أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - المسرح الطفلي















المزيد.....



المسرح الطفلي


منصور عمايرة

الحوار المتمدن-العدد: 5866 - 2018 / 5 / 6 - 21:15
المحور: الادب والفن
    


المسرح الطفل 2 * منصور عمايرة
استشراف: يندرج مسرح الطفل في إطار عام أكثر شمولية، إنه أدب الطفل، ويندرج مرة أخرى في رؤية فنية، إنه المسرح، إنه تشكل متعدد، وبهذا، فمسرح الطفل، مسرح يتضمن الرؤية الأدبية الفكرية والرؤية الفنية تتمثل على خشبة المسرح. وبالنظر إلى الطفل كمفهوم، نجد من يعرف أدب الطفل بالنتاجات الأدبية المتعددة، التي تجسد أفكار الطفل ومشاعره، وتراعي خصائصه ونموه. 1 وللطفل رغبات كثيرة يريد الحصول عليها، فنجد لديه رغبة بسماع الأصوات، ومحاكاة الأشياء مثل الدمى، ولديه رغبة بالإنصات للحديث الذي يدور من حوله، وهو يسترق السمع بأذنيه للقصة التي تسرد، ويراقب بعينيه الحركات التي تتواءم مع سرد الحكاية من الأم أو ممن هو أكبر منه سنا، ويتشكل لديه الخيال والتفكير في مراحل نموه المختلفة.
إن مجال الاهتمام بمسرح الطفل، يندرج في إطار أهميته من حيث امتلاك اللغة، التفكير السليم، التربية الصحية، التربية النفسية والجسدية، الخيال، تنمية قدراته الذهنية، مساعدته على فهم الحياة والتكيف معها، إثارة انتباهه ولفت اهتمامه للقيم والمعايير الاجتماعية والسلوكية، تأكيد العاطفة الوطنية والدينية.. هي مجموعة كبيرة من المنظومة القيمية. وأهمية مسرح الطفل تتمثل بإعطاء تجارب جديدة للطفل، وتوسيع مداركه، وفهم الآخرين، ويتيح للطفل ممارسة التمثيل، وتعليم السلوك التربوي والخلقي والاجتماعي والعلمي.2 ومسرح الطفل ذو أهمية مستقبلية لديمومة المسرح، وتشكيل الذائقة الفنية والأدبية لدى الصغير، وهو البداية الحقيقية لمسرح الكبير، وذلك عبر عملية إنتاجية إبداعية تراكمية، تبدأ من الطفل حتى تنتهي إلى الكبير، وبما أن المسرح حالة ديمومة، أو يفترض أن تكون كذلك، يتمثل بالتواصل منذ النشأة الأولى، التي يتربى عليها الطفل عندما يبدأ بإدراك أهمية المسرح. ونشأة المسرح الطفلي ترجع إلى القرن العشرين، إذ يعتبر مسرحا حديثا، أو هو أفق مسرحي جديد يتوجه إلى الطفل، وهو بالتالي يعني الأسرة والمجتمع بكل أطيافه.
والكتابة المسرحية الطفلية، يتولاها الشخص الراشد، ليكون الطفل المتلقي، وهذا لا يعني أن تكون كتابة المسرحية الطفلية أمرا سهلا، وهناك جملة من الرؤى التي تشترط أن تتوفر بمن يكتب مسرح الطفل، كالمعرفة العلمية، النفسية، الاجتماعية، التربوية الميدانية، الخبرة الفنية في الكتابة، ومعرفة بالعرض المسرحي. والمسرح يبدو لعبة محببة للطفل، خاصة أنه يميل إلى اللعب بالفطرة، لذا، كلما كان العرض المسرحي جاذبا للطفل سيتفاعل الطفل مع العرض، وبالتالي، يشكل له معرفة جديدة.
ومهما يقال بأن مسرح الطفل يمتاز بالخصوصية، ويعنى بها خصوصية الطفل كإنسان، إلا أن مسرح الطفل يتوجه إلى الأسرة، والمدرسة، والحي، والمجتمع، ولكن من حيث الخصوصية الطفيلة لمرعاة الخصائص والرغبات والنمو، يقسم مسرح الطفل إلى فئات عمرية، ويقدم لكل فئة مسرح يتوجه لهذه الفئة، وهذا الأمر يفترض أن يكون اشتراطا، ليكون المسرح الطفلي أكثر تميزا ويصيغ الأهداف المرادة بدقة. ولغة المسرح لغة مميزة تنسجم مع الفئة العمرية، فالمسرح الطفلي موجه لفئة عمرية معينة، إنه جمهور خاص، لديه قاموس لغوي معين، يتميز بسهولة فهم المعنى واللفظ، والحركة المعبرة من خلال الشخصيات المسرحية، ونؤكد أهمية اللغة، لتحقيق وظيفة تواصلية بين الباث والمتلقي.
ونشير إلى أن المسرح الطفلي - والإشارة إلى النص والعرض – يتشكل من جماليات عدة، مثل الحكاية، والصوت والغناء والحركة والإضاءة والأزياء والقناع والمكياج، والأشياء المتواجدة على الخشبة أيضا. ويشار إلى المكان المسرحي، والذي يظهر الحدث، الذي تدور عليه المسرحية، والمكان هو الإطار المحدد لخصوصية اللحظة الدرامية المعالجة، فالحدث لا يكون إلا في مكان، إنه في مكان محدد يحدث بين الشخصيات، وهنا يكشف المكان عن وظيفته الأساسية في المسرحية، وهى الخلفية الدرامية للنص، حيث يشير نوع المكان إلى اختيار خاص للخلفية، التي يقصد النص الدرامي إجراء أحداثه وصراعه عليها، وتبرز أهمية المكان بقدرته على نقل المشاهد إلى الحدث عبر مكان مرئي، وذلك حسب الموضوع المطروح في العرض، كأن يكون تاريخيا مثلا، وعليه، فإن فضاء مسرح الطفل يجب أن يكون ممتلئا أو مؤثثا – ليس حشوا أو فضلة - بما لا يدع مجالا لفراغات تؤثر سلبا على العرض المسرحي.
وبما أن الإنسان يعيش حياته لتكون أفضل وأجمل، فتبدو جمالية الحياة رؤية جيدة في المسرح الطفلي، ليبتعد الطفل عن العنف، لأن العنف يخلق مجتمعا غير متوائم يجنح إلى السلبية، والطفل يحتاج إلى الحوار الهادئ. والابتسامة تجدد الحياة والعنف يقوضها.
إن هناك جزئية مهمة في حياة الإنسان الكبير والصغير، إنها الخيال، وربما يكون الطفل بحاجة إليه أكثر بكثير من الكبير، إن جمالية الخيال عند الطفل في العرض المسرحي تمثل سلوكا فرديا لديه، والطفل يمارس هذا الخيال بشكل يومي، فمثلا يمارس الخيال وهو يقوم بالرسم، فتبدو اللوحة التي تبدو لنا مثلا سيئة عندما نرى الرأس وقد بدا أكبر من الجسم، أو اليد تطول على كل شيء، وعندما يصنع العروس الصغيرة أو الدمية التي يصنعها بخيالة، باختيار الألوان والكيفية التي ستكون عليها، لهذا فالخيال سلوك إنساني فطري، ولكنه يتطور وينمو، ويمكن تعليمه عن طريق الدراسة. ولمسرح الطفل دور هام بذكائه، وتنمية الذكاء عنده، وتنمية القدرة الفكرية لديه، فالمسرح يساعد الطفل على أن يبرز اللعب التخييلي، وتسهم المسرحية كذلك في نضوج شخصيتة، وتبين عن قدراته العقلية وميوله، وعليه، نحرص على تقديم المشهدية الطفلية بخيال يتناسب مع الفئة العمرية.
وجمالية المسرح المدرسي، تتمثل بمسرح طفلي، يصيغ رؤية تربوية تعليمية، ومن هنا جاءت فكرة مسرحة المنهاج المدرسي من أجل تبسيط المفاهيم، وتحقيق الأهداف. وتكمن أهميته بتنمية الحصيلة اللغوية والمعرفية والمعلوماتية، فعلية نجد ان المسرح المدرسي، لا ينفصل عن المدرسة، ويحقق غاياتها وأهدافها.3 إذ يمسي المسرح الطفلي المدرسي جزئية مهمة في العملية التربوية، نسعى من خلالها إلى استثارة تفكير الطفل وتحفيز إبداعه، فيقدم له ما يفكر به ويناسب عمره. وهذا يؤكد على أهمية الموضوع المطروح من قبل الكاتب، والموضوعات كثيرة، مثل التاريخية، الواقعية، الخيالية، الوطنية، الإيمانية، التراثية....
***
أقسام المسرح الطفلي:
أ- المسرح اللعبي. قد يقال، إن كل شيء يحيط بالإنسان، ويمارسه الإنسان هو لعب، وتمثل هذه الرؤية بحركات جسدية لا يستطيع الإنسان التوقف عنها، وتمثل بحركة ذهنية لا يستطيع أن يتوقف عنها أيضا، ولذا، فالإنسان يستدرج كل طاقاته؛ ليلعب إذا ما صح هذا القول، ويرى الإنسان البيئة من حوله وهي تلعب، فيقلدها، وكيف لا وهو يراها تتحرك أي تلعب؟ والإنسان منذ الولادة وهو يمارس نشاطاته المتعددة بحالة اللعب، ويخلق رؤى وتصورات تمثل اللعب، وفي أحزانه وأفراحه يمثل رؤى طقوسية، هي حركة ولعب، والمسرح - وهو يعني الفعل - لعب، إذ يعتبر " واحدا من أكثر جذور أو أصول الأداء المسرحي وضوحا "4، هذا يبين عن الرؤية الفطرية لدى الإنسان من خلالها يستمد رؤى وتجارب أخرى، ومعرفة بالآخر، واللعب أيضا هو حالة مكتسبة، يمكن تنميته من خلال التجربة والخبرة، والتي قد تتمثل بالمشاهدة. وعليه، نجد من يعرف اللعب، بأنه " تجريب على عمل شيء جديد"5 واللعب فردي وجماعي، والطفل يمارس اللعب الفردي بصور مختلفة كتسلق شجرة...، ويمارس اللعب الجماعي، وهو أكثر أهمية من اللعب الفردي، لأن الطفل عندئذ يستفيد من تجارب الآخرين، وهو لا يستطيع العيش بعزلة.
كان أطفال السنة الأولى في المدرسة يلعبون " رن رن يا جرس "، مسرح لعبي، فيه حركة، فيه تشويق، فيه تنبه، فيه تشارك جماعي، فيه منافسة، وهو يقوم على البساطة، تحت عنوان: هيّا نلعب. مثل ذلك؛ اللعب بالرمل، وبناء بيوت ترابية أوهن من بيوت العنكبوت في حالة غضب تتهاوى بسهولة، ولكنها حتما تقوم على جملة من الأداء الحركي والذهني الفردي الموجه لاستحسان الجماعة، أو اللعب التشاركي الجماعي عندما يكون هناك فريقان للعب. فالمسرح اللعبي الذي يسبق المدرسة أو الرؤية المنهجية كإخبار وتعليم. وهذا المسرح، تمارسه الأم مع طفلها من خلال الحركة والغناء، والهدهدة هي نوع من أنواع المسرح اللعبي، لها شخصيات عدة، قد تكون الأم أو الجدة والطفل، أو الأم والأخت والطفل، ومكتملة عناصر اللعب أو التمسرح. والمسرح اللعبي قد يمارسه الطفل مع كائنات أخرى، فيناغيها بألفاظ معروفة أو غير مفهومة بمرحلة الطفولة الأولى، وقد يكون اللعب من خلال الدمى، اللعب تقليد الدمية مثل حركة الأرنب وصوته او أي دمية أخرى. وفي هذا العصر، تبدو التقنيات ومنها الهاتف النقال دمية للطفل أيضا، ولذا، فهذا المسرح لا يعدو أن يتجاوز هذه الرؤية اللعبية. ومسرح اللعب مسرح التنشئة الطفلية التي تنمي قدرات الطفل الحركية واللغوية والذهنية أيضا. وتكون مختلفة باختلاف سنوات العمر إلى ما قبل المدرسة، وربما يضاف إليها السنة الأولى والثانية في المدرسة، وللطفل مخزون كبير من الرؤى اللعبية، ولا يستطيع التخلي عنها، أو تقويمها في بداية ولوج المدرسة. ومن المفيد أن نبين عن طبيعة المسرح اللعبي، إذ يجوز أن نسمه بمسرح صوت، فهو يقوم على الصراخ والغناء والحركة، والحركة تنتج صوتا، ويدمغ المسرح اللعبي بهذه الرؤية، وبالعودة إلى لعبة " رن رن يا جرس "، فهي لعبة طفلية تقوم على الغناء والصراخ المصاحب للحركة.
تبرز سمات لمسرح الطفل اللعبي:
- مسرح لعب وتسلية.
- يقوم على الصوت المصاحب للحركة.
- مسرح طفلي لعبي فطري، إذ يخرج من إطار حدود لعبة ما، إلى فضاء أرحب، ينتج لعبا توالديا، قد نجد الطفل يؤدي أي لعب يقوم على مفهوم الحركة والصراخ والغناء، ويستطيع الطفل أن ينتجه بمرافقه أقرانه.
- مسرح بيئي ومكتسب، الطفل جبل على حب التسلية والبحث عن متعة حركية وصوتية، مسرح بيئي، يستطيع الطفل أن يتواءم مع طبيعة البيئة المحيطة، لينتج مسرحه. فالبيئة التي تحيط بالطفل متنوعة ومختلفة من بيئة لأخرى، ولكن الطفل لديه مرونة، إذ لا يتوقف عن اللعب بانتظار حضور لعب ما قد يكون صعب المنال في فترة ما، لأسباب متعددة، فالطفل الذي لا يركب الدراجة ربما يجعل العصا كدراجة. وهو مكتسب من خلال تجربة شاهدها، ليقوم بتقليد الشيء الذي لم ينله الآن، فهذه المعرفة مكتسبة بطرق شتى، وقد يمتلك بعضها طفل يجاوره، فيقوم بتقليدها وإنتاجها.
- مسرح لعبي مكاني، فالمكان موجود حيث يتواجد الطفل.
- مسرح مراقب، قد يجلب الأب أو الأم دمية ما أو آلة ما، لتنمية قدرات الطفل الجسدية والذهنية، والبحث عن وسائل تسلية ومتعة مفيدة للطفل، ويقوم الوالدان بمراقبة الطفل، لحمايته من الأذى الجسدي.
ب - المسرح المدرسي. حكاية فلاح يقصها أمام الأحفاد، بدءا من إعداد الأرض، ثم زراعتها، ثم رعايتها، ثم حصادها، ثم جني المحصول، ثم ذكر العمل التعاوني، ثم بيع المحصول، ثم شراء أشياء أخرى يقايضها بالمحصول، إذن، فالمسرح المدرسي تتابع سلسلة من الإخبار، يتضمن الحركة والصوت والخيال والتشويق، فيه جملة من القيم التي يتلقاها الصغير، وهي بالتالي رؤية مستقبلية، تتمحور بكيفية توظيفها، لخدمة الذات والمجتمع من خلال نقلها بصورتها التي عرفت بها، أو بصور أخرى إلى آخرين، عبر سلسلة جيلية من الأبناء أو الأصدقاء أو التلاميذ.
والمسرح المدرسي مسرح منهجي، إذ يكون المنهاج المدرسي رؤية ممسرحة، لتقريب الرؤية التعليمية للطفل، نجد أن هذه الرؤية لها ارتباط بمسرح اللعب، فالمنهج يتحول إلى لعبة، أو مفهوم لعبة تشاركية في غرفة الصف.
والمسرح المدرسي لا يتوقف عند هذا، فهناك حالة ثالثة، وهي تبين عن أي رؤية تعليمية ذات نمط وعظي وإرشادي، فيصبح المسرح المدرسي دعوة لتقويم السلوك، وهذا السلوك متعدد؛ وجداني وجسدي وذهني، وإن أي رؤية تعليمية خارج المنهاج المدرسي تندرج في إطار المسرح المدرسي، ويستطيع الإنسان أن يسم أشياء كثيرة تحيط به، ويتم تداولها كمسرح تعلمي منهجي مدرسي، فتعليم السياقة رؤية مدرسية، مفهوم المدرسة رؤية مدرسية، والنظافة رؤية مدرسية، وكل الموضوعات قد يجعلها الإنسان في دائرة الرؤية المنهجية التعليمية المدرسية، وهي ذات تتبع سلس ومتدرج.
سمات المسرح المدرسي:
- مسرح منهجي، إنه يمتلك رؤية جاهزة تستعرض أمامه الآن. ولا يقتصر وجوده على المنهاج المدرسي، ومسرحة المنهاج الدراسي، بل نجده كرؤية مدرسية منهجية في إطار عام كتقريب المفاهيم، والتي قد لا تتوفر في المنهاج المدرسي.
- مسرح إخبار وقص، فالطفل كلما شب من مرحلة المسرح اللعبي، تصبح لديه قدرة استدراجية عن طريق السماع، فيسترق السمع لأخبار ترويها الأم، وهكذا تروى في المدرسة، أو السوق أو الحارة أو البيئة المتاحة.
- مسرح – قد نسمه – إلزامي، أي يقدم رؤية وعظية وإرشادية، وتستعرض أمامه رؤية مكتملة.
- يتضمن المتعة والتسلية.
- مسرح مراقب، فما دام أنه مسرح يتحلى بالوعظ والإرشاد، إذن، يحرص هذا المسرح على تقديم ما يتواءم مع قدرات الطفل الذهنية في إطار رؤية اجتماعية قيمية، إذ نجده يتخطى مراقبة الأذى الجسدي، إلى مراقبة الأذى الفكري أيضا، وهذه المراقبة قيمية تربوية ومجتمعية.
- مسرح إطاره المكاني غير مكتمل التقنيات كخشبة مسرحية، إذ يمكن أن يكون في الغرفة الصفية أو الفضاء المفتوح أو المسرح المدرسي بتقنيات قليلة، وربما ينقل إلى مسرح كبير تتوفر فيه الإمكانيات التقنية والمادية، ليصل إلى الجمهور، وربما ترعاه المؤسسة المدرسية كمسابقة مسرحية.
ج - المسرح الطفلي. إنه التفكير والتخييل والتجسيد، المسرح الطفلي سيبدو لنا رؤية مختلفة عن المسرحين السابقين الموجهين للطفل، صحيح هناك لعب، وهناك إخبار وقص، ولكن الأمر يختلف، إذا ما أردنا أن نتحدث عن مسرح طفلي فهو ليس المسرح اللعبي، وليس المسرح المدرسي، إنه مسرح نستطيع أن نسمه كما نسم المسرح بأنه فكر وفن، هذا الفكر والفن يتمثل بالقدرة التخييلة والفكرية والتجسيد، فالطفل يصنع مسرحه كصراع متعدد وجداني وذهني، وجدل قد نصفه بالاندفاع والتشبث بالرأي، لأن الاقناع عملية ليست سهله بين طرفين كل منهما يقف على طرف نقيض للآخر، وهنا تبدو الكتابة الطفلية ليست سهلة حقا، تحتاج إلى قدرات ذهنية كبيرة ومتعددة بمفهوم الطفولة، وقد يحتاج الكاتب للممارسة التعليمية والاختلاط المباشر مع الأطفال، ليفهم الرؤى الذهنية والتصور العاطفي والسلوك الانفعالي واللساني كلغة أيضا.
المسرح الطفلي له أهمية كبرى، ونحن نعد الإنسان، ليكون مثابرا ببناء المجتمع، إذن، يبدأ المسرح من خلال تذوقه في مرحلة طفلية، فالمسرح ليس شيئا زائدا أو إضافيا في حياة البشر، بل هو ضرورة لا تكتفي بوجود خطأ لنقف عنده، بل تتعدى ذلك إلى ماهية الإنسان، بمعنى كيف تكون إنسانا؟ وهي رؤية فكرية متقدمة، والإنسان ينشغل بالبحث عن تلك الماهية، إذن، نحن نتحدث عن مسرح طفلي، أو بالأحرى الخطوة الأولى لمسرح الكبار. وليس هذا المسرح كلعب جسمي فقط، بل هناك اللعب العقلي والذي نسميه التخييل.6 وهذا هو المسرح الذي نستطيع أن نسمه بمسرح الطفل، الذي يقوم على قدرات كبيرة تتعدى البعد اللعبي والتسلسل الإخباري التعليمي، إلى مفهوم متعة المعرفة، فنحن الآن، أمام حالة فكرية، ولكنها تتجسد من خلال الفكر والتخييل والتجسيد، وهي رؤية مسرحية مكتملة، نهرع إلى المسرح لرؤيتها، وهذه الرؤية تتحدد بكيفية تشكيلها، إنه المسرح إذن.
سمات المسرح الطفلي:
- مسرح فكر وفن. إنه رؤية مكتملة لمسرح الكبار.
- مسرح تفكير وتخييل وتجسيد، وبهذه الإشارة، نستطيع أن نسمه بأنه المسرح الذي يستدعي خشبة مسرحية مكتملة التقنيات، ومرة أخرى يعني انتقال الطفل من حالة الاستماع إلى حالة الملاحظة القائمة على التخييل والتفكير، ثم يقوم بتقمص الحالة، وبمعنى التقمص ليس بمفهوم التقليد، فهذا المسرح يعطي الطفل رؤية فكرية، ليتبين النقائض وتحديد المفاهيم، فهو مسرح تجريد الرؤى، إنه المسرح الذي يقترب كثيرا من مسرح الكبار.
- يتضمن المتعة والتسلية.
- مسرح يبحث عن مكان تقني، هذا المسرح مكانه خشبة مسرحية مكتملة التقنيات والفنيات أيضا، عندئذ يحتاج إلى رؤية دراماتورج، على مستوى الكتابة والإخراج.
ونحن نقف على السمات، نتبين إن مسرح الطفل ينقسم في إطار الفئة العمرية، فالمسرح اللعبي ما قبل المدرسة أو إلى السنة الأولى والثانية في المدرسة. والمسرح المدرسي المنهجي كرؤية مدرسية حتى السنة الثانية عشرة. ونجد مسرح الطفل مسرح قدرات متعددة، إنه اللبنة الأولى لمسرح الكبار، وحتما يبقى في إطار الفئة العمرية للطفل ما بعد الثانية عشرة.
***
الأداء في المسرح الطفلي:
التقمص؛ وبتجاوز المسرح اللعبي والمسرح المدرسي المنهجي، نتبين إن مسرح الطفل يقوم على تقمص الشخصية، وفي هذه الرؤية نشير إلى حالة التمثيل، إذ يعتبر مسرح الطفل بداية الطريق إلى التمثيل المتقن، و ضمن رؤى منهجية تدريبية تقوم على الإعداد الذهني والجسدي، وبما أننا نتحدث الآن عن مسرح الطفل، نجد من الضروري أن يتبنى الطفل الرؤية المسرحية، لينتج مسرحه، وهنا نتحدث عن الخشبة المسرحية، فالشخصيات الطفلية هي الفئة العمرية المحددة في هذا المسرح. ولكن، يبدو الأمر مختلفا في كثير من الأحيان، إذ نجد من يقوم بتشخيص هذا المسرح ممثل تجاوز المرحلة العمرية، وهو متخصص في المسرح أيضا على مستوى التمثيل أو الإخراج المسرحي، وبعض الرؤى تقوم على الدمج بين شخصيات طفلية وشخصيات من الممثلين المحترفين. والرؤية الأولى، نستطيع تحديد مسرح الطفل بالأطفال أنفسهم، وهنا نشير إلى التمثيل، بمعنى أن المخرج من المحترفين، وهو من يقوم بتدريب وإعداد الأطفال، لينتجوا مسرحهم كرؤية فنية مكتملة على خشبة المسرح.
وإذا ما وثقنا بالطفل/ الممثل الصغير، إذا ما جاز هذا التعبير، تتاح له الفرصة كاملة، ليتعرف الجانب المعرفي في النص المسرحي، وهذا بالتالي، عملية ذهنية واعية تتشكل من خلال قراءة النص، وتكون القراءة متعددة، ويبدأ الطفل بقراءة تعرفيه قبل القراءة الاندماجية، والتي تقوم على تذوق النص المسرحي، وربما يتبع هذه الخطوة استبيان أسئلة يجيب الطفل عنها، لمعرفة القدرات المعرفية وكيفية تذوق النص المسرحي، ثم تأتي مرحلة أخرى، إنها التدريب الجسدي، وتعرف وظائف الأطراف والجسد الإنساني، كحركات متعددة تنتج من خلال الموقف التعبيري، وهذه التدريبات تمنح الوقت اللازم، وربما تحتاج إلى مراكز متخصصة بالتدريب وتعرف جزئيات الجسد الإنساني، ثم تأتي المرحلى اللاحقة، الطفل يقف الآن على خشبة المسرح، وهو يحمل كراسته النصيه بين يديه، ليمثل دوره بشكل فردي، ثم يأتي العمل الجماعي، وأخيرا التخلي عن النص، وإندماج الطفل بالأداء والتعبير، عندئذ نشير إلى ممثل يمتلك أدواته المعرفية والأدائية.
والمتعة؛ أداء مسرحي على خشبة المسرح، لأنها ناتجه عن المواقف، عن الأحداث وفعل الشخصيات، وهي متعددة. ومفهوم المتعة من الأشياء التي تذكر كثيرا في المسرح، وهنا نتجاوز الإضحاك إلى المتعة الفكرية، والمتعة الفكرية يفترض أن تكون مناسبة تماما للفئة العمرية، وهذه إشارة إلى النص المسرحي، والمتضمن كل الرؤى، والتي يشتغل عليها فوق المسرح. والإضحاك كأداء في مسرح الطفل، يبدو رؤية محببة للطفل في مسارح الطفل الثلاثة، والإضحاك وسيلة للإمساك بتلابيب الذهن للطفل، ليتابع تشكل المسرح على الخشبة، ولا يكون خارج إطار الموضوع المسرحي.
مسرح العرائس أداء؛ مسرح العرائس مسرح قديم، وقد انتشر في بلاد عدة، ويشاع إلى أن مصدره بلاد آسيا، وقد عرف في عصر الكابوكي، وهو نمط مسرحي شعبي ياباني. ومسرح الكابوكي الذي تأثر بمسرح العرائس، إذ " يأخذ ممثل كابوكي دروسا في الفصاحة من منشدي مسرح العرائس الذين يقفون جانبا ويسردون الأقاصيص، في حين تمثل الدمى ما يلقونه من كلمات"7 والرقص يتخلل المسرح الياباني، بما فيه مسرح العرائس، وقد ينقلب المسرح من تلقائه مسرح عرائس، وتبدأ شخصياته الرئيسة في الرقص مثلما ترقص الدمى، بحركات مرتجلة غير منتظمة.8 وهذا المسرح الذي وصل إلى النضوج الكبير في اليابان، نجد العروسة بحجم الإنسان الطبيعي، والتي تحتاج إلى ثلاثة لاعبين لتحركيها، وأكثر من هذا نجد الاهتمام الكبير بمسرح الدمى منذ الطفولة حتى سن الخمسين، ليصلوا إلى درجة فائقة من المهارة الفنية، ويصاحب مسرح العرائس المغنون والموسيقيون.9 هذه الرؤية العتيقة لمسرح العرائس ترجع بنا إلى اليابان، وهو كما يبدو المنشأ لمسرح العرائس، والذي كان يقدمه مسرح الكابوكي الشعبي، ولذا فهو مسرح يتوجه إلى الكبار كفن مسرحي. وعرفت الثقافة العربية خيال الظل، الذي يرتد إلى زمن الدولة العباسية، وابن دانيال في زمن المماليك، يقوم بتمثيل شخصياته من " واقع السوق، ويجعل لها وجودا فنيا على المسرح عن طريق المقصوصات، أي عن طريق رسمها على الجلد وإحالتها إلى دمى ذات بعدين يحركها اللاعب من وراء ستار"10 وكان هذا المسرح الذي اشتغل عليه ابن دانيال، يصور الأبعاد الاجتماعية للشخصيات، وهو بذلك مسرح للناس، ولم يكن مقصورا على فئة معينة، إذا ما مال إلى مسرح الكبار. وعليه، فإن مسرح الدمى هو طريقة أدائية لنقل التصوررات المختلفة، وتبيان الأهداف والرؤى الفكرية والتعليمية والقيمية في المجتمع، وهو بذلك مسرح تعليمي، إذ يتميز هذا المسرح بسرد حكاية ما تؤدى بطريقة الحركة والصوت والغناء، وهذا المسرح - أو طريقة الأداء بالاعتماد على العرائس - يتوجه إلى الكبار بعرض مسرحي كما يتوجه إلى الصغار. ومسرح العرائس مسرح تحريك احترافي، بمعنى كيفية تناسق الحركة مع الصوت والفعل. ولذا، فمسرح العرائس يؤديه الشخص الكبير وربما نقول المحترف، لأن الدمى لا يمكن تعلمها بالصدفة، فهي رؤية علمية تقوم على جملة من الفنيات والتقنيات المادية المتعددة. وفي مسرح العرائس متعة وتسلية، فيه فكرة، فيه إخبار، فيه تقمص وأداء، وهذا المسرح قد يقدم لكل الفئات العمرية الطفلية، بل قد يتجاوز ذلك إلى توظيف الدمى بدلا من الشخصيات الحية بعرض مسرحي للكبار، وعليه، فإن مسرح العرائس قد يدرج في إطار مسرح الطفل، وعندما نقول يدرج، فمسرح الطفل هو الإطار العام، ومسرح العرائس لا يعدو عن تقنية توظيفية وأداء. وقد تستخدم هذه التقنية في كل مكان، فهي تستطيع أن تصل إلى الطفل في الحارة والحي والمدرسة والمسرح المكتمل التقنيات أيضا. ومسرح الدمى يناسب الفئة العمرية الصغيرة، لما يتمتع به من قدرة على الامتاع والتسلية، ولا بد أنه يقدم فكرة وهدفا ما، ليكون مسرحا يتعدى الفئة العمرية في المسرح اللعبي، إلى المسرح المدرسي، ويمكن توظيفه بتقديم الرؤية المنهجية التعليمة.
مسرح الطفل المقروء؛ القراءة أداء، ومسرح الطفل مقروء أيضا، وهي رؤية أولى، سواء أكان مكتوبا أم ملفوظا، فالقصة التي ترويها الأم، سواء أكانت تقرأها من كتاب أم تحفظها، هي قراءة للطفل ما قبل تعلم الحروف واللفظ الصحيح للحروف والكتابة. وهذا يندرج في إطار اللعب، وربما تكون الحكاية المسرحية مصورة ومصاحبة للكلام، وتتمثل بحوار يبين عن الحركة والأداء، وقد تقوم الأم أو من يكون مقامها، بتمثيلها من خلال تقمص الحركة والأداء الصوتي وتمثل التعابير المختلفة. وكذا مسرح الطفل المدرسي، فهو كتاب منهجي في إطار التعليم المدرسي أو خارج المدرسة، ومما تجدر الإشارة إليه في المسرح المدرسي، يمكننا توزيع الأدوار على الأطفال/ التلاميذ، ليقوموا بالقراءة وتمثل التعابير المختلفة، فهذا المسرح يعتمد على ذات الطفل بصورة أكبر من المسرح اللعبي. والمسرح الطفلي مقروء أيضا كتحصيل معرفي، وهذه الرؤية بما يتعلق بالتحصيل المعرفي تعني المسرح الطفلي بجملته، فمسرح الطفل يندرج في إطار تشكيل المعرفة المتعددة، والمعرفة في مسرح الطفل قد تكون مقروءة في مرحلة ما.
***
فنيات مسرح الطفل/ كتابة النص :
أهمية المسرح الطفلي؛ لا شك إن أهمية المسرحية الطفلية تزداد إذا ما تواءمت مع الفئة العمرية، المسرحية المدرسية التعليمية والمنهجية أيضا، تتمثل بتقديم النصح والإرشاد. ونجد في المسرح المدرسي الخطاب التقريري أحيانا كثيرة، وربما ينسحب هذا على مسرح الطفل بصورة عامة، ولكن الخطابية المباشرة كإلزام فعلي، تقلل من دور المتلقي ووعيه، والمتلقي طفل، ولذا، يفترض أن يترك للمتلقي تفهمه للموقف، ومن دون إجبار أو وجوب، وبعيدا عن صيغ لفظية وجوبية. ومن صور الخطابية التقريرية خطاب السخرية، إنه يحمل الرؤية التقريرية، وكأن النص يقول للأطفال: لا تكن كذلك. يفترض بالمسرح أن ينأى عن الوعظ، ويفترض به أن يجعل الشخصيات تمثل الأحداث وتشارك فيها، بعيدا عن التقريرية، لأن المتلقي لديه رؤية فكرية ومعرفية، ليتخذ موقفا ما مما يقرأ، وهذا ما يعني الثقة بقدرات المتلقي.
والمسرحية المدرسية تتمثل بلغة حوارية تراتبية، إذ تعرف كل شخصية ما ستقوله، وهي بالتالي تحفظ رؤيتها عن ظهر قلب، وتقوم بدورها المرسوم لها، كرؤية ثابتة. وتتجلى الرؤية المدرسية في المسرحية، من خلال الحوار، إذ تتحول المسرحية إلى درس في المنهج الدراسي، ويبنى على معلومات موثقة أصلا. وعندما نشير إلى الاشتغال على النص، بمعنى أن تتكشف الشخصية المفاهيم والرؤى من خلال تجربتها، وكلما قام الطفل بدوره في المسرح، يصبح المسرح أكثر جمالية بعيدا عن التلقين.
المضامين؛ وبالإشارة إلى مضامين المسرحية الطفلية، نأمل أن تتضمن صورا ثقافية معينة، كأن تكون علمية أو إنسانية أو اجتماعية بشكل خاص، وهذه الرؤية تعطي الهدف، أو تحدد هدف المسرحية، بالإضافة إلى الموضوع الرئيس فيها. فمن الجيد الإشارة إلى الابتعاد عن الشر والإفساد والعنف والإهمال، والدعوة للعلم والمعرفة، والتعاون والتعارف والصداقة والمحبة والسلام والتوافق والمواجهة والتحدي للأشياء الخطأ، والثقة بالنفس، والعمل الجاد، والنظافة، والإيمان، وتنمية الذوق الجمالي. وأن تكون المسرحية تنمي الانتماء الوطني والإنساني في المجتمع. ومن المضامين الجيدة أن لا يستسلم الإنسان لأهوائه ورغباته، والتي تضر به حتما، وإن المجتمع الإنساني لم يولد صدفة، فإذا ما كان الحاضر موجودا وملموسا، فهناك القديم، والذي لا يجوز أن نرفضه كله، أو نجعله في حالة عزلة تامة عن حاضرنا، وخاصة القيم المادية، أمست تسيطر على بنية المجتمع الإنساني، والحياة فيها الجوانب المتعددة، والمادة جزئية، لا نريد أن تتشكل أو تدحر الجزئيات الأخرى كالعاطفة والمحبة والتعاون والتشارك والمساعدة مثلا. ومن الجيد في مسرح الطفل أن يشير إلى التراث، والتراث متعدد، كالمادي وغير المادي، والأمر يبدو توجيه الطفل إلى التراث، وقد يتمثل بالاشتغال الأدائي والحكائي في النص المسرحي.
ومن الأشياء الجيدة في مسرح الطفل، الدعوة إلى التذوق الجمالي، والإنسان محاط بصور جمالية كثيرة مثل الألوان والرائحة، فالألوان تهذب النفس، والعطر يجعل الحياة أجمل. هناك قيم إنسانية كثيرة، يستطيع الكاتب/ النص أن يشير إلى بعضها وبما يتوافق مع النص، وليس الأمر رؤية اعتباطية وحشوا.
بناء المشهد؛ يبنى المشهد موافقا لرؤية الشخصيات والحدث المسرحي، ويناسب الموقف، واستخدام فنيات الكتابة المسرحية الملائمة، كوضع الأقواس عند وصف المشهد بشكل عام، وعلامات التنصيص الدالة على التناص، وتحديد حالات الشعور المختلفة للشخصيات، كأن توصف الشخصية بالضحك أو الغضب أو غير ذلك. وإذا ما استخدمت الموسيقى في النص المسرحي، - والنص المسرحي يقرر خطاطة العرض المسرحي - يفترض أن تتمثل الموسيقى في المشهد بتصوير الحدث، أو تعبر عمّا تعانية الشخصية، والموسيقى تعبر عن التذوق الجمالي في المسرحية. والخلل في بناء المشهد يسبب تشتتا للمتلقي، وهذا يؤثر سلبا على فهم المتلقي ومتابعته للأحداث، وفي بناء المشهد الحواري للشخصية، يفترض أن يكون النص دقيقا بما يقول من كلمات من دون زيادة، كتكرار الشخصية، كأن نجد شخصية " سمير " كما في نص ما وعلى سبيل المثال، يبدأ الكاتب بتحديدها كشخصية في النص، ثم يفتح قوسا أو علامة تنصيص ويكرر الشخصة مرة أخرى كهذا الرسم: سمير: " سمير ...". فتكرار الشخصية خلل في بناء النص، ولذا يلاحظ المتلقي اضطرابا في رسم المشهد الحواري، والمتلقي واع لما يقرأه!
المشهد الأبكم؛ الخطأ بوجود مشهد أبكم في نص مسرحي للطفل والكبار أيضا، ونحن نشير بذلك إلى أن هذا المشهد، هو الذي يخلو من الإشارة إلى حدث، أو أفعال الشخصيات. في بعض المشاهد المسرحية، والتي يفترض أن تعطي إشارة إلى الحدث والشخصيات كأفعال في المسرحية، نجدها مغلقة، لو افترضنا وجود مشهد في مسرحية مثل: ( السماء زرقاء ) أو ( مساحة من الأرض فوقها أعشاب ) أو ( شاطئ البحر وآثار الأمواج باقية هناك ) أو ( السماء تتلألأ بالنجوم ) أو ( الفضاء الخارجي، مدار الكواكب ) أو ( كوكب الأرض يبدو من الفضاء كرة كبيرة تدور )...، طبعا هذه أمثلة، ولكن علينا أن نتبين المشهد المفتوح من المشهد الأبكم من خلال النص المسرحي.
المشهد الأبكم لا يعطي أية إشارة للأحداث، وهو لا يشير إلى الشخصيات، صورة مكانية جامدة بكماء، ومثل هذا المشهد نستطيع أن نسمه بالمشهد الأبكم، لا يشير إلى كيفية الاشتغال عليه من قبل الشخصيات. والمشهد الأبكم يرتج باب التشويق أيضا، ولكن المشهد المفتوح يأخذ المتلقي بكل جوارحة للجذب والتشويق، وهذا ليس مقصورا على مسرح الطفل، ومسرح الطفل يحتاج إلى المشهد المفتوح، ليبعد المتلقي عن الملل.
اللغة؛ تمثل الأداة التواصلية الرئيسة، والتي تزخر بألوان من الأصوات والأفكار والرؤى، وتبين عن الحالة الجسدية التي تعكس العاطفة والفكر المختلف.11 بما أن النص موجه للطفل، إذن، يكتب باللغة العربية الفصحى، ليتذوق الطفل العربي لغته وجمالها، ونبتعد عن استخدام كلمات في النص المسرحي غير عربية، لأن استخدام الكلمات غير العربية تصبح قاموسا تعلق بلسان الطفل، ولذا، يبقى أثرها مستمرا، ويشوه جمالية اللغة العربية. ولمَ لا تكون مترجمة وتعطي المعنى الدقيق لها؟ ويكون اللفظ في النص المسرحي الطفلي، مناسبا لمستوى الشخصية الطفلية، والابتعاد عن ألفاظ وتعابير فوق طاقة الطفل المعرفية، ومسرح الطفل يميل إلى التعليم، كما نلاحظ ذلك في المسرح المدرسي. وربما نجد كلمات وتعابير في النص المسرحي الطفلي، تمثل حشوا، مثل هذه الكلمات لا تساعد بتقويم وتهذيب قاموس الطفل اللغوي، ولا تخدم النص أيضا، وعليه، قد تتوقف العبارة على كلمة تعطيها معنى أدق وأجمل من أي زيادة تأتي بعدها، والتوقف على ذلك، يجعل الطفل يفكر بمعنى الكلمة ومفهومها، ونحن نكتب للطفل، ليتعلم ويفكر ويبحث. وتوظيف العبارة الأفضل، والعبارة في النص المسرحي الطفلي، يفترض أن تؤدي معناها بما يتلاءم مع مستوى المقال والمقام، وبما أن النص للطفل، يجدر بنا أن نقدم ما يتماشى مع إدراكه المعرفي، وما نريد أن يصل إليه بلغة واضحة، تبتعد عن لغة مخاطبة الكبار، وإن نص الطفل يقرأه الطفل، ثم إن مستوى لغة الطفل يتفهمها الكبير، ولكنها تخدم الطفل بصورة أفضل.
وعلامات الترقيم ضرورة؛ نجد في النص المسرحي الطفلي الفقرة الطويلة من دون الاهتمام بعلامات الترقيم، ونذكر بأن اللغة العربية جميلة، وعلامات الترقيم تكشف عن جمالها، فهي توضح مواطن السكوت والتوقف والتواصل، إذ تمنح النص جمالا لغويا إيقاعيا، وإن قراءة الفقرة الطويلة الخالية من علامات الترقيم المناسبة، تجعل المتلقي يعاني من ضيق، ويفقد النص جماليته، لأن علامات الترقيم تقوم بتنظيم الفقرة، وتبين عن جماليات النص واللغة، وتقلل من اختناق صوت المتلقي. وهذا النص موجه للأطفال، بمعنى أنه متاح لتلقيه من قبل الطفل وبلغة سليمة، واللغة من بنيات النص المسرحي، والطفل يحتاج إلى لغة جميلة تؤدي وظيفة معرفية؛ لأن اللغة الجميلة تثري قاموس الطفل، وهذا بالتالي هدف تعليم وانتماء.
الأحداث؛ ومن التشويق في النص المسرحي الطفلي تتابع الأحداث، والمتلقي ينتظر ماذا سيحدث فيما بعد، والحوار الذي يدور بين الشخصيات، يجعل المتلقي يترقب الأحداث القادمة، والحركة من التشويق إذ تمثل حالة جذب ومتعة في النص، والمتعة جزئية مهمة في مسرح الطفل، وهدفها خلق حالة تواؤم واندماج بتلقي النص المسرحي. والإضحاك، حالة جذب وتشويق في مسرح الطفل، وله دور مهم بفهم الطفل لما يجري أمامه، وهو ليس حالة اعتباطية أو فضلة. والتشويق يبدو في حالة الاندهاش، وطرح الاسئلة.
ومن المثالب في النص المسرحي الطفلي تكرار الحدث، وهو ليس رؤية توكيد، بل حالة تكرار المكرر بما لا يفيد بشيء، وهذا ما يقلل من التشويق ويبعث الملل في نفس المتلقي، إذ يتجاوز التكرار الضرورة إلى الفضلة والحشو، وهو رؤية تقريرية ينأى بالطفل عن التفكير.
الشخصيات؛ في النص المسرحي الطفلي تمثل أدوارها، وتحتاج إلى اشتغال أفضل، ونحن لا نتحدث عن شخصية عرضية، كأننا نلتقيها صدفة، وجدت الشخصية في النص، لتصبغ النص برؤية جمالية حركية.
ونجد من السلبيات في النص المسرحي الطفلي النمطية في الشخصية، فالشخصية النامية هي التي تبين عن أحداث المسرحية وتشابكها وتصنع جمالية التشويق، فالتحول في رؤية الشخصية يجعلها شخصية نامية. ونجد في النص المسرحي الطفلي تنوع الشخصيات، وعندئذ إذا ما وجدت شخصيات طفلية " إنسانية "، نعطيها دورا ورؤية مميزة في النص، لأن الطفل يقرأ النص ويقلد ما يماثله كشخصية إنسانية. ومن جمالية الشخصية المسرحية الطفلية، أن تؤدي دورها من خلال الحوار والفهم والتقبل، ويتصف الحوار بالسلاسة ومناسبة الموقف. وقد نجد حضورا باهتا للشخصية في مسرح الطفل، إذ تبدو شخصية زائدة وفضلة، والمسرح ينأى عن الفضلة. وإذا ما أشرنا إلى تعيين الشخصية المسرحية، يفترض أن تعين بدقة من بداية المسرحية إلى نهايتها.
وبما يعني اشتغال الشخصية، لتفكر وتتخيل وتشارك برسم الأحداث، والحوار الذي يقوم على طرح الأسئلة حوار جيد، وهو يبين عن اشتغال التفكير والتخييل، وهو مطلب ضروري في مسرح الطفل.
***
مقولة المسرح الطفلي:
الحديث عن النص المسرحي الطفلي؛ يبحث في جمالية الكتابة المسرحية الطفلية، والتي تتشكل من بنى تمثل النص المسرحي. وإذا ما كانت ماهية المسرح، فكر وفن، فالمطلوب من مسرح الطفل كيف يتخيل ويفكر ويسأل ويتغير؟ وعندئذ يصبح لمسرح الطفل دور ووظيفة في بناء المجتمع. الدور والوظيفة في مسرح الطفل، تؤكد مقولة الطفل ينتج مسرحه ويفعله، وهنا نتجاوز مفهوم مسرح الطفل تعليمي. وهذا يقودنا إلى معنى المضمون في مسرح الطفل، لأن مسرح الطفل المدرسي يشير إلى هذه المضامين، وتبدو كرؤية جامدة وقالبية. ولكن مقولة المسرح الطفلي، تؤكد أن الطفل ينتج مسرحه، أي يقوم على التفكير والخيال والتأمل للوصول إلى تغيير إدراكي، لا يقوم على المفاجأة والتخبط، ولا يقوم على معلومات قائمة أصلا، إنما هو رؤية استدلالية تتعلق بجوانية الشخصية المسرحية الطفلية، وبما يتواءم مع الموضوع المسرحي.
والمسرح ليس مقرونا بالفائدة فقط، بل بالعمل على رؤية جمالية، وهي رؤية تشير إلى التذوق الجمالي بمعناه البسيط، وهذه الرؤية تتشكل من التخييل، ومن الحوار الذاتي للشخصية المسرحية، وتتشكل من رؤية حياة المكان، فعلى سبيل المثال: النهر، هناك فوائد للنهر، وهناك درس مدرسي ومنهجي عن النهر، وإذا ما كتب نص مسرحي عن النهر، نود أن يتجاوز المدرسية والفائدة إلى رؤية أخرى، تتمحور حول أنسنة المكان، وأنسنة المكان تتمثل بالرؤية الفردية والجماعية، وبالتالي، نجد المكان يمثل أنثربولوجيا ثقافية تمثل جملة العلاقات الإنسانية الإنسانية ومع الأشياء الأخرى، وهي علاقات متشابكة مصنوعة ومكتسبة وفطرية أيضا.
وبما أن الحديث عن مسرح الطفل، نبين إن المسرحية المدرسية مسرحية معرفية للطفل، ولكن الاختلاف بين المسرح المدرسي ومسرح الطفل، هو الاشتغال كرؤية تفكيرية وليست قوالب جامدة، وهذا ما يحتاج إليه الطفل، وهذا ما يفترض أن يتبناه مسرح الطفل، وقد بينت القراءة أن مسرح الطفل ثلاثة أقسام؛ مسرح اللعب الطفلي، وهو في مرحلة ما قبل المدرسة وسنوات العمر الأولى. ومسرح المدرسة الطفلي، وهو مسرح منهجي وكتاب مدرسي. ومسرح الطفل، وهو ما يفترض أن ينتجه الطفل، ويكون الطفل قادرا على الاشتغال في هذا المسرح كشخصية حاضرة منتجة للفعل المسرحي، ومشاركة بالأحداث المسرحية.
وبما يعني مقولة المسرح الطفلي، نشير إلى الاهتمام بإقامة نشاطات حول الكتابة المسرحية للأطفال من ذوي الاختصاص في الكتابة الطفلية، للتعرف إلى كيفية بناء النص بمختلف تشكلاته الفنية، والعمل على تحديد الفئة العمرية بدقة، والعمل على تقسيم المسرح الطفلي، وكما أشارت القراءة إلى مسرح لعبي، ومدرسي، وطفلي، والتركيز على أهمية المسرح الطفلي، وهو مسرح تفكير وتخييل، وليس مسرح تلزيم المقولة سواء بالعبارة أو بتقديم النصائح والموعظة كموضوع، فالمسرح الطفلي تفكير وتأمل وحوار ذاتي وطرح أسئلة وتخييل، وليس ملزمة مدرسية، وأن يكون الطفل منتجا لمسرحة، باللعب والتفكير والتخييل، وإدارة الأحداث بعيدا عن السطحية والحشو، النأي بمسرح الطفل عن اللغة العامية، والاشتغال على اللغة الفصحى، والابتعاد عن اللغة المبتذلة في الحياة اليومية، ومن الجيد في مسرح الطفل، استحضار الأغنية الشعبية والتراث، وأن يوظف التراث الشعبي في إطار الموضوع ويتماهى فيه.
***
هوامش:
1 - ينظر نعمان الهيتي، ثقافة الأطفال، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، ع 123، 1988.
2 - عبد الفتاح أبو معال، في مسرح الطفال، دار الشروق، عمان الأردن، ط1، 1984.
3 - ينظر عزالدين محمد هلالي، المسرح المدرسي، الهيئة العربية للمسرح، الإمارات العربية، الشارقة، ط1، 2011.
4 - ينظر جلين ويلسون سيكلوجية فنون الأداء، ترجمة شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة، ع258، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2000.
5 - ينظر ألفت حقي، سيكلوجية الطفل، مركز الاسكندرية للكتاب، 1996.
6 - سيكلوجية فنون الأداء، مرجع سابق.
7 - فوبيون باورز، المسرح في الشرق، ترجمة أحمد رضا، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة.
8 - المسرح في الشرق، المرجع نفسه.
9 - المسرح في الشرق، المرجع نفسه.
10 - ينظر علي الراعي، المسرح في الوطن العربي، عالم المعرفة، المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب، ط2، الكويت، 1999.
11- ينظر منصور عمايرة، اللغة المسرحية، مجلة المسرح العربي، ع12، الإمارات العربية المتحدة، الشارقة، 2013.
***
منصور عمايرة/ كاتب وناقد مسرحي / الأردن
إيميل: [email protected]
2017/ 1438هـ



#منصور_عمايرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الجزائرية في المسرح، مسرحية أبناء القصبة
- المسرح والهجرة
- الجوقة المسرحية
- 1846م تاريخ المسرح العربي؟
- نظرية اشتغال سينوغرافيا المسرح
- المسرح المدرسي
- جمالية الأداء والإخراج في المسرح الطفلي
- من جماليات العرض المسرحي الطفلي
- اللغة المسرحية
- كينونة المقاومة لدى عبد الرحمن الشرقاوي وكاتب ياسين
- القسوة والقسوة مسرحية هاملت3D
- بترا وجود وهوية، مسرحية صدى الصحراء
- مئة عام من المسرح في الأردن
- ترى ما رأيت تشكيل مسرحي تعبيري
- التوثيق المسرحي
- كتاب المسرحية الشعرية في الأدب المغاربي المعاصر للباحث الجزا ...
- تأريخ المسرح الأردني الحديث
- جهود وتجارب مسرحية عربية
- المونودراما/ مسرح الموندراما
- الممثل المسرحي الذات والأداء والمعرفة


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - المسرح الطفلي