أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين فرج شريف - مدخل إلى مفهوم الحوكمة















المزيد.....

مدخل إلى مفهوم الحوكمة


أمين فرج شريف

الحوار المتمدن-العدد: 5861 - 2018 / 5 / 1 - 22:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أولاً / نشأة المفهوم:
إن البحث في نظم الحكم وصلاحها هي فكرة قديمة قدم ظهور التنظيم السياسي في المجتمعات البشرية ، فعلى سبيل المثال ميز الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو (384 - 322 ق.م) بين النظم من منطلق الصلاح أو الفساد ، فالنظام عنده صالح إذا استهدف الخير العام وحكم طبقاً للقانون ولرضاء المحكومين ، وهو لايكون صالحاً ، بل فاسداً وسيئاً ، إذا ما عنى بأمر نفسه واستهدف المصلحة الخاصة وحكم بغير القانون ، أو تولى السلطة رغماً عن المحكومين وبالإستناد إلى القوة.
أما الحوكمة (Governance) أو (Good Governance) ، كمصطلح ، فأصله لاتيني استخدم بمعنى: " أسلوب إدارة السفينة وتوجيها " ، واستخدام مصطلح (Gouvernance) في اللغة الفرنسية في القرن الثالث عشر ، كمرادف لمصطلح الحكومة ، ثم كمصطلح قانوني سنة (1478 ) ليستعمل بعدها في نطاق واسع و معبر عن تكاليف تسيير النظام الإجتماعي من أجل تحقيق المطالب الديمقراطية.
أما في اللغة الإنجليزية ، فيرجع أول استخدام لمصطلح (Governance) إلى عام 1937 عندما استعمله الإقتصادي الامريكي (Ronald Coase) في مقال له بعنوان : (The Nature of the Firm) في إطار مفهوم تسيير المؤسسة الإقتصادية.
وفي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين ، استخدم بعض الاقتصاديين المصطلح كتعبير عن مجموعة من التدابير التي توضع من قبل الدول والشركات ، للقيام باصلاحات مؤسساتية ضامنة لنجاح مختلف البرامج الاقتصادية ، وإيجاد تنسيق داخلي يهدف إلى تقليص تكاليف معاملات السوق.
وفي بداية التسعينات من القرن العشرين أصبح التركيز على الأبعاد السياسية والمؤسسية للمفهوم ، من حيث تدعيم المشاركة وتفعيلها في المجتمع ، وكل ما يجعل من الدولة ممثلاً شرعياً لمواطنيها.
يذكر أنه وحتى منتصف عقد التسعينيات ، لم يكن هذا المفهوم منتشرا (ولاسيما لدى الأوساط والمؤسسات الدولية)، اذ كانت مصادر الأمم المتحدة (مثلا) تركز على مفهوم التمكين باعتباره احدى الركائز للتنمية البشرية المستدامة ، والتي تعني توفير الوسائل والقدرات التي تمكن الافراد من ممارسة الخيارات التي صيغت بالارادة الحرة، والمشاركة في القرارات التي تخص حياتهم على مختلف المستويات.
وفي هذا السياق ، وفي ضوء رغبة المؤسسات الدولية في دفع الدول النامية لتبني سياسات اقتصادية وإدارية معينة لمحاربة الفساد وتحسين الأداء السياسي والإقتصادي لها من جهة ، وتحسين فاعلية المساعدات الدولية المقدمة لها من جهة أخرى ، فقد تم التحول الى الاستخدام المكثف لمفهوم الحوكمة ، وبشكلٍ خاص من قبل المنظمات الدولية كالبنك الدولي (World Bank) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (United Nations Development Program) وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية ، وذلك " لإعطاء حكم قيمي على ممارسة السلطة السياسية لإدارة شؤون المجتمع باتجاه تطويري وتنموي وتقدمي ".
فعلى سبيل المثال استخدم البنك الدولي مصطلح الحوكمة للدلالة على الحكم الذي يركز في المقام الأول على تحسين الإدارة العامة ، وذلك في إطار التغيير الذي حدث في طبيعة دور الحكومة من جانب ، وتطور علمي السياسة والإدارة العامة من جانب آخر.
وما لبث أن حظي المفهوم باهتمام مماثل من قبل العديد من الحكومات ، والباحثين ومنظمات المجتمع المدني ، على المستويين السياسي والأكاديمي ، وإن اختلفت رؤية كل منهم للمفهوم ولأسباب الإهتمام به.
ومن ذلك نجد أن عملية تطور المفهوم مرت بمراحل زمنية تبلور من خلالها في ضوء الممارسة العملية إضافةً إلى الدراسات النظرية وأسهمت بذلك المؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة ، حيث غدت الفكرة ، في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ، على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية للدول ، سواءً المتقدمة أو النامية ، لتحقيق طموحات المواطنين فيها بتوفير التنمية الشاملة وإدامتها ، إلا أن الأمر أصبح أكثر إلحاحاً على الدول النامية بشكلٍ خاص ، نتيجةٍ للتحديات العالمية والإقليمية والمحلية.
ثانياً / تعريف الحوكمة:
هناك العديد من الاجتهادات والتباينات في مسألة تعريف الحوكمة ، ويرجع ذلك أساساً إلى التعدد في وجهات النظر ، واختلاف الميادين وتباين المنطلقات الفكرية ، والسياسية ، والاقتصادية، والاجتماعية ، والقانونية ، ومن أبرز التعريفات نشير إلى أنه:
في تعريف للبنك الدولي (WB) ورد بأن الحوكمة: " يتضمن التقاليد والمؤسسات التي من خلالها تتم ممارسة السلطة في الدول من أجل الصالح العام، ويتضمن ذلك: العملية التي يتم من خلالها اختيار الحكومة ، ومراقبتها وتغييرها ، وقدرة الحكومة على صنع السياسات وتنفيذها بنجاح وفاعلية ، واحترام المواطنين للمؤسسات التي تحكم تفاعلاتهم الإقتصادية والإجتماعية ".
أما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP) فقد عرف المفهوم بكونه: " ممارسة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون المجتمع على كافة المستويات ، ويشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يعبّر المواطنون عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خلافاتهم ".
وعرف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 الحوكمة بأنه: " الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرّياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى تمثيل كافة فئات الشعب تمثيلاً كاملاً وتكون مسؤولة أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب ".
وعرف مركز ابتكار الحكم الدولي (The Centre for International Governance Innovation ) الحوكمة بأنه: " مجموع الطرق أو الأساليب التي يقوم بها الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة بتسيير أعمالهم المشتركة بطريقة مستمرة يطبعها التعاون والمصالحة والتوفيق بين المصالح المختلفة وتلك المتنازع حولها ".
وتعرف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (Organization for Economic Co-operation and Development) الحوكمة بأنه: " يشمل مجموع العلاقات بين الحكومة والمواطنين سواء كأفراد أو كجزء من المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
ويعرف احد بنود (شراكة كوتونو) الحوكمة على أنه: " الإدارة الشفافة والقابلة للمحاسبة للموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية والمالية ، لغرض التنمية المنصفة والمستمرة ، وذلك ضمن نطاق بيئة سياسية ومؤسساتية تحترم حقوق الانسان والمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون ".
ويعرف الباحث (نادر فرجاني) الحوكمة بأنه: " نسق من المؤسسات المجتمعية المعبرة عن الناس تعبيراً سليماً وتربط بينها شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة في النهاية بواسطة الناس وتستهدف مصلحة عموم الناس ".
كما عرفه السيد (حسن كريم) بكونه: " الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة ، وكوادر إدارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع برضاهم وعبر مشاركتهم في مختلف القنوات السياسية للمساهمة في تحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم ".
وفي سياق آخر وصِف مفهوم الحوكمة بكونه: " منظومة الحكم التي تعزز وتدعم وتصون رفاه الانسان ، وتوسع قدراته وخياراته وفرصه وحرياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ولاسيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع فقرا وتهميشا ".
وفي هذا الإطار حاول (Rohdes R.A) أن يصنِّف التعريفات التي تتناول المفهوم في المصادر المختلفة إلى ستة محاور يمكن تلخيصها على النحو الآتي :
المحور الأول: يدرس العلاقة بين آليات السوق من جانب والتدخل الحكومي من جانب آخر، فيما يتعلق بتقديم الخدمات العامة ، ويعكس الحد من التدخل الحكومي والاتجاه نحو الخصخصة (Privatization) كمؤشرات للتعبير عن عدم تدخل الحكومة إلا عند الضرورة (دولة الحد الأدنى).
المحور الثاني: يبحث الحوكمة من خلال التركيز على الشركات الخاصة (حوكمة الشركات) ، ويركز على مطالب المعنيين بالشركة وكيفية إرضاء العميل.
المحور الثالث: يعبر عن اتجاه الإدارة الحكومية الجديدة (Management New Public) والقائم على إدخال أساليب إدارة الأعمال وإدخال قيم جديدة مثل المنافسة، وقياس الأداء، والتمكين، ومعاملة المستفيدين من الخدمة كزبائن .
المحور الرابع: يعبر عن الإدارة الجيدة للدولة والمجتمع ، وهو امتداد للمحور الثالث ويزيد عليه في الربط بين الجوانب السياسية والإدارية .
المحور الخامس: يرى أن الحكومة لم تعد هي الفاعل الوحيد المؤثر في صنع السياسة العامة وتنفيذها، وأن هناك نوعاً من التوازن في الأدوار بين الفاعلين.
المحور السادس: يرى أن مفهوم الحوكمة يتمثل في إدارة مجموعة من الشبكات المنظمة في عدد من الأجهزة الحكومية.
ولو تمعنا جيداً في التعاريف المارة الذكر ، يتبين لنا بأن التعريف الذي قدمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أكثر شمولاً ، وذلك لإحتوائه على معظم أبعاد المفهوم ، وهي:
أولاً/ البعد السياسي ـ القانوني: ويتضمن عمليات صنع القرارات المتعلقة بصياغة وتكوين السياسات.
ثانياً/ البعد الاقتصادي ـ الإجتماعي: ويتضمن عمليات صنع القرارات التي تؤثر في أنشطة الدولة الاقتصادية في المجتمع.
ثالثاً/ البعد الإداري: ويتضمن النظام الخاص بتفيذ هذه السياسات.
رغم ذلك ، وكما تبين لنا التعريفات السابقة ، أنه ليس هناك اتفاق بين الباحثين والمختصين على المعنى المقصود بالحوكمة ومضمونه ، ولكن ، ومن خلال قرائتنا للتعريفات الواردة بهذا الشأن يمكن تصنيفها إلى صنفين أساسيين ، نبينها على النحو الآتي:
الصنف الأول من التعريفات ، يصبغ مصطلح الحوكمة بصبغة اقتصادية ، أي يبرز الجانب الاقتصادي للمفهوم ، وفضلت بعض مصادر الامم المتحدة (في السابق) استخدامه ولاسيما عندما ربط المفهوم بالتنمية الاقتصادية ، أما الصنف الثاني من التعريفات ، فنجده يحاول اعطاء المصطلح مفهوما واسعا بحيث يرتفع من المستوى الاقتصادي الى مستوى السياسة ، فيعالج مسألة الحكم والعلاقة بين عامة الناس (المواطن) والإدارة العامة (الدولة) ، باعتبارها مكونات الحوكمة، وتذهب الى ذلك المصادر الحديثة للبنك الدولي و كذلك تعريفي برنامج الامم المتحدة الانمائي وتقرير التنمية الانسانية العربية.
ونحن بدورنا نفضل التعريفات التي تعطي مفهوما واسعا للمفهوم (تغليب البعد السياسي للمفهوم) ، لكن دون أن نعني بذلك اهمال أو اغفال الأبعاد الأخرى (الاقتصادية والإدارية والاجتماعية والثقافية والادارية والقانونية...إلخ) ، وذلك للترابط المتين والمباشر بين حقول العلوم الاجتماعية والانسانية (ولاسيما بين الاقتصاد والسياسة).
في الختام ، وانطلاقاً من التعريفات المذكورة آنفاً ، يمكننا صياغة تعريف إجرائي للحوكمة كونه يمثل:
ممارسة السلطات السياسية والقانونية والاقتصادية والادارية والإجتماعية والثقافية لتسيير شؤون دولة ما على كل المستويات ، بطريقة سليمة توصف بأنها (صالحة) ، والمتضمنة العناصر والخصائص والمؤشرات التي عن طريقها يتمكن المواطنون (أفرادا وجماعات) من تحقيق مصالحها وتوسيع خياراتها.




#أمين_فرج_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدخل إلى مفهوم الحوكمة


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أمين فرج شريف - مدخل إلى مفهوم الحوكمة