حصلْ؟ هل تزحلقت ثانية لا سمح الله؟
-ركبتي يا مدام ماريت.. ركبتي اللعينة تؤلمني بقوة.. لقد سقطت البارحة من سريري وأنا اطرد ملكَ الموت...المُصرّ على انتزاع روحي.
أحمرّ وجهها وهي تغالب ضحكة توشك أن تنفجر.. اقتربتْ أكثر ورفعتْ اللحاف قليلا عن ركبتي.
-يا ألهى.. أنها متورمة.. يجب أن أُتلفن للطبيب أو الإسعاف.



شعور جميل أن يقول هذا غريبٌ لا حبيبْ، فالأهل يستدعون الطبيب أو الإسعاف ثم يقولون لك من المستحسن أن تمكث طويلا في المستشفى ومن ثم تقيم في دار العجزة حيث الرعاية الجيدة والغذاء الحسن وووو.
أخبرتها بما يتطلب وجودي في المستشفى وما يعقب ذلك مما لا أحب ولا أُطيق، وبالذات فراقها المرير.
- كما تشاء يا صديقي. " اجابت برقة مُرفقةٍ بابتسامة تعاطف ونظرة أعجابْ".
وربتت على ذراعي المعروقة النحيلة، وأحكمتْ وضعَ اللِحاف على جسمي الناحل بعد أن وضعت الكمادات الساخنة على موضع الورم، ثم شرعتْ بدهن ثلاث شرائح خُبزٍ أسمر بالزبدة، ووضعته على الطاولة الصغيرة المجاورة لسريري، ثم توجهت الى الثلاجة وجلبت ابريق ماء بارد وكوب حليب كبير، وضعتهم مُجتمعين على الطاولة.
أكلتُ ما أعدّته السيدة ميريت.. شربت حليبي.. غفوت زمنا..
نهضت ثانية.. كان مساءٍ.. شرعتُ بدهن شريحة خبز بما بقي من الزبدة، وقبل أن أقضم اللقمة الأولى.. أطلّت السيدة حفظها الرب ثانيةٍ، " يا إلهي.. كم أنتِ طيبةٌ يا سيدتي".
هتفتُ بها.."ابتسمتْ" وعكفتْ على تبديل الكمادة بأخرى" ستتحسن رُكبتكَ يا سيدي بلا طبيب ولا مستشفى".
-إذن فأنت لا تريد الذهاب الى دار العجزة، أتعلمْ.. ولا أنا.. أُفضلّ أن أموت في بيتي على أن أذهب إلى هناك.. إنه أشبه بالسجن، إذ تُفرض عليكَ صُحبة من تحبْ ومن لا تٌحِبْ.. يا إلهي.. هذا شيء فضيع!
وقهقهنا معا..

ونظرت لها بعيون مُسبلة " كما يفعل المُراهقين" قهقهتْ وأحمر وجهها.. ولم يحمرّ وجهي فهو ما عاد فيه دمٌ كيما يحمرّ...هههه.
-2-

بقيتْ ركبتي تؤلمني قُرابة الأسبوع، وأنا و...ميريت، نؤكد لأنفسنا كل يوم، أن الغد سيكون أحسن وأنها ستشفى قريبا، وكل يومٍ كمادات جديدة ولأكثر من مرة، وكل يوم تُطعمُني السيدة.. بيديها أو تُجهز لي الطعام وتهرول ثانية صوب دُكانها لترى ما إذا كان لديها استلام بضائع أو زُحمة زبائنْ.
وشُفيتْ ركبتي تماما في اليوم الثامن أو التاسع.
- لكِ الشُكر يا سيدتي، لقد تمكنتُ من الذهاب الى الحمام بلا عكاز، الفضل كُله لكِ أيتها الطيبة النبيلة.
-يا سيدي حمدا للرب على سلامتك، ارجوك لا تبُالغ بالشكر، أنت كُنت شجاعا ومصرّاً على النجاة بلا طبيب. "وضحكت بلطفْ"
- كلا يا سيدتي لولاك لاتخذت حياتي منحى آخر..
-أنت لديك قدرٌ هائل من العِنادْ وهذا ما يُثير احترامي البالغ وإعجابي، أتعلم يا سيدي.. لدي أبٌ مثلكَ تماما.. لهذا فأنا أعني ما أقولْ.
غمرني حبورٌ عظيم، شعرتُ كأني لمّا أزلْ ذاك الصبي الذي كان شقيا...مُغامرا.. يرتكب الحماقات ويُقهقه بمليء شدقيه وهو يتلقى السياط على المؤخرة من عصا أبيه أو المُعلم.. أو الشُرطة.. لاحقاً.
- وهل صار اباكِ عجوزا.. أعني هل عمرّ طويلا...؟
- نعم ...نعم.. طويلا جداً.. كان ينظرْ للحياة بأقلِ قدرٍ من الجدْ والاهتمام وقد عاش حقا.. عاش باسما ضاحكا سعيدا الى آخر لحظةْ." وأضافت"
- كم كان بودي لو أنه عاش حتى هذا اليوم لالتقيتما، ورُبما نشأت بينكما صُحبةٌ ورفقه.
-ليتنا.. "أجبت وأنا أشد على يدها بقوةْ".
قبل أن تخرج، هتفتُ بها.. أرجو أن تكتبي لي أسم المرحوم صديقي القادم لأحفظه عن ظهر قلب قبل أن أغادر ...فقد التقيه هناك وأتعرف عليه وأبلّغه تحياتك ونمرحَ معا بين الحسان...!
وقهقهتْ بقوة.. وبلا حياء هذه المرّة.
حين خرجتْ...انطلق صوتي بالغناء وكأني أعود ذلك الفتى المُراهق الذي كان يذرع الشوارع العتيقة المُظلمة مع بنت الجيران قبل ثلاثة ارباع القرن، وفي بلدٍ كان يئن من الفقر والحرّ والجوع ويملك الأمان وحده.. ويا لها من نعمة.. هاهاها...!



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصتان
- شيخوخة - قصة قصيرة
- وتعود مصر كما عودتنا ...كبيرة بحجمها .. بقلبها .. بروحها و . ...
- هل لدينا حقا تيار وطني وديموقراطي؟
- الى الإسرائيلي الكريم .. إسرائيل هي من اوصلت الأمور الى هذا ...
- الى الإسرائيلي الكريم .. إسرائيل هي من اوصلت الأمور الى هذا ...
- رحبوا بالتحالف الجديد واذهبوا إلى خانة المعارضة
- الأرض بتتكلم فارسي
- العراق .. هذا العليل المشاغب
- تفضلوا للرضاعة يرحمكم الله !!
- امريكا .. إيران .. إسرائيل ... إنهم حلفاء فأحذروهم
- العرب في مطار اربيل .. هذا هو البديل الأمريكي الإسرائيلي يا ...
- ثياب الإمبراطور الجديدة
- إذا نطق الحذاء فصدقوه .. فخير القول ما قال الحذاء ..!
- عن الحذاء ( قُدس سرّه الشريف )
- هذا حذاء بألف عمامة
- إتفاقية الإنتداب الجديد – اين حق الشعب بالتعويض والإعتذار ؟
- الإتفاقية ..جاءت لمن ومن المستفيد حقا وصدقا ..!
- بركات الحسين .. إحتلال .. بركات الرضا .. رقائق بطاطس حلال
- عن الخوف الذي كتب دستور شعب مستباح


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل السعدون - جارتي الرقيقة الحنون