سماح عادل
الحوار المتمدن-العدد: 1491 - 2006 / 3 / 16 - 12:52
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
العالم لنا
إشكاليات حول تماسك وتجذر حركات مناهضة العولمة الليبرالية
عرض : سماح عادل
دخلت الرأسمالية في طور جديد يعرف ب " التراكم المعولم ذي الهيمنة المالية" . هناك ثلاثة أطراف لعبت دورا هاما في ذلك الطور . أولهم أصحاب العمل الذين حاولوا رفع معدل الربح بشن حرب إيديولوجية ضد سياسات الحكومات, وضد سياسات الاتحاد الأوربي, متمثلين في المنظمة الأوربية لأصحاب العمل, التي دخلت في صراع مع الحركة النقابية لفرض تخفيضا في الأجور, ونظامي العمل المؤقت والجزئي . وكان ذلك بداية لهجوم تتابع في الثمانينات والتسعينات من الرأسماليين أدى إلى إعادة النظر في قوانين العمل وفي نظام التأمينات الاجتماعية . والطرف الثاني كان الأوساط المالية التي نشطت في السبعينات بموجات مضاربة على النقود . ومع ارتفاع أسعار البترول بدأت إعادة إنتاج( البترودولار) في شكل قروض لبلدان العالم الثالث. والتي زادت من صادرات البلدان المتقدمة وأفقرت دول الجنوب . ومع نهاية الثمانينيات أخذ ثقل الدين العام ومستوى الأرباح في ضمان تحويل كبير للثروة نحو الاستثمار الريعي . انه النمو السريع للرأسمال المالي , وديكتاتورية أصحاب الريع . مع حدوث التفاوت بين الشمال والجنوب الذي تخرج منه التدفقات المالية باتجاه الأول.
والطرف الثالث كان السلطات السياسية , متمثلة في ريجان وتاتشر, تلك التي فرضت سياسات تقشف معلنة وواجهت العمال واحتجاجاتهم مواجهات عنيفة. وأدت سياساتها إلى تقليص حجم الإنفاق الحكومي على الخدمات ,وانهيار نظام التأمين الاجتماعي . وقد ساهم سقوط الاتحاد السوفييتي في الإسراع في تنفيذ هذه السياسات التي تابعتها الحكومات الغربية بعنف متفاوت ..
هكذا طرح كريستوف اجيتون في كتابه ( العالم لنا) - الذي صدر مؤخرا عن دار ميريت للنشر ترجمة طارق كامل- تعريفا لما يسمى بالعولمة الليبرالية , من خلال تتبع أطروحات الباحثين ومناقشتها, ورصد بداية دخول الرأسمالية في طورها الجديد. وأوضح اجيتون أن أحداثا مثل سقوط الاتحاد السوفييتي والصراع في حرب الخليج كانت لها اثر في إعادة تنظيم العالم. حيث عادت أمريكا بوضوح تقود العالم اقتصاديا وسياسيا. وأنشأت مؤسسات دولية كصندوق النقد الدولي ,الذي تعاظم دوره بفعل ارتفاع المضاربة, وغياب الاستقرار المالي, وخطط التكيف الهيكلي ,التي تم فرضها على الدول الطالبة للقروض . كما أنشأت منظمة التجارة العالمية عام 1995 بدلا من الجات والتي تتمتع بسلطات في توقيع الجزاءات وتقليل التعريفات الجمركية وتشجيع انفتاح الأسواق . كذلك نمت مؤسسة الثمانية الكبار لتشمل اختصاصاتها مكافحة الإرهاب والمخدرات وتطوير التقنيات الجديدة و تخفيض ديون البلدان الأكثر فقرا .
تكمن أهمية الكتاب في رصده لحركات مناهضة العولمة الليبرالية, وتتبعها تاريخيا ومناقشة إمكانية تحولها لعولمة بديلة. من خلال طرح بعض الإشكاليات والتحديات التي تواجه هذه الحركات. و التي تمثل مظاهرات سياتل1999 التدشين الإعلامي لها . لقد بدأت هذه الحركات في الظهور من خلال تمرد الزاباتيست أو حركات مثل ( فلنطالب بالشوارع). وتشكلت كملتقى للحركات بفضل الحملات المرتكزة على إشكالية مطلبية واحدة. تمثل ذلك في سياتل في النضال ضد (تسليع العالم ) ومنظمة التجارة العالمية. وتمثل قبل ذلك في الحملة ضد الاتفاق المتعدد الأطراف للاستثمار. أو يوبيل 2000 وهو الحملة من أجل إلغاء ديون بلدان العالم الثالث .
طرح أجيتون إشكاليات هامة بدأها بإشكالية العلاقة بين العمل على المستوى المحلي أو القومي, والعمل على المستوى العالمي. كذلك العلاقة بين البحث عن الهوية في كافة أشكالها متضمنة مطالب النقابات المتركزة على فئات بعينها, وبين ضرورة التحالفات الواسعة على مستوى القطاعات الاجتماعية من اجل مطالب أكثر عمومية . تشمل حقوق إنسانية عامة . لقد ظهر بعدا جديدا للأممية والعمل المشترك للتأثير على قرارات المؤسسات العالمية في حين كانت الأممية في السنوات السابقة تهدف إلى التأثير على موازين القوى العامة ,عن طريق دعم هذا النضال القومي أو ذاك. حيث كان أفضل دعم يتمثل في فتح جبهة جديدة في البلدة المعنية..
أما الأمر الآن فقد أصبح مرتبطا بأن تعبيء الحركات نفسها معا. في الوقت المناسب من اجل حملة تخص العالم بأكمله . إشكالية أخرى تتمثل في غياب مجال دولي عام أو حتى قاري يسهل القيام بالتعبئة على مستوى العالم .. رأى اجيتون أن مشكلة إزالة التناقض بين العام والخاص في عمل الحركات تعد مشكلة ممارسة حيث أن كل مبادرة تتطلب الأخذ في الاعتبار بالمطالب والهموم التي قد تتعرض لخطر الاختفاء في الخطاب الشامل والعام لفاعليات حركة مناهضة العولمة .
تناول اجيتون كل حركة على حدة بدءا من الحركات النقابية التي تعاني من أزمة فقدانها لنصف أعضائها, واقتصار عملها على مناطق التأثير التقليدية, وهي القطاع العام ,وصناعة السيارات بمنطقة البحيرات الكبرى في الولايات المتحدة , وشركات الحديد والصلب في ألمانيا, وما شابه.
تحاول الحركة النقابية حل أزمتها بعمل إتحادات مثل( اتحاد عمال الاتصالات) في بريطانيا و(الاتحاد الفيدرالي للبنوك) و(الاتحاد الكونفدرالي للنقابات الحرة). لكن اجيتون يرى أنه لا يمكن وجود ديمقراطية نقابية, وممارسة اقرب إلى القاعدة في إطار تكوينات تتباعد بها أماكن السلطة عن الأعضاء .كما يرى أنه لابد للحركات النقابية أن تشارك في تحالفات واسعة مع الحركات الأخرى ..
ثم حركات الشباب والتي يرى أنها تمثل الطابع العام لحركات مناهضة العولمة. وتتميز بآليات عمل مغايرة للآليات التقليدية. وذلك لان أصول هذه الحركات الإيديولوجية تتنمي إلى حركات النضال من اجل البيئة ( فلنطالب بالشوارع). والحركات الفوضوية ( شبكة العمل المباشر ). ويطرح المؤلف إشكالية هامة هي غياب الملونين عن مظاهرات سياتل وباقي الفاعليات. مقدما تفسير" بتيتا مارتينيز" الذي يرى أن السبب هو المشكلات الاقتصادية. أي تكلفة النقل وضعف معدل امتلاك كمبيوتر. وبالتالي صعوبة الدخول على شبكة الانترنت بالنسبة للأقليات العرقية. وصعوبة الحصول على معلومات موثقة خاصة بالمؤسسات الدولية . وكذلك غياب سياسات إرادية من قبل المنظمين لضم الأقليات . وأخيرا وجود تجانس ثقافي في المظاهرات غير جذاب بالنسبة للكثير من مناضلي الأقليات . الذين لم يجدوا صلة بينهم وبين مظاهرة " يسيطر عليها خمسون ألفا من الهيبيز البيض ".
وقد لوحظ نفس الأمر في براغ حيث غاب المهاجرون . رغم أن أغلبية المتظاهرين من بلدان تتسم بنسبة كبيرة للهجرة مثل ألمانيا وايطاليا . ويرى المؤلف انه من الضروري بذل جهد إرادي على غرار المنتدى العالمي ب"برتو اليجري" للتشديد على بلدان الجنوب . وعلى الحقائق المتنوعة لحركات المقاومة .
إشكالية أخرى هامة, وهي خطورة تهميش حركات الشباب, أو حدوث انقسام بين الحركات الشبابية, وبين المكونات الأخرى للحركات المناهضة للعولمة, بسبب جدة آليات النضال, والتعبئة لدى الشباب . وبسبب تعنت بعض الحركات النقابية ومنظمات العمل المدني .
وهناك الحركة الفلاحية, والتي تعد حركة ( فلاحون بلا أرض )البرازيلية نموذجا لها. بسبب تجذرها في النضال . وتحقيقها لمكاسب واقعية . وقد ظهرت الحركات الفلاحية في مناهضة العولمة بظهور سياسات زراعية مجحفة. واستخدام تكنولوجي لتحديث المزروعات لتصديرها مما اضر بأوضاع الفلاحين . وأيضا الحركات ضد التهميش والبطالة وهي تعاني من عدم وجود إمكانية للتنظيم. حيث أنها تتعلق بمجمل من لا يمثلون عبر المجموعات أو الأوساط الاجتماعية التي تسيطر على وسائل التعبير العام حتى وان كان احتجاجيا . كما أن هذه الحركات ,مع بعض الاستثناءات, لا توجد إلا في البلدان المتقدمة . وخاصة في أوروبا, ومؤخرا في كوريا الجنوبية واليابان. لأن البلدان الغنية هي التي صنعت "وضعا قانونيا خاصا "من الحقوق والواجبات الخاصة التي تحدد شرائح العاطلين.
وحركات النساء والتي تعاني - رغم نجاح المسيرة العالمية للنساء, التي نظمها الاتحاد الفيدرالي للنساء بكيبيك عام 1995 - من نقاط ضعف. أهمها أن درجة اندماج الأقاليم والقارات لم تكن متساوية. كما كانت عمليات التعبئة محدودة. ولعبت الفروق الثقافية دورا. وهناك بعض الحركات النسائية التي اكتفت بنضالها الذاتي, مثل حركة (الآن) الحركة الوطنية للنساء في الولايات المتحدة . ويرى المؤلف أن التحدي يتمثل في إتاحة مجال للتلاقي بين الحركات والسماح لها بألا تقتصر على كونها مناهضة للعولمة الليبرالية ولكن تستوعب أيضا البعد النسوي.
وحركة أخيرة هي المنظمات غير الحكومية . واشكاليتها تكمن في أنها تعد مراكزا للدراسات والتحليل أو صناديقا للأفكار اليسارية. التي تصدر تقاريرا أو صحفا . وهي حركات تحظى بالاهتمام والاعتراف الدولي لحد يجعلها تحتل المكانة الأعلى مقارنة بالحركات الأخرى . مما يجعلها في خيار دائم ما بين الاستقلال والتحالف مع الحركات الاجتماعية , وبين القيام بدور الوسيط الذي يخضع لعروض الحكومات والمؤسسات الدولية. وفي النهاية طرح اجيتون فكرة إمكانية تحول هذه الحركات إلى محرك نحو عولمة بديلة من خلال وجود رؤية مشتركة للعالم وللسبل الضرورية لتغييره الجذري تجمع بين هذه الحركات .
#سماح_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
