أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - مواسم نهاية الإرهاب















المزيد.....

مواسم نهاية الإرهاب


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5857 - 2018 / 4 / 26 - 00:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كأنَّ نهاية العنف الديني مواسم تأتي عقب أفول التنظيمات الإرهابية. فقد تظهر افتراضاً بالشتاء وتشتد خلال الربيع وتتساقط أوراقها عبر الخريف ثم تضعف مع بواكير الصيف توطئة لمراحل تالية. دورات زمنية ومكانية تحتاج إلى جغرافيا الموت والتطرف وإراقة الدماء لتفسير الفشل في بناء المجتمعات.

الفكرة السابقة أخذت في الإلحاح مع هزائم دولة الإسلام ( داعش ) على الأراضي العراقية والسورية ومن قبل الليبية ومن بعد المصرية، ليتجدد الكلام سياسياً وإعلامياً حول ذهاب التطرف باسم الدين كلما اندحر أحد أشكاله الدموية. ولتكملة المشهد الرومانسي راحت الأدمغة تحلق حول كون المرحلة التالية هي السلام والتعايش والحوار بلا عوائق. وأن الدواعش هم من قضوا على أجواء الحب والعشق التي كانت تسود البلاد والعباد والحيوانات والأشجار، ولم يكن ظهورهم إلاَّ " سوء قدر" غامض لا ندري من أين خرج ولا إلى أين المصير. قضوا على قصص الحب في بغداد وأحرقوا وريقات الغزل الحلبي والدمشقي وأرسلوا سحب الكآبة والدموع على القاهرة لتمرُق نحو شمال أفريقيا ودول الإتحاد الأوروبي.

هكذا الفكرة جاهلةٌ جهلاً مُطبقاً بما أنتج الإرهاب ( المقدمات) وبما أفرزه الإرهاب ( النتائج ) وما تركه من آثارٍ. وهي مقدمات ونتائج لم تنته بمواسم تمحو إحداها الأخرى دون اجتثاث جذوره. ولن يسهُل التعامل مع الظاهرة بهذا التسطيح الإعلاني الذي يبرز روحاً انهزامية أكثر من أي شيء سواه. فمن أقصر الطرق عندما نرى أية بوادر لخفوت صوت التفجيرات وعويل التكبيرات الدموية نقول: هاهو الإرهاب قد تراجع خلفاً، بينما هو يخو خطوات للخلف تمهيداً لزيادة شراسته وفتكه بالجميع.

النهاية حدٌّ قابل للتجدد لكن يظن المتابعُ أنَّه خطٌ فاصلٌّ بين سابق ولاحق. وقد يكون فجوة، مسافة تباعد بين الجانبين شكلياً ليس أكثر. بهذا المعنى كلما خفت أعمال الإرهاب، تتعالى الأصوات بكونها بدايةٌ مرحلة لم تكن لتأتي إلا بهذه الصورة. ونحن في الذهنية العربية لا نعمل إلا بتصنيف الظواهر وجدولتها. والإشارة ليست بعيدة في اعتبار المؤلفات نوعاً من" التصانيف" التي تميز كاتب عن كاتب، ومؤرخ عن مؤرخ...!!

لنتخيل إبداعات فكرية تُسمى تصنيفاً وتدبيجاً، لا لشيءٍّ سوى أنَّ الذهنية تقوم على سلطة " الفصل والعزل". وقد تدخلت سلطة كهذه في أدوات التفكير وطرائق الحياة والعيش وبناء المهارات مثل النقد والتحليل والمقارنة والاستدلال والاستنباط. وليس الأمر هيناً كما نتصور بل هو أحد مضخات التخلف وترسانته. التصنيف هو ثنائية الكفر والإيمان، الجنة والنار، الصق والكذب، الحقيقة والزيف، الحضور والغياب، الروح والجسد، دار الحرب ودار السلام.

إنَّ الهوس بالتصنيف لا يختلف عن الهوس بالقتل والإقصاء. وكأنَّ القائم بالإقصاء هو من يصنف أولاً تمهيداً للنيل من الضحايا. والشأن التالي أنْ يكون التصنيف ممتداً في هيئة سلوك يومي يخص العلاقة بالآخر. التصنيف ليس مجرد علاقة، لكنه مفاهيم ومقولات تأتي معاً كأنَّها أرتال من الأوهام التي تهاجم التفكير المغاير وتقمع حرية التحليق بعيداً. وغاية المجتمعات المتخلفة ربط أعضائها بسلاسل من القيود والثنائيات التي ترمي أحداها إلى الأخرى دون نهاية.

وتبلغ قمة الهوس أوجها باعتبار المشكلات ذات نهاية حدية. لكن المعرفة الإنسانية ليست تصنيفاً داخل مقولات بلا أعماق ولا علاقات غامضة. وقد تجاهلت الثقافة العربية هذه الفكرة لصالح التزييف والتعويم للمشكلات والأزمات. إن الثقافة الشائعة لم تعد تسير كلما اتفق وحسب، بل هي تضر أبلغ الضرر بمن يعيش داخلها. التشوه جزء لا يتجزأ من عمل الحياة اليومية في بلدان العرب وقد استطالت لتغرق السياسة والتعليم والإعلام والفكر.

ذهنية التصنيف أخطر ذهنية في تاريخ الفكر العربي الإسلامي. لكونها أنتجت أشكالاً من المعارف التقليدية بحيث رأينا شيوخ وفقهاء ومؤرخين ومريدين كل أعمالهم مجرد فرز قضايا ومسائل وأحداث تم تصنيفها وتبويبها بأساليب معينة. وتصبح قمة التصنيف كلما كانت القضايا والآراء مطابقة للمذاهب الأم التي انطلقت منها، ليأتي الخلف على خطة أعظم سلف بطريقة آلية.

وتأتي الدائرة الأوسع من الذهنية المتمثلة في الوعي الشعبي باعتبار هؤلاء المصنفين شيوخاً ومفكرين وجهابذة وأقطاباً. رغم أنهم لم يقدموا شيئاً سوى التأثيل عن السابقين والتشجير عن جذور مغروسة. أما الكارثة فإنه يتم نسيان الأصول ثم تتراكم المعطيات السياسية والاجتماعية على الفروع وفروع الفروع، وفجأة تصبح المصنفات رموزاً بحد ذاتها وتنشأ الاتجاهات والجماعات من جديد.

كلُّ ذلك لا يختلف عن القول بكون العنف الديني قد انتهى. الذهنية التي تصنف دون رؤية حقيقية هي الذهنية ذاتها الغارفة في أوهام الحقائق المطلقة مقابل الشؤون النسبية، أوهام تقدس الشيوخ والنصوص دون فهم لحركة الحياة والتاريخ. هل التقديس سيبني مجتمعاً جديداً وعقولاً مختلفة؟ كيف سيمارس الناس حياتهم ليجدوا أن هناك طبقة علياً من المحرمات والمحظورات الثقافية التي لا تُمس؟!

الدواعش مجرد قناع حديث جداً لأصول تاريخية قديمة جداً جداً، والسبب أنهم وجوه لكون الأصول رسخت تداعياتها ورؤاها للعالم والدين بشكل عميق وواسع النطاق. في الحيوات العربية والإسلامية ليس شرطاً أن يظهر الدواعش بمسماهم ولا بأفعالهم الفجة، هناك جماعات وأحزاب وعائلات وقبائل ودول هي أشد تدميراً لمجتمعاتها بهذا اللون الإرهابي أو ذاك.

ما الفارق بين داعش والقاعدة والإخوان والسلفية... وهي كيانات بارزة تتبادل الأدوار على السطح، والمتابع بدقة سيدرك أن ما يتجلي بهذا القناع الدموي يوجد ما يماثله لدى الأفراد والمجموعات الجزئية أيضاً داخل دهاليز المجتمعات العربية. إنَّ الاثنين ( التنظيمات والأفراد) يؤمنون بسير القادة الإسلاميين وفتوحاتهم، الذين ذبحوا وأبادوا اليهود والمسيحيين والزرادشت والأيزيديين وغيرهم. وهما نفسهما من يعتبرون آيات الجهاد والقتل باسمه أولى من أية آيات أخرى، لأن الشوكة والغلبة لن تحصلان إلاَّ بهذه الطريقة.

حقاً القول بنهاية العنف الديني هو اختزال لتاريخ طويل من التقاليد والعادات التي تعيد إنتاج الإرهاب، مثل تسييس الدين لصالح المؤسسات الحاكمة في مجتمعاتها ومثل نشر الدين الشعبوي القائم على السذاجة والعبودية والفقر والخنوع. لأن الذي يجعل الحاكم يحكم بما انزل الله وينصُ في دستوره على اتخاذ ذلك سبيلاً لإخضاع مواطنيه كان الإرهابيون هم الأولى به معتبرين العودة إلى أصوله أجدر من غيرها. وربما الاختلاف أنَّ الحاكم العربي يجلس في قصره محاطاً بمظاهر الحداثة بينما خليفة المسلمين المعاصر يجلس في الصحراء بين الحفر. لقد ينتظر الفرصة للانقضاض على كرسي الحكم. ولو سألته: لماذا يحارب المجتمعات التي يحيا وسطها، ولماذا تعتبر مواطنيك كفاراً، لقال: إنَّه يريد أولاً تنقية الصفوف من المرتدين والخونة والعصاة قبل مواجهة الكفار أعداء الدين. لأن الله لن ينصرنا إزاء أعداء الخارج ما لم نغربل ذواتنا من أهل النفاق والعملاء بالداخل!!

لذلك تجد الجهاديين يتجهون بأهدافهم صوب المواطنين العاديين. يقنصون عيونهم وصدورهم، هذا هو الحل الأمثل من وجهة نظرهم لحل مشكلات الدين والسياسة. ولكن ذلك الوضع في حد ذاته يدعو للسخرية، كمن يريد أن يشعل النيران في عدوه فينهض مشعلاً النيران في نفسه أولاً ثم يطارد عدوه وهو يحترق حتى الموت ثانياً. أي عقل قزم يحاول إفهامناً قدرته على التفكير بتلك الطريقة؟ وقدرتنا الفارغة على أن نقول بنهاية العنف؟

والمؤكد أنَّ الإرهابيين لن يكفوا عن ممارسة أعمالهم العنيفة، وعن تفريخ جيناتهم المكتملة في أشخاص وأدمغة تتحرك بشحمها ولحمها، ونحن بالمقابل لن نكف عن سوء الفهم تجاههم كظاهرة دينية سياسية. وحل الخيطين المعقدين أمر غير وارد إلاَّ بتثوير التراث ونسفه عن دراسةٍ وتفكيكٍ ومساءلةٍ عميقة لا تهدأ ولا تتورع من أية قيود.

ليس المجتمع والإرهاب بمنفصلين إزاء بعضهما البعض كما نتوهم. وكذلك مدونات الإرهاب غير منفصلة عن حركة الدين والمعتقدات، لذلك بمقدار سنوات عتَّقت وجوده وأعطته سرياناً صامتاً في كافة الأنشطة سنحتاج سنوات وسنوات حتى ندرك ما يحدث!! لقد بلغت ظاهرة الإرهاب أن عرت المجتمعات العربية بالإجمال حتى انكشف عظمها وهيكلها. وبالسلب والإيجاب يتحرك بها كيان المجتمع ككل. فالسياسات المستبدة تبرر وجودها بأنها تحارب الإرهاب ولا بد من إغلاق المجال العام لكيلا ينمو وينتشر، والإرهاب بالمقابل يتسلق الأدمغة باعتبار الدولة هي العقبة أمام الدين!!

تلك الإحالة المتبادلة هي أقرب نقطة لضرورة إعادة النظر في طبيعة المجتمعات العربية من جهة معتقداتها وتاريخها ونشأة الظواهر لديها أيا كانت. الإرهاب ليس ظاهرة بالصدفة حتى يقال بصددها مصطلح النهاية، إنه بنية وجود وحركة عقول ومنشأ ذهنيات وتاريخ معتقدات ورؤى طويلة الأمد للثقافة والعالم والحياة. وإذا لم يكن ممكناً التحكم في منشأ الإرهاب، فيجب بالأقل ألاَّ يكون فهمنا له مشوهاً وتبعيضياً كأنه سُحب غابرة تدفعها نسائم ربيعية آتية لا محالة.

هذا هو التخريف الثقافي والسياسي لا محالة، إنَّ الخفة الهزلية في فهم الظواهر هو قتل مقصود أيضاً ضد مستقبل المجتمعات. ولذلك تجد الأنظمة العربية الحاكمة تسخر من مواطنيها في شكل إعلان النهايات التي تزعم قضاءً على الظواهر الضارة. هل هناك ظواهر إنسانية مدمرة تنتهي دون تبعات على معلنيها كاللعنات التي تلاحق ضحاياها؟ إذا لم تكن تلك الأنظمة مشاركة قدماً بقدم بتلك الظواهر أو جزءاً من اللعبة، فلماذا لا تطرح معالجات حقيقية لأصول الداء لا دوراته الزمنية فقط!!



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَقُولةُ الموتِ الذكِّي
- الموت مُقابل الموت!!
- القَرْعَّةُ وبِنت أُختِّها
- أرضُ الجُنون
- حين يفهم القارئُ برجليه
- حيوانُ السياسةِ يقتلُ شعبه
- أشباح الثورات تطارد الشعوب
- اختراعٌ اسمه الكذب
- ميتافيزيقا الارهاب: الصراع الأزلي (6)
- سؤال الأرض
- ميتافيزيقا الارهاب: الجماعة المستحيلة (5)
- ميتافيزيقا الإرهاب: الله والتكفير (4)
- ميتافيزيقا الإرهاب: أنا الحقيقة (3)
- سارق النوروز!!
- ميتافيزيقا الإرهاب: القطيعة والاعتقاد (2)
- ميتافيزيقا الإرهاب (1)
- التَّحرُش الجنسِي كمظهرٍ تعويضي
- ماذا وراء التحرُش الجنسي ؟!!
- الهرْش الديني: في حساسية الاعتقاد!!
- فلاَّحٌ في حقلِّ الديمقراطية


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - مواسم نهاية الإرهاب