أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - شارع المتنبي تغتاله بسطات الكتب















المزيد.....

شارع المتنبي تغتاله بسطات الكتب


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 5859 - 2018 / 4 / 29 - 16:02
المحور: الادب والفن
    




زيارتي الثانية لبغداد بعد هجرتي الطويلة عنها مرغما كانت عام 2014 كنت فيها متشوقا لشارع المتنبي، حاولت البحث عن حقيقة ما شاهدته على خلفية الصور التلفزيونية التي أطالعها عن الشارع والتي كانت تبثها محطات التلفزيون، استهواني زحام ووجوه الناس البشوشة الفرحة، وبالقدر ذاته كانت رغبتي جامحة للحصول على مطبوع تستطيبه روحي. رحت اذرع الشارع طولا وعرضا ولمرات عديدة. التقيت أصدقاء وأحبة عفتهم زمن القحط واللؤم والفزع الأكبر. احتضنتهم واحتضنوني وكأن أحدنا يتوسد صدر أخا فك أسره أو شفي من مرض عضال. في كل عطفة وعند أية مجموعة كتب تتلاقى العيون ثم يضج بالسؤال، فرات، مو صحيح لو أني غلطان؟ ويبدأ نبش الذاكرة واستحضار الحوادث، كل ذلك مثل لي إعادة ترتيب أوراق كنت قد فقدتها ووجدت بعضها عند هؤلاء الأصحاب وتلك الأماكن.
اليوم تذكرت شارع المتنبي وأنا أراقب حملات أمانة العاصمة لرفع التجاوزات والكتل الكونكريتية عن باقي شوارع العاصمة في محاولة لوضع حد للعبثية والتشوهات التي فرضت نفسها على طول وعرض بغداد، وباقي مدن العراق لتقدم صورة قبيحة عن بؤس الإنسان ولؤمه تجاه وطنه، وتفسيره القبيح للحرية التي قدمتها له بسخاء وكرم مفرطين يد الأمريكان على طبق من خبث مغموس بالفوضى الخلاقة.
منذ عام 2008 وبعد التفجير اللئيم الذي تعرض له الشارع ولحد اللحظة ونحن في النصف الأول من عام 2018 وعلى طول وعرض تلك الأيام والسنوات، شاهدت كميات كبيرة من أفلام وصور وبرامج كانت ولازالت تعد وتخرج داخل شارع المتنبي، أشاهدها فأتألم للكثير منها وتصيبني الكآبة وأرثي لحال الثقافة والمآل الذي أصبح عليه الشارع وكيف بات مسكونا بفوضى عارمة ربما يضاهيها في ذلك سوق هرج .
لا أدري لمن عائديه الشارع ، هل لأمانة العاصمة سلطة ما في هذا المكان؟ وهل لها يد فيما يحدث من فوضى؟ أم يا ترى لوزارة الثقافة يد في كل هذا الخراب وتنظر للأمر من عليين دون أن يعنيها ما يحدث في هذا الشارع الذي يقال عنه متنفس الثقافة العراقية. أم ترى للمثقف العراقي الذي بات يفاخر بكم المعرفة الموجود هناك، ولكن نصيبه لكبير فيما يحدث من تخريب وتدنيس وتشويه لقدسية الكتاب والثقافة على يد أصحاب البسطات.
الشارع ببضاعته المتنوعة عبارة عن فوضى عارمة، يفترشه من المتر الأول حتى نهايته عند مسناية النهر خراب عجيب مؤلم، كتب كدست وفرشت فوق أرض الشارع بعد أن سيطرت المحلات أو ما يسمى بالمكاتب على رصيف المشاة لتمنع المرور خلاله وتجبر الناس السير وسط الشارع، ليصبح الرصيف بعد ذلك ملكا حلالا بلالا لا يحق لغير أصحاب تلك المحلات والمكاتب الادعاء بملكيته، أو القول أن هناك رصيف كان سابقا يسمى رصيف مشاة. وهذه الأرصفة يتمتع بملكيتها أصحاب المكاتب والدكاكين بقرار أتخذ من قبلهم واتفقوا على دفع المقسوم إلى جهة حكومية ما أو غير حكومية، والتي نجهل من تكون، ولهذا منحوا حق التصرف بالرصيف دون مسائلة، فإن لم يستغلوه لصالحهم، يقومون بتأجيره لأصحاب البسطيات.
المثقفون فرحون وهم يذرعون الشارع ويخترقوا زحامه وضجيجه بحثا عن لقية أدبية أو صديق قديم أو حتى جليس مقهى لبضع دقائق. المهم هو اللقاء وتبادل الابتسامات أو المعلومة وارتشاف شاي ساخن في القيصرية أو مقهى الشاهبندر أو أحد الأرصفة وممارسة الدردشة بصوت أشبه بالزعيق عند تناول صحن لبلبي أو شرب قدح شاي لكثرة اللغط والضجيج الذي يطغي على المكان.
يستغني الناس عن الرصيف بحثا عن بضاعة تروق لهم وهذا يحدث في جميع مناطق بغداد، ومثلها شارع المتنبي ففيه تتوفر القرطاسية والكتب بمختلف مسمياتها وسط الشارع، وأيضا هناك بائع اللبلبي والباقلاء والشلغم والشربت والسميط والسجاير والحلويات والكبة والسبح مقهى سفري، والشارع مرشح في المستقبل ليكون مكانا لمهن جديدة تظهر لتنتفع من هرجه وتوارد الناس عليه لشتى الأسباب، يأتي في مؤخرتها شراء كتاب، وربما ستكون الغلبة مستقبلا لهذه المهن على حساب انحسار عرض الكتب ونهاية مسمى شارع الثقافة.
فالشارع بات موقعا للقاء الأصدقاء والكثير من عامة الناس ومن بينهم بعض المشاهير. وتقام في توابعه مهرجانات وندوات واستعراضات جميلة أن كانت في دار المدى أو داخل القيصرية حيث المركز الثقافي البغدادي التابع لأمانة العاصمة أم في ساحة القشلة الترابية المهملة والبعيدة جدا عن العناية العائدة لوزارة الثقافة. فعموم الشارع أصبح يشكل مركزا ثقافيا كبيرا، وهناك عند نهايته جوار تمثال المتنبي يستطيع المرء ركوب العوامة بصحبة عائلته والذهاب في جولة ترفيهية نهرية.العجيب أن كل تلك الوقائع يكون يوم الجمعة قمة احتفاليتها، ولكن دون ترتيب وعناية فالجميع يغني ليلاه دون اهتمام بالأخر.
من الممكن أن يصبح هذا الشارع وتوابعه بمجموعها تابعا لجهة واحدة، وتؤلف له لجنة خاصة باسم ( جمعة المتنبي )تتكفل وتدير شؤونه كمركز ثقافي حقيقي، بتخطيط علمي حضاري ،وتحرص هذه اللجنة على تنسيق فعاليات الجهات العديدة التي تريد تنفيذ فعالياتها، على أن يكون التنسيق بعيدا عن العشوائية والبدائية. وتعتني هذه اللجنة بتوزيع الفعاليات وتوقيتاتها وتنضم لها برامج ومواعيد وتخصص وتحدد لها أماكن معينة. وقبل ذلك من المناسب أن يعتنى بالشارع نفسه حيث تفرض شروط على أصحاب المكاتب ومثلهم عربات الطعام لوضع عروض مناسبة وجميلة وذكية لواجهات محلاتهم. أيضا تضع شروط يكون فيها عرض الكتب في المكتبات أومن قبل باعة الشارع بعيدا عن هذه الارتجالية والعبثية التي تقضم الرصيف ومثله ما يقارب الثلاثة أرباع الشارع لصالح الكتب المفروشة والمرمية بقباحة وهمجية وعشوائية، والذي باتت تسبب الإحراج والزحام والتصادم بين البشر الغادين والرائحين فوق ما يقارب المتر من عرض الشارع الذي لم تترك البسطات العشوائية سوى تلك الفسحة الصغيرة منه لسير المئات من الناس. هذه الكتب المفروشة وسط الشارع بهذه العبثية وعدم الذوق، أن وجدت لها رفوف خشبية على شكل مكتبات عمودية أو مناضد تعرض عينات مختارة منها لكان المنظر دال على الوعي والتحضر والنظافة واحترام المعرفة وتقدير للكتاب وصاحبه ومن يتعاطاه وأيضا من يمارس بيعه.على أن لا تقضم تلك المعارض الخشبية مساحة كبيرة من الشارع مثلما يفعله أصحاب البسطات الآن، وأن تكون نموذجا يطوى عند نهاية العرض.عندها يختفي الزحام وتسهل حركة الناس وتكثر المبيعات وتقل السرقات ويكون للشارع جمالا خاصا.
في الدول المتحضرة يحرص أصحاب المكتبات وروادها وباعة الكتب وهواة العلوم والمعرفة على احترام الكتاب وبالمقابل احترام القارئ، لذا يخصص يوما مفتوحا لبيع الكتب فتوضع بمختلف أنواعها واختصاصاتها وطبيعتها فوق مناضد خشبية تتوسط الشارع ليجد الناس ضالتهم فيها من جانبي المنضدة وجهتي الشارع ويختارون ما يعجبهم من حديث الكتب وقديمها، وفي نهاية الوقت المخصص توضع الكتب في صناديقها وترفع المناضد ليكون الشارع خاليا نظيفا، ويحرص أصحاب المحال والمكاتب على أن لا يتركوا ورائهم فضلات أي كان نوعها.
لو اهتمت وزارة الثقافة وبمشاركة أمانة العاصمة لجعل شارع المتنبي مركزا ثقافيا عراقيا، ولو بذلت الجهود وبالتشاور مع أصحاب المكتبات والمحال وأيضا مالكي البسطات وبإشراك البعض من المثقفين المهتمين بتوفير المعرفة للجمهور، لوضع خطة شاملة لتحسين طبيعة وشكل الشارع وتنظيمه تنظيما جيدا لرفع مكانته وجعله قبلة لطالبي المعرفة، ورافعة للوعي الجماهيري ومنظرا حضاريا ووجها من وجوه بغداد البديعة، لتفتخر بنظافته ونموذجه وتحضره وجماليته الثقافة العراقية ومعها أبناء العراق .



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضائح انتخابات الخارج تتكرر دون حياء
- صالات قمار الانتخابات البرلمانية
- لا حظوظ لأحلام العصافير في العراق
- أعيدوهم إلى بلدانهم
- لعيد الحب فواجع أيضا.
- مع من تحالف الحزب الشيوعي؟
- تخريف البرلمان العراقي عرته وزارة النفط
- في كردستان الارتشاء لأجل التظاهر
- أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي
- حول كتاب طالب عبد الأمير نوبل و -مثالية- الأدب
- محطات وشخوص في حياة الدكتور خليل عبد العزيز ج 2
- محطات وشخوص في حياة الدكتور خليل عبد العزيز1
- الوهابية والاخوان المسلمين، صراع الأخوة الأعداء هل يتحول لقت ...
- بوسترات
- كارل ماركس في العراق / الجزء الأخير
- كارل ماركس في العراق / الجزء الخامس والثلاثون
- كارل ماركس في العراق / الجزء الرابع والثلاثون
- كارل ماركس في العراق / الجزء الثالث والثلاثون
- كارل ماركس في العراق / الجزء الثاني والثلاثون
- كارل ماركس في العراق / الجزء الواحد والثلاثون


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - شارع المتنبي تغتاله بسطات الكتب